نحن في دار العمل فكم من دفين في المقابر يتمنى الرجعة ليعمل صالحًا، ألا فمن كان خاطبًا للجنة فليعمل لها فإنه يقال لهم يوم القيامة (ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ)؛ فإن العمل سبب لنيل رحمة الله التي بها يدخل الناس الجنة، ولنعلم أن الجنة حُفَّت بالمكاره فمن أراد الجنة فليتقحم المكاره وليصبر وليصابر عله أن يكون من المفلحين. كان أبو عبيدة-رضي الله عنه- يسير في العسكر فيقول: "ألا رب مبيض لثيابه مدنِّس لدينه! ألا رب مكرم لنفسه وهو لها مهين! بادروا السيئاتِ القديمات بالحسنات الحديثات".
الحمد لله الذي جعل جنات الفردوس لعباده المؤمنين نزلاً، ونوّع لهم الأعمال الصالحة ليتخذوا منها إلى تلك الجنان سبلاً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له خلق الموت والحياة ليبلونا أينا أحسن عملاً.
وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله الذي شمر للحاق بالرفيق الأعلى، والوصول إلى جنات المأوى ولم يتخذ سواها شغلاً، صلى الله عليه وعلى آله الأطهار وصحابته الأبرار الذين عطروا الكتب بسيرهم الزاكية فلم يدعوا للكسالى عذرًا، وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد: عباد الله: خلق الله الخلق، وكلفهم بما فيه مصالحهم وقوام عيشهم، ورتَّب الجزاء على قدر السير على المنهج القويم والاعوجاج عنه، وجعل في الآخرة دارين فيهما تنتهي رحلة العالمين، إما جنة فيها نعيم مقيم أو نار تلظى لا يصلاها إلا الأشقى.
معاشر المسلمين: حديثنا اليوم عن دار الأبرار -جعلنا الله وإياكم منهم بمنّه وكرمه-، وهي لا يأتي عليها الوصف، ولكن نعرض لبعض ما ورد في ذلك.
عباد الله: إن الناس إذا وردوا على الصراط، تساقط في النار من كتب له ذلك، ونجا المتقون كما قال تعالى: (ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا) [مريم: 72]، فمن عبر الصراط دخل الجنة إلا أنهم قبل ذلك يوقفون على قنطرة ليقتص بعضهم من بعض، وذلك لكمال عدل الله تعالى، ونتيجة القصاص هو تفاوتهم في درجات الجنة كما أخرج البخاري في صحيحه من حديث أبي سعيد -رضي الله عنه- قال -صلى الله عليه وسلم-: "إذا خلص المؤمنون من النار حبسوا بقنطرة بين الجنة والنار فيتقاصون مظالم كانت بينهم في الدنيا، حتى إذا نُقُّوا وهُذِّبوا أذن لهم بدخول الجنة، فوالذي نفس محمد بيده لأحدهم بمسكنه في الجنة أدل منه بمسكنه كان في الدنيا".
معاشر الأحبة: إن من عقيدة أهل السنة والجماعة على مفهوم سلفنا الصالح أن الجنة والنار موجودتان مخلوقتان، دلت على ذلك نصوص الكتاب والسنة، فمن ذلك قوله تعالى عن الجنة (أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ) [آل عمران: 133] وعن النار (أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ) [آل عمران: 131] والإعداد هو الإيجاد والتهيئة.
ومنها رؤية النبي -صلى الله عليه وسلم- للجنة والنار لما عرج به إلى ملكوت السموات. قال الإمام الطحاوي: "والجنة والنار مخلوقتان لا تفنيان أبدًا ولا تبيدان، فإن الله تعالى خلق الجنة والنار قبل الخلق وخلق لهما أهلاً، فمن شاء منهم إلى الجنة فضلاً منه ومن شاء منهم إلى النار عدلاً منه". اهـ.
عباد الله: لا يدخل الجنة أحد إلا بعد شفاعة النبي -صلى الله عليه وسلم- أخرج مسلم في صحيحه من حديث أنس -رضي الله عنه- قال -صلى الله عليه وسلم-:"آتي باب الجنة فأستفتح فيقول الخازن: من أنت؟ فأقول: محمد فيقول: بك أمرت أن لا أفتح لأحد قبلك".
فإذا دخل أهل الجنةِ الجنةَ فلا تسل عما يبهج نفوسهم ويقر أعينهم، أخرج البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة-رضي الله عنه- قال -صلى الله عليه وسلم- قال الله تعالى: "أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر"، اقرءوا إن شئتم (فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) [السجدة: 17].
وأخرج ابن جرير من كلام ابن عباس -رضي الله عنهما-: "قال ليس في الجنة مما في الدنيا إلا الأسماء".
وأخرج ابن أبي شيبة في مصنفه من طريق عاصم بن ضمرة قال: سمعت علي بن أبي طالب-رضي الله عنه- يقول: (وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا) [الزمر: 73]، حتى إذا انتهوا إلى باب من أبواب الجنة وجدوا عند بابها شجرة تخرج من تحت ساقيها عينان فيأتون إحداهما كأنما أمروا بها فيتطهرون فيها فتجري عليهم نضرة النعيم. قال: فلا تتغير أبشارهم بعدها أبدًا، ولا تشعث شعورهم بعدها أبدًا كأنما دهنوا، قال: ثم يعمدون إلى الأخرى فيشربون منها فتذهب ما في بطونهم من أذى وقذى، وتتلقاهم الملائكة فيقولون: سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين.
قال: ويتلقى كلُ غلمان صاحبَهم يطيفون به فعل الولدان بالحميم يقدم من الغيبة يقولون: أبشر قد أعد الله لك من الكرامة كذا، ويسبق غلمانٌ من غلمانه إلى أزواجه من الحور العين فيقولون: هذا فلان باسمه في الدنيا قد أتاكن، قال: فيقلن أنتم رأيتموه؟ فيقولون: نعم. قال فيستخفهن الفرح حتى يخرجن إلى أسكفة الباب، قال: ويدخل الجنة، فإذا نمارق مصفوفة وأكواب موضوعة، وزرابي مبثوثة، فيتكئ على أريكة من أرائكه قال: فينظر إلى تأسيس بنيانه، فذا قد أُسس على جندل اللؤلؤ بين أصفر وأحمر وأخضر، ومن كل لون، قال ثم يرفع طرفه إلى سقفه فلولا أن الله قدره له لألم بصره أن يذهب بالبرق، ثم قرأ (وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ) [الأعراف: 43].
أيها المؤمنون: أما أول زمرة تدخل الجنة فلا تسل عن حسنهم ونورهم.
أخرج البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- قال -صلى الله عليه وسلم-: "إن أول زمرة يدخلون الجنة على صورة القمر ليلة البدر، ثم الذين يلونهم على أشد كوكب دري في السماء إضاءةً؛ لا يبولون، ولا يتغوطون، ولا يتفلون، ولا يتمخطون، أمشاطهم الذهب، ورشحهم المسك، ومجامرهم الألوة، وأزواجهم الحور العين، أخلاقهم على خلق رجل واحد على صورة أبيهم آدم ستون ذراعًا في السماء".
عباد الله: إن من رحمة الله أن وهب لهذه الأمة مزية عظيمة وهبة جسيمة، وهي أنه يدخل الجنة منهم فئام من الناس بلا حساب ولا عذاب، أخرج مسلم في صحيحه من حديث ثوبان-رضي الله عنه- قال -صلى الله عليه وسلم-: "ليدخلن الجنة من أمتي سبعون ألفًا لا حساب عليهم ولا عذاب، مع كل ألف سبعون ألفًا".
وأخرج البخاري ومسلم من حديث سهل بن سعد-رضي الله عنه- قال -صلى الله عليه وسلم-: "ليدخلن الجنة من أمتي سبعون ألفًا أو سبعمائة ألف متماسكون آخذ بعضهم بيد بعض لا يدخل أولهم حتى يدخل آخرهم وجوههم على صورة القمر ليلة البدر".
اللهم إنا نسألك الجنة وما يقرب إليها من قول وعمل.......
الحمد لله رب العالمين..
أما بعد معاشر المسلمين: عجبًا لخاطب الحسناء كيف لا يجود بالمهر، بل عجبًا لمن سمع وصف الجنة كيف لا يطلبها كل مطلب، وقد مدحها الرب وشوَّق إليها بما لا مزيد عليه، فاسمع إلى شيء من ذلك، أخرج الإمام أحمد من حديث عبادة بن الصامت -رضي الله عنه- قال -صلى الله عليه وسلم-: "في الجنة مائة درجة ما بين كل درجتين كما بين السماء والأرض والفردوس أعلاها درجة، ومنها تفجر أنهار الجنة الأربعة، ومن فوقها يكون العرش، فإذا سألتم الله فسلوه الفردوس".
وأما بناؤها، فأخرج الإمام أحمد من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-قال -صلى الله عليه وسلم-: "الجنة بناؤها لبنة من فضة ولبنة من ذهب، وملاطها المسك الأذفر، وحصباؤها اللؤلؤ والياقوت، وتربتها الزعفران، من يدخلها ينعم لا يبأس، ويخلد لا يموت لا تبلى ثيابهم ولا يفنى شبابهم".
وأما أشجار الجنة فمن ذهب وفضة، أخرج الترمذي من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- قال -صلى الله عليه وسلم-: "ما في الجنة شجرة إلا وساقها من ذهب".
وأخرج البخاري ومسلم من حديث أبي موسى -رضي الله عنه- قال -صلى الله عليه وسلم-: "جنتان من فضة آنيتهما وما فيهما وجنتان من ذهب آنيتهما وما فيهما، وما بين القوم وبين أن ينظروا إلى ربهم إلا رداء الكبرياء على وجهه في جنة عدن".
ومن أعظم شجر الجنة طوبى، أخرج الإمام أحمد من حديث أبي سعيد-رضي الله عنه- قال -صلى الله عليه وسلم-: "طوبى شجرة في الجنة مسيرة مائة عام، ثياب أهل الجنة تخرج من أكمامها".
وأخرج البخاري ومسلم من حديث سهل بن سعد-رضي الله عنه- قال -صلى الله عليه وسلم-: "إن في الجنة لشجرة يسير الراكب الجواد المضمر السريع في ظلها مائة عام ما يقطعها".
كما أن في الجنة سوقًا يجتمع فيه أهل الجنة، أخرج مسلم في صحيحه من حديث أنس -رضي الله عنه- قال -صلى الله عليه وسلم-: "إن في الجنة لسوقًا يأتونها كل جمعة فيها كثبان المسك فتهب ريح الشَمال فتحثوا في وجوههم وثيابهم فيزدادون حسنًا وجمالاً فيرجعون إلى أهليهم وقد ازدادوا حسنًا وجمالاً، فيقول لهم أهلوهم: والله لقد ازددتم بعدنا حسنًا وجمالاً. فيقولون: وأنتم والله لقد ازددتم بعدنا حسنًا وجمالاً".
معاشر المسلمين: إن داخل الجنة له فيها ما تشتهي نفسه من النعيم بلا انقطاع أخرج الترمذي من حديث علقمة بن مرثد عن ابن بريدة عن أبيه-رضي الله عنه-قال جاء رجل إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: "يا رسول الله! إني أحب الخيل ففي الجنة خيل؟ قال: إن يدخلك الله الجنة فلا تشاء أن تركب فرسًا من ياقوتة حمراء تطير بك في أي الجنة شئت إلا ركبت، وأتاه رجل آخر فقال يا رسول الله: أفي الجنة إبل؟ قال: يا عبد الله إن يدخلك الله الجنة كان لك فيها ما اشتهت نفسك ولذت عينك".
وأخرج البخاري في صحيحه من حديثْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِي اللَّه عَنْه- أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يَوْمًا يُحَدِّثُ وَعِنْدَهُ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ اسْتَأْذَنَ رَبَّهُ فِي الزَّرْعِ فَقَالَ لَهُ: أَلَسْتَ فِيمَا شِئْتَ؟ قَالَ: بَلَى، وَلَكِنِّي أُحِبُّ أَنْ أَزْرَعَ، قَالَ: فَبَذَرَ فَبَادَرَ الطَّرْفَ نَبَاتُهُ وَاسْتِوَاؤُهُ وَاسْتِحْصَادُهُ، فَكَانَ أَمْثَالَ الْجِبَالِ، فَيَقُولُ اللَّهُ: دُونَكَ يَا ابْنَ آدَمَ فَإِنَّهُ لَا يُشْبِعُكَ شَيْءٌ".
وأخرج الترمذي من حديث أبي سعيد -رضي الله عنه- قال -صلى الله عليه وسلم-: "المؤمن إذا اشتهى الولد في الجنة كان حمله ووضعه وسنه في ساعة واحدة كما يشتهي".
معاشر المؤمنين: لكل رجل في الجنة زوجتان من الحور العين، أخرج الترمذي من حديث أبي سعيد-رضي الله عنه- قال -صلى الله عليه وسلم-: "لكل رجل منهم زوجتان على كل زوجة سبعون حلة يبدو مخ ساقها من ورائها".
وأما وصف نساء أهل الجنة فلا تسل فلا يصفها الواصفون، أخرج الترمذي من حديث أنس -رضي الله عنه- قال -صلى الله عليه وسلم-: "لو اطلعت امرأة من نساء أهل الجنة إلى الأرض لملأت ما بينهما ريحًا ولأضاءت ما بينهما ولنصيفها على رأسها خير من الدنيا وما فيها".
وفي رواية للبزار "لملأت الأرض ريح مسك"، وفي رواية أحمد وابن حبان "وإن أدنى لؤلؤة عليها لتضيء ما بين المشرقين".
وعند البزار: "ولو أن امرأة من نساء الجنة تشرف على الأرض لذهب ضوء الشمس والقمر".
معاشر المسلمين: إن الداخل للجنة لا خوف عليه ولا يكون من المحزونين، أخرج مسلم من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- قال -صلى الله عليه وسلم-: "من يدخل الجنة ينعم فيها لا يبأس لا تبلى ثيابه ولا يفنى شبابه".
وهو مع ذلك لا يخشى من زوال هذا النعيم فلا يكدره الموت ولا الانتقال، أخرج البخاري ومسلم من حديث أبي سعيد -رضي الله عنه- قال -صلى الله عليه وسلم-: "إذا دخل أهل الجنة الجنةَ وأهل النار النارَ يجاء بالموت كأنه كبش أملح فيوقف بين الجنة والنار، فيقال: يا أهل الجنة هل تعرفون هذا؟ فيشرئبون فينظرون ويقولون: نعم هذا الموت، وكلهم قد رآه ثم ينادى: يا أهل النار هل تعرفون هذا؟ فيشرئبون فينظرون فيقولون: نعم هذا الموت، وكلهم قد رآه، فيُؤمر به فيُذبح، ويقال: يا أهل الجنة خلود ولا موت، ويا أهل النار خلود ولا موت".
أخرج مسلم من حديث أبي هريرة-رضي الله عنه- قال-صلى الله عليه وسلم-: "ينادي مناد: إن لكم أن تصحوا فلا تسقموا أبدًا، وإن لكم أن تحيوا فلا تموتوا أبدًا، وإن لكم أن تشبوا فلا تهرموا أبدًا، وإن لكم أن تنعموا فلا تبأسوا أبدًا".
معاشر المؤمنين: وأما أنهار الجنة فهي تجري من تحتها يفجرونها تفجيرا (مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آَسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى وَلَهُمْ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ) [محمد: 15]، وأخرج مسلم من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- قال -صلى الله عليه وسلم-: "سيحان وجيحان والفرات والنيل كل من أنهار الجنة".
وأخرج الإمام أحمد من حديث عبد الله بن عمر-رضي الله عنهما- قال -صلى الله عليه وسلم-: "الكوثر نهر في الجنة حافتاه من ذهب، ومجراه على الدر والياقوت، تربته أطيب ريحا من المسك، وماؤه أحلى من العسل وأشد بياضا من الثلج".
عباد الله: لنعرف عظيم نعيم الجنة فلنسمع إلى أدنى أهل الجنة منزلة، وليس فيهم دنيّ أخرج مسلم في صحيحه من حديث المغيرة بن شعبة-رضي الله عنه- قال -صلى الله عليه وسلم-: "سأل موسى ربه ما أدنى أهل الجنة منزلة؟ قال: هو رجل يجيء بعد ما أدخل أهل الجنةِ الجنة فيقال له ادخل الجنةَ، فيقول: أي رب كيف وقد نزل الناس منازلهم وأخذوا أخذاتهم؟! فيقال له: أترضى أن يكون لك مثل مُلك ملِك من ملوك الدنيا؟ فيقول: رضيت رب، فيقول: لك ذلك ومثله، ومثله، ومثله، ومثله، فقال في الخامسة: رضيت رب فيقول: هذا لك وعشرة أمثاله، ولك ما اشتهت نفسك ولذت عينك، فيقول رضيت رب".
وأما أعلى نعيم في الجنة فهو النظر إلى وجه الرب سبحانه، أخرج أحمد في مسنده وأصله عند مسلم من حديث صهيب -رضي الله عنه- قال -صلى الله عليه وسلم-: "إذا دخل أهل الجنة الجنةَ وأهل النار النارَ نادى مناد: يا أهل الجنة إن لكم عند الله موعدًا يريد أن ينجزكموه. فيقولون: وما هو؟ ألم يثقل الله موازيننا، ويبيض وجوهنا، ويدخلنا الجنة، وينجنا من النار؟ فيكشف الحجاب فينظرون إليه فوالله ما أعطاهم الله شيئًا أحب إليهم من النظر إليه ولا أقر لأعينهم.
أيها المؤمنون: نحن في دار العمل فكم من دفين في المقابر يتمنى الرجعة ليعمل صالحًا، ألا فمن كان خاطبًا للجنة فليعمل لها فإنه يقال لهم يوم القيامة (ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) [النحل: 32].
فإن العمل سبب لنيل رحمة الله التي بها يدخل الناس الجنة، ولنعلم أن الجنة حُفَّت بالمكاره فمن أراد الجنة فليتقحم المكاره وليصبر وليصابر عله أن يكون من المفلحين. كان أبو عبيدة-رضي الله عنه- يسير في العسكر فيقول: "ألا رب مبيض لثيابه مدنِّس لدينه! ألا رب مكرم لنفسه وهو لها مهين! بادروا السيئاتِ القديمات بالحسنات الحديثات".
قال ابن القيم:
يا سلعة الرحمن لست رخيصة *** بل أنت غالية على الكسلان
يا سلعة الرحمن ليس ينالها *** في الألف إلا واحد لا اثنان
يا سلعة الرحمن أين المشتري *** فلقد عرضت بأيسر الأثمان
يا سلعة الرحمن هل من خاطب *** فالمهر قبل الموت ذو إمكان
أيها الناس: إن الدنيا أجل حاضر يأكل منها البر والفاجر، وإن الآخرة أجل مستأخر يحكم فيها ملك قادر، ألا وإن الخير كله بحذافيره في الجنة، وإن الشر كله بحذافيره في النار.
فسددوا وقاربوا، فعما قليل تزول بهارج الدنيا، وينتقل العبد إلى الدار الآخرة، فعنده يعلم عين اليقين.
اللهم إنا نسألك الجنة ونعيمها برحمتك..
اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات، وألِّف بين قلوبهم، واهدهم سبل السلام وأخرجهم من الظلمات إلى النور يا أرحم الراحمين.
اللهم فرج عن المستضعفين..
اللهم صلِّ على النبي الأمين وعلى آله الطيبين الطاهرين وعلى صحابته الكرام الميامين وعلى التابعين وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيراً.
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي