مهمات في أحكام الغسل

علي باوزير
عناصر الخطبة
  1. أهمية الصلاة ومكانتها .
  2. اشتراط الطهارة للصلاة وجهل بعض المسلمين بذلك .
  3. أقسام الطهارة والحدث .
  4. المقصود بالغسل وجهل بعض المسلمين بالأسباب الموجبة له .
  5. موجبات الغسل وأسبابه وبعض أخطاء الناس المتعلقة بذلك .
  6. صفة الغسل من الحدث الأكبر .
  7. تعلم أحكام الغسل .

اقتباس

هذه الصلاة -أيها الأحباب- قد جعل الله لها أحكاما، ووضع لها آدابا وشروطا، لا تصح الصلاة إلا بها، ولا تكمل إلا بتحقيقها، ومن أهم هذه الشروط وأشهرها: شرط الطهارة الذي لا يقبل الله صلاة إلا به. ومع أهمية هذا الشرط إلا...

الخطبة الأولى:

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له؛ وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلَّى الله عليه وعلى آله وسلم.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران: 102].

(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء: 1].

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب: 70 - 71].

أما بعد:

فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد --صلى الله عليه وسلم--، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

وبعد:

أيها المسلمون -عباد الله-: الصلاة من أجل العبادات الشرعية، ومن أعظم الطاعات والقربات، ركن من أركان الإسلام، وأصل من أصوله العظام، لا نجاة بين يدي الله إلا بها، ولا فوز ولا فلاح يوم القيامة إلا بتحقيقها.

هي العهد الذي أخذه الله -سبحانه وتعالى- على المؤمنين، وجعلها فارقة بينهم وبين الكافرين والمشركين والملحدين.

هي شعار أهل الإسلام، وأجل علامة على أهل الإيمان.

وهذه الصلاة -أيها الأحباب- قد جعل الله -سبحانه وتعالى- لها أحكاما، ووضع لها آدابا وشروطا، لا تصح الصلاة إلا بها، ولا تكمل إلا بتحقيقها، ومن أهم هذه الشروط وأشهرها: شرط الطهارة الذي لا يقبل الله -سبحانه وتعالى- صلاة إلا به، جاء في الصحيحين عن أبي هريرة -رضي الله عنه وأرضاه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ".

وفي صحيح مسلم عن ابن عمر -رضي الله عنهما- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "لا صلاة إلا بطهور" أي لا تصح الصلاة إلا إذا كان هناك قبلها طهور ووضوء يزيل الحدث ويرفعه.

ومع أهمية هذا الشرط -أيها الأحباب- إلا أن كثيرا من المسلمين -وللأسف الشديد- يجهلون كثيرا من الأحكام المتعلقة بالطهارة، ويسيؤون فهمها وتطبيقها، وهذا بدورها يؤدي إلى الخلل في الصلاة، وربما يؤدي إلى فساد الصلاة إذا لم يكن الطهور تاما، وإذا لم يكن صحيحا، فإنه لا صحة ولا كمال للصلاة.

ولهذا كان لابد من التنبيه على أحكام الطهارة حتى تصح طهارة المسلم فتصح صلاته بعد ذلك.

ونحن نريد أن نتحدث عن شيء من هذه الأحكام المهمة التي لابد لكل مسلم من معرفتها، والعلماء -أيها الأحباب- قسموا الطهارة إلى قسمين: طهارة خبث، وطهارة حدث.

أما طهارة الخبث، فيقصدون بها إزالة ما يطرأ على الإنسان من نجاسة في بدنه أو في ثوبه أو في مكان صلاته، ونحو ذلك.

هذه طهارة الخبث، ولنا حديث عنها سيأتي -إن شاء الله-.

وهناك طهارة حدث، وهي الغسل أو الوضوء أو التيمم عند فقد الماء لأجل أن يتهيأ الإنسان ويكون جاهزا وصالحا لأداء الصلاة.

ونحن سنتحدث عن هذا القسم عن طهارة الحدث وخصوصا -أيها الأحباب- سنتحدث في هذه الخطبة عن الغسل لأهميته، ولوقوع الخطأ في أحكامه عند بعض المسلمين.

فأقول -أيها الأحباب-: الحدث الذي يمنع صحة الصلاة ينقسم إلى قسمين: إلى حدث أكبر، وإلى حدث أصغر.

أما الحدث الأكبر، فلا يرفعه إلا الغسل، وأما الحدث الأصغر، فيكفي في رفعه الوضوء والتيمم يقوم مقامهما عند فقد الماء -كما سيأتي معنا إن شاء الله-.

والمقصود بالغسل -أيها الأحباب- هو أن يفيض الإنسان الماء على جميع بدنه، فيعمم الماء على جسده، ويوصله إلى كل أجزاء بدنه بنية رفع الحدث عن بدنه، وهذا أمر سهل وأمر يسير، ولكن بسبب الجهل عند كثير من المسلمين وقع الخطأ فيه.

ومن الأخطاء التي يقع فيها كثير من المسلمين: أنهم يجهلون الأسباب الموجبة للغسل، فبعض المسلمين لا يعرفون متى يجب عليهم أن يغتسلوا، ومتى يكون الحدث الأكبر الذي يوجب الغسل.

وباختصار: الحدث الأكبر يحصل لأحد أمور:

أولها: الجنابة.

وثانيها: الحيض، والنفاس، والولادة، بالنسبة للمرأة، وهذا باختصار شديد.

أما الجنابة -أيها الأحباب- فحصولها يكون بأحد أمرين اثنين: إما بحصول الجماع بين الرجل والمرأة، أو بخروج المني الذي يكون منه الولد، فإذا حصل أحد الأمرين وجب عند ذلك الغسل.

وهنا يقع خلط عند البعض فيتصور أن الغسل لا يجب إلا بخروج المني فقط، فربما جامع الرجل زوجته ولم يخرج منه شيء فيظن أن الغسل غير لازم له، وهذا تصور غير صحيح.

في الصحيح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه وأرضاه- أنه قال: "إذا جلس -يعني الرجل- بين شعبها الأربع -أي المرأة- ثم جهدها فقد وجب الغسل".

وفي لفظ لمسلم: "وإن لم يُنـزل".

جاء أبو موسى الأشعري -رضي الله عنه وأرضاه- إلى أم المؤمنين عائشة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال لها: إني أريد أن أسألك عن شيء وإني أستحي؟ فقالت: اسأل ولا تستح فإنما أنا أمك، فسألها -رضي الله عنه وأرضاه- عن الرجل يغشى أن يجامع أهله ولا ينزل. فقالت رضي الله عنه عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إذا أصاب الختان الختان فقد وجب الغسل"، ويعني بالختان محل الختان وهو الفرج، فإذا حصل هذا وجب الغسل حتى وإن لم يحصل خروج شيء من الإنسان.

كذلك أيضا إذا خرج المني دون حصول جماع، فإنه كذلك يلزمه الغسل، يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إنما الماء -يعني به ماء الاغتسال- من الماء" أي من الماء الذي يخرج من الإنسان وهو الماء الذي ينعقد منه الولد.

وجاءت أم سليم وقالت: يا رسول الله إن الله لا يستحي من الحق فهل على المرأة إذا هي احتلمت هل عليها غسل؟ فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "نعم إذا رأت الماء".

والمقصود بالاحتلام أي أن يرى الإنسان في نومه أنه يفرغ شهوته، فإذا رأى الماء ووجد أثر البلل فقد وجب عليه الغسل.

ومن المسائل المهمة المتعلقة بهذا -أيها الأحباب-: أن بعض الشباب -هداهم الله وأصلحهم- يمارسون بما يسمى ب"العادة السرية"، وهي العادة السيئة، وهو أمر محرم في دين الله، الله -سبحانه وتعالى- يقول: (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاء ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ) [المعارج: 29 - 31].

لم يجعل موضعا لتفريغ الشهوة إلا هاتين الموضوعين: إما الزوجة أو ملك اليمين، وهذا لم يعد موجودا اليوم: (فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاء ذَلِكَ) أي من أراد أن يفرغ شهوته بوسيلة غير هذا: (فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ) أي المعتدون لحدود الله، والمتجاوزن لحدود الله، والواقعون في محارم الله.

ولهذا نص العلماء على تحريم هذه الفعلة بهذا الدليل، ولما فيها من الأضرار الجسدية والنفسية على الإنسان.

الشاهد -أيها الأحباب- أن بعض الشباب ربما يمارسون هذه الفعلة السيئة ثم لا يغتسلون ويصلون على حالهم، فتبطل صلاتهم بهذا؛ لأنهم يكونون قد صلوا وهم على حدث أكبر، وهذا ربما يغفل عنه بعض الشباب ويقعون بين مصيبتين: مصيبة إثم هذه الفعلة، ومصيبة إبطال الصلاة، وهي أشد وأعظم.

ومن المسائل المهمة كذلك: إذا رأى الإنسان في نومه واحتلم فإن أصبح ولم يرى بللا ولم يجد أثراً فإنه لا يلزمه الغسل، لكن إذا وجد أثرا وبللا فإنه يلزمه الغسل؛ كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم- لأم سليم حين سألته -كما مر بالحديث- قال: "نعم إذا رأت الماء" أي إذا استيقظت فوجدت أثر البلل وأثر خروج الماء، والرجل في هذا كالمرأة تماما.

من موجبات الغسل أيضا -أيها الأحباب-: الحيض، وهذا بالنسبة للنساء، فإذا انقضت مدة الحيض وانقطع الدم، وجب على المرأة أن تغتسل، يقول الله -تبارك وتعالى-: (وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىَ يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللّهُ) [البقرة: 222].

النبي -صلى الله عليه وسلم- تسأله فاطمة بنت حبيش -رضي الله عنها وأرضاه- يقول لها: "دعي الصلاة قدر الأيام التي كنت تحيضين فيها ثم اغتسلي وصلي" أي إذا انقضت المدة فاغتسلي بعد ذلك وصلي.

ومن المفاهيم الخاطئة الموجودة عند بعض الفتيات وبعض النساء: أن بعض النساء تظن أن الغسل من الحيض لا يلزم إلا بعد سن الخامسة عشر، ربما تحيض الفتاة في الحادية عشر، أو في الثانية عشر من عمرها، فلا يأمرها أهلها بالغسل ولا تغتسل حتى تبلغ سن الخامسة عشر ظنا منهم أن الغسل لا يلزم إلا في هذا السن، وهذا خطأ فادح؛ لأن هذه الفتاة ستمضي هذه السنوات تصلي وهي على غير طهارة؛ لأن الغسل لازم لها من أول مرة تحيض فيها مهما كان عمرها.

وهذا واجب الأسرة وواجب الأمهات على وجه الخصوص تعليم البنات أن هذا الغسل يلزمها من أول مرة تحيض فيها خاصة وأن بعض الفتيات ربما تحيض وتكتم هذا الأمر عن أهلها، فلا تخبرهم بما حصل لها فتبقى على جهلها تصلي وهي على غير طهارة.

فالتعليم في هذا واجب الأسرة وواجب الأمهات على وجه الخصوص.

ومثل الحيض كذلك -أيها الأحباب-: النفاس، فإذا انقطع دم النفاس عن المرأة وجب عليها أن تغتسل، وهنا أيضا تخطئ بعض النساء فتظن أن الغسل لا يلزمها إلا بعد مضي أربعين يوما، فربما انقطع دمها قبل الأربعين بكثير، فلا تغتسل حتى تمر أربعون يوما، وهذا خطأ أيضا، فإن الغسل من النفاس يلزم بمجرد انقطاع دم النفاس حتى ولو كان بعد يوم واحد من الولادة، ومدة الأربعين إنما هي أقصى مدة عند بعض العلماء، كما هو مذهب الإمام أبي حنيفة -رحمه الله-، وعند بعض العلماء كالشافعية أن أقصى مدة النفاس ستون يوما، أما إذا حصل الطهر قبل ذلك فإنه يلزمها الغسل، ولا تؤخر الغسل إلى هذه المدة كما يفعل بعض النساء جهلا منهن.

بارك الله لي ولكم في القرآن، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.

أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيدا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إقرارا به وتوحيدا، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، وسلم تسليما مزيدا.

وبعد:

أيها الأحباب الكرام: الغسل للحدث الأكبر -كما مر معنا- يكون بتعميم الماء على الجسد بأن يوصل الماء إلى جميع أجزاء جسده، وخصوصا الأماكن التي ربما لا يصل الماء إليها كمنابت الشعر، وكالأماكن التي تحت المفاصل ومعاطف الجسد يتأكد إيصال الماء إليها، والتثبت من غسلها حتى لا يبقى جزء من أجزاء الجسد إلا وقد وصله الماء؛ لأنه إذا بقي جزء من الجسد لم يصله الماء، فإن الغسل عند ذلك يكون غير صحيح ويؤدي هذا إلى بطلان الصلاة.

ومن ذلك أيضا: أن يتأكد الإنسان من عدم وجود مانع يمنع وصول الماء كالطلاء أو ما تستخدمه النساء من الألوان في الأظافر، ونحوها التي تمنع وصول الماء لابد من إزالتها قبل الاغتسال حتى يصل الماء إلى جميع أجزاء الجسد، وأكمل ما يكون في الغسل ما ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، فعن عائشة -رضي الله عنها وأرضاها- وهي تحكي لنا كيف كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يغتسل؟ قالت: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا اغتسل من الجنابة غسل يديه يبدأ بذلك ثم توضأ وضوءه للصلاة، يتوضأ كما يتوضأ للصلاة، فيغسل وجهه ويديه ورأسه ورجليه، ثم اغتسل، أي بعد أن يتوضأ يفيض الماء على جميع جسده، ويغسل كل بدنه، ثم يخلل بيديه شعره، حتى إذا ظن أنه قد أروى بشرته أفاض عليه الماء ثلاث مرات.

يعني يتأكد من وصول الماء إلى جذور ومنابت الشعر، ثم بعد أن يتأكد من هذا يفيض الماء على جسده ثلاث مرات؛ فعن ميمونة بنت الحارث زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- كذلك قالت: وضعت لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- وضوء الجنابة، أي الماء الذي سيغتسل به من الجنابة، فأكفأ بيميه على يساره مرتين، أي أخذ الماء وصبه بيمينه على كفه اليسرى ثلاث مرات، ثم غسل فرجه ليزيل ما يمكن أن يكون عليه من الآثار، ثم ضرب بيده الحائط أو الأرض، ربما يكون علق بيده شيء من القذر أو بنحوه، ثم ضرب به الأرض أي مسح به الأرض أو الحائط لإزالة ما يمكن أن يكون على يده، ثم تمضمض واستنشق وغسل وجهه وذراعيه، يعني توضأ وضوءه للصلاة ثم أفاض على رأسه الماء ثم غسل جسده.

أفاض على رأسه الماء، أي صب على رأسه حتى يتأكد من وصول الماء إليه، ثم بعد ذلك أفاض الماء على بقية أجزاء جسده.

والواجب -أيها الأحباب- عند ابتداء الغسل أن ينوي الإنسان بهذا الغسل رفع الجنابة أو رفع الحدث الأكبر لابد من النية، فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى".

قد يغتسل الإنسان ولا ينوي بهذا الغسل رفع الجنابة، فلا ترتفع الجنابة، ولا يحصل بذلك الطهارة، وربما اغتسل وفي منتصف غسله نوى أيضا لا ترتفع جنابته، بل لابد من النية من أول الغسل.

ومما يحصل كثيرا في يوم الجمعة خصوصا أن يكون الإنسان على جنابة، فيغتسل غسل الجمعة، وينوي به غسل الجمعة، ولا ينوي به غسل الجنابة، فلا ترتفع جنابته ولا يجزؤه هذا الغسل، بل إذا اغتسل يجب عليه أن ينوي غسل الجنابة، ويدخل معه نية غسل الجمعة، لكن أصالة لا تكون النية لرفع الجنابة حتى تتحقق له الطهارة.

ختاما -أيها الأحباب- وهذه الأحكام فيها تفصيلات كثيرة، والحديث عنها يطول، والواجب على المسلم أن يبحث وأن يتحرى وأن يسأل، فإن هذه أحكام مهمة لابد له من تعلمها، ولا يسع المسلم جهلها، ولا يجوز له أن يتساهل في هذا؛ لأن هذه من فروض الأعيان التي تجب على كل مسلم، ويجب على كل مسلم أن يسأل عنها وأن يتحرى فيها: (فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ) [النحل: 43].

والحمد لله صار العلم اليوم منتشرا سهلا ميسورا في المساجد، وفي الكتب، وفي الإنترنت، وعلى القنوات الفضائية، وفي غير ذلك، أصبح من السهل جدا أن يسأل الإنسان وأن يتحرى، وأن يبحث عن هذه الأحكام فإذا فرط في السؤال وتساهل في التعلم، فإنه قد لا يعذر عند الله -سبحانه وتعالى- يقول: أنا كنت جاهلا! كان بإمكانك أن تسأل.

من العجائب في هذه الأيام: رجل يأتي إلى أحد المشايخ، فيقول له: يا شيخ أنا لي أربعون سنة أصلي ولا أعرف شيء اسمه: غسل الجنابة؟! أربعون سنة على هذا الحال! لماذا لم تسأل؟ لماذا لا تتعلم؟ لماذا لم تبحث عن أحكام دينك كما تبحث عن رزقك ومعاشك؟!

فلا يجوز للمسلم أن يتساهل في هذا ولا يمنعه الحياء من السؤال، فإن لا حياء في الدين، تقول عائشة -رضي الله عنها وأرضها-: " نِعمَ النساءُ نساءُ ا?نصار لم يمنعهن الحياء أن يتفقهن في الدين" نساء لكن كن يبحثن عن الأحكام الشرعية ولا يمنعهن الحياء من ذلك.

نسأل الله -سبحانه وتعالى- أن يفقهنا في دينه...


تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي