لقد قسم العليم الحكيم الرزق على عباده؛ فمنهم من بسط له في رزقه، ومنهم من قدر عليه رزقه، وذلك لحكم عظيمة باهرة. قسم الله الرزق على عباده، ليعرفوا بذلك أنه المدبر لجميع الأمور، وأن بيده مقاليد السماوات والأرض، فهذا يوسع عليـه، والآخر يضيـق عليـه، ولا ...
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الغني الكريم الجواد، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله سيد المرسل، وخلاصة العباد، وأبلغ الناس في الزهد والورع، والشكر والصبر على أحكام الملك الجبار، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان آناء الليل والنهار، وسلم تسليما.
أما بعد:
أيها الناس: اتقوا الله -تعالى-: واعلموا أن الله له الحكمة البالغة في الخلق والتقدير، والتضييق على عباده والتيسير، وله الحكمة البالغة في الحكم والتشريع، فأحكام شريعته كلها عدل ورحمة وحكمة، مصلحة للعباد في دنياهم وأخراهم: (وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ)[المائدة: 50].
فله الحمد في منعه وعطائه.
وعلى العباد إذا وسع عليهم أرزاقهم: أن يشكروه، ويقوموا بما يجب عليهم في هذه الأرزاق.
وعلى العباد إذا قدرت عليهم أرزاقهم: أن يصبروا على تقدير الواحد الخلاق، فهم أعلم بمصالحهم، وهو أرحم بهم من أمهاتهم.
لقد قسم العليم الحكيم الرزق على عباده؛ فمنهم من بسط له في رزقه، ومنهم من قدر عليه رزقه، وذلك لحكم عظيمة باهرة، قسم الله الرزق على عباده، ليعرفوا بذلك أنه المدبر لجميع الأمور، وأن بيده مقاليد السماوات والأرض، فهذا يوسع عليـه، والآخر يضيـق عليـه، ولا راد لقضـائه وقدره: (يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاء وَيَقْدِرُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)[الشورى: 12].
بسط العليم الحكيم الرزق لبعض العباد، وضيقه على بعضهم، ليعتبروا بهذا التفاوت في الدنيا تفاوت ما بينهم في درجات الآخرة، فكما أن الناس في هذه الدنيا متفاوتون فمنهم من يسكن القصور المشيدة العالية، ويركب المراكب الفخمة الغالية، ويتقلب في ماله وأهله وبنيه في سرور وحبور، ومنهم من لا مأوى له ولا أهل ولا مال ولا بنون، ومنهم ما بين ذلك على درجات مختلفة، فإن التفاوت في درجات الآخرة أعظم وأكبر، وأجل وأبقى: (انظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً)[الإسراء: 21].
فإذا كانت الآخرة أكبر الدرجات وأكبر تفضيلا، فإنه ينبغي أن نتسابق إلى درجاتها العالية، وحياتها الباقية: (ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً)[الإسراء:35].
قسم الله الرزق بين عباده.
ليعرف الغني قدر نعمة الله عليه بالإيسار، فيشكره عليها، ويلتحق بالشاكرين، ويعرف الفقير ما ابتلاه الله به من الفقر، فيصبر عليه، وينال درجة الصابرين: (إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ)[الزمر: 10].
وهو مع ذلك لا يزال يسأل ربه الميسرة، وينتظر الفرج من رب العالمين.
قسم الله الرزق بين عباده لتقوم مصالحهم الدينية والدنيوية، فلو بسط الرزق لجميع العباد لبغوا في الأرض بالكفر والطغيان والفساد، ولو ضيق الرزق على جميعهم لاختل نظامهم، وتهاوت من معيشتهم الأركان، لو كان الناس في الرزق على درجة واحدة، لم يتخذ بعضهم بعضا سخريا، لم يعمل أحدهم للآخر صنعة، ولم يحترف له بحرفة؛ لأن الكل في درجة واحدة، فليس أحدهم أولى بهذا من الآخر.
أين الرحمة والعطف من الغني للفقير، إذا قدرنا أن الناس كلهم في درجة واحدة؟
أين الموقع العظيم الذي يحصل بصلة الأقارب بالمال إذا كان الكل في درجة واحدة؟
إن هذا وأضعافه من المصالح يفقد لو تساوى الناس في الأرزاق، ولكن الحكيم العليم قسم بينهم أرزاقهم، وأمر الأغنياء بالشكر والإنفاق، وأمر الفقراء بالصبر، وانتظار الفرج من الكريم الرزاق.
فعلينا -معشر المسلمين-: أن نرضى به ربا، فنرضى بقسمه وأقداره، وأن نرضى به حكما، فنؤمن بحكمه وأسراره.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)[العنكبوت: 62].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ... الخ ...
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي