إن الحجاج -ضيوف الله- يجب أن يحترموا، ويكرموا؛ ليرجعوا إلى بلدانهم سفراء دعوة إلى الله، قد أخذوا الجميل من الفعال والمقال، وصححوا ما كانوا عليه من الأخطاء والزلل، ورجعوا إلى بلدانهم لينقلوا ما تعلموه، فكل حاج تعلم خيرا ورجع به ونشره بين أهله وأصحابه هو بمثابة الوقف لمعلمه ذلك الخير.
أما بعد: فيا أيها الناس، فإن الدعوة إلى الله -تعالى- في موسم الحج سنة نبوية منذ فجر الإسلام؛ إذ كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يعرض دعوته على الناس في مواسم الحج، كما أرسل العديد من أصحابه -رضي الله عنهم- لذلك، وفي حجة الوداع نصح الأمة غاية النصح، وبلغ البلاغ المبين.
وقد استمر علماء الإسلام ودعاته الصادقون على مر العصور في استغلال هذا الموسم العظيم دعويًا مستفيدين منه في إيقاظ القلوب، وإنــارة الـبـصــائـر، وعـــرض الإسلام النقي، والتحذير من مخاطر الشرك، وشوائب البدع والمنكرات.
معاشر المسلمين: نحن في هذه الدولة المباركة، والتي لا تتوانى في خدمة الحجيج لبيت الله، يشهد بذلك العدو قبل الصديق، نحتاج لترتيب الأوراق على وجه الخصوص في الأفراد والجمعيات، فهي أيام قلائل يفد إلينا خلالها ملايين المسلمين، فهذه فرصة لا تسنح لكثير من الدول، بل لكل الدول.
فالمسلم الواعي المدرك لحجم المسؤولية يعلم أنه لا بد أن يكون له موقفٌ مشرف في هذه الحقبة الزمنية القصيرة، فليست المسؤولية محصورة على الدولة فحسب؛ بل تعم جميع الجماعات و الأفراد.
إن الدعوة إلى الله بتبيين الدين الصحيح النقي يجب أن تنبع من أرض الحرمين كما نبعت أولا، وإن الناس ليعلمون ذلك؛ ولهذا تجد الحجاج ينظرون لكم -أهل الحرمين- نظرة إكبار واعتراف بالفضل، فإياكم أن يرجعوا بصورة مختلفة مما يرونه من الانفلات الخلقي، والبعد عن الشريعة السمحة، والمعاملة الجافة!.
إن الحجاج -ضيوف الله- يجب أن يحترموا، ويكرموا؛ ليرجعوا إلى بلدانهم سفراء دعوة إلى الله، قد أخذوا الجميل من الفعال والمقال، وصححوا ما كانوا عليه من الأخطاء والزلل، ورجعوا إلى بلدانهم لينقلوا ما تعلموه، فكل حاج تعلم خيرا ورجع به ونشره بين أهله وأصحابه هو بمثابة الوقف لمعلمه ذلك الخير.
معاشر المؤمنين: قد يتساءل البعض: وكيف لي أن أؤثر وأنا فرد؟ أقول: إن وسائل الدعوة إلى الله في الحج وخدمة الحجيج كثيرة جدا، وما على العبد إلا عزم النية الصادقة والمبادرة لفعل الخير.
فمن تلك الوسائل: طباعة الكتب المهمة والتي تتحدث عن التوحيد وأركان الإسلام وتوزيعها على الحجاج في منافذ الدخول أو المخيمات؛ ولهذا فإن على المطابع ودور النشر عبء كبير في ذلك، وهذه الخصلة تحتها أعمال كثر، فمن لم يستطع الطباعة فليشتر بماله ما تيسر ويوزعها، ومن لم يكتب له الحج فليرسلها مع الحجاج، ولم يستطع الشراء، فليوزع بيده هذه الكتب، فكل هؤلاء مشتركون في الأجر بإذن الله.
كما أن أصحاب الحملات للحج والعمرة عليهم مسؤولية كبيرة في الإحسان للحجاج وتعليمهم، والمحافظة على حجهم، وأن يكون لهم نية في الخير، بأن لا تكون نيتهم دنيوية بحتة، فإن تحجيج المسلمين فيه أجر عظيم لمن صلحت نيته ولو أخذ على ذلك أجرا، إذا أحسن للحجاج، وأوفى بوعوده، وعلمهم أمور الحج، وفقههم في ذلك.
أما مَن رزقه الله فقهاً في الحاسب الآلي ويستطيع التواصل عبر وسائل التواصل مع شركات الحج العالمية، وذلك بإرسال صفة الحج والبرامج النافعة للحجاج قبل قدومهم، ومن رزقه الله نشاطا، فإنه يشارك في حملات الحج، وينفع إخوانه الحجاج بالتعليم والإرشاد، خصوصا حملات الدول الخارجية.
كما يستطيع المسلم الحاج والذي يعمل في خدمة الحجيج الدعوة إلى الله بأخلاقه وطلاقة وجهه، وتسهيل أمور الحجاج لبيت الله، وإخلاصه في عمله.
عباد الله: إن أمور كسب الثواب في الحج ميسرة للحاج وغير الحاج، فأمامنا سقيا الحاج والمعتمر، وتوزيع الوجبات، بل وتحجيج من لم يحج فرضه، بإشراكه في حملة، فتنال بذلك أجر الحج بإذن الله.
اللهم وفقنا لفعل الخيرات وترك المنكرات يا رب العالمين.
أقول قولي هذا...
أما بعد: فيا أيها الناس، لقد جعل الله لفريضة الحج منافع عظيمة، فلا بد من استغلال هذه الفرص العظيمة، وتقدم الكلام عن بعض طرق استغلال الحج، وفي هذه الخطبة نكمل طرق استغلال الحج، خصوصا لمن يعيش قريبا من الحجاج، كسكان مكة وما حولها، فعليهم واجب أكبر.
فمثلا: الأئمة والمؤذنون يقومون بدورهم في توجيه الحجاج الذين يصلون في مساجدهم وتعليمهم، ومحاولة التأثير عليهم، وإزالة ما قد يكون لديهم من أخطاء شرعية.
ومن ذلك تفعيل دور جماعة المسجد في الاختلاط بالحجاج، وإكرامهم، وزيارتهم في مساكنهم، والقيام بتوعيتهم وإرشادهم.
ومن ذلك تفعيل دور نساء جماعة المسجد في الاختلاط بالنسوة القادمات من مناطق مختلفة للحج، وحثهن على تعلم الدين والدعوة إليه، والقيام بدورهن في تربية النشء تربية صالحة، والتمسك بالحجاب، وعدم الانسياق وراء الدعوات المشبوهة التي تهدف إلى إفساد المرأة المسلمة وإبعادها عن دينها.
ومنه -كذلك- الاهتمام بإقامة المحاضرات والدروس والكلمات التوجيهية في المساجد بلغات مرتاديها.
وكذلك التنسيق مع مكاتب دعوة الجاليات لترجمة خطب الجمعة والمحاضرات والدروس العلمية، كل مسجد بلغة مرتاديه من الحجيج.
ومنها إقامة الحلقات القرآنية، وتعليمهم الفاتحة وقصار السور؛ فإن كثيرا من الأعاجم لا يعرف ذلك، وكذا إقامة الدورات العلمية المناسبة باللغات المختلفة.
وكذلك اختيار بعض الكتب العقدية والفقهية الملائمة للحجيج للقراءة منها عليهم بعد الصلوات.
وكذلك عرض بعض الدروس والمحاضرات المسجلة باللغات المختلفة عبر مكبر صوت المسجد.
وكذلك الاعتناء بتوفير مكتبة صغيرة في الكتب المهمة في العقيدة وأركان الإسلام بلغات مختلفة وجعلها في متناول الحجاج، وترجمات معاني القرآن الكريم، والكتيبات والأشرطة، ووضع ملصقات ولوحات إرشادية، ومكتبة مصغرة للاطلاع بلغة مرتادي المسجد من الحجيج.
عباد الله: لا بد لكل مسلم أن يكون له حس وشعور في خدمة الدين، وأن لا يكون عبئاً على الإسلام.
وخلاصة القول -عباد الله-: ينبغي لنا جميعا أن لا يخرج هذا الموسم إلا وقد ساهمنا فيه بما نستطيع من فعال الخير، وخصال البر.
اللهم وفقنا لهداك...
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي