ومن خصائص هذه الأيام: أنها خير أيام العملِ الصالح فما تقرب إلى الله متقربٌ بعبادةٍ أفضلَ من التقرب إليه في هذه الأيام الفضيلة الشريفة. فهي أيامٌ تجتمع فيها أمهات العبادات ما لا يجتمع في غيرِها من أيام السنةِ، ففي هذه العشر تجتمع الصلاة والصيام، والحج والزكاة، والذبح، وغيرها من الطاعات العظيمة، ولا يأتي وقت اجتماع هذه العبادات إلا في هذا الوقت الشريفِ الفاضل.
الحمد لله..
عباد الله: لقد جرت عادة تجار الدنيا ألا تفوتهم المواسم العظيمة فيستعدون لها أتمَّ الاستعدادِ بجلب البضائع، وإحضار السلع وبذل الأوقات، وهذا موسم رابح لتجارة الآخرة لحسن الإقبال على الله-عز وجل-.
قال سعيد بن جبير-رحمه الله-: "إذا دخلت العشر فلا تطفئوا سرجَكم". وهذا كناية عن العبادة.
عباد الله: إننا نعيش في أيامٍ فاضلة وأزمنةٍ شريفةٍ ووقتٍ مباركٍ ومغنمٍ للعملِ الصالح.. وهذه وقفة للمؤمن مع خصائصِ هذه الأيام تجدد النشاط فيه ليقبلَ بقلبه ونفسه على طاعة الله-عز وجل-.
فمن خصائص هذه الأيام: أن الله اختارها واصطفاها وجعلها أفضلَ أيام السنة على الإطلاق والله-عز وجل- يخلق ما يشاء ويختار قال قتادة-رحمه الله-: "إن الله اصطفى صفايا من خلقه اصطفى من الملائكة رسلاً ومن الناس رسلاً واصطفى من الكلام ذكرَه، واصطفى من الشهور رمضانَ والأشهرَ الحُرُمَ، واصطفى من الأيام يومَ الجمعة، واصطفى من الليالي ليلةَ القدر، فعظموا ما عظم الله؛ فإنما تعظم الأمور بما عظمها الله عند أهل الفهم والعقل".
ومن خصائصِ هذه الأيام: أن الله-عز وجل- أقسم بها تشريفاً لها والله-عز وجل- لا يقسم إلا بعظيم قال سبحانه: (وَالْفَجْرِ* وَلَيَالٍ عَشْرٍ) [الفجر: 1-2]، قال ابن عباس-رضي الله عنهما-: "المراد بالعشر في الآية العشر الأُول من ذي الحجةِ".
ومن خصائص هذه الأيام: أنها خير أيام العملِ الصالح فما تقرب إلى الله متقربٌ بعبادةٍ أفضلَ من التقرب إليه في هذه الأيام الفضيلة الشريفة.
عن ابن عباس-رضي الله عنهما- عن النبي-صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "ما من أيامٍ العملُ الصالحُ فيها أحبُّ إلى الله من هذه الأيام" يعني: العشرَ قالوا: ولا الجهاد في سبيل الله؟! قال: "ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجل خرج بنفسه وماله ولم يرجعْ من ذلك بشيء" (رواه البخاري).
ومن خصائصِ هذه الأيام: أنها أيامٌ تجتمع فيها أمهات العبادات ما لا يجتمع في غيرِها من أيام السنةِ، ففي هذه العشر تجتمع الصلاة والصيام، والحج والزكاة، والذبح، وغيرها من الطاعات العظيمة، ولا يأتي وقت اجتماع هذه العبادات إلا في هذا الوقت الشريفِ الفاضل.
ومن خصائصِ هذه العشر: أن الله-عز وجل- جعلها موسماً لحجاج بيت الله الحرام وجعل فيها أيامه العظامَ، ففي هذه العشر يومُ التروية وهو اليوم الثامن وفيه يصعد الناس إلى منى، وفيها يومُ عرفة الذي قال عنه رسول الله-صلى الله عليه وسلم-: "خيرُ يومٍ طلعت عليه الشمس يومُ عرفةَ"، وفيها يومُ النحر الذي قال فيه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن أعظمَ الأيام عند الله يومُ النحر".
ومن خصائصِ هذه الأيام: أنَّ العيدَ فيها يمتدُّ إلى خمسةِ أيامٍ قال رسول الله-صلى الله عليه وسلم-: "يوم عرفة ويوم النحر وأيام التشريق عيدنا أهلَّ الإسلام".
عباد الله: قال أحد العلماء: "لما كان الله تعالى قد وضع في نفوس المؤمنينَ حنيناً إلى بيته، وليس كلُّ أحدٍ قادراً على الذهاب إليه جعل موسم العشر مشتركاً بين القاعدين والسائرين، فمن عَجَزَ عن الحجِّ قَدِرَ على عملٍ يعملُه في بيته".
وهناك أعمال يستحب للمسلم أن يقومَ بها في هذه العشر:
أولاً: التكبير وهو التكبير المطلق، وهذا يبدأ في أول يومٍ من ذي الحجة إلى غروب الشمس من آخر أيامِ التشريق، وهذا يُشرَعُ في كُلِّ وقت.
وهناك تكبير مقيد، وهذا يبدأ من صلاةِ الفجر يومَ عرفة، وينتهي آخرَ يومٍ من أيامِ التشريق عند صلاةِ العصر وهذا يكون عقبَ الصلواتِ المفروضةِ.
قال تعالى: (لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ) [الحج: 28]، قال ابن عباس-رضي الله عنهما-: "الأيام المعلومات في القرآن: أيام العشر والأيام المعدودات في القرآن: أيام التشريق".
قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "أيام التشريق أيامُ أكلٍ وشربٍ وذكرٍ لله" (رواه مسلم).
وعن ابن عمر وأبي هريرة -رضي الله عنهما- أنهما كانا يخرجان إلى السوق في أيام العشر فيبكران ويكبر الناس بتكبيرهما.
ثانيًا: كثيرة الصدقات قال تعالى: (مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِئَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) [البقرة: 261]، فتكافلوا مع الفقراء، وانسجموا معهم خاصةً في هذه الأيام.
وقال رسول الله-صلى الله عليه وسلم-: "مثل المؤمنين في توادِّهم وتراحمهم وتعاطفِهم مثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحُمَّى".
قال حكيم: "شيئانِ إذا جاءا يغمَّان الفقيرَ: العيد والشتاء".
قال الحسن البصري-رحمه الله-: "إنَّ مشيك في حاجةِ أخيكَ المسلمِ خيرٌ لك من حِجةٍ بعدَ حجةٍ".
ثالثًا: كثرة الأعمال الصالحة بجميع أنواعِها، قيل لحكيم: "من أبر الأصحاب؟ قال: العمل الصالح".
هل تعلم لماذا هو أبر الأصحاب؟ لأن كلَّ أصدقائك المخلصين لك في الدنيا سيفارقونك رغم أنوفُهم إلا العمل الصالح فإنه سيتبعك بعد موتِك.
قال الشاعر:
ألا يا باغيَ الخيراتِ أقبلْ *** إلى ذي الحجةِ الشهرِ الحرامِ
بها العشرُ الأوائلُ حينَ هلَّت *** أحبَّ اللهُ خيراً للأنامِ
بها النفحاتُ من فيضٍ ونورٍ *** وعرفاتٌ فشمرْ للصيامِ
بها النحرُ الذي قد قال فيه *** إله العرشِ ذكراً للأنامِ
بها الميلادُ يبدأُ من جديدٍ *** إذا ما القلبُ طُهِّرَ من سقامِ
وبالحسناتِ فرجْ كُلَّ ذنبٍ *** إذا شئتَ الوصولَ إلى المرامِ
ألا يا باغي الخيراتِ أقبلْ *** فإنَّ الشهرَ شهرٌ للكرامِ
إذا استهواك الشيطانُ فأدبر *** ولا تركنْ إلى الفعلِ الحرامِ.
عباد الله: إن لمشروعية الأضحيةِ حكماً عظيمةً:
أولاً: التقرب إلى الله -عز وجل- بها قال تعالى: (قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ) [الأنعام: 162- 163]، فلا شريك له في الصلاة ولا في النسك ولا في المحيا ولا في الممات.
ثانيًا: إحياء سنة إبراهيم -عليه السلام- وأولى الناس بإبراهيم المتبعون له قال تعالى: (إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ) [آل عمران: 68].
ثالثًا: شكر الله -عز وجل- على ما سخَّر لنا من بهيمة الأنعام قال تعالى: (فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) [الحج: 36]، فلولا تسخير الله-عز وجل- لها لنا لما كان لنا طاقة عليها؛ لأنها قوية فسخرها الله رحمةً بالناس.
رابعًا: تحقيق تقوى الله-عز وجل- قال تعالى: (لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ) [الحج: 37]؛ لأن الذبح شعيرة من شعائر الله وتعظيم شعائر الله من تقوى القلوب قال سبحانه: (وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ) [الحج: 32].
خامساً: توحيد كلمة المسلمين والتعاون بينهم على البر والتقوى؛ وذلك لأن المسلمين يشتركون جميعاً يومَ الأضحى، فيظهر التعاون فيشترك بعضُهم في البقرة إلى سبعة وفي الإبل إلى سبعة، وهذا باب من أبواب التعاون.
ومن التعاون: إطعام القانع والمعتر؛ قال تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) [المائدة: 2].
سادساً: الخير الذي يعود على المضحي من لحم وصدقةٍ وأجرٍ وانتفاعٍ قال تعالى: (لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ) [الحج: 36].
قال ابن كثير-رحمه الله-: "إنَّ بعض السلف كان يستدينُ ويسوق البدن- أي: يستدين من أجل أن يضحي- فقيل له: أتستدين لتضحي؟! قال: إني سمعت الله يقول: (لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ) [الحج: 36]".
سابعاً: التوسعة على العيال والأهل والجيران والأقارب في يومِ العيد؛ وذلك لأنَّها أيام أكلٍ وشربٍ، ويظهر الأكل والشرب مع الأضاحي فربما بعضهم يفتقد اللحمَ زمناً طويلاً ولا يجده إلا يومَ العيدِ، قال رسول الله-صلى الله عليه وسلم-: "أيام التشريق أيامُ أكلٍ وشربٍ وذكرٍ لله".
وصلِّ اللهمَّ وباركْ على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي