خطبة عيد الأضحى 1437هـ

الحسين أشقرا
عناصر الخطبة
  1. سمات أعياد المسلمين .
  2. العيد والاتباع .
  3. دروس وعبر من قصة الفداء .
  4. دلائل التوحيد في الحج .
  5. من أحكام العيد بعد الصلاة .
  6. مقاصد التوحيد ومعانيه في سلوكنا .
  7. وسائل الصلاح والاستقامة على الشرع .
  8. وصايا للمرأة المسلمة. .

اقتباس

إن لكل أمة من الأمم قديمًا وحديثًا، عيدًا يعود عليهم في يوم معلوم من كل عام.. ولخير أمة أخرجت للناس؛ أمة الإسلام في مشارق الأرض ومغاربها عيدان: عيد الفطر بعد شهر الصيام والقيام، وعيد الأضحى بعد حج بيت الله الحرام.. وإن هذا العيد، يوم مبارك سعيد: رفع الله قدره، وأعلى ذكره، وجعله عيدًا للمسلمين جميعًا، حُجَّاجًا ومُقيمين، عربًا وعجَمًا، ذُكورًا وإناثًا، أغنياء وفقراء.. ليفرح فيه الجميعُ بعد الأعمال الصالحة المُنجزة في الأيام العشر من الشهر الحرام، والحرص على تخصيص يوم عرفة بالصيام، لتكفير ما اقتُرف من الآثام..

الخطبة الأولى:

الله أكبر ..(سبعًا).. لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر ... الله أكبر ما ظهرت أماراتُ الفلاح على من سافر إلى بيته الحرام، الله أكبر ما ساروا في البر والبحر تحرسهم عَينُ الملك العلاَّم، الله أكبر على ما تركوا وراءهم من الأموال والأهل والأولاد لينالوا الرضوان الأكبر!

الله أكبر (ثلاثا)... الله أكبر ما بسملوا وكبروا وسبَّحُوا، ولبَّوا ولبسُوا الإحرام، الله أكبر ما سعوا في سيرهم ومشيهم حتى يشهدوا الكعبة المشرفة والمُعظمة، الله أكبر ما طافوا وسعوا وشربوا من ماء زمزم شربة هنية.

الله أكبر  (ثلاثًا).. الحمد لله الذي تلهجت الألسنة بذكره، وانشغلت القلوب بمحبته، لا إله إلا هو, الكبير المتعال، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، جعل الأعياد مواسم للفرح المشروع سعيًا لتحقق الرضوان.

وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، المبعوث بأقوى الآيات وأفصح بيان، اللهم صلِّ وسلم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه الأمجاد الأطهار وعلى كل من تبعهم وسار على نهجهم ما دام الليل والنهار.

أما بعد: أيها المسلمون والمسلمات، إن لكل أمة من الأمم قديمًا وحديثًا، عيدًا يعود عليهم في يوم معلوم من كل عام.. ولخير أمة أخرجت للناس؛ أمة الإسلام في مشارق الأرض ومغاربها عيدان:  عيد الفطر بعد شهر الصيام والقيام، وعيد الأضحى بعد حج بيت الله الحرام.. إنهما جائزتان من الرحمان لمن لربه سمع وأطاع، ولسنة نبي الله كان من الأتباع، وكيف لا يتَّبع من بشره الله بفضل هذا الاتباع (قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) [آل عمران: 31].

وإن هذا العيد، يوم مبارك سعيد: رفع الله قدره، وأعلى ذكره، وجعله عيدًا للمسلمين جميعًا، حُجَّاجًا ومُقيمين، عربًا وعجَمًا، ذُكورًا وإناثًا، أغنياء وفقراء.. ليفرح فيه الجميعُ بعد الأعمال الصالحة المُنجزة في الأيام العشر من الشهر الحرام، والحرص على تخصيص يوم عرفة بالصيام، لتكفير ما اقتُرف من الآثام.. وإن يومَكم هذا، يومُ التقرب بذبح الأضاحي بعد صلاة العيد؛ امتثالاً لأمر الله تعالى في سورة الكوثر (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ) [الكوثر: 2]، واقتداء بسنة خليل الرحمن، واتباعًا للنبي العدنان عليهما الصلاة والسلام، قال الله تعالى: (وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا) [النساء: 125].

وإنكم بهذا الاقتداء وهذا الاتباع أيها المسلمون تثبتون للعالم أنكم على دين الحق، ومذكرين للبشرية جمعاء بأروع موقف لطاعة الأب والابن لخالقهما، وبر الابن لأبيه، وبأروع فداء نجح فيه الوالد والمولود في أشد ابتلاء بعد ابتلاء الكيد والأذى من القوم، يرويه أصدق كتاب منزل على خاتم الرسل الأنبياء فاسمعوا: (.. وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ * رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ * فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ *فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ * فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ * وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاء الْمُبِينُ * وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ * وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ * سَلَامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ * كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤمِنِينَ) [الصافات: 111].

واعلموا أيها المؤمنون والمؤمنات، أن الله تعالى لا يريد منا أن نجعل هذا اليوم، يوم لحم ودم، وبتوجيه الله الرحيم الكريم نتعلم ونعلم ما يُراد منا في قوله عز وجل: (لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ) [الحج: 37].

 نعم أيها الصالحون، إنه اختبار للتقوى الذي نتفاضل به، والفائز من سمع وأطاع وامتثل..  كما بيَّن القرآنُ والسنة كيف نتعامل مع هذا القربان؟.. ففي كتاب الله أمر: (فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ) [الحج: 28].

وفي سنة نبينا الكريم عَنْ عَائِشَةَ، -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا-، قَالَتْ: أُهْدِيَ لَنَا شَاةٌ مَشْوِيَّةٌ، فَقَسَّمْتُهَا كُلَّهَا إِلَّا كَتِفَهَا، فَدَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ: "كُلُّهَا لَكُمْ إِلَّا كَتِفَهَا"رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ فِي الْجَامِعِ بِلَفْظٍ: أَنَّهُمْ ذَبَحُوا شَاةً، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "مَا بَقِيَ مِنْهَا؟" قَالَتْ: مَا بَقِيَ مِنْهَا إِلَّا كَتِفُهَا، قَالَ: "بَقِيَ كُلُّهَا غَيْرَ كَتِفِهَا"، وَقَالَ: حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَمَعْنَاهُ أَنَّهُمْ تَصَدَّقُوا بِهَا إِلَّا كَتِفَهَا.. فحققوا في عباداتكم ونُسككم ما يرضي ربكم، وامتثلوا لقوله تعالى مخلصين له الدين: (قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ * قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ * قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبًّا وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ وَلَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ)  [الأنعام: 161- 164].

الله أكبر (ثلاثًا)..

أيها المسلمون! إن العيد من شعائر الإسلام العظيمة (ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ) [الحج: 32]، وبذلك يسمو الإسلام ويرقى بمعتنقيه إلى مراتب عالية ودرجات رفيعة، تُحققُها المعاني والمقاصد التي يرمي إليها، وأولى هذه المقاصد:  توحيدُ الله إيمانا واعتقادًا، وعبادة ونُسكا، ودُعاء ورجاء، وخوْفا وطمعاً، وأن الله تعالى لا يغْفرُ أن يُشْرك به، ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء.. (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) [الزمر: 53].

وفي الحديث عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ - رضي الله عنه - قَالَ: كُنْتُ رِدْفَ رَسُولِ اللّهِ -صلى الله عليه وسلم- عَلَى حِمَارٍ يُقَالُ لَهُ عُفَيْرٌ. قَالَ: فَقَالَ: يَا مُعَاذُ! أَتَدْرِي مَا حَقُّ اللّهِ عَلَى الْعِبَادِ وما حقُّ العبادِ عَلَى الله؟ قَالَ قُلْتُ: الله وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: «فَإِنَّ حَقَّ اللّهِ عَلَى الْعِبَادِ أَنْ يَعْبُدُوا اللّهِ وَلاَ يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً. وَحَقُّ الْعِبَادِ عَلَى اللّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ لاَ يُعَذِّبَ مَنْ لاَ يُشْرِكُ بِهِ شَيْئاً» قَالَ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللّهِ! أَفَلاَ أُبَشِّرُ النَّاسَ؟ قَالَ: "لاَ تُبَشِّرْهُمْ. فَيَتَّكِلُوا"...

الله أكبر (ثلاثًا)

عباد الله! لقد أورد الله سبحانه في كتابه أوامر ونواهي، ودعوات إلى توحيده في مختلف الأحوال والأزمنة والأمكنة، فقال:  (وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا) [الجن: 18].. وقال عز من قائل: (إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَار) [لمائدة: 72]. وأكد سبحانه: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا) [النساء: 48].

ويضيف سبحانه: (.. وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيدًا) [النساء: 115]... وبعد الأمر بتوحيد الله تعالى، يأتي الأمر بتحقيق معنى:  محمد رسول الله، وذلك باتباع ما جاء به (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا) [الحشر: 7].

وما أحسن قول القائل:

وضم الإله اسم النبي إلى اسمه *** إذ قال في الخمس المؤذن أشهد

وشق له من اسمه ليُجلَّه *** فذو العرش محمود وهذا محمد

فهنيئًا لمن تمسك بهذين الأصلين، وهنيئًا لمن ختم الله له بهما الحياة الدنيا، ومن كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة، ومن عاش هذه المعاني السامية فحري به أن يستشعر لذة العيد، ويحس بأثر نعمة الله عليه عند ارتداء الثوب الجديد، وأكل الطيب اللذيذ، ويشعر بين أهله وإخوانه وأقاربه بفرحة العيد..

وما حضرتم هنا أيها الأحباب باكرًا للمصلى شبابًا وشيبًا، ذكورًا وإناثًا، فقراء وأغنياء.. إلا دليلاً على أن في الأمة خير، وفي قلوبكم خير، يؤتيكم ربُّكُم خيرًا وخيرًا.... (مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)  [النحل: 96].

ومن أحكام العيد بعد الصلاة أن تتصافحوا وتتغافروا، وأن تتبادلوا التهاني، ويدعو بعضكم لبعض .. ثم الرجوع من غير الطريق الذي أتيتم منه، ليشرع كل واحد بنفسه إن أمكن في ذبح أضحيته مسميًا ومكبرًا، ويُفطر بالكبد.. ثم يشرع في صلة الأرحام وتدريب الأبناء على هذه المعاني والخصال. لتجدوا ذلك كله في صحيفة أعمالكم (يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) [الشعراء: 88- 89]، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.

 

الخطبة الثانية:

الله أكبر (خمسًا).. الله أكبر كبيرًا، والحمد لله كثيرًا، وسبحان الله بكرة وأصيلاً.. لا إله إلا الله، ولا نعبد إلا إياه مخلصين له الدين ولو كره الكافرون..

 أيها المسلمون! اعلموا رحمكم الله، أننا اجتمعنا هنا بتوفيق من الله، وقد جمعنا وهو يريد منا أن نجسد مقاصد التوحيد ومعانيه في سلوكنا، ونحقق ما أوصانا به رسول هذه الأمة الخيِّرة بقوله: "مَثَلُ المؤمنين في تَوَادِّهم وتراحُمهم وتعاطُفهم: مثلُ الجسد، إِذا اشتكى منه عضو: تَدَاعَى له سائرُ الجسد بالسَّهَرِ والحُمِّى".. ولماذا لا نكون كالجسد الواحد؟ وربنا واحد، ورسولنا واحد، وديننا واحد، وقرآننا واحد، وقبلتنا واحدة.. وعيدنا واحد؟!

وإذا لم تتحقق وحدتنا كالجسد الواحد ففي الأمر خلل سنُسْأل عنه جميعًا حكامًا ومحكومين، فيا أيها المسلمون من رأى في عيشه ضنكًا، وفي حياته نكدًا، وفي شؤونه اعوجاجًا فلينظر إلى دينه!؟!...

أدُّوا صلواتكم المفروضة، وحافظوا عليها، فإنها عمود الإسلام، واحذروا الوقوع في المحظورات من المعاصي والممنوعات، وأخرجوا يا ذوي الأموال زكاة أموالكم، وأطعموا الطعام وأفشوا السلام بينكم وطيبوا الكلام، وبروا والديكم وأحسنوا إليهم، وصلوا الأرحام، واجعلوا برنامج أفعال الخير لعامكم.

واستثمروا في مواسم التجارة مع الله، واحذروا من الإفلاس: فعَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-, أَنَّهُ قَالَ: " أَتَدْرُونَ مَنِ الْمُفْلِسُ مِنْ أُمَّتِي؟" قَالُوا: الْمُفْلِسُ فِينَا مَنْ لَا دِرْهَمَ لَهُ وَلَا دِينَارَ وَلَا مَتَاعَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الْمُفْلِسُ مِنْ أُمَّتِي مَنْ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلَاتِهِ وَصِيَامِهِ، وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ هَذَا، وَقَذَفَ هَذَا، وَأَكَلَ مَالَ هَذَا، وَسَفَكَ دَمَ هَذَا، وَضَرَبَ هَذَا، فَيُقْتَصُّ لِهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، وَلِهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، فَإِذَا فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يَقْضِيَ مَا عَلَيْهِ، أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ".

 فاحذروا عباد الله من الانتكاسة، واحتاطوا من اتباع هوى النفوس ووساوس الشيطان، فإن عواقبها وخيمة و شرورها مستديمة.. وصدق الإمام البوصيري -رحمه الله- حين قال:

 فلا ترم بالمعاصي كسر شهوتها *** إن الطعام يقوي شهوة النهم

والنفس كالطفل إن تهمله شب على *** حب الرضاع وإن تفطمه ينفطم

فاصرف هواها وحاذر أن توليه *** إن الهوى ما تولى يصم أو يصم

وراعها وهي في الأعمال سائمة  *** وإن هي استحلت المرعى فلا تسم

كم حسنت لذة للمرء قاتلة *** من حيث لم يدر أن السُّمَّ في الدَّسم

واخش الدسائس من جوع ومن شبع *** فرب مخمصة شر من التخم

وخالف النفس والشيطان واعصمها *** وإن هُما محَّضَاك النُّصح فاتَّهم

وما سادت وانتشرت بين المسلمين مظاهر العصيان لله من أكل أموال الناس بالباطل، واللجوء للمخدرات والمسكرات، وشيوع مظاهر الزنا والخنا والغيبة والنميمة والخيانة والغدر والكراهية والحقد والحسد.. إلا باتباع الأهواء وإعجاب كل امرئ بنفسه، والاستسلام لوساوس الشيطان...

وليس من علاج أن يرحمنا الله ويتجاوز عنا ويرزقنا صبرًا وحلمًا، وعلى كل مسلم صادق أن يتخذ من العيد محطة يجدد فيها عزمه ويفتح صفحة جديدة لحياة يملأها بالعمل الصالح لعل الله تعالى أن يغير الأحوال مما يضر إلى ما يسُر، وأن يجعل سبحانه من عُصاة ومذنبي هذه الأمة عبادًا للرحمن، ويبدّل سيئاتهم حسنات..

وتذكروا عباد الله بجمعكم هذا، يوم العرض الأكبر، يوم تجتمع فيه الخلائق مقداره خمسين ألف سنة مما نعدُّ..  

ويا نساء المسلمين! اتقين الله في أنفسكن، فبصلاحكن تصلح الأسر ويصلح المجتمع وتصلح الأمة أطعن الله ورسوله في ما أمرا، واجتنبن ما نهيا عنه، وحافظن على عفتكن وتربية بناتكن وأبنائكن وتزودن بالعم بدينكن وأحكامه ففيه الخير كالخير لكن، ومن يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين، وإذا ألجأتكم الحاجة للشوارع والأسواق وقضاء بعض الأغراض فإن الله تعالى يأمركن بقوله: (.. فلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَّعْرُوفًا* وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ) [الأحزاب: 33].

واعلموا عباد الله، أن بعد يوم العيد السعيد تأتي أيام التشريق، وهي أيام أكل وشرب وذكر لله.. فأكثروا من ذكْره وشُكره وأحسنوا في عبادته وطاعته، تفوزوا فوزًا عظيمًا..

وعيدكم مبارك سعيد. 


تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي