إذا لم يكن العمل تابعا للعلم كانت الضلالة والبدعة والهوى، فالعبادات توقيفية، لا يجوز التقرب بأي عمل لله إلا إذا كان عليه شاهد من كتاب الله أو سنة نبيه -صلى الله عليه وسلم-، وإلا كان مردودا على صاحبه. وإذا كانت الدعوة على جهل كان الضلال والإضلال، وكان...
أنزل الله على عبده ورسوله محمد -صلى الله عليه وسلم- أول مبعثه: قوله سبحانه وتعالى: (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ) [العلق: 1 - 5].
ثم أنزل عليه قوله تعالى: (يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنْذِرْ * وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ * وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ * وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ) [المدثر: 1 - 5] فتبين بذلك المنهج الحق، والطريق المستقيم، في العمل والإيمان، والدعوة والتعليم؛ إذ لا بد أن يكون العمل والدعوة مبنيين على العلم، وإلا كان الزيغ والضلال، وهذا المعنى مؤكد في الشريعة الغراء؛ كما في قوله تعالى: (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ) [محمد: 19]، وقوله جل شأنه: (وَلِيَعْلَمُوا أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ) [إبراهيم: 52]، وقوله: (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ) [يوسف: 108].
فإذا لم يكن العمل تابعا للعلم كانت الضلالة والبدعة والهوى، فالعبادات توقيفية، لا يجوز التقرب بأي عمل لله إلا إذا كان عليه شاهد من كتاب الله أو سنة نبيه -صلى الله عليه وسلم-، وإلا كان مردودا على صاحبه: (قُلْ إِنَّمَا أَتَّبِعُ مَا يُوحَى إِلَيَّ مِنْ رَبِّي) [الأعراف: 203]. (فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى)[طه: 123]، (قُلْ لَا أَتَّبِعُ أَهْوَاءَكُمْ قَدْ ضَلَلْتُ إِذًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُهْتَدِينَ) [الأنعام: 56]، (فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) [القصص: 50].
وإذا كانت الدعوة على جهل كان الضلال والإضلال، وكان العدوان على الدين، والفساد في الأرض، والداعي على جهل يفسد أكثر مما يصلح: (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ) [المائدة: 77].
وهذا الأصل العظيم وهو بناء العمل والدعوة على العلم فرط الناس فيه كثيرا، فأهملوا تعلم العلم الذي به نجاتهم في الآخرة، من أحكام ما يلزمهم من العبادات، وما يعملون فيه من الوظائف والتجارات، حتى إن بعضهم لا يعرف ما تصح به صلاته، فيصلي لكن صلاته غير صحيحة لتركه شرطا من شروطها أو ركنا من أركانها، ومثلها بقية فرائض الإسلام، وآخر يخوض في الحرام ليله ونهاره؛ لأنه لم يتعلم ما وجب عليه من أحكام المعاملات، وآخر يقطع المسافات البعيدة وينفق النفقات العظيمة في سبيل تحصيل بدعة ما أنزل الله بها من سلطان، يظن أنها تقربه إلى الله، كالذين يشدون الرحال لزيارة القبور، أو الذين يشيدون المساجد على القبور، وأشد من ذلك كله أن ترى عاكفا على قبر يدعوه ويذبح له وينذر، ويستغيث به ويستجير، وفي أمثال هؤلاء قوله تعالى: (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ * عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ * تَصْلَى نَارًا حَامِيَةً * تُسْقَى مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ) [الغاشية: 2 - 5]، وقوله: (قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا) [الكهف: 103 - 104].
وأما الدعوة إلى الله فإنها تشتكي من تسلط القصاص والكذبة وذوي المطامع عليها، ممن لَا يتحرون الصَّوَاب، وَلَا يحترزون من الْخَطَأ لانقطاع نسبهم عن العلم، وقلة تقواهم، فأحدهم: ينشر البدع. والآخر: يفتخر بأنه أول من تكسب من المواعظ. والثالث: اتخذ آيات الله هزوا. والرابع: صير الدعوة مزاحا وضحكا وكذبا يميت القلوب. والخامس: لا حظ له من العلم إلا القصص المختلق. والسادس: نصب رأيه دليلا شرعيا يقول بموجبه. والسابع: لا شغل له إلا كم عدد أتباعه. والثامن: ينظر إلى ما ذا جنى من مواقف سياسية.
ولو أن الناس يعقلون لهجروهم ومجالسهم وأبعدوهم وأنكروا عليهم وضربوهم كما فعل السلف بهم، ولكن اغتروا بهم، وأحلوهم محل العلماء في المقام والفتيا، وتشاغلوا بهم عَن قِرَاءَة الْقُرْآن وتدبره ومواعظه، وَدراسة الحَدِيث والسيرة النبوية الكريمة، والتفقه فِي الدّين، وحضور حلق أهل العلم الراسخين، فضعف التدين في الناس، وتفرقوا إلى أشياع وأحزاب، وأثخن العدو في المسلمين، وصار العلم مهجورا، وسوق الخرافة والدجل قائما، فإلى الله المشتكى.
ألا فاتقوا الله -عباد الله-، واعلموا أن سبيل صلاحكم وعزكم واستقامة أمركم فيما جاء به نبيكم -صلى الله عليه وسلم-، فتمسكوا به وعضوا عليه بالنواجذ، ودعوا محدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وتذكروا قول ربكم -سبحانه-: (وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا) [النساء: 113].
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي