خطبة عيد الأضحى 1437هـ (التسليم)

إبراهيم بن صالح العجلان
عناصر الخطبة
  1. تسليم المسلم لله تعالى في أداء مناسك الحج .
  2. التسليم لله تعالى سبب لنجاة العبد من الوقوع في الغلو والابتداع .
  3. تسليم المسلم لله تعالى في ذبح أضحيته .
  4. دور المرأة المسلمة في التسليم والاستجابة للشرع .

اقتباس

التَّسْلِيمُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ هُوَ أَسَاسُ الْمِلِّةِ وَرُكْنُ الدِّينِ، وَهُوَ مِنْ أَوْلَوِيَّاتِ حَقِّ اللهِ عَلَى عِبَادِهِ، وَحَقِّ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَتْبَاعِهِ.

الخطبة الأولى:

الحَمْدُ للهِ المُتَفرِّدِ بالعِزَّةِ والكِبْرياءِ، المُسْتَحِقِ للحمدِ والثَّنَاءِ، بيدِهِ الخِيرِ ومنه الخَيْرِ، فله الحمدُ والشُّكرُ على وافرِ النِّعمِ وجزيلِ العطاءِ، وأشهد أنْ لا إله إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له يُدبِّر الأمر كيف يشاء، وأشهد أن محمداً عبدُه ورسولُه إمامُ المتقينَ وسيدُ الحُنَفَاءِ، صلى الله عليه وعلى آلِهِ الشُّرَفَاء، وصحابتِه الأتقياء، وسلَّم تسليماً كثيراً ما دامت الأرضُ والسماء.

الله أكبر (تسعاً)

اللهُ أَكبَرُ اللهُ أَكْبَرُ، جَلَّ عَن الأَشْبَاهِ وَالأَنْدَادِ، وَتَنزَّه عَن الصَّاحبةِ وَالأوْلَادِ، وَنَفَذَ حُكْمُهُ في جَمِيْعِ العِبَاد.

اللهُ أَكبَرُ اللهُ أَكبَرُ سَبَّحَ بِحَمْدِهِ الأَوَّلُونَ وَالآخِرُونَ، وَأَطَّتْ لِعَظَمَتِهِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرَضُونَ.

اللهُ أَكْبَرُ كَبِيراً، والحَمْدُ للهِ كَثِيراً وَسُبْحانَ اللهِ بُكْرَةً وَأَصِيْلاً.

إِخْوَةَ الإِيمَانِ:

مَبْدَأٌ قرَّرَهُ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ، وَأَسَاسٌ ثَابِتٌ عِنْدَ كُلِّ صَاحِبِ مُعْتَقَدٍ سَلِيمٍ، مَا لَاحَ هِلَالُ الْحَجِّ إِلَّا أَشْرَقَتْ مَعَالِمُهُ، وَمَا حَانَتْ أَنْسَاكُ الْحَجِّ إِلَّا تَأَكَّدَ تَقْرِيرُهُ فِي كُلِّ مَشْعَرٍ وَمَنْسكٍ.

التَّسْلِيمُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ هُوَ أَسَاسُ الْمِلِّةِ وَرُكْنُ الدِّينِ، وَهُوَ مِنْ أَوْلَوِيَّاتِ حَقِّ اللهِ عَلَى عِبَادِهِ، وَحَقِّ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَتْبَاعِهِ.

تَأَمَّلْ مَعِي رِحْلَةَ الْحَجِّ .. لِتَرَى كَيْفَ يَعِيشُ الْمُسْلِمُ التَّسْلِيمَ الْحَقَّ لِلْمَلِكِ الْعَظِيمِ الْحَقِّ، فَهُوَ يَتَنَقَّلُ بَيْنَ الْمَنَاسِكِ، يَطُوفُ وَيَرْمِي، يَحْلِقُ وَيَنْحَرُ، يَتَحَرَّكُ فِي زَمَنٍ مُحَدَّدٍ مِنْ مَشْعَرٍ لِمَشْعَرٍ لَا يُعَارِضُ وَلَا يَتَوَقَّفُ.

تَرَاهُ مُسَلِّمًا خَاضِعًا، مُسْتَسْلِمًا قَانِعًا، قَدْ تَجَرَّدَ مِنْ ثِيَابِهِ وَالْتَفَّ بِقْطَعَتَيْنِ، يَطُوفُ حَوْلَ حَجَرٍ، ويُقَبِّلُ حَجَرَاً، وَيَسْعَى بَيْنَ حَجَرَيْنِ، يَقِفُ عَلَى حَجَرٍ، وَيَرْمِي حَجَرًا كَبِيرًا بِحَجَرٍ صَغِيرٍ.

يَفْعَلُ ذَلِكَ كُلَّهُ بِكُلِّ انْشِرَاحٍ وَطُمَأْنِينَةِ قَلْبٍ اسْتِجَابَةً وَتَسْلِيماً.

لَقَدْ عَلَّمَ عَبْقَرِيُّ الْأُمَّةِ وَفَارُوقُهَا النَّاسَ عَقِيدَةَ التَّسْلِيمِ يَوْمَ أَنْ قَبَّلَ الْحَجَرَ الْأَسْوَدَ، ثُمَّ قَالَهَا كَلِمَاتٍ خَالِدَاتٍ بَاقِيَاتٍ: «إِنِّي لَأَعْلَمُ أَنَّكَ حَجَرٌ لَا تَضُرُّ وَلَا تَنْفَعُ، وَلَوْلَا أَنِّي رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقَبِّلُكَ مَا قَبَّلْتُكَ».

نَعَمْ يُرَبِّينَا الْحَجُّ عَلَى الْمَعَانِي التَّسْلِيمِيَّةِ لِتَمْتَلِئَ الصُّدُورُ بِالِامْتِثَالِ، وَالرِّضَا بِأَحْكَامِ الْخَبِيرِ الْمُتَعَالِ، فَلَا تَقْوَى وَلَا إِيمَانَ إِذَا غَابَتْ عُبُودِيَّةُ التَّسْلِيمِ عَنِ الْجَنَانِ (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا).

إِذَا شَاعَتِ الِانْحِرَافَاتُ الْفِكْرِيَّةُ، وَكَثُرَتِ التَّفْسِيرَاتُ الزَّائِغَةُ لِلنُّصُوصِ الشَّرْعِيَّةِ فَإِنَّ التَّذْكِيرَ بِالتَّسْلِيمِ للهِ وَالرَّسُولِ وَاجِبٌ بَيَانُهُ، وَلَا يَجُوزُ تَأْخِيرُ الْبَيَانِ عَنْ وَقْتِ الْحَاجَةِ.

وَإِنَّ أَخْطَرَ مَعْرَكَةٍ عَقَدِيَّةٍ نُوَاجِهُهَا فِي عَالَمِ الْيَوْمِ أَنْ يُهَوَّنَ مِنَ الْقُلُوبِ مَبْدَأُ التَّسْلِيمِ لِلْوَحْيَيْنِ، لِتُصْبِحَ تِلْكَ النُّصُوصُ مُجَرَّدَ قِطَعٍ أَثَرِيَّةٍ، تَسْتَعْذِبُهَا الْقَرَائِحُ وَتَسْتَمْلِحُهَا الْأَذْوَاقُ دُونَ أَنْ يَكُونَ لَهَا حَقٌّ مِنَ التَّعْظِيمِ وَالِامْتِثَالِ.

يَا أَهْلَ الْإِيمَانِ وَالتَّسْلِيمِ... إِنَّ الدَّعْوَةَ لِلتَّسْلِيمِ لِلشَّرِيعَةِ وَنُصُوصِهَا وَإِنْ كَانَ يُخَاطَبُ بِهِ كُلُّ مُسْلِمٍ رَضِيَ بِاللهِ رَبًّا، وَبِالْإِسْلَامِ دِيناً، وَبِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَبِيًّا وَرَسُولاً، إِلَّا أَنَّ خِطَابَ التَّسْلِيمِ يُوَجَّهُ أَوَّلَ مَا يُوَجَّهُ إِلَى تِلْكَ الْكِتَابَاتِ الْعَبَثِيَّةِ وَالْأُطْرُوحَاتِ التَّشْكِيكِيَّةِ الَّتِي لَدَيْهَا أَزْمَةٌ مَعَ النَّصِّ وَمُشْكِلَةٌ مَعَ الْأَحْكَامِ.

وَيُخَاطَبُ بِهِ مَنْ جَعَلَ مَشْرُوعَهُ تَطْبِيعَ الْمُحَرَّمَاتِ وَالْمُنْكَرَاتِ فِي الْمُجْتَمَعَاتِ. وَيُخَاطَبُ بِهِ كُلُّ مُسْتَهِينٍ بِالْأَوَامِرِ، مُسْتَخِفٍّ بِالزَّوَاجِرِ.

كَمْ هُوَ مُؤْلِمٌ وَمُشَاهَدٌ أَنْ تَطْرُقَ أَسْمَاعَنَا كَثِيرٌ مِنَ النُّصُوصِ الصَّرِيحَةِ، ثُمَّ نَرَى التَّسَاهُلَ فِيهَا وَتَرْكَ التَّسْلِيمِ لَهَا، لِيُلْقِيَهَا الْبَعْضُ خَلْفَ ظَهْرِهِ، ثُمَّ يَمْشِي هُوَ خَلْفَ هَوَاهُ، (فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ).

اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ وَللهِ الْحَمْدُ.

التَّسْلِيمُ لِنُصُوصِ الْوَحْيَيْنِ لَيْسَ هُوَ اعْتِرَافًا بِصِحَّةِ نِسْبَتِهَا للهِ والرَّسُولِ، التَّسْلِيمُ الْحَقُّ لِلنُّصُوصِ أَنْ يَتَلَقَّى الْعَبْدُ أَوَامِرَ الشَّرْعِ وَنُصُوصَهُ بِالْحَفَاوَةِ فَلَا يَسْتَهِينُ بِهَا، وَبِالِامْتِثَالِ فَلَا يُعْرِضُ عَنْهَا، وَبِالْحُبِّ فَلَا يَكْرَهُ شَيْئاً مِمَّا جَاءَ فِي الْوَحْيَيْنِ، وَبِالتَّحَاكُمِ إِلَيْهِمَا، وَاعْتِقَادِ أَنَّ شَرْعَ اللهِ هُوَ الْأَهْدَى وَالْأَكْمَلُ.

وَإِذَا امْتَلَأَ قَلْبُ الْعَبْدِ اسْتِجَابَةً وَتَسْلِيمًا نَطَقَتْ جَوَارِحُهُ امْتِثَالاً وَتَصْدِيقاً، وَلَا تَسَلْ بَعْدَهَا عَنِ انْشِرَاحِ صَدْرِهِ، وَقَنَاعَتِهِ بِالْأَحْكَامِ، وَرِضَاهُ بِالْقَضَاءِ، فَلَا شُكُوكَ تَجْثُمُ، وَلَا شُبُهَاتِ تُؤَثِّرُ، لِيَكُونَ حَالُهُ مَعَ كُلِّ عَاصِفَةٍ فِكْرِيَّةٍ: (وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا).

وَيَوْمَ أَنْ يَغِيبَ عَنِ الْقَلْبِ مَعَانِي التَّسْلِيمِ فَلَا تَنْتَظِرْ أَنْ يَكُونَ للأَحْكَامِ وَزْنٌ، وَلَا للنُصُوصٍ تَعْظِيمٌ.... إِذَا ضَعُفَ التَّسْلِيمُ حَلَّتِ الْحَيْرَةُ، وَحَضَرَتِ الشُّكُوكُ، وَحَانَ الصُّدُودُ، وَتِلْكَ حَالَةٌ مٌؤْسِفَةٌ فِي الضَّلَالِ، يَتَكَرْدَسُ فِيهَاصَاحِبُهَا مِنْ عَمًى إِلَى عَمًى (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا * وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى).

أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ ..

اسْمَعُوهَا وَعُوهَا : "مَنْ كَانَ لِلنَّصِّ وَالتَّسْلِيمِ بِهِ أَقْرَبَ، فَهُوَ لِوَصْفِ السُّنِّيِّ أَوْلَى"، وَلِذَا فَإِنَّ التَّسْلِيمَ بِالنُّصُوصِ وَتَعْظِيمَهَا وَعَدَمَ تَعْطِيلِهَا مَنْهَجٌ اتَّسَمَ بِهِ أَهْلُ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ وَقَرَّرُوهُ فِي كُتُبِ الْعَقَائِدِ.

فَمُصْطَلَحُ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ لَيْسَ دَعْوًى يُتَكَثَّرُ بِهَا، وَلَا انْتِسَاباً يُفْتَخَرُ بِهِ، بَلْ لَهُ سِمَاتٌ وَعَلَامَاتٌ، وَعَمَلٌ وَإِثْبَاتَاتٌ، وَاقْتِفَاءٌ لِمَنْهَجِ سَلَفِ الْأُمَّةِ فِي الِاعْتِقَادِ وَالْهَدْيِ وَالْعِبَادَاتِ.

فَيَوْمَ أَنْ كَانَ أَهْلُ السُّنَّةِ أَصْحَابَ تَسْلِيمٍ وَتَوْقِيفٍ حَفِظُوا الدِّينَ مِنَ الْبِدَعِ وَالتَّخْرِيفِ «فَمَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ» قَالَهَا الْمُصْطَفَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .

حِينَ كَانَ أَهْلُ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ أَهْلَ تَسْلِيمٍ لَمْ يُعَارِضُوا النُّصُوصَ الشَّرْعِيَّةَ بِفَلْسَفَاتٍ عَقْلِيَّةٍ، وَلَا تَصَوُّرَاتٍ كَلَامِيَّةٍ، وَلَا أَذْوَاقٍ بَشَرِيَّةٍ، وَلَا مُكَاشَفَاتٍ شَيْطَانِيَّةٍ.

يَوْمَ أَنْ رَسَخَتْ عَقِيدَةُ التَّسْلِيمِ عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ أَثْبَتُوا للهِ مَا أَثْبَتَهُ لِنَفْسِهِ وَمَا أَثْبَتَهُ لَهُ رَسُولُهُ مِنَ الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ، وَنَفَوْا مَا نَفَاهُ اللهُ عَنْ نَفْسِهِ وَنَفَاهُ عَنْهُ رَسُولُهُ مِنَ الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ، فَكَانُوا أَهْلَ إِثْبَاتٍ بِلَا تَشْبِيهٍ، وَتَنْزِيهٍ بِلَا تَعْطِيلٍ.

وَيَوْمَ أَنْ عَظَّمَ أَهْلُ السُّنَّةِ مَبْدَأَ التَّسْلِيمِ مَا غَلَوْا فِي الْأَشْخَاصِ، وَلَا تَمَسَّحُوا بِالْقُبُورِ أَوْ تَعَلَّقُوا بِالْأَمْوَاتِ، وَلَا تَقَرَّبُوا للهِ عَلَى أَنْغَامِ الطُّبُولِ بِالْهَزِّ وَالرَّقَصَاتِ، كَمَا تَفْعَلُهُ الصُّوفِيَّةُ الْغُلَاةُ.

لَمْ يَكُنْ أَهْلُ التَّسْلِيمِ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ عَبْرَ تَارِيخِهِمْ أَهْلَ تَخْذِيلٍ لِلْمُسْلِمِينَ، وَلَا تَوَاطُئٍ مَعَ أَعْدَائِهِمُ الْقَتَلَةِ الْمُجْرِمِينَ.

لَمْ يَكُنْ أَهْلُ السُّنَّةِ أَهْلَ تَفْرِيقٍ وَتَحْزِيبٍ، وَلَا أَصْحَابَ غُلُوٍّ وَتَخْرِيبٍ، بَلْ كَانُوا أَجْمَعَ لِلْكَلِمَةِ، وَأَرْحَمَ بِحَالِ الْأُمَّةِ، وَأَغْيَرَ عَلَى دِينِهَا، وَأَسْعَى فِي جَمْعِ كَلِمَتِهَا، وَلِذَا تَوَاصَتْ عِبَارَاتُهُمْ بِالصَّلَاةِ وَالْجِهَادِ خَلْفَ كُلِّ إِمَامٍ بَرٍّ وَفَاجِرٍ، كُلُّ ذَلِكَ جَمْعًا لِلْكَلِمَةِ وَتَوْحِيدًا لِلصَّفِّ.

أَهْلُ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ بِمَنْهَجِهِمُ التَّسْلِيمِيِّ الِاتِّبَاعِيِّ يُمَثِّلُونَ حَقِيقَةَ الْإِسْلَامِ وَصَفَاءَهُ وَنَقَاءَهُ، وَعَقِيدَتُهُمْ سَهْلَةٌ وَاضِحَةٌ لِأَنَّهَا مُبْنِيَّةٌ عَلَى النُّصُوصِ وَالتَّسْلِيمِ، وَلَيْسَتْ هِيَ فَلْسَفَاتٍ وَكَلَامِيَّاتٍ وَلَا خُرَافَاتٍ وَخُزَعْبَلَاتٍ تُصَادِمُ الْعَقْلَ وَالْفِطْرَةَ.

وَلِذَا فَإِنَّ كُلَّ مُسْلِمٍ لَمْ يَتَلَوَّثْ بِالْبِدَعِ فَهُوَ دَاخِلٌ فِي مُصْطَلَحِ أَهْلِ السُّنَّةِ، وَأَهْلُ السُّنَّةِ الْمُوَحِّدُونَ أَوْلَى بِهِ مِنْ غَيْرِهِمْ.

إِخْوَةَ الْإِيمَانِ: وَيَوْمَ أَنْ كَانَ مَذْهَبُ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ يُوَافِقُ الْعَقْلَ وَالْفِطْرَةَ انْتَشَرَ وَتَمَدَّدَ، وَكَثُرَ أَتْبَاعُهُ وَدُعَاتُهُ، وَكَانَ لَهُمُ الْأَثَرُ الْوَاضِحُ فِي كُلِّ أَرْضٍ، الْأَمْرُ الَّذِي أَزْعَجَ الْأَعْدَاءَ، فَتَحَرَّكَتِ الْمَرَاكِزُ الثَّقَافِيَّةُ وَالْقُوَى السِّيَاسِيَّةُ لِإِيقَافِ هَذَا الْمَدِّ السُّنِّيِّ وَإِطْفَاءِ نُورِهِ، فَأَصْبَحَ مُشَاهَدًا وَمُعْلَنًا الْحَرْبُ الْفِكْرِيَّةُ عَلَى الْمَنْهَجِ السُّنِّيِّ بِإِضْعَافِهِ وَتَقْوِيَةِ خُصُومِهِ، وَإِعَانَةِ الْفِرَقِ الْبِدْعِيَّةِ مِنَ الرَّافِضَةِ وَالصُّوفِيَّةِ عَلَيْهِ.

وَإِذَا كَانَ قَدَرٌ أَنْ تُبْغَضَ هَذِهِ الْأُمَّةُ وَتُؤْذَى وَتُعَادَى بِسَبَبِ إِسْلَامِهَا (وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا)، فَإِنَّ قَدَرًا أَنْ تَجَرَّعَ أَهْلُ السُّنَّةِ مُعَادَاةَ شَتَّى الطَّوَائِفِ الَّتِي انْحَرَفَتْ فِي عَقِيدَتِهَا وَفِكْرِهَا.

فَالْعَدَاءُ لَنَا لَيْسَ قِصَّةً مَاضِيَةً بَلْ حَلْقَةً بَاقِيَةً، وَإِخْرَاجُنَا مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ لَيْسَ هُوَ ذِكْرَيَاتٍ بَلْ وَاقِعٌ يَتَجَدَّدُ، وَالْعَجَبُ أَنْ يَدَّعِيَ أَهْلُ الْبِدَعِ أَنَّهُمْ يُمَثِّلُونَ غَالِبِيَّةَ الْمُسْلِمِينَ، وَعَقَائِدُهُمُ الْكَلَامِيَّةُ لَا يَفْهَمُهَا غَالِبُ الْمُسْلِمِينَ، وَمُحَدَثَاتُهُمُ الْبِدْعِيَّةُ لَمْ تَظْهَرْ إِلَّا بَعْدَ الْقَرْنِ الثَّالِثِ، وَعَلَيْهِ يَكُونُ خَيْرُ جِيلٍ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ لَيْسُوا مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ عَلَى حَدِّ زَعْمِهِمْ.

وَبَعْدُ يَا أَهْلَ السُّنَّةِ... فَالْحَرْبُ الْفِكْرِيَّةُ قَائِمَةٌ، وَالْمُؤَامَرَاتُ تُشَاهَدُ، وَالْبَغْضَاءُ تُتَنَفَّسُ، وَالْمَرَاجِعُ الصَّفَوِيَّةُ قَدْ كَشَفَتْ قِنَاعَهَا، وَكَشَّرَتْ عَنْ أَنْيَابِهَا، وَصَرَّحَتْ بِالْعَدَاوَةِ بِلَا تَقِيَّةٍ، وَسَتَبْقَى هَذِهِ الْبِلَادُ بِهُوِيَّتِهَا وَعَقِيدَتِهَا هَدَف اًلِعَدَاوَةِ وَتَحْرِيضِ كُلِّ صَاحِبِ بِدْعَةٍ، فَمَكَانَةُ هَذِهِ الْبِلَادِ وَوُجُودُ الْحَرَمَيْنِ فِيهَا يَجْعَلُهَا مَرْكَزَ أَهْلِ السُّنَّةِ فِي الْعَالَمِ الْإِسْلَامِيِّ.

سَتَبْقَى هَذِهِ الْبِلَادُ مَفْزَعُ أَهْلِ السُّنَّةِ أَمَامَ الْغُولِ الصَّفَوِيِّ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْبِلَادَ هِيَ الَّتِي خَرَجَ مِنْهَا أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِينَ دَكُّوا عُرُوشَ الْأَكَاسِرَةِ، وَنَقَلُوا الْإِسْلَامَ الصَّحِيحَ إِلَى الْعَالَمِينَ.

فَبَلَدُكُمْ قَدَرُهَا الْإِسْلَامُ، وَشَخْصِيَّتُهَا التَّوْحِيدُ، وَوَظِيفَتُهَا نَشْرُ أَنْوَارِ السُّنَّةِ إِلَى أَرْجَاءِ الدُّنْيَا، فَكُونُوا دُعَاةً لِلتَّوْحِيدِ، هُدَاةً لِلْحَقِّ، رُحَمَاءَ بِالْخَلْقِ.

اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ وَللهِ الْحَمْدُ.

بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ فِي الْوَحْيَيْنِ، وَجَعَلَنَا مِنْ أَتْبَاعِ سَيِّدِ الثَّقَلَيْنِ...

الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:

أَمَّا بَعْدُ فَيَا إِخْوَةَ الْإِيمَانِ: وَفِي الْأُضْحِيَةِ يَكُونُ التَّسْلِيمُ، فَالْمُسْلِمُ يُضَحِّي امْتِثَالاً وَاقْتِدَاءً بِالْمُرْسَلِينَ، يَفْعَلُ ذَلِكَ طَوَاعِيَةً وَاخْتِيَارًا، لَا يَعْتَرِضُ عَلَى أَصْلِ الْأُضْحِيَةِ وَجِنْسِهَا، وَلَا يُجَادِلُ فِي وَصْفِهَا وَعُمْرِهَا وَوَقْتِ ذَبْحِهَا، وَإِنَّمَا يَفْعَلُ ذَلِكَ مُسَلِّمًا، رَاجِيًا حُصُولَ الْأَجْرِ وَالتَّقْوَى (لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ).

وَلِلْمَرْأَةِ دَوْرُهَا فِي التَّسْلِيمِ وَالِاسْتِجَابَةِ لِلشَّارِعِ الْحَكِيمِ، فَرَبُّهَا الَّذِي خَلَقَهَا خَلَقَ لَهَا دَوْرَهَا فِي الْحَيَاةِ، وَأَنْزَلَ نُصُوصًا بِتَوْجِيهٍ خَاصٍّ لِلْمَرْأَةِ فِي حُقُوقِهَا وَوَاجِبَاتِهَا وَإِرْثِهَا وَحِجَابِهَا وَوُجُوبِ الْمَحْرَمِ وَالْوِلَايَةِ.

حَدَّثَتْنَا أُمُّ سَلَمَةَ فَقَالَتْ: لَمَّا نَزَلَتْ (يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ) خَرَجَ نِسَاءُ الْأَنْصَارِ كَأَنَّ عَلَى رُؤُوسِهِنَّ الْغِرْبَانَ مِنَ الْأَكْسِيَةِ.

وَإِذَا كَانَ حَقُّ الْوِلَايَةِ لِلرَّجُلِ وَرَدَتْ بِهِ النُّصُوصُ، فَهُوَ لِأَجْلِ حِفْظِ الْمَرْأَةِ وَصِيَانَتِهَا، فَعَجَبٌ مِنَ الْفَهْمِ السَّقِيمِ عِنْدَ مَنْ يَرَى أَنَّ الْوِلَايَةَ امْتِهَانٌ لَهَا وَتَنَقُّصٌ وَتَسَلُّطٌ ذُكُورِيٌّ.

نَعَمْ يَحْصُلُ ظُلْمٌ عَلَى الْمَرْأَةِ بِسَبَبِ الْوِلَايَةِ وَهَذَا مُحَرَّمٌ وَلَا يُقَرُّ، وَلَا يَعْنِي هَذَا أَنَّ الْوِلَايَةَ بَاطِلَةٌ، وَلِلْأَسَفِ تَحَوَّلَتْ بَعْضُ الْكِتَابَاتِ مِنْ نَقْدِ مَنْ أَسَاءَ اسْتِخْدَامَ النَّصِّ إِلَى التَّشْكِيكِ فِي النَّصِّ أَوْ تَأْوِيلِهِ عَلَى غَيْرِ مُرَادِهِ.

فَثِقِي يَا أَمَةَ اللهِ أَنَّ شَرَفَكِ وَعِزَّكِ وَتَعَالِيَكِ هُوَ بِاسْتِمْسَاكِكِ بِنُصُوصِ الشَّرْعِ، فَافْخَرِي بِهَذَا وَفَاخِرِي بِهِ، وَتَيَقَّنِي أَنَّ تَمَسُّكَكِ بِحِجَابِكِ الشَّرْعِيِّ وَبُعْدَكِ عَنْ مُخَالَطَةِ الرِّجَالِ وَعَمَلَكِ فِي إِدَارَةِ مَمْلَكَةِ الْبَيْتِ وَاسْتِصْلَاحِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ، وَلَنْ يُضِيعَ اللهُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً.

عِبَادَ اللهِ: ضَحُّوا تَقَبَّلَ اللهُ ضَحَايَاكُمْ، وَكُلُوا مِنْهَا وَتَصَدَّقُوا وَتَهَادَوْا، وَاذْكُرُوا اللهَ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَكُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ.

اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ وَللهِ الْحَمْدُ، اللهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا وَالْحَمْدُ للهِ كَثِيرًا وَسُبْحَانَ اللهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً.

صَلُّوا بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى خَيْرِ الْبَرِيَّةِ وَأَزْكَى الْبَشَرِيَّةِ ....


تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي