خطبة عيد الأضحى 1437 (التحذير من تكفير المسلمين)

حسين بن عبدالعزيز آل الشيخ
عناصر الخطبة
  1. من وصايا النبي في خطبة الوداع .
  2. من أعظمِ الفتنِ فِتنةُ الغلُوِّ في التكفير .
  3. المسائل الشائكة لا يخُوض فيها إلا الراسخون .
  4. تحذير العلماء من تكفير المعيَّن .
  5. الحث على الأضحية وبيان مقصدها .
  6. بلاد الحرمين وما من الله عليها من خدمة بيته. .

اقتباس

من أعظمِ الفتنِ: فِتنةُ منهج الغلُوِّ في تكفير المسلمين، دون إحكامٍ للقواعدِ الشرعيَّةِ الدقيقةِ, فتنةٌ زلَّت فيها أقدام، وضلَّت بها أفهام، قادَت إلى عواقِبَ وخيمةٍ، ومفاسِدَ جَمَّة، وفي [صحيح البخاري] أنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "ومن رمَى مؤمنًا بكفرٍ، فهو كقتلِه". إن مثلَ هذه المسائل المهمة الشائكةِ لا يجوزُ بأيِّ حالٍ أن يخُوضَ فيها إلا العلماءُ الراسخون، والأئمةُ المجتهدون...

الخطبة الأولى:

الحمدُ لله، وسبحان الله، ولا إله إلا الله، واللهُ أكبر، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أن نبيَّنا محمدًا عبدُه ورسولُه، اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك عليه وعلى آله وأصحابِه، ومن اهتَدَى بهُداه إلى يوم الدين.

الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.

أما بعد:

فيا أيها الناس: أُوصِيكم ونفسي بتقوَى الله -جل وعلا-، وطاعته في السرِّ والنجوَى.

معاشر المسلمين: إن الأمةَ الإسلاميةَ تمُرُّ بفتنٍ مُدلهِمَّة، وإن رسولَنا -صلى الله عليه وسلم- أوصَى الأمةَ بما يدرءُ عنها الضررَ ويُخلِّصُها من الشرِّ, ففي خُطبةِ الوداعِ: يقولُ -صلى الله عليه وسلم-: "إن دماءَكم وأموالَكم وأعراضَكم حرامٌ عليكم كحُرمةِ يومكم هذا، في شهركِم هذا، في بلدكم هذا".

ومن أعظمِ الفتنِ: فِتنةُ منهج الغلُوِّ في تكفير المسلمين، دون إحكامٍ للقواعدِ الشرعيَّةِ الدقيقةِ, فتنةٌ زلَّت فيها أقدام، وضلَّت بها أفهام، قادَت إلى عواقِبَ وخيمةٍ، ومفاسِدَ جَمَّة، قال تعالى: (وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا) [النساء: 94]. وفي [صحيح البخاري] أنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "ومن رمَى مؤمنًا بكفرٍ، فهو كقتلِه".

يا أهل الإسلام: إن مثلَ هذه المسائل المهمة الشائكةِ لا يجوزُ بأيِّ حالٍ أن يخُوضَ فيها إلا العلماءُ الراسخون، والأئمةُ المجتهدون، ووفقَ تشاوُرٍ جماعيٍّ بينهم، لا اجتهادٍ فرديٍّ، وفي مُحيط تحقيقٍ مُدَقَّقٍ، وتأصيلٍ مُتقَن، بعيدٍ عن كل هوًى وتعصُّب، وبمنأًى عن حماسةٍ مُتدفِّقةٍ، ورَدَّةِ فعلٍ بعاطفةٍ جيَّاشةٍ؛ لا تحكُمُها أصولُ المنهجِ العلمي المُؤصَّل.

فبهذا المسلك -بإذن الله- تسلَمُ الأمةُ من منهج الإفراط والغلُوِّ والتفريط، وتسيرُ إلى ما أرادَ الله لها من وحدةٍ إسلامية، ورابطةٍ إيمانية تتحقَّقُ بها مصالحُ الدين والدنيا معًا.

الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.

يا شبابَ الإسلام: أنتم زهرةُ الأمة اليانِعةُ، وثمرتُها الباسِقةُ، فكونوا على دِرايةٍ وكَيَاسة، وتيقَّنُوا بأنه إن عدَلتُم عن هذا المسلَك المُرتَضَى، فستبقَى الأمةُ لُقمةً سائِغةً في أيادِي الأعداء، يُحرِّكُون بينها الفتنَ، عن طريق اجتِهاداتٍ فرديةٍ خاطِئةٍ،  تُحدِثُ ورَطَاتٍ عُظمى، وشُرُورٍ كبرى.

وهذا ما حذَّر منه -صلى الله عليه وسلم- في خُطبة الوداع، حين قال: "لا ترجِعُوا بعدي كفَّارًا يضرِبُ بعضُكم رِقابَ بعضٍ".

الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.

ومن زاغَ عن المحجَّةِ النبوية التي بيَّنَها -صلى الله عليه وسلم- بقولِه: "من صلَّى صلاتَنا، واستقبَلَ قِبلتَنا، وأكَلَ ذبيحَتَنا، فهو المسلمُ الذي له ذِمَّةُ الله ورسوله" [رواه البخاري], من زاغَ عن ذلك جاء بأحكامٍ جائرةٍ في الأمة، تؤُولُ إلى مفاسِدَ قد لا تُستدرَكُ آثارُها.

ولذا تواتَرَت نُصوصُ العُلماء المُحقِّقين قديمًا وحديثًا في التحذير من تكفير المُعيَّن إلا ببُرهانٍ شرعيٍّ أوضحَ من شَمس النهار، ووَفقَ منظومةِ توفُّرِ شروطٍ وانتِفاء موانِع؛ حِمايةً لسِياجِ عِرض المسلم، في دينِه ونفسهِ ومالِه، قال -صلى الله عليه وسلم-: "أيُما امرئٍ قال لأخيِه يا كافر، فقد باءَ بها أحدُهما، إن كان كما قال، وإلا رجَعَت عليه". يقولُ الشوكانِيُّ -بعد تحذيره من الجرأة على تكفير أهل لا إله إلا الله-: "فإن هذه جِنايةٌ لا يعدِلُها جِناية، وجَراءةٌ لا تُماثِلُها جَراءةٌ".

الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.

معاشر المسلمين: احذَرُوا من كل اجتهادٍ يُفرِّقُ الأمةَ وهي في وقتٍ تدعُو الضرورةُ على الاصطِفافِ على الوحيَين، والاتِّحادِ على البرِّ والتقوَى، لمُواجَهة تحدياتٍ ضخمةٍ، إن لم نكُن حذِرِين، فستأتِي على أخضَرِها ويابِسِها.

فعلى الجميعِ سُلوكُ طريق الصحابةِ الأتقِياء، وأن يستلهِمُوا الصلاحَ والفلاحَ من وصيَّة نبيِّهِم محمدٍ -صلى الله عليه وسلم- في خُطبة الوداع, حيث قال: "وقد ترَكتُ فيكم ما إن تمسكتُم به لن تضِلُّوا بعدَه أبدًا؛ كتاب الله".

والواجِبُ أن تسرِي بيننا النصيحةُ الصادقةُ المُخلِصةُ، والمُحاوَرةُ الهادِئةُ الجميلةُ، المُعطَّرةُ بالأدب الرفيعِ والخُلُق الجَميل، وَفقَ المنهج النبويِّ الذي يقومُ على معانِي الإنصاف والعدل، والرحمة والإحسان، وفي إطار الحُجَّة والبُرهان، بالأصولِ العلميةِ المُؤصَّلة، كما قال -صلى الله عليه وسلم-: "الدِّينُ النَّصيحة", قالها ثلاثًا.

وفَّقَنا الله جميعًا للهُدى والتقوَى، أقولُ هذا القولَ، وأستغفِرُ الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ، فاستغفِرُوه إنه هو الغفورُ الرحيم.

الخطبة الثانية:

أحمدُ ربي وأشكُرُه، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك، وأشهدُ أن نبيَّنا محمدًا عبدُه ورسولُه.

وأسألُ الله -جل وعلا- أن يجعَلَ أوقاتَنا عامِرةً بالمسرَّات، والمُسارَعة إلى الخيرات.

عباد الله: الأُضحِيةُ عن النفسِ والأهل سُنَّةٌ نبويةٌ، وشعيرةٌ عظيمةٌ؛ روى ابنُ ماجة بسندٍ حسنٍ، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "من وجَدَ سعَةً فلم يُضَحِّ فلا يقربَنَّ مُصلاَّنا".

والمقصودُ الأعظم من الأُضحِية تحقيقُ التعظيمِ والإجلالِ لله -جل وعلا-، فعظِّمُوا خالِقَكم، وأكثِرُوا من ذِكرِه وشُكرِه.

معاشر المسلمين: إن بلاد الحرمين شرَّفها الله بحَملِ أمانةِ خِدمةِ الحرمين، وقد وفَّقَها الله بحَمل الأمانة خيرَ قِيام، فجعَلَت في أول اهتِمامِها، وأقصَى غاياتها ذلك، وإن إنكارَ ذلك مُكابَرةٌ وسَفسَطةٌ لا تكونُ إلا لمُنكِرٍ للحواسِّ المعلومة المُشاهَدة للعيَان، التي يراها العالَمُ كلُّه.

ونُكرانُ الجهود الخيِّرَة تأبَاه النصوصُ الشرعيَّةُ، والطِّباعُ السوِيَّة، قال -صلى الله عليه وسلم-: "لا يشكُرُ اللهَ من لا يشكُرُ الناسَ". زادَ الله هذه البلادَ وزادَ حكومتها، هدًى وتوفيقًا، وسدادًا ونجاحًا، وأمنًا وأمانًا وفلاحًا.

الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.

       

إنَّ من أعظم الأعمال: الإكثارُ من الصلاةِ والسلامِ على النبيِّ الكريم، اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك وأنعِم، على سيِّدنا ونبيِّنا مُحمدٍ، وعلى آله وأصحابه أجمعين.

اللهم اجعَل أيامَنا أيامَ سُرورٍ وحُبُورٍ يا ذا الجلال والإكرام.

اللهم وفِّقنا للعملِ الصالحِ في هذه الأيام المباركة.

اللهم أعِزَّ الإسلامَ والمسلمين، اللهم فرِّج هُمومَ المسلمين، اللهم اجعَل أيامَهم عامِرةً بالخيرِ والهُدَى والتُّقَى يا ذا الجلال والإكرام، اللهم أنزِل عليهم أمنَك، اللهم أنزِل عليهم الأمنَ والصلاحَ والفلاحَ يا ذا الجلال والإكرام.

اللهم وفِّق ولِيَّ أمرنا ونائبَيْه لما تُحبُّ وترضَى، اللهم وفِّقهم ووفِّق جميعَ أُمَراء هذه البلاد لما فيه خِدمةُ الإسلام والمسلمين.

اللهم اغفِر للمُسلِمين والمُسلِمات، والمؤمنين والمؤمنات، الأحياءِ منهم والأموات.

وآخرُ دعوانا أن الحمدُ لله ربِّ العالمين.


تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي