إن صدّ الناس عن الحق، بالتعذيب والقتل والاستهزاء، وأنواع الإيذاء القولية والفعلية، لا يصدر إلا عن قلب كافر أو مريض؛ لمناقضته سبيل المرسلين، وما وجب من حق رب من الطاعة له والانقياد، والدعوة إلى سبيله، وموالاة أوليائه، ونصرة المؤمنين به؛ ولهذا...
إن صدّ الناس عن الحق، بالتعذيب والقتل والاستهزاء، وأنواع الإيذاء القولية والفعلية، لا يصدر إلا عن قلب كافر أو مريض؛ لمناقضته سبيل المرسلين، وما وجب من حق رب من الطاعة له والانقياد، والدعوة إلى سبيله، وموالاة أوليائه، ونصرة المؤمنين به؛ ولهذا ذكره الله وصفا للكافرين والمنافقين، وتوعد عليه بالعذاب الشديد؛ كما قال: (وَوَيْلٌ لِلْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ شَدِيدٍ * الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ بَعِيد) [إبراهيم: 2 - 3]، وقال: (الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ زِدْنَاهُمْ عَذَابًا فَوْقَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُوا يُفْسِدُون) [النحل: 88]، وقال: (وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بَطَرًا وَرِئَاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَاللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ) [الأنفال: 47].
وقال في صفة المنافقين: (الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) [التوبة: 79].
فلنتبه لهذا الأمر الخطير لئلا يلحقنا شيء من هذا الوصف الذميم، والعذاب الأليم.
عباد الله: فتنة المؤمن عن دينه لها صور لا تحصى، ومنها ما قد لا يلقي له الإنسان بالا، ويحسبه هينا وهو عند الله عظيم! وقد لا يعلم أنها من فتن الناس عن الحق، بل -أحيانا- قد يظنها برا، وذلك ناتج عن القصور في إدراك حقيقة فتن المؤمن عن دينه؛ إذ يتصور بعض الناس أن فتنة المؤمن عن دينه محصورة في دعوته الصريحة للكفر بالله، والخروج من ملة الإسلام، بالقهر والسلاح، والقتل والتنكيل فحسب، وليس الأمر كذلك، بل هذه صورة من صورها، وهي أشدها، لكن فتنة المؤمن عن دينه أعم من ذلك، فالفتنة قد تكون بالكفر، وقد تكون بالبدعة، وقد تكون بالمعصية؛ لأن الفتنة لا تعني الخروج عن الإسلام بالضرورة.
وعلى هذا؛ فكل من أسهم في نشر بدعة، أو معصية، أو أمر بهما، أو دعا إليهما، أو يسر أسبابهما، فقد فتن المؤمنين، وكل من منع من أداء واجب، أو خذّل عن سنة، فقد فتن المؤمنين عن دينهم؛ كما عمم الله في قوله: (إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ) [البروج: 10].
والأمثلة كثيرة، والممارسات الخاطئة غير محصورة، وإن كنا لا نشك أن المؤمن لا يقوم في قلبه مطلقا فتنة الناس عن دينهم، أو الإسهام في ذلك ولو بالقليل، لكن غلبة الجهل -أحيانا- أو عدم التحق في أحيان أخرى، أو استحواذ الدنيا على عقله وفكره، بحيث يبحث عن الربح في التجارة والعمل، ولا يتصور عاقبة ما يصنع.
ومنها على جهة الإشارة: ما يمارسه بعض الآباء أو الأسر على من تدين واستقام من أبنائهم من ضغط وتثبيط واستهزاء؛ خوفا منهم عليه من الغلو في الدين، وانتهاج منهج الخوارج.
ومنها: ما ينشره ملاك القنوات ووسائل الإعلام والتواصل من أفلام، أو مقاطع، أو كلمات فاحشة، تنشر الرذيلة، فيقع بعض الناس بسببها في الفواحش من زنا ولواط ومشرب مسكر وتبرج وسفور، وأحيانا قد تكون مشتملة على شبهات تقع في قلب الجاهل فتصده عن سبيل الله.
ومنها: بيع المحرمات من مأكولات أو مشروبات أو ملبوسات وغيرها.
ومنها: التصدر للفتوى والدعوة من غير المتأهلين ولا سيما في وسائل الإعلام -وهم كثير- مما يؤدي إلى تحريم ما أحل الله أو تحليل ما حرم الله.
ومنها: إهمال الواجب على الإنسان في تربية أولاده، وتوفيره لهم وسائل فيها انحراف وضلال مع عدم التوجيه والمتابعة.
ومنها: تحدث المرء بمعصيته ومجاهرته بذلك مما يغري السفهاء على مماثلته.
وبالجملة، فكل من يسر لأحد أسباب المعصية أو دعاه إليها أو أعانه عليها، فقد شارك في فتنته.
وكل مؤمن بالله واليوم الآخر يستعيذ بالله أن يفتن مؤمنا، ولا تنطوي سريرته على ذلك، ولا نجاة من ذلك -بعد توفيق الله- إلا بالحرص، وقهر النفس، وتذكر القدوم على الله وأهوال القيامة، والجنة والنار، مع قصر الدنيا وحقارتها.
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي