ذَلِكَ أَنَّهُ مَا مِن نَاشِئٍ إِلاَّ وَيَنشَأُ عَلَى مَا عَوَّدَهُ عَلَيهِ أَبُوهُ أَو أَخذَهُ بِهِ مُرَبُّوهُ؛ فَمَن عُوِّدَ مُنذُ تَميِيزِهِ أَن يَخِفَّ إِلى الصَّلاةِ حَالَ سَمَاعِ مُنَادِيهَا، وَأَن يُؤَدِّيَهَا حَيثُ يُنَادَى إِلَيهَا وَيَركَعَ مَعَ الرَّاكِعِينَ - تَعَوَّدَ ذَلِكَ بَعدَ بُلُوغِهِ وَسَهُلَ عَلَيهِ، وَمَن تُرِكَ لَهُ الحَبلُ في هَذَا الجَانِبِ عَلَى الغَارِبِ مُنذُ صِغَرِهِ، أَو نَشَأَ في أُسرَةٍ لا تُقِيمُ لِذَلِكَ وَزنًا - عَسُرَ عَلَى وَلِيِّهِ بَعدَ كِبَرِهِ عَسفُهُ عَلَى فِعلِهَا، وَصَعُبَ عَلَيهِ بَعدَ ذَلِكَ القِيَامُ إِلَيهَا ..
أَمَّا بَعدُ: فَأُوصِيكُم -أَيُّهَا النَّاسُ- وَنَفسِي بِتَقوَى اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ- (وَأْمُرْ أَهلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصطَبِرْ عَلَيهَا لا نَسأَلُكَ رِزقًا نحنُ نَرزُقُكَ وَالعَاقِبَةُ لِلتَّقوَى) [طه: 123]
أَيُّهَا المُسلِمُونَ: مِمَّا يُعِينُ المَرءَ عَلَى أَدَاءِ مَا أَمَرَهُ اللهُ بِهِ - مَعرِفَتُهُ مَا لَهُ مِنَ الأَجرِ وَالثَّوَابِ إِن فَعَلَ مَا يَجِبُ عَلَيهِ، وَيَقِينُهُ بما عَلَيهِ مِنَ الوِزرِ وَالعِقَابِ إِن هُوَ تَهَاوَنَ وَقَصَّرَ، وَأَن يَستَحضِرَ أَنَّهُ بِأَدَاءِ مَا أُمِرَ بِهِ مُنقَادٌ لِرَبِّهِ مُحَقِّقٍ لِلعُبُودِيِّةِ الَّتي خَلَقَهُ لأجلها حيث قَالَ -سُبحَانَهُ-: (وَمَا خَلَقتُ الجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعبُدُونِ)[الذاريات:56]
وَإِنَّ ثَمَّةَ عِبَادَةً عَظِيمَةً تَتَعَلَّقُ بِعِبَادَةِ عَظِيمَةٍ أُخرَى، عِبَادَةٌ فَعَلَهَا الأَنبِيَاءُ وَصَبَرَ عَلَيهَا الصَّالحُونَ، وَشَعَرَ بِأَهَمِّيَّتِهَا الأَولِيَاءُ وَأَمَرَ بها المُتَّقُونَ، إِنَّهَا أَمَرُ الأَبنَاءِ بِالصَّلاةِ وَحَثُّهُم عَلَيهَا وَالصَّبرُ عَلَى ذَلِكَ وَالاحتِسَابُ فِيهِ، وَتَفَقُّدُهُم في هَذَا الشَّأنِ العَظِيمِ وَتَتَبُّعُهُم، لِتَعوِيدِهِم عَلَيهَا وَتَنشِئَتِهِم عَلَىَ حُبِّهَا، وَغَرسِ قَدرِهَا في قُلُوبِهِم وَتَأكِيدِ مَكَانَتِهَا في نُفُوسِهِم.
ذَلِكَ أَنَّهُ مَا مِن نَاشِئٍ إِلاَّ وَيَنشَأُ عَلَى مَا عَوَّدَهُ عَلَيهِ أَبُوهُ أَو أَخذَهُ بِهِ مُرَبُّوهُ؛ فَمَن عُوِّدَ مُنذُ تَميِيزِهِ أَن يَخِفَّ إِلى الصَّلاةِ حَالَ سَمَاعِ مُنَادِيهَا، وَأَن يُؤَدِّيَهَا حَيثُ يُنَادَى إِلَيهَا وَيَركَعَ مَعَ الرَّاكِعِينَ - تَعَوَّدَ ذَلِكَ بَعدَ بُلُوغِهِ وَسَهُلَ عَلَيهِ.
وَمَن تُرِكَ لَهُ الحَبلُ في هَذَا الجَانِبِ عَلَى الغَارِبِ مُنذُ صِغَرِهِ، أَو نَشَأَ في أُسرَةٍ لا تُقِيمُ لِذَلِكَ وَزنًا - عَسُرَ عَلَى وَلِيِّهِ بَعدَ كِبَرِهِ عَسفُهُ عَلَى فِعلِهَا، وَصَعُبَ عَلَيهِ بَعدَ ذَلِكَ القِيَامُ إِلَيهَا وَثَقُلَت عَلَيهِ المُحَافَظَةُ عَلَيهَا، قَالَ -صَلَّىَ اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-: "مُرُوا أَولادَكُم بِالصَّلاةِ وَهُم أَبنَاءُ سَبعِ سِنِينَ، وَاضرِبُوهُم عَلَيهَا وَهُم أَبنَاءُ عَشرِ سِنِينَ" الحَدِيثَ رَوَاهُ أَحمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَحَسَّنَهُ الأَلبَانيُّ.
وَلَو تَأَمَّلَ مُتَأَمِّلٌ هَذَا الحَدِيثَ وَتَدَبَّرَهُ، لَوَجَدَ أَنَّ الأَبَ مُلزَمٌ بِأَمرِ وَلَدِهِ بِالصَّلاةِ في ثَلاثِ سَنَوَاتٍ أَكثَرَ مِن خمسَةِ آلافِ أَمرٍ، وَهُوَ تَكرَارٌ كَثِيرٌ وَتَأكِيدٌ كَبِيرٌ، لَو حَصَلَ وَحُوفِظَ عَلَيهِ كَمَا أَمَرَ بِهِ المُرَبِّي الأَكبَرُ -عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ- لَكَانَ كَفِيلاً بِغَرسِ مَكَانَةِ الصَّلاةِ في سُوَيدَاءِ قَلبِ المَأمُورِ بِهَا، وَلَكَانَ كَافِيًا لِتَأكِيدِ أَهَمِّيَّةِ تِلكَ العِبَادَةِ في نَفسِهِ، وَلَتَيَقَّنَ أَنَّ عِبَادَةً يُؤمَرُ بها في ثَلاثِ سَنَوَاتٍ أَكثَرَ مِن خمسَةِ آلافِ أَمرٍ فَرِيضَةٌ مُحكَمَةٌ وَرُكنٌ مَتِينٌ مِن أَركَانِ الدِّينِ.
لَقَد كَانَ مِن دَأبِ أَنبِيَاءِ اللهِ المُرسَلِينَ وَعِبَادِهِ الصَّالحِينَ الأَمرَ بِالصَّلاةِ وَدُعَاءَ اللهِ أَن يُعِينَهُم وَأَبنَاءَهُم عَلَى إِقَامَتِهَا، قَالَ -تَعَالى- عَن خَلِيلِهِ إِبرَاهِيمَ -عَلَيهِ السَّلامُ-: (رَبِّ اجعَلْني مُقِيمَ الصَّلاةِ وَمِن ذُرِّيَّتي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ) [إبراهيم :40]
وَقَالَ عَن إِسماعِيلَ -عَلَيهِ السَّلامُ-: (وَاذكُرْ في الكِتَابِ إِسماعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الوَعدِ وَكَانَ رَسُولاً نَبِيًّا * وَكَانَ يَأمُرُ أَهلَهُ بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِندَ رَبِّهِ مَرضِيًّا) [مريم 54: 55] وَكَانَ مِن وَصَايَا لُقمَانَ الحَكِيمِ لابنِهِ أَن قَالَ: (يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالمَعرُوفِ وَانْهَ عَنِ المُنكَرِ وَاصبِرْ عَلَىَ مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِن عَزمِ الأُمُورِ) [لقمان: 17]
وَبِهَذَا الأَمرِ العَظِيمِ أَمَرَ اللهُ خَاتَمَ الأَنبِيَاءِ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: -سُبحَانَهُ-: (وَأْمُرْ أَهلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصطَبِرْ عَلَيهَا لا نَسأَلُكَ رِزقًا نحنُ نَرزُقُكَ وَالعَاقِبَةُ لِلتَّقوَى) [طه :132]
وَهُوَ أَمرٌ لِلأُمَّةِ مِن بَعدِ نَبِيِّهَا، وَاجِبٌ عَلَيهَا امتِثَالُهُ وَالاصطِبَارُ عَلَيهِ؛ إِبرَاءً لِلذِّمَّةِ وَأَدَاءً لِلوَاجِبِ، وَقِيَامًا بِحَقِّ الرَّعِيَّةِ الَّتي سَيُسأَلُونَ عَنهَا يَومَ القِيَامَةِ؛ قَالَ -صَلَّىَ اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-: "كُلُّكُم رَاعٍ وَكَلُّكُم مَسؤُولٌ عَن رَعِيَّتِهِ؛ فَالإِمَامُ رَاعٍ وَهُوَ مَسؤُولٌ عَن رَعِيِّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ في أَهلِهِ وَهُوَ مَسؤُولٌ عَن رَعِيِّتِهِ، وَالمَرأَةُ رَاعِيَةٌ في بَيتِ زَوجِهَا وَهِيَ مَسؤُولَةٌ عَن رَعِيِّتِهَا" الحَدِيثَ رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسلِمٌ.
إِنَّهُ لأَمرٌ عَظِيمٌ، وَإِنَّ التَّقصِيرَ فِيهِ لَخَطِيرٌ، قَالَ -عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ-: "مَا مِن عَبدٍ يَستَرعِيهِ اللهُ رَعِيَّةً فَلَم يَحُطْهَا بِنَصِيحَةٍ إِلاَّ لم يَجِدْ رَائِحَةَ الجَنَّةِ" مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.
وَأَنَّى لأَبٍ لا يَأمُرُ أَبنَاءَهُ بِالصَّلاةِ أَن يَكُونَ قَد نَصَحَ لَهُم أَو أَدَّى مَا عَلَيهِ مِن وَاجِبٍ تُجَاهَهُم؟!
وَمَعَ هَذَا -أَيُّهَا المُسلِمُونَ- فَإِنَّ ثَمَّةَ أُمُورًا لَوِ استَحضَرَهَا كُلُّ أَبٍ -وَهُوَ يَأمُرُ أَبنَاءَهُ بِالصَّلاةِ وَيَتَعَاهَدُ قِيَامَهُم بها- لَوَجَدَ نَشَاطًا في ذَلِكَ مُضَاعَفًا، وَلأَدرَكَتهُ حَمَاسَةٌ تَدعُوهُ لِلاستِمرَارِ وَتَدفَعُهُ لِلصَّبرِ وَاستِسهَالِ مَا في ذَلِكَ مِن صِعَابٍ:
مِن ذَلِكَ -أَيُّهَا المُسلِمُونَ- أَنَّ أَمرَ الأَبِ لأَبنَائِهِ بِالصَّلاةِ مَدعَاةٌ لِمُحَافَظَتِهِم عَلَيهَا، وَهُوَ أَكبرُ سَبَبٍ لِصَلاحِهِم وَهِدَايَتِهِم -بِإِذنِ اللهِ وَتَوفِيقِهِ-، وَهُوَ الأَمرُ الَّذِي يَنشُدُهُ كُلُّ أَبٍ لأَبنَائِهِ وَيَتَمَنَّاهُ كُلُّ وَالِدٍ لأَولادِهِ، قَالَ -تَعَالى-: (إِنَّ الصَّلاةَ تَنهَىَ عَنِ الفَحشَاءِ وَالمُنكَرِ وَالبَغيِ) [العنكبوت:45]
إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الآبَاءِ يَشكُونَ مِن فَسَادِ أَبنَائِهِم في هَذَا الزَّمَانِ، وَيَتَأَلَّمُونَ لِخُرُوجِهِم عَنِ الطَّاعَةِ وَعِصيَانِهِم الأَوامِرَ وَوُقُوعِهِم في المَنَاهِي، وَارتِكَابِهِم لِلمَعَاصِي وَارتِكَاسِهِم في المُنكَرَاتِ وَالمُوبِقَاتِ، فَإِذَا تَتَبَّعتَ طَرِيقتَهُم في تَربِيَتِهِم، وَجَدتَهُم لا يَدرُونَ شَيئًا عَن حَالِهِم مَعَ الصَّلاةِ.
بَل قَد يَكُونُونَ يَعلَمُونَ أَنَّهُم لا يُصَلُّونَ وَمَعَ ذَلِكَ لا يَأبَهُون وَلا يُنكِرُونَ، بَل قَد يَكُونُونَ مِمَّن يُشفِقُونَ عَلَيهِم إِذَا نَامُوا فلا يُوقِظُونَهُمْ؛ وَمِن ثَمَّ فَكَيفَ يَرجُونَ صَلاحَهُم أَو يَنتَظِرُونَ فَلاحَهُم وَهُمُ الَّذِينَ أَغفَلُوا أَكبَرَ أَسبَابِ الصَّلاحِ وَغَفَلُوا عَن أَعظَمِهَا ؟!
وَمِمَّا يُعِينُ الأَبَ عَلى الاستِمرَارِ في أَمرِ أَبنَائِهِ بِالصَّلاةِ: أَن يَستَحضِرَ أَنَّهُ بِذَلِكَ دَالٌّ عَلَىَ الخَيرِ دَاعٍ إِلى الهُدَىَ، وَقَد قَالَ -عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ-: "مَن دَلَّ عَلَى خَيرٍ فَلَهُ مِثلُ أَجرِ فَاعِلِهِ" رَوَاهُ مُسلِمٌ وَغَيرُهُ . وَقَالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-: "مَن دَعَا إِلى هُدَىً كَانَ لَهُ مِنَ الأَجرِ مِثلُ أُجُورِ مَن تَبِعَهُ لا يَنقُصُ ذَلِكَ مِن أُجُورِهِم شَيئًا" رَوَاهُ مُسلِمٌ وَغَيرُهُ .
وَقَالَ -عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ-: "وَاللهِ لأَنْ يَهدِيَ اللهُ بِكَ رَجُلاً وَاحِدًا خَيرٌ لَكَ مِن أَن يَكُونَ لَكَ حُمْرُ النَّعَمِ" مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.
ثُمَّ إِنَّ في حِرصِ الوَلَدِ عَلَى الصَّلاةِ طُولَ حَيَاتِهِ وَمُحَافَظَتِهِ عَلَيهَا دَلالَةً عَلَى صَلاحِهِ، وَهَذَا أَكبَرُ مَكسَبٍ يُمكِنُ لأَبٍ أَن يَستَثمِرَهُ في حَيَاتِهِ، لِيَستَمِرَّ بِهِ أَجرُهُ بَعدَ وَفَاتِهِ، قَالَ -صَلَّىَ اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-: "إِذَا مَاتَ ابنُ آدَمَ انقَطَعَ عَمَلُهُ إِلاَّ مِن ثَلاثٍ: صَدَقَةٌ جَارِيَةٌ، أَو عِلمٌ يُنتَفَعُ بِهِ، أَو وَلَدٌ صَالحٌ يَدعُو لَهُ" رَوَاهُ مُسلِمٌ وَغَيرُهُ.
وَتَصَوَّرْ -أَيُّهَا الوَالِدُ الكَرِيمُ- يَومَ تَمُوتُ أَنَّ وَرَاءَكَ ابنًا أَو عِدَّةَ أَبنَاءٍ قَد بَذَلتَ الجُهدَ في إِصلاحِهِم وَعَوَّدتَهُم عَلَى الصَّلاةِ، فَاستَمَرُّوا بَعدَ وَفَاتِكَ ثَلاثِينَ أَو أَربَعِينَ سَنَةً يُحَافِظُونَ عَلَى الصَّلاةِ وَيَركَعُونَ وَيَسجُدُونَ؛ كَم سَيَكُونُ لَكَ مِنَ الأَجرِ بِكُلِّ رَكعَةٍ لهم وَبِكُلِّ سَجدَةٍ؟! كَم سَتَكسِبُ مِنَ الحَسَنَاتِ بِكُلِّ تَسبِيحٍ مِنهُم وَتَهلِيلٍ وَدُعَاءٍ وَاستِغفَارٍ؟!
فَاللهَ اللهَ بِالأَمرِ بِالصَّلاةِ، فَرُبَّمَا رَفَعَ اللهُ دَرَجَتَكَ وَغَفَرَ لَكَ بِسَبَبِ ذَلِكَ فَلا تُفَرِّطْ، قَالَ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: "إِنَّ الرَّجُلَ لَتُرفَعُ دَرَجَتُهُ في الجَنَّةِ فَيَقُولُ: أَنَّى لي هَذَا؟ فَيُقَالُ: بِاستِغفَارِ وَلَدِكَ لَكَ" رَوَاهُ ابنُ مَاجَه وَأَحمَدُ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ .
وَمِمَّا يَدفَعُ الأَبَ لِلاستِمرَارِ في أَمرِ أَبنَائِهِ بِالصَّلاةِ أَن يَتَصَوَّرَ كَم لَهُ مِنَ الأَجرِ حِينَ يُنقِذُ إَنسَانًا مِنَ النَّارِ، فَكَيفَ إِذَا كَانَ هَذَا الإِنسَانُ هُوَ ابنَهُ أَو ابنَتَهُ؟!
إِنَّنَا لَنَحرِصُ عَلَى وِقَايَةِ أَبنَائِنَا وَحمايَتِهِم مِنَ الأَمرَاضِ وَالأَسقَامِ، وَنَبذُلُ مَا نَملِكُ لإِنقَاذِهِم مِن عَوَارِضِ الدَّنيَا وَأَخطَارِهَا، أَفَلا نَملِكُ مِنَ الرَّحمَةِ لَهُم مَا يُصَبِّرُنَا عَلَى أَمرِهِم بما فِيهِ نَجَاتُهُم مِنَ الجَحِيمِ وَفِكَاكُ رِقَابِهِم مِنَ النَّارِ، وَكَيفَ لا نَفعَلُ وَقَد أَمَرَنَا رَبُّنَا -جَلَّ وَعَلا- بِإِنقَاذِهِم حَيثُ قَالَ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوَا قُوا أَنفُسَكُم وَأَهلِيكُم نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالحِجَارَةُ)؟! [التحريم:6]
وَهَل يَنجُو مِنَ النَّارِ تَارِكٌ لِلصَّلاةِ؟! لا وَاللهِ، قَالَ -سُبحَانَهُ-: (كُلُّ نَفسٍ بما كَسَبَت رَهِينَةٌ * إِلاَّ أَصحَابَ اليَمِينِ * في جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ * عَنِ المُجرِمِينَ * مَا سَلَكَكُم في سَقَرَ * قَالُوا لم نَكُ مِنَ المُصَلِّينَ * وَلم نَكُ نُطعِمُ المِسكِينَ * وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الخَائِضِينَ * وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَومِ الدِّينِ * حَتَّى أَتَانَا اليَقِين) [المدثر 38: 47]
وَمِمَّا يَدفَعُ الأَبَ لِلصَّبرِ عَلَىَ أَمرِ أَبنَائِهِ بِالصَّلاةِ أَن يَستَحضِرَ أَنَّ ذَلِكَ مِن أَسبَابِ الجَمعِ بَينَهُ وَبَينَهُم بِرَحمَتِهِ في جَنَّةٍ عَرضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرضُ، قَالَ -تَعَالى-: (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُم ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلحَقنَا بِهِم ذُرِّيَّتَهُم وَمَا أَلَتنَاهُم مِن عَمَلِهِم مِنَ شَيءٍ كُلُّ امرِئٍ بما كَسَبَ رَهِينٌ) [الطور:21]
أَلا فَلْنَتَّقِ اللهَ -أَيُّهَا المُسلِمُونَ- وَلْنَحرِصْ عَلَىَ أَدَاءِ أَبنَائِنَا الصَّلاةَ مَعَ الجَمَاعَةِ، فَإِنَّ ذَلِكَ مَكسَبٌ لَنَا وَلَهُم وَنَجَاةٌ لَنَا وَلَهُم، وَلْنَكُنْ كَمَا أَرَادَ اللهُ لَنَا آمِرَينَ بِالمَعرُوفِ نَاهِينَ عَنِ المُنكَرِ مُقِيمِينَ لِلِصَّلاةِ مُطِيعِينَ للهِ وَلِرَسُولِهِ.
فَإِنَّ ذَلِكَ سَبَبُ رِفعَةِ دَرَجَاتِنَا وَرَحمَةِ اللهِ لَنَا (وَالمُؤمِنُونَ وَالمُؤمِنَاتُ بَعضُهُم أَولِيَاءُ بَعضٍ يَأمُرُونَ بِالمَعرُوفِ وَيَنهَونَ عَنِ المُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرحمُهُمُ اللهُ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ * وَعَدَ اللهُ المُؤمِنِينَ وَالمُؤمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجرِي مِن تَحتِهَا الأَنهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً في جَنَّاتِ عَدنٍ وَرِضوَانٌ مِنَ اللهِ أَكبرُ ذَلِكَ هُوَ الفَوزُ العَظِيمُ) [التوبة 71: 72]
أَمَّا بَعدُ: فَاتَّقُوا اللهَ -تَعَالى- وَأَطِيعُوهُ وَلا تَعصُوهُ.
أَيَّهَا المُسلِمُونَ: إِنَّ اللهَ حِينَ أَمَرَ بِالصَّلاةِ وَمَدَحَ أَهلَهَا في كِتَابِهِ أَمَرَ بِهَا بِلَفظِ الإِقَامَةِ وَمَدَحَ المُقِيمِينَ لَهَا، أَلا وَإِنَّ مِن إِقَامَةِ الصَّلاةِ أَدَاءَهَا مَعَ الجَمَاعَةِ في بُيُوتِ اللهِ، وَإِلزَامَ الأَبنَاءِ بِذَلِكَ وَالحِرصَ عَلَيهِم، وَإِنَّهُ لَو فَعَلَ كُلُّ أُبٍ ذَلِكَ لامتَلأَتِ المَسَاجِدِ بِالمُصَلِّينَ، ولاكتَظَّتِ الجَوَامِعُ بِالرَّاكِعِينَ السَّاجِدِينَ، وَلَكِنَّ الإِهمَالَ قَد بَلَغَ في هَذَا مَبلَغًا لا يَلِيقُ بِمُؤمِنٍ.
أَلا فَاتَّقُوا اللهَ -رَحِمَكُمُ اللهُ- وَاعلَمُوا أَنَّهُ لا يَحِلُّ لِرَجُلٍ يُؤمِنُ بِاللهِ وَاليَومِ الآخِرِ أَن يُترَكَ أَولادَهُ وَرَاءَهُ نَائِمِينَ أَو يَلعَبُونَ، دُونَ أَن يُوقِظَهُم لِلصَّلاةِ وَيَأمُرَهُم بها، فَإِنَّ هَذَا مِن خِيَانَةِ الأَمَانَةِ وَقِلَّةِ الدِّيَانَةِ.
وَلا يَكفِي في ذَلِكَ الإِيقَاظُ العَابِرُ أَو مُرُورُ الكِرَامِ، بَل لا بُدَّ مِن المُتَابَعَةِ وَالمُجَاهَدَةِ وَالصَّبرِ وَالمُصَابَرَةِ، وَفِعلِ الأَسبَابِ المُعِينَةِ لَهُم عَلَىَ أَدَائِهَا وَعِلاجِ المَوَانِعِ القَاطِعَةِ لَهُم عَنِ شُهُودِهَا (وَمَن يَتَّقِ اللهَ يَجعَلْ لَهُ مَخرَجًا) [الطلاق:2] (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُم تُفلِحُونَ) [آل عمران:2]
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي