إن الوقاحة والجرأة وصلت ببعض الناس أن هذه تقول: "إن لها عشيقا لا تستطيع أن تعيش بدونه", والأخرى تقول: "إن زوجي يأمرني أن يكون لي خليل وعشيق لأن له خليلات وعشيقات", والآخر يقول: "إن أبي يعلم بأن أختي تغازل وتعيش مع الرجال في النت ويقول دعها مجرد سواليف", والآخر يريد أن يتزوج هذه لأنها حامل بالزنا منه!!. فصار الفجور والزنا أمر سهلا محببا، وغدت الدياثة صفة لبعض الرجال، وماتت الغيرة...
الحمد لله الذي بسط رايات العلم على المعمورة، ونشر وهج الدين وسلَّط على الكافرين نوره، له الحمد ما ارتُقِبَ صباح، والْتَأَمَتْ جِراح، وله الشكر ما نادى منادٍ حيَّ على الفلاح، وتَلاقَتْ على إِثْرِهَا الأرواح.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده صدقًا وعدلا، وأشهد أنَّ محمدًا رسول الله ومبعوثه إلى الخليقة جمعاء، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الكرام الأخيار الأبرار، الظَّاهِرِ نفعهم وَضَحَ النهار، ومن تبِع طريقتهم، واقتفى أثَرَهم إلى يوم الدين.
أما بعد: فأوصيكم -أيها الناس- ونفسي بتقوى الله -عز وجل-، فالبدار البدار للَّحَاقِ بِرَكْبِهَا، والالتحاق بصحبِها، يقول الله تعالى: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران: 102], ويقول تعالى: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) [الحشر: 18].
أيُّهَا المُؤمِنُون: لقد بُعث أحمد -صلى الله عليه وسلم-، والخلق في شتات وتفرق، وضياع وتمزُّق، فقوَّم الحيف والشطط، وجلَّى الحقائق وأزاح غِطاء الخلط، ثم قفاه خيرة الخلق بعد الأنبياء، ومن هذه الخيرة بركات الدعوة الإصلاحية في جزيرة العرب، والتي مازلنا نستظل بظلالها الوارفة، ونتّكئ على قواعدها المتينة، ومع تلاحم العامة مع العلماء، وقدر العلم قدره، كان للدين مكانته السامقة، وللعلماء منزلتهم اللائقة.
ولكن في العقدين الأخيرين تزبَّبَ نفرٌ على مائدة العلم فاستحلّوا حُرمته، وسفهوا حَمَلَتَه، وتبِعهم ثلَّة من شُدَاة الصّحافة، وطُلاب الشهرة، فخلَطوا الحابل بالنَّابل، وقلبوا الموازين، وأعجب كلًّ العجب من الذي يتبعهم، وهذه مذاهبهم وهذه نِحَلُهُم، وهكذا اختلافهم، ويطمع في الحق من بينهم، وهم مع تطاول الأيام بهم، ومر الدهور على المقايسات والمناظرات لا يزدادون إلا اختلافا, قال بشر بن الوليد: سمعت أبا يوسف يقول: "مَنْطَلَبَ غَرَائِبَ الْحَدِيثِ كُذِّبَ". -والله المستعان-.
ومن الطرف الآخر: نجِد قوى الشهوات استأسدت بعد خَوَر، وأخذت تأكل الشوارع، وتنهش عضد الأمة، وتستنزف وقودها، فنشرت شباكها عند كل مسلك، وزرعت شِرَاكَها حِذاء كلِّ مزلَق، فتغيَّرت عادات القوم، ودبَّ فيهم العجز والنوم، فهذه غُرَف العنكبوت قد خرَّجت جيلاً يرى الشهوة غاية طِلابِه، قد استنفد فيها صيدَ كلاَبِه، ولا أبَ يطلب خبره، ولا يرسل في أثره، فتلقفته أيادِ الهوى، وسلبت جنانه، وعقدَت لسانه، والأب سادرٌ في غفلته، لاهثًا في طلب دنياه وتحقيق نزوته، ولم يدرِ المسكين أنَّ رأس ماله ولده!.
إن النَاظر في حال الأسواق، والكاشف لأسرار النشء، والمتبصِّر في غرف الإنترنت، يرى العجب العجاب، ويهرب راكضًا خشية الخراب، فبنات الإسلام قد جعلن لوحة المفاتيح نافذة يحدِّثن فيها ذئاب الهوى، وآساد الفتنة، فحرف وحرفان، حتى يجتمع الاثنان، ثم تحلّ الكارثة التي صارت عادة في بعض المجتمعات القريبة، وينخرط العقد ويختلّ نظامه، وتنكسر المرآة فتتبعثر الصورة، وتطيش الصفحة بين كومة الأوراق.
ثم الناس بعد ذلك صنفان:
أحدهما: من تصفعه غفلته، وتأكله معصيته، فيستيقظ بعدها، وينشط من عقاله، ويلمَّ ما تفرَّق.
والآخر: من تملكه شهوته، وتحكم حول عنقه، فيجد من السواد صباحا، ومن الغبن رَبَاحا, ومن الفوز خُسرا، ومن الدين كأسا وجُرعة، ومن الخشية فجورا وفُحشا, ومن الخوف إعلانا, ومن الحياء استخفافا.
أيها الأحبة: إن حال بعض الناس يدل على ذهاب الحياء والخوف من الله فاستهان بمحارم الله والتجرؤ عليها, فأصبحت المعازف والأغاني والسهر والطرب صفة لبعض الناس, وأموالهم تُصرف على حفلا الغناء؛ لأحياء أعراسهم وزيجاتهم ولياليهم, وتمايل الشباب في الشوارع ورقصوا كرقص النساء.
والله حرّم الغناء (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ) [لقمان: 6] أقسم ابن مسعود بأن لهو الحديث هو الغناء, وعن الفضيل بن عياض: "الغناء رقية الزنا", و قال يزيد بن الوليد: "يا بني أمية! إياكم والغناء فإنه ينقص الحياء, ويزيد في الشهوة, ويهدم المروءة, وإنه لينوب عن الخمر ويفعل ما يفعله السكر, فإن كنتم لا بد فاعلين فجنبوه النساء فإن الغناء داعية الزنى".
أيها الناس: إن الوقاحة والجرأة وصلت ببعض الناس أن هذه تقول: "إن لها عشيقا لا تستطيع أن تعيش بدونه", والأخرى تقول: "إن زوجي يأمرني أن يكون لي خليل وعشيق لأن له خليلات وعشيقات", والآخر يقول: "إن أبي يعلم بأن أختي تغازل وتعيش مع الرجال في النت ويقول دعها مجرد سواليف", والآخر يريد أن يتزوج هذه لأنها حامل بالزنا منه!!.
فصار الفجور والزنا أمر سهلا محببا، وغدت الدياثة صفة لبعض الرجال، وماتت الغيرة التي هي صفة الرجال لا صفة الذكور, ومفخرة لكفار قريش, ورفعة في الإسلام, عن عائشة -رضي الله عنها- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "يا أمة محمد! ما أحد أغير من الله أن يرى عبده أو أمته تزني, يا أمة محمد! لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا".
وذهب الحياء الذي هو شعبة من الإيمان, قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "الحياء شعبة من الإيمان", وقال يحيى بن معاذ: "من استحيى من الله مطيعا استحيى الله منه وهو مذنب". وقال ابن القيم -رحمه الله-: "من لا حياء فيه ميت في الدنيا شقى في الآخرة, وبين الذنوب وبين قلة الحياء وعدم الغيرة تلازم من الطرفين, وكل منهما يستدعي الآخر ويطلبه حثيثا, ومن استحي من الله عند معصيته استحى الله من عقوبته يوم يلقاه, ومن لم يستح من الله تعالى من معصيته لم يستح الله من عقوبته".
أيها المؤمنون: إن المعاصي لها عقوبات فإن الله يملي للظالمين؛ ليتوبوا فإن لم يتوبوا أخذهم أخذ عزيز مقتدر, (وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ) [الأعراف: 183], وعن أبي موسى عن النَّبيِّ -صلى الله عليه وسلم- قال: "إنَّ اللهَ لَيُملي للظَّالم حتَّى إذا أخَذَه لم يُفْلِته, ثم قرأ: (وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ) [هود: 102]".
قال ابن القيم: "ومن عقوبة المعاصي ذهاب الحياء الذي هو مادة الحياة للقلب, وهو أصل كل خير وذهاب كل خير بأجمعه". وفي الصحيح عنه -عليه الصلاة والسلام- أنه قال: "الحياء خير كله", وقال: "إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى إذا لم تستح فاصنع ما شئت", وقال عبدالله بن المبارك -رحمه الله-: "من تهاون بالأدب عوقب بحرمان السنن, ومن تهاون بالسنن عوقب بحرمان الفرائض, ومن تهاون بالفرائض عوقب بحرمان المعرفة", وقيل : "الأدب في العمل علامة قبول العمل".
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي