وَمِنَ الْمَظَاهِرِ الْجَمِيلَةِ: حِرْصُ النَّاسِ عَلَى السُّؤُالِ, وَثِقَتُهُمْ بِمَشَايِخِ السُّعُودِيَّةِ وَعُلَمَائِهَا, حَتَّى إِنَّكَ تَجِدُ الْحَاجَّ يُلِحُّ عَلَى الْمُفْتِي السُّعُودِيِّ وَيَقُولُ: "أُرِيدُ فَتْوَاكَ أَنْتَ", ثُمَّ إِنَّ الْمَشَايِخَ وَأَصْحَابَ الْفَضِيلَةِ الْعُلَمَاءَ مُتَوَاجِدُونَ فِي الْحَجِّ مِنْ وَقْتٍ مُبَكِّرٍ, فِي الْمَسَاجِدِ وَالْمَشَاعِرِ وَعَلَى الْهَاتِفِ الْمَجَانِيِّ عَلَى مَدَارِ السَّاعَةِ, يَعِظُونَ وَيُعَلِّمُونَ وَيُرْشِدُونَ وَيَوُجِّهُونَ, كُلٌّ بِحَسَبِهِ وَكُلُّ حَاجٍ وَمَسْأَلَتَهُ, عَلَّمُوا النَّاسَ مَنَاسِكَ الْحَجِّ وَأَعْطَوْهُمْ وَصَفَهُ الصَّحِيحَ, أَرْشَدُوهُمْ لِصَحِيحِ الْاعْتِقَادِ وَحَذَّرُوهُمْ مِنَ الشِّرْكِ وَالْبِدَعِ وَالْخُرَافَاتِ...
الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيم, وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَلِيُّ الصَّالِحِين, إِلَهُ الْأَوَّلِينَ وَالآخِرِين, وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدَاً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وَصَفِيُّهُ وَخَلِيلُهُ وَخِيْرَتُهُ مِنْ خَلْقِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلِّمْ تَسْلِيمَاً كَثِيرَاً إِلَى يَوْمِ الدِّين.
أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ -عِبَادَ اللهِ- وَاسْتَعِدُّوا لِلِقَائِهِ, فَإِنَّهَا -وَاللهِ- أَيَّامٌ وَلَيَالٍ ثُمَّ تَأَتِي النِّهَايَةُ (ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ أَلَا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ) [الأنعام: 62].
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: انْتَهَى مَوْسِمُ الْحَجِّ لِهَذَا الْعَامِ وَهَذِهِ وَقَفَاتٍ بِهَذِهِ الْمُنَاسَبَةِ:
الْوَقْفَةُ الْأُولَى: مَظَاهِرُ حَسَنَةٌ بَدَتْ فِي الْحَجِّ:
إِنَّ النَّاسَ فِيهِمْ خَيْرٌ وَيُحِبُّونَ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيُرِيدُونَ الْجَنَّةَ, فَمَا أَجْمَلَ رُؤْيَةَ الْحُجَّاجِ وَهُمْ يَلْهَجُونَ بِالذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ بِأَلْسِنَةٍ مُخْتَلِفَةٍ وَلَهَجَاتٍ مُتَبَايِنَةٍ, فَهَذَا عَرَبِيٌّ وَهَذَا عَجَمِيٌّ, وَذَاكَ كَبِيرُ سِنٍّ وَهَذَا شَابٌ يَافِعٌ, وَآخَرُ يَدْعُو وَثَانٍ يَتْلُو الْقُرْآنَ, يَطُوفُونَ حَوْلَ الْكَعْبَةِ وَيَسْعَوْنَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ, وَكُلُّ وَاحِدٍ مُتَّجِهٌ إِلَى رَبِّهِ, ذِكْرٌ وَدُعَاءٌ وَتَضَرُّعٌ وَتَسْبِيحٌ.
وَمِنَ الْمَظَاهِرِ الْجَمِيلَةِ: حِرْصُ النَّاسِ عَلَى السُّؤُالِ, وَثِقَتُهُمْ بِمَشَايِخِ السُّعُودِيَّةِ وَعُلَمَائِهَا, حَتَّى إِنَّكَ تَجِدُ الْحَاجَّ يُلِحُّ عَلَى الْمُفْتِي السُّعُودِيِّ وَيَقُولُ: "أُرِيدُ فَتْوَاكَ أَنْتَ", ثُمَّ إِنَّ الْمَشَايِخَ وَأَصْحَابَ الْفَضِيلَةِ الْعُلَمَاءَ مُتَوَاجِدُونَ فِي الْحَجِّ مِنْ وَقْتٍ مُبَكِّرٍ, فِي الْمَسَاجِدِ وَالْمَشَاعِرِ وَعَلَى الْهَاتِفِ الْمَجَانِيِّ عَلَى مَدَارِ السَّاعَةِ, يَعِظُونَ وَيُعَلِّمُونَ وَيُرْشِدُونَ وَيَوُجِّهُونَ, كُلٌّ بِحَسَبِهِ وَكُلُّ حَاجٍ وَمَسْأَلَتَهُ, عَلَّمُوا النَّاسَ مَنَاسِكَ الْحَجِّ وَأَعْطَوْهُمْ وَصَفَهُ الصَّحِيحَ, أَرْشَدُوهُمْ لِصَحِيحِ الْاعْتِقَادِ وَحَذَّرُوهُمْ مِنَ الشِّرْكِ وَالْبِدَعِ وَالْخُرَافَاتِ التِي رُبَّمَا نَشَأُوا عَلَيْهَا فِي بَعْضِ بُلْدَانِهِمْ.
وَلَكِنْ -وَللهِ الْحَمْدُ- مَا إِنْ يَسْمَعُوا الدِّينَ الصَّافِيَ حَتَّى يَقْبَلُوهُ وَيَلْتَزِمُوهُ, وَبَعْضُهُمْ يُصَرِّحُ بِذَلِكَ وَيُعْلِنُ تَوْبَتَهُ مِنَ الشِّرْكِ وَالْخُرَافَةِ, فَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ وَلَهُ الشُّكْرُ وَلَهُ النِّعْمَةُ, قَالَ اللهُ تَعَالَى: (وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ * لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ) [الحج: 27، 28]
الْوَقْفَةُ الثَّانِيَةُ: صُوُرَ سَيِّئَةٌ ظَهَرَتْ فِي الْحَجِّ:
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: مَعَ مَا تَقَدَّمَ مِنَ الْمُبَشِّرَاتِ وَالْأُمُورِ التِي تَسَرُّ إِلَّا أَنَّ هُنَاكَ مَا يُكَدِّرُ صَفْوَ الْحَجِّ وَيُورِثُ الْحُزْنَ وَالْأَسَفَ, فَمِنْ ذَلِكَ:
كَثْرَةُ مَنْ كَانَ مُخَالِفَا لِلنِّظَامِ فَحَجٌّ بِلَا تَصْرِيحٍ, وَتَرَتَّبَ عَلَى ذَلِكَ مُخَالَفَاتٌ أُخْرَى مِنْ تَرْكِ الْإِحْرَامِ مِنَ الْمِيقَاتِ أَوِ الْإِحْرَامُ مِنْهُ لَكِنْ يَلْبَسُ ثِيَابَهُ الْعَادِيَةَ وَيَدْخُلُ بِهَا لِئَلَّا يَرَدَّهُ الْعَسْكَرُ الذِينَ إِنَّمَا وُجِدُوا لِتَنْظِيمِ الْحَجِّ وَتَرْتِيبِ الْحُجَّاجِ.
وَالْبَعْضُ يَظُنُّ أَنَّهُمْ يَضَيِّقُونَ عَلَى النَّاسِ وَيَتَحَجَّرُونَ وَاسِعَاً, وَهَذَا فَهْمٌ خَاطِئٌ, فَهُمْ إِنَّمَا يُطَبِّقُونَ نِظَامَ الدَّوْلَةِ التِي كَانَتْ وَلا تَزَالُ -بِحَمْدِ اللهِ- تَسْعَى لِتَيْسِيرِ الْحَجِّ وَتَقْدِيمِ كُلِّ الْخَدَمَاتِ الْمُمْكِنَةِ؛ لِيُؤَدِيَّ النَّاسُ حَجَّهُمْ عَلَى الْوَجْهِ الْأَكْمَل, وَلَكِنْ نَظَرَاً لِكَثْرَةِ النَّاسِ فِي الْعَالَمِ الْإِسْلَامِيِّ وَضِيقِ أَمَاكِنِ الْمَشَاعِرِ فَإِنَّهُ لابُدَّ مِنْ وَضْعِ نِظَامٍ يَضْبِطُ الْأَعْدَادَ لِيَكُونَ الْحَجُّ سَهْلَاً مُيَسَّرَاً, وَمِنْهُ إِلْزَامُ النَّاسِ بِالتَّصْرِيحِ لِيَكُونَ الشَّخْصُ فِي حَمْلَةٍ تَرْعَاهُ وَتُؤَمِّنُ لَهُ الْمَكَانَ فِي مِنَى وَعَرَفَةَ وَمُزْدَلِفَةَ وَتُؤَمِّنُ لَهُ الْتَّنَقُّلَ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَشَاعِرِ.
وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعُونَ الْمَطْلُوبَ وَلا يُفَكِّرُ أَحَدُهُمْ إِلَّا فِي نَفْسِهِ فَقَطْ, ثُمَّ يَقُولُ: "أُرِيدُ أَنْ أَقُومَ بِالْفَرِيضَةِ", وَمَا عَرَفَ أَنَّ مَلايِينَ الْمُسْلِمِينَ مِثْلُهُ لَمْ يُؤَدُّوا الْفَرِيضَةَ, وَلَمْ يَعْرِفْ أَيْضَاً أَنَّ مَنْ لا يَسْتَطِيعُ دَفْعَ تَكَالِيفِ الْحَمْلَاتِ فَلَيْسَ عَلَيْهِ حَجُّ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُسْتَطِيعٍ, وَاللهُ تَعَالَى قَدْ قَالَ: (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا) [آل عمران: 97].
الْوَقْفَةُ الثَّالِثَةُ: مَفْهُومٌ خَاطِئٌ:
فَبَعْضُ النَّاسِ يَظُنُّ أَنَّ الحَاجَّ مُخَيَّرٌ بَيْنَ فِعْلِ الْمَحْظُورِ أَوِ الْفِدْيَةِ, وَمُخَيَّرٌ بَيْنَ تَرْكِ الْوَاجِبِ أَوِ الْفِدْيَةِ, فَيَدْخُلَ مَكَّةَ بِدُونِ إِحْرَامٍ أَوْ يُحْرِمُ مِنَ الْمِيقَاتِ وَيَلْبَسُ الثِّيَابَ وَيَدْخُلُ مَكَّةَ ثُمَّ يُكَفِّرْ.
وَهَذَا مَفْهُومٌ خَاطِئٌ وَغَلَطٌ وَاضِحٌ؛ لِأَنَّ الْكَفَّارَةَ تَنْفَعُ مَنْ تَرَكَ الْوَاجِبَ جَهْلَاً أَوْ فَعَلَ الْمَحْظُورَ لِأَنَّهُ مُحْتَاجٌ إِلَيْهِ, كَمَنْ حَلَقَ رَأَسَهُ لِأَنَّ الْقَمْلَ آذَاهُ, وَأَمَّا هَؤُلاءِ فَهُمْ مُتَعَمِّدُونَ لِلْمَعْصِيَةِ, وَلِذَلِكَ فَمِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ مَنْ قَالَ: "إِنَّ هَذَا لا تُجْزِئُ عَنْهُ الْكَفَّارَةُ لِأَنَّهُ مُنْتَهِكٌ لِحُرُمَاتِ اللهِ مُتَعَدٍّ لِشَرْعِ اللهِ" فَكُنْ عَلَى حَذَرٍ وَخَفْ مَعْصِيَةَ اللهِ -أَيُّهَا الْمُسْلِمُ-.
الْوَقْفَةُ الرَّابِعَةُ: لِمَاذَا لا نَتَعَلَّمُ الْحَجَّ ؟.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ يَأْتِي لِلْحَجِّ وَهُوَ لَمْ يَتَعَلَّمْهُ, وَرُبَّمَا وَقَعَ فِي مُخَالَفَاتٍ كَبِيرَةٍ بِسَبَبِ جَهْلِهِ, وَهَذَا أَمْرٌ مُحْزِنٌ, إِنَّ اللهَ -عَزَّ وَجَلَّ- قَالَ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (اعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ) [محمد: 19], فَبَدَأَ بِالْعِلْمِ قَبْلَ الْقَوْلِ وَالْعَملِ.
وَإِنَّنَا نَجِدُ الْوَاحِدَ مِنَّا لَوْ أَرَادَ سَفَرَاً أَوْ بِنَاءَ بَيْتٍ أَوِ الدُّخُولَ فِي مَشْرُوعٍ تُجَارِيٍّ لِدَرَسَهُ مِنْ جَمِيعِ الْجَوَانِبِ, وَسَأَلَ وَاسْتَقْصَى وَتَعَلَّمَ, فَأَيُّهَمَا أَهَمُّ, أَعَمَلُ الدُّنْيَا أَمْ عَمَلُ الآخِرَةِ؟.
وَلا شَكَّ أَنَّ الْجَوَابَ: هُوَ عَمَلُ الآخِرَةِ, إِذَنْ فَلْنَتَّقِ اللهَ رَبَّنَا وَلْنَتَعَلَّمْ دِينَنَا وَنَتَفَقَّهَ فِي عِبَادَاتِنَا, عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم-: "طَلَبَ الْعِلْمِ فَرِيضَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ". [رَوَاهُ ابْنُ مَاجَه وَصَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ].
الْوَقْفَةُ الْخَامِسَةُ: مَعَ أَسْئِلَةٍ تَتَكَرَّرُ مِنَ الْحُجَّاجِ:
فِمِنْهَا: مَاذَا عَلَى مَنْ أَخَلَّ بِالْإِحْرَامِ؟.
وَالْجَوَابُ عَلَيْهِ التَّوْبَةُ وَالاسْتِغْفَارُ بِكُلِّ حَالٍ, ثُمَّ إِنَّ تَرْكَ الْإِحْرَامَ مِنَ الْمِيقَاتِ وَلَمْ يَنْوِ وَلَمْ يُلَبِّ إِلَّا بَعْدَ أَنْ جَاوَزَهُ فَعَلَيْهِ فَدْيَةٌ يَذْبَحُهَا فِي مَكَّةَ وَيُوَزِّعُهَا عَلَى فُقَرَاءِ الْحَرَمِ.
وَأَمَّا إِنْ لَبَّى مِنَ الْمِيقَاتِ لَكِنْ لَبِسَ ثِيَابَهُ الْمُعْتَادَةَ فِيُخَيِّرُ بَيْنَ ثَلاثَةِ أَشْيَاءَ: إِمَّا شَاةٍ يَذْبَحُهَا فِي مَكَّةَ وَيُوَزِّعُهَا عَلَى فُقَرَاءِ الْحَرَمِ, أَوْ صِيَامِ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ أَوْ إِطْعَامِ سِتَّةِ مَسَاكِينَ لِكُلِّ مِسْكِينٍ نِصْفُ صَاعٍ أَيْ: مَا يُعَادِلُ كِيلُو وَنِصْفَ أُرْزٍ, وَإِنْ كَانَ قَدْ غَطَّى رَأْسَهُ فَفِدْيَةٌ ثَانِيَةٌ.
وَمِنْهَا: مَا الْحُكْمِ فِيمَنْ تَرَكَ الْمَبِيتَ بِمِنَى لِأَنَّهُ لَمْ يَجِدْ مَكَانَاً؟
فَالْجَوَابُ: أَنَّ فِيهِ تَفْصِيلاً, فَمَنْ كَانَ قَدْ أَخَذَ أُهْبَتَهُ وَسَارَ عَلَى النِّظَامِ وَلَكِنَّ الْمُتَعَهِّدَ لَمْ يُوَفِّرْ لَهُمْ مَكَانَاً فِي مِنَى, فَهَذَا يَبِيتُ فِي أَيِّ مَكَانٍ شَاءَ دَاخِلَ الْحَرَمِ وَلَيْسَ عَلَيْهِ فِدْيَةٌ لِأَنَّهُ مَعْذُورٌ, وَأَمَّا مَنْ دَخَلَ بِلَا تَصْرِيحٍ, وَحَجُّهُ مِنْ أَوَّلِهِ إِلَى آخِرِهِ مُخَالَفَاتٌ وَانْتِهَاكَاتٌ, فَيَلْزَمُ هَذَا أَنَّهُ يَبِيتُ فِي أَقْرَبِ مَكَانٍ يَقْدِرُ عَلَيْهِ مِنْ جِهَةِ مِنَى, فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَعَلَيْهِ فِدْيَةٌ يَذْبَحُهَا فِي مَكَّةَ وَيُوَزِّعَهَا عَلَى فُقَرَاءِ الْحَرَمِ, وَلا تَبْرَأُ ذِمَّتُهُ بِغَيْرِ هَذَا.
وَمِنْ الْمَسَائِلِ: أَنَّ مَنْ حَجَّ فَإِنَّهُ يَكْتَفِي بِالْهَدْيِ عَنِ الْأُضْحِيَةِ, لَكِنْ لَوْ ضَحَّى فَيَصِحُّ, وَيَمْتَنِعُ عَنْ الْأَخْذِ مِنْ شَعْرِهِ وَبَشَرَتِهِ وَأَظْفَارِهِ, لَكِنْ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَحْلِقَ إِذَا تَحَلَّلَ مِنَ الْحَجِّ أَوِ الْعُمْرَةِ وَلا يَضُرُّ ذَلِكَ أُضْحِيَتَهُ.
وَأَخِيرَاً: يَجُوزُ أَنْ يَؤُخِرَّ الْحَاجُّ طَوَافَ الْإِفَاضَةِ فَيَطُوفُ إِذَا أَرَادَ الْخُرُوجَ مِنْ مَكَّةَ وَيُجْزِئُهُ عَنِ الْوَدَاعِ.
أَسْأَلُ اللهَ أَنْ يَتَقَبَّلَ مِنَ الْحُجَّاجِ عَمَلَهُمْ وَأَنْ يُوصِلَهُمْ لِأَهَاليِهِمْ سَالِمِينَ غَانِمِينَ, أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ وَلِسَائِرِ الْمُسْلِمِينَ.
الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمَينَ, وَأَشْهَدُ أَلَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَه وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدُهُ وُرَسُولُهُ, صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمَاً كَثِيرَاً.
أَمَّا بَعْدُ:
فَالْوَقْفَةُ السَّادِسَةُ: مَعَ الْقَوْلِ عَلَى اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ:
وَهَذِهِ مَسْأَلَةٌ خَطِيرَةٌ -أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ- فَإِنَّ الْفَتْوَى مِنْ غَيْرِ مُتَأَهِّلٍ مِنْ أَعْظَمِ الذُّنُوبِ خَطَرَاً وَمِنْ أَشَدِّهَا ضَرَرَاً, قَالَ اللهُ تَعَالَى: (وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ) [الإسراء: 36], وَلَمَا عَدَّدَ اللهُ الْمُحَرَّمَاتِ فِي سُورَةِ الْأَعْرَافِ جَعَلَ الْقَوْلَ عَلَى اللهِ بِلَا عِلْمٍ أَعْظَمَهَا, قَالَ اللهُ تَعَالَى: (قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ) [الأعراف: 33].
وَإِنَّكَ لَتَعْجَبُ أَنَّ الْوَاحِدَ لَوْ تَكَلَّمَ فِي أُمُورِ الطِّبِّ أَوِ الْكَهْرَبَاءِ أَوِ الْهَنْدَسَةِ بِغَيْرِ مَعْرِفَةٍ للَامَهُ النَّاسُ وَلَمْ يَقْبَلُوا مِنْهُ, بَيْنَمَا نَجِدُهُمْ يَقْبَلُونَ مِمَّنْ هَبَّ وَدَبَّ فِي أُمُورِ دِينِهِمْ, وَمِنْهَا مَا سَمِعْنَا وَرَأْيَنَا فِي الْحَجِّ, وَلا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ.
إِنَّ الْوَاجِبَ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ يُرِيدُ اللهَ وَالدَّارَ الآخِرَةَ وَالسَّلَامَةَ لِدِينِهِ أَنْ لا يَسْأَلَ إِلَّا مَنْ كَانَ أَهْلَاً لِلْفَتْوَى وَمَعْرُوفَاً بِالْعِلْمِ, ثُمَّ عَلَيْهِ أَيْضَاً أَنْ لا يَقْتَحِمَ بَابَ الْفَتْوَى وَأَنْ يَخَافَ مِنَ اللهِ رَبِّ الْعَالِمِينَ أَنْ يَسْأَلَهُ يَوْمَ الْقِيَامِةِ عَمَّا قَالَ وَأَفْتَى بِهِ النَّاسَ, وَإِنَّ الشَّخْصَ يَتَكَلَّمُ بِغَيْرِ عِلْمٍ فَيُضِّلَ النَّاسَ وَيُفْسِدَ دِينَهُمْ وَيَبَوُءَ بِإِثْمِهِ وَإِثْمِهِمْ, نَسْأَلُ اللهَ السَّلَامَةَ وَالْعَافِيَةَ.
اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ عِلْمَاً نَافِعَاً وَعَمَلاً صَالِحَاً, اَللَّهُمَّ أَعِنَّا عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ, اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلامَ والمُسْلمينَ وَأَذِلَّ الشِّرْكَ وَالمُشْرِكِينَ وَدَمِّرْ أَعَدَاءَكَ أَعْدَاءَ الدِّينَ, اللَّهُمَّ أَعْطِنَا وَلَا تَحْرِمْنَا وَأَكْرِمْنَا وَلَا تُهِنَّا وَأَعِنَّا وَلا تُعِنْ عَليْنَا, اللَّهُمَّ انْصُرْنَا عَلَى مَنْ بَغَى عَلَيْنَا, اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ عَيْشَ السُّعَدَاءِ, وَمَوْتَ الشُّهَدَاءِ, وَالحَشْرَ مَعَ الأَتْقِيَاء, وَمُرَافَقَةَ الأَنْبِيَاءِ, اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ عَلَى عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وِأَصْحَابِهِ أَجْمَعِينَ اللَّهُمَّ ارْضَ عَنْ صَحَابَتِهِ وَعَنِ التَّابِعِينَ وَتَابِعيِهِم إِلَى يَوْمِ الدِّينِ وَعَنَّا مَعَهُم بِعَفْوِكَ وَمَنِّكَ وَكَرَمِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي