وأمة الإسلام رفع الله شأنها بالعلم وتبليغه، والأوطان تُبنى بالتعليم لأن العلم هدفٌ لها والجهلَ سببٌ لضعفها والتعاسة حين ينحرف التعليم بها ليكون سبباً في هدمها، ولذلك تولي الدول المتقدمة والمجتمعات المتحضرة التعليمَ كلَّ رعايتها، وجُلَّ اهتمامها، فهو أساسُ الهوية ومرتكزُ الشخصيِّة، والسبب الأول بعد توفيق الله لإعطاء الأمة مكانةً مرموقة وكلمةً مسموعة.. إذا اهتمت به ستبني صروح عزٍّ شامخة وترفع مآذن مجدها شاهقةً، وإذا أهملته تظلمُ نفسها، وتخسر أجيالها، وتضيع رسالتها...
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم تسليماً.
أما بعد.. فاتقوا الله عباد الله..
وعاد ملايين الطلاب والمعلمين إلى الدراسة بعد إجازةٍ طويلة.. وانتظمت برامج البيوت بوقتها ونومها وصحوها.. وكثر التسوّق للمدارس، فصرنا نتفكر بطموحاتنا العلمية وهموم التعليم.. كيف لا وهو سبب نهضة الأمم!! فالبشرية منذ خلق الله آدم -عليه السلام- قُرنت بالعلم.. خلقه الله فعلَّمه الأسماء كلَّها.. وأنبياءُ الله ورسله يُبعثون ويُجاهدون ويصبرون ويُصابرون على العلم وإيصاله (لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمْ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ) [الحديد: 25].
الهداية النَّاسُ في الظلمات، رغم ما يلقونه ومحمدٌ -صلى الله عليه وسلم- كان أولَ وحيِّهِ أَن سما بقدْرِ القَلمِ، ونوَّهَ بقيمةِ العلمِ، (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ) [القلم: 1- 5].
ودعا عليه الصلاة والسلام ربَّه للعلم (وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا) [طه: 114]، ويسمو القرآن الكريم بالعلم وأهله (شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُوْلُوا الْعِلْمِ قَائِماً بِالْقِسْطِ) [آل عمران: 18].
وأمة الإسلام رفع الله شأنها بالعلم وتبليغه، والأوطان تُبنى بالتعليم لأن العلم هدفٌ لها والجهلَ سببٌ لضعفها والتعاسة حين ينحرف التعليم بها ليكون سبباً في هدمها، ولذلك تولي الدول المتقدمة والمجتمعات المتحضرة التعليمَ كلَّ رعايتها، وجُلَّ اهتمامها، فهو أساسُ الهوية ومرتكزُ الشخصيِّة، والسبب الأول بعد توفيق الله لإعطاء الأمة مكانةً مرموقة وكلمةً مسموعة..
إذا اهتمت به ستبني صروح عزٍّ شامخة وترفع مآذن مجدها شاهقةً، وإذا أهملته تظلمُ نفسها، وتخسر أجيالها، وتضيع رسالتها.. أدرك ذلك غيرنا فتقدموا تقنياً والأولى بالمسلم أن يتقدم بدينه وتاريخه وحضارته.. تقدّمٌ علمي رأيناه في مكة والمدينة، ودمشق، والقاهرة ومراكش، والزيتونة وبغداد، وصنعاء والأندلس، والدرعيّة، والتاريخ يشهد..
أيها الإخوة.. العلمُ ينطلق من عقيدة الأمة منسجماً مع أهدافها وآدابها.. وتُصبغ العلوم بصبغة الإيمان، وتؤخذ العقول بميزان الدنيا والآخرة، ومناهجُ التربية والتعليم قائدةٌ للإيمان، تُصلح النفس، وتُهذّب الخلُقَ مع التطوير والتحديث.. وتُحصّن الناشئة بالثوابت المُجمع عليها، وتبعدهم عن الخلافات والفتن ليكونوا خيرَ ممثلٍ لدينهم وأمتهم.. مع إبعادهم عن الثقافات المتناقضة، والعلوم المتنافرة والهوى والجدل العقيم..
والنجاحُ في العلم ليس بمعرفةِ القراءةِ والكتابةِ، وثقافةِ التلقينِ وليس دليلَ التفوق كثرةُ دور العلم ومباني المدارس، وأفواج الخريجين، وأعداد الجامعات.. بل حقيقةُ العلم نُصرةُ الدين وفهمه والتقنية وتطوير المجتمعات وازدهار الوطن وحماية الشباب من غلوّ التطرف ووحل الإلحاد.. وتحصينهم من كل فكرٍ سيءٍ دخيل.. وكيد خائن عميل.. وخلقٍ عن الحق يميل..
إن آباءنا وأجدادنا وبعضُهم أُمِّيٌ لا يقرأ ولا يكتب لكنهم ربوا بقِيمٍ يعرفونها جيلاً كاملاً رأينا منجزاتهم، المؤسف أن بعض طرح التعليم لم يصل لمستواهم!..
مبادئ التعليم وأصوله لا تستورد كالبَضَائعِ والصناعات، ولا تُكتسب إلا بفهمٍ صحيح ودينٍ قويم، أما التبعية والتقليد للضلال والفساد فهي هدمٌ ودمار!! فكل أمة تسعى في إعداد جيلها بتأصيل عقيدتها، وبناء ثقافتها وقيمها، والمحافظة على أمنها وحدودها..
فلا فائدة من علمٍ بلا خُلقٍ أو ثقافة، ولا جدوى من تربيةٍ لا تثمر عملاً صالحاً وتحظى بجدارة، لا خير في معارف تورِّث بلبلاتٍ فكرية، وتطرّفٍ وغلو ولا نفع في ثقافاتٍ تشكِّكُّ في الصحيح من المعتقدات..
إذا كان العلم الشرعي ما قرّره الله ورسوله وفهمَه صحابتُه وسلفُنا الأخيار فإنه يُقدّم مع فهمٍ للواقع وقبول للرأي الآخر ومشاركةٍ مع الجميع لبناء المجتمع ونأُخذ من غيرنا العلم المفيد والحديث..
أيها الإخوة.. مناهج التعليم لا تُملى من الغير، وإنما هي التي تؤكِّد على الكيف لا الكم، تقوم على التجديد والإبداع وليس الاجترار والتكرار.. مناهج تنطلق من الثوابت ولا تتبدل حسب الظروف والأحوال والضغوطات..
علمٌ يسعى للمضمون لا الشكل.. وللثقافة لا الشهادة.. ويجعل الوظيفة وسيلةً للتطور وخدمة الوطن والاختراع والإبداع، وليس يتأخر بالإنسان ويتطاول في البنيان.. بل يقود إلى الحضارة وكما يركز على العلوم الشرعية التي تقيم دين الناس فهو يقدم العلومَ الطبيعية من طبٍ وعلوم وفيزياء وتقنية وينافس بها لأنها ضرورات للعصر..
إن العلم الذي نريده في مدارسنا ونسعى إليه والمناهج التي نطمح إليها هي التي تدرك أنها تتعامل مع نشءٍ هم غرس تعاليم الإسلام وجيلٍ يريدُ إقامة الدين ويؤمن بسماحته وحسن تعامله، لتبقى محصنةً بدينها، متماسكةً بقوته، مرتبطةً بحبله، بعيدةً عن كل فوضى فكرية أو صراعاتٍ مذهبيَّة طائفيةٍ، أو فوضى أمنيَّة، نقيةً من عوامل الفساد وأسباب الزيغ والإلحاد، واتجاهات الزندقة والتغريب الذي يُراد.. واحترام للآخر ورأيه وحقوقه، وتحافظ على تماسك الوطن والبيئة..
وإذا كنا نفخر -ولله الحمد- في تعليمنا بإنجازاتٍ تحققت في المحافظة على أصالة هذا البلد ومعتقده وأعرافه، والمحافظة على عدم اختلاط البنين بالبنات بجهود مؤسسين وقائمين علموا أن فلاحَ الأمة في صلاح أعمالها، وصلاحُ أعمالها في صحة علومها وفي مناهج صحيحة تجمع بين الأصالة والتطوّر لتنتج رجالاً أمناءَ أوفياءَ ذوي نصحٍ وإخاءٍ لكننا نريد منها تحصيناً أكبر وإعداداً أضخم، فالأجيال تتهددها هجمات لنزع القيم وإضعاف الولاء للدين والقيم والأوطان والتميز من خلال التعليم مطلوب لنحميَ أجيالنا..
فالدولة -وفقها الله- تُخصِّصُ للتعليم أعلى أرقام ميزانيتها السنوية وتسعى لتطويره، وكما هي مسئولة عن إصلاحه وتقدّمه فإن رجالاتِ التعليم كباراً وصغاراً على عاتقهم أعظمُ المسئولية في إعداد الجيل وحمايته علماً وعملاً ونفعاً لهم ولدينهم ووطنهم، وإضعاف المناهج بضغوطٍ خارجية وتشويه تعليمنا بنسبة التطرف إليه وهو منه براء وكثرة القرارات وتغييرها سبب للضعف والبلبلة والتشويه والجرأة على مخالفة القيم ضررٌ على أجيالِ الأمة وهدمٌ للمجتمع وتميزه الذي ما زلنا نفاخر به ..
عباد الله.. ونحن في بداية عامٍ دراسيٍّ جديد للمعلمين والمتعلّمين.. فلا بد من الجدِّ من بدايته كي لا نندم في نهايته فنجاحُ المعلّم بقوة المعرفة والشخصية، وحسنِ النيَّةِ والقصدِ والتوجيه، فينوي بتعليمه الإحسان إلى طلبته بإرشادهم إلى ما ينفعهم في أمور دينهم ودنياهم، وقدوته لهم بالأخلاقِ الفاضلةِ والآدابِ العالية، مبدعاً في المنهج.. حواري الطابع.. يجعلُ الفصلَ قاعةَ بحثٍ لا غرفةَ حبس، جادٌ بحضوره وعدم غيابه وسيحفظ الطلبةُ له تميّزه عبر تاريخهم كما حفظنا تميّزَ معلمين أمواتاً وأحياءً..
أما المتعلّمون من طلبة وطالبات فابذلوا الجهد من أول العام لتدركوا العلم إدراكاً يثبت في قلوبكم ويرسخ في نفوسكم.. أما الإهمال والتهاون فإنه يورث العجز والقصور والندم ولات حين مندم.. فأنتم خصصتم الوقت والجهد للدراسة فمن الخسارة أن لا تتميز بها وتُنمّي مواهبك من خلالها..
ولا يكن هدفكم الدراسة لنيل الوظيفة أو الشهادة.. بل أعل همّتك لتخدم من خلال علمك أمتك ودينك ووطنك وإذا كان رائدك إخلاص النية لله فستنال التوفيق والأجر..
ثم يأتي دور الأسرة المهم بتفقد أولادهم ومعرفة سْيرهُم ونهْجَهُم العلميَّ والفكريَّ والخلقيَّ، يبحثون معهم جهدهم ويتفقدون صحبتهم ودراستهم ويتواصلون مع المدرسة ودراستهم، أما تركهم فهو ضياعٌ لهم وظلم، فهم رعيّةٌ يجب أن يرْعوها حقَّا واللهُ سائلهم عنها والضياع سببٌ للندم.
إخوتي.. إن المدارس ودور التعليم في كافة مستوياتها محاضنُ الجيل، هي حصن حصين للبلد، فيها حماية الأمة وتعليمها، والحفاظ على أصالتها وبقائها ونقائها.. وإذا ضعفت مخرجات التعليم وحِلَق العلم فهو سبب للتصنيف والإقصاء وثقافة الكراهية والغلو والإلحاد وسببٌ للمتربص بالوطن وشبابه لنشر سمومه من فكرٍ ضالٍ وخلق ضار.. وموالاةٍ للعدوِّ وجفاءٍ للصديق.
إننا نأسى على حالٍ للتعليم لا يُساعد على صناعة جيل وتعليم أمة بل يُخرج شهادات لا يُعمل بها ولا يؤبه لها.. حتى ضاعت الهمم لدى الشباب في التعليم، فإذا ما أقبل العام الدراسي رأيت ضعفَ إقبال وإذا ما انتهى اليوم الدراسي أو العام رأيت فرحتهم وكأنهم أُطلقوا من حبس، وهذا يدعونا للاهتمام بتوفير بيئةٍ دراسيةٍ مشجعةٍ وطريقةٍ علميةٍ نافعةٍ، وتسليةٍ مقبولةٍ راشدةٍ تجعل الطلبةَ مقبلين بشغفٍ ورغبةٍ للتعلم والمعرفة أسوةً بغيرنا ممن نأخذ منهم ما يُناسب التعليمَ ويُحسّنه مع محافظةٍ على الدين والخلق..
فلدينا -بحمد الله- كوادرُ علميّة نفخر بها، وإنتاجٌ مدرسي نفاخر فيه لكننا نطمح لزيادته وموهوبين نريد العناية بهم، وإبرازهم ليكونوا قدوة لزملائهم.. وبراءات اختراع وشهادات وعقول شهد لها غيرُنا أكثرَ منا..
أليس خللاً أن يهتمَّ مجتمعُنا ويحتفي بموهبة لاعب أو فنان غنائي أكثر من موهوب ومخترع بتشويه الإعلام وغفلته.. هذه الدور تحوي أثمنَ ما تملكه الأمة، تحتضن فلذات الأكباد ورجال الغد وجيل المستقبل، إنها ثروةٌ تتضاءل أمامها كنور الأرض جميعاً..
إن شرّ ما يطرأُ على التعليم وطلبته أن يُهمَلُوا ولا يَلْقَواْ رعايةً مناسبة من إدارةٍ ومدرسةٍ وأسرةٍ وهم المسئولون عن رعايتها والعناية بها.. فاتقوا الله يا رجال التعليم وطلاَّبَه، وآباء وأمهات، واعلموا أنه إذا حُفظت العقولُ والأخلاقُ، وأحيط التعليم بسياج الدين ورباط العقيدة الوثيق، والفهم العميق فلسوف تصحُّ المناهج، وينفع العلم، وتثبت الأصالة، ويتضحُ السبيلُ، وترتفع الراية ويحصل التمكين.. (قلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الأَلْبَاب) [الزمر: 9]..
أقول ما تسمعون...
الخطبة الثانية..
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد:
إن الجاهزيّة للتعليم ليس بما غلا ثمنه من حقائب وقرطاسية، وإنما بما سيلقاه أولادكم من قيم أخلاقيةٍ ومعلوماتٍ دراسية.. تساهم في بناء شخصيته وتنمية خُلقه وعقله.. وهذا يحتاج للإعداد بالمتابعة والنوم المبكر والغذاء الصحي والفهم السليم والبعد عن السهر والإهمال والرفقة السيئة..
انتبهوا أيها الأولياء من المغالاة بأثمان التجهيزات الدراسية، وليتقوا الله المعلّمون وخاصة المعلمات في طلباتهم التي تُثقل كاهل أكثر الأسر، وليس لها من هدفٍ إلا التقليد والمنافسة واتباع الموضة..
وإذا كان الله أنعم عليك بالمال الوفير فتذكر عند إسرافك إخوةً لك قريبين وبلاداً لا يتوفر لهم ذلك.. واهتم بنقل بناتك إلى المدارس والجامعات باختيار الأصلح والمناسب في خُلقه وقيادته وسيارته وصيانتها..
نسأل الله أن يوفق أولادنا والقائمين عليهم في المدارس، وأن يرزقنا علماً نافعاً وعملاً صالحاً متقبلاً.. وأن يحفظ على بلادنا دينها وأمنها ويبارك لنا فيما رزقنا ويكفينا الغلاء والوباء والفتن ما ظهر منها وما بطن وسائر بلاد المسلمين..
اللهم انصر جندنا المرابطين، وانصر إخواننا المستضعفين في الشام والعراق واليمن وفلسطين..
اللهم كن لإخواننا في حلب التي تَسلَّط عليها الطغاة.. اللهم لا ناصر لهم إلا أنت!! أغثهم وأعنهم واحفظ عليهم دينهم ودماءهم وأعراضهم وهيئ المسلمين لنصرتهم وكفاية شرِّ عدوّهم يا رب العالمين.
وصل اللهم وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي