آمنا به، واتبعناه، وصدقناه فيما جاء به من أخبار ستقع في الحياة الدنيا وما سيكون بعد الموت من أمور عظام، وأحداث جسام، ألا وإنه عليه الصلاة والسلام أخبر عن حدث عظيم تهتز له القلوب! وترتعد له الفرائص! حدث من أعظم الأحداث التي ستمر على المسلم! إنه...
الحمد لله، الحمد لله أحسن كل شيء خلقا، وفتق الأسماع وشق الحدق، وأحصى عدد ما في الشجر من ورق، أحمده على جوده وإحسانه.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيمًا لشأنه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وسلم تسليمًا كثيرًا.
آمنا به، واتبعناه، وصدقناه فيما جاء به من أخبار ستقع في هذه الحياة، وفي ما يكون بعد الموت من أمور عظام، وأحداث جسام، ألا وإنه عليه الصلاة والسلام أخبر عن حدث عظيم تهتز له القلوب! وترتعد له الفرائص! حدث من أعظم الأحداث التي ستمر على المسلم! إنه المرور على الصراط، قال عليه الصلاة والسلام: "ويضرب الصراط" لكن أين يضرب؟ أين يمد؟ أين يوضع؟
قال عليه الصلاة والسلام :"ويضرب الصراط بين ظهراني جهنم"، وإلى هذا أشار الله في كتابه في قوله تعالى: (وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا) [مريم: 71].
والورود المرور على الصراط يمد على متن جهنم، يمد على متن جنهم ولكن لماذا؟
ليمر الناس من فوقه فهو الطريق إلى الجنة، لن تصل الجنة -عبد الله- إلا إذا اجتزت هذا المكان، جنهم من تحتك لها تغيظًا وزفيرًا، إن سقطت سقطت في النار، تخيلوا الموقف، تفكروا في تلك اللحظات، وحيدًا فريدًا، ليس لك خيار في المرور وعدمه، المرور إجباري، لا إله إلا الله، ما أصعب الموقف!
يضرب على متن جنهم، كم بين طرفي جهنم؟ جهنم يؤتى بها يوم القيامة تقاد بسبعين ألف زمام، إذا سقط الحجر من شفيرها لا يستقر في قعرها إلا بعد سبعين عامًا، فكم سيكون ما بين طرفيها؟! متى يمد الصراط؟ متى يمد الصراط؟
إذا طوى الله السموات، قال عليه الصلاة والسلام: "يطوي الله السموات بيمينه وتصير الأرض في قبضته" قالت عائشة -رضي الله عنها- قلت: أين يكون الناس يومئذ يا رسول الله؟ قال: "هم على جسر جهنم" [رواه أحمد بسند صحيح].
الصراط أحد من الشفرة، وأدق من الشعرة، فعن سلمان -رضي الله عنه- عن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: "يوضع الصراط مثل حد الموسى فتقول الملائكة: من تجيز على هذا؟ فيقول الله: من شئت من خلقي، فيقولون: سبحانك، سبحانك ما عبدناك حق عبادتك" [رواه الحاكم بسند صحيح].
وعلى جنبتي الصراط كلاليب لا يعلم قدر عظمها إلا الله، تأخذ من أمرت بأخذه، يمرون على الصراط فناج مسلم وناج مخدوش ومكدوس في جهنم، ثلاثة أقسام: ناج مسلم بلا خدش لا تمسه الكلاليب ولا تصيبه النار مطلقًا، هؤلاء عنها مبعدون كما قال الله -جل وعلا-: (إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ) [الأنبياء: 101]، (لَا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خَالِدُونَ * لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ) [الأنبياء: 102 - 103].
ومنهم من يسلم ويخدش، تجرح الكلاليب جسده، ومنهم من يهلك ويسقط في النار، ومنهم من يهلك ويسقط في النار -عياذًا بالله- يمرون على الصراط ويتساقطون في جهنم تساقط الفراش إلا من شاء الله، قال عليه الصلاة والسلام: "يحمل الناس على الصراط يوم القيامة فتقادع جنهم بهم جنبة الصراط تقادع الفراش" تسقطهم في النار، قال: "فينجي الله -تبارك وتعالى- برحمته من يشاء" [رواه أحمد بسند صحيح].
والصراط مظلم إظلامًا تامًا لكن قبل المرور يعطى كل واحد منهم نورًا، حتى المنافقون الذين أظهروا الإسلام، قال عليه الصلاة والسلام: "ويعطى كل إنسان منهم منافقًا أو مؤمنًا نورًا يتبعونه" [رواه مسلم].
ثم يبدؤون يا الله! ثم يبدؤون بالمرور على الصراط! فيطفئ الله أنوار المنافقين لا يستضيئون بنور المؤمنين: (يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا) [الحديد: 13] فإذا أطفئت أنوارهم سقطوا في النار، فإذا أطفئت أنوارهم سقطوا في النار، ويبقى المسلمون برهم وفاجرهم، طائعهم وعاصيهم، فيعطون أنوارًا بقدر أعمالهم، قال عليه الصلاة والسلام: "فيعطون نورًا على قدر أعمالهم، فمنهم من يعطى نوره مثل الجبل بين يديه، ومنهم من يعطى نوره دون ذلك، ومنهم من يعطى نوره مثل النخلة بيمينه، ومنهم من يعطى دون ذلك حتى يكون آخر ذلك يعطى نوره على قدر إبهام قدمه، يضيء مرةً ويطفئ مرةً، فإذا أضاء قدم قدمه وإذا أطفأ قام" [رواه الحاكم وهو وصحيح] نور ضعيف في تلك الظلمة بحسب عمله: (وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ) [فصلت: 46] نور ضعيف؛ لأن عمله ضعيف، إذا أضاء له مشى وإذا أظلم وقف، فلو مشى في الظلمة لربما سقط في النار.
أما أولياء الله الذين عمروا الحياة بطاعة الله فنورهم فوق الجبل يمشون في نور تام، فلقد صبروا على الطاعات وابتعدوا عن المحرمات، فاليوم يجزون أعظم الجزاء: (يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [التحريم: 8].
يمرون على الصراط والأنبياء على جنبتي الصراط ولا يتكلم إلا الأنبياء فقد عقد الموقف الألسن، لا يتكلم أحد مطلقًا من هول الموقف إلا الأنبياء، يتكلمون بلسان المشفق، يدعون للناس بالسلامة من هذا الموقف العصيب، قال عليه الصلاة والسلام: "ولا يتكلم يومئذ إلا الرسل، ودعوى الرسل يومئذ: اللهم سلم سلم"، وقال عليه الصلاة والسلام: "والأنبياء بجنبتي الصراط وأكثر قولهم: اللهم سلم سلم".
يمرون على الصراط تجري بهم أعمالهم، قال عليه الصلاة والسلام: "يرد الناس النار ثم يصدرون منها بأعمالهم".
هذه هي الحقيقة التي يجب أن نؤمن بها، تجري بها أعمالهم، قال عليه الصلاة والسلام: "فيمر المؤمنون كطرف العين وكالبرق وكالريح وكالطير وكأجاويد الخيل والركاب" أعمالهم هي التي تحدد سرعتهم على الصراط، انقطعت الأماني، ذهب قول من يقول: إن الإيمان بالقلب. فالعمل هو الذي يسير بالعبد على الصراط، قال عليه الصلاة والسلام: "حتى يجيء الرجل فلا يستطيع السير إلا زحفًا" يا الله، حتى يجيء الرجل فلا يستطيع السير إلا زحفًا! لذا جاء في الحديث أن آخر من يمر على الصراط يقول: يا رب لما أبطأت بي؟ قال: إني لم أبطئ بك إنما أبطأ بك عملك، ونبيكم قائم على الصراط يقول: يا رب سلم سلم. ونبيكم على الصراط يقول: يا رب سلم سلم. يا رب سلم سلم، يا رب سلم سلم، يا رب سلم؛ لأن السقوط شقاء لا يعلمه إلا الله؛ لأن السقوط في دركات الجحيم في نار تلظى يحطم بعضها بعضًا، ونبيكم قائم على الصراط يقول: يا رب سلم سلم، يا رب سلم سلم، فما أشقاها وما أتعسها، بئست الدار بئست الدار، يا رب سلمنا من النار، يا رب سلمنا من النار ووالدينا، وفقنا لعمل نجوز به على الصراط كطرف العين.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) [الأنعام: 153].
قلت ما سمعتم، وأستغفر الله إنه كان غفارًا.
الحمد لله، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا رسول الله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن والاه وسلم تسليمًا.
أما بعد:
فيا معاشر المسلمين: قال عليه الصلاة والسلام: "الصراط دحض مزلة" تزل فيه الأقدام، فإذا أردت أن تثبت على الصراط فاثبت على طريق الحق في هذه الحياة ولو عانيت ولو قاسيت ولو تعبت ولو نال الناس منك، اثبت على الحق في زمن المتغيرات حتى تثبت غدًا على الصراط.
عباد الله: ستزل على الصراط أقدام أقدام تعثرت في الحياة عن الطريق المستقيم، أقدام أضاعت طريق الهداية، أضاعت طريق المساجد، أضاعت طريق القرآن، أضاعت طريق التوبة أضاعت الطريق إلى الله لكنها مشت بخطًى ثابتة إلى الحرام، أقدام سارت للفواحش، أقدام سارت لتسمع الحرام، وتنظر للحرام، وتأكل الحرام؛ فاليوم تتعثر بهم الأقدام، اليوم تتعثر بهم الأقدام فلا تمشي على الصراط، اليوم تزل بهم الأقدام على الصراط.
عباد الله: يضرب الصراط بين ظهري جنهم وأول من يجتاز رسولنا وأمته، قال عليه الصلاة والسلام: "ويضرب الصراط بين ظهري جنهم فأكون أنا وأمتي أول من يجيز".
وترسل الأمانة والرحم فتقومان جنبتي الصراط يمينًا وشمالًا" وذلك لعظم شأنهما عند الله -جل وعلا-، فاحرصوا على صلة الرحم، وأداء الأمانة.
أيها الأحباب: نقرأ كل ركعة في صلاتنا: (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ) [الفاتحة: 6] نحن نسأل الله أن يهدينا لصراطه في الدنيا؛ لأن من استقام على صراط الله في الدنيا على شرعه ودينه وسنة نبيه -عليه الصلاة والسلام- ثبته الله في الآخرة على الصراط.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (وَلَا تَتَّخِذُوا أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا وَتَذُوقُوا السُّوءَ بِمَا صَدَدْتُمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَلَكُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) [النحل: 94].
اللهم اهدنا الصراط المستقيم، اللهم اهدنا الصراط المستقيم، اللهم اهدنا الصراط المستقيم، وثبتنا على الحق يا رب العالمين، وزدنا هدايةً وتوفيقًا وثباتًا يا أرحم الراحمين، اللهم دلنا عليك، اللهم دلنا عليك، اللهم خذ بقلوبنا إليك يا أرحم الراحمين.
اللهم أصلح قلوبنا، اللهم أصلح قلوبنا، اللهم أصلح فساد قلوبنا، اللهم اجعلنا نخشاك حتى كأننا نراك، اللهم اجعلنا نخشاك حتى كأننا نراك.
اللهم إنا نسألك إيمانًا يباشر قلوبنا، ويقينًا صادقًا حتى نعلم أنه لا يصيبنا إلا ما كتبت لنا، نسألك الرضا بعد القضاء ونسألك برد العيش بعد الموت، ونسألك شكر نعمتك، وحسن عبادتك، ونسألك لسانًا صادقًا، وقلبًا سليمًا.
اللهم آمنا في دورنا، وأصلح ولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك، واتبع رضاك برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم انصر الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين، واجعل هذا البلد آمنًا وسائر بلاد المسلمين.
اللهم أحسن عاقبتنا في الأمور كلها وأجرنا من خزي الدنيا ومن عذاب الآخرة.
اللهم أصلحنا وأصلح لنا وأصلح بنا، واجعلنا هداةً مهتدين غير ضالين ولا مضلين.
اللهم اغفر لنا ولوالدينا، اللهم ارحمهم كما ربونا صغارًا.
(رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ) [الحشر 10].
(رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً) [البقرة: 201].
وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّا
(سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) [الصافات: 180 - 182].
صلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي