الاعتبار بمرور الأيام والأعوام

عبد العزيز بن داود الفايز
عناصر الخطبة
  1. اعتبار المؤمنين بمرور الأيام والأعوام .
  2. أهمية الوقت والحث على استغلاله .
  3. حتمية الموت والتحذير من الغفلة .
  4. اتباع السنة وبعض البدع المتعلقة بنهاية العام .
  5. شروط قبول العمل الصالح .

اقتباس

الإنسان بين ثلاثة أوقات، وقت مضى وانتهى، وهذا يسأل الله المغفرة في تقصيره وتفريطه، ووقت ينتظره يسأل الله أن يعينه، ويعقد النية على استغلاله بطاعة الله حتى إذا حال دونه الأجل كُتب له حسنة، ووقت حاضر هذا يجب أن يستغله بطاعة الله؛ لأنه سيمضي كغيره...

الخطبة الأولى:

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، ومن سار على طريقته ونهجه، وعنا معهم بمنك وعفوك وكرمك.

أما بعد:

فيا عباد الله: (اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ) [آل عمران: 102].

عباد الله: تمضي الأيام والشهور والسنون، والمؤمنون يعتبرون بمرورها، قال الله -جل وعلا-: (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) [آل عمران: 190 - 191]، وقال الله -جل وعلا-: (يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ) [النور: 44]، وقال سبحانه: (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا) [الفرقان: 62].

الأيام والأعوام مطايا نمتطيها إلى الدار الآخرة، تنقلنا من الدنيا إلى القبور ثم إلى الجزاء والحساب، والوقوف بين يدي الله -جل في علاه-، قال ابن مسعود -رضي الله عنه-: "ما ندمت على شيء ندمي على يوم غربت شمسه نقص فيه أجلي ولم يزدد فيه عملي".

وقال علي -رضي الله عنه-: "إن الدنيا ولت مدبرة، وإن الآخرة ولت مقبلة، ولكل منهما بنون، فكونوا من أبناء الآخرة ولا تكونوا من أبناء الدنيا".

ويقول الحسن البصري -رحمه الله-: "ما من يوم تطلع شمسه إلا وينادي ذلك اليوم ويقول: يا ابن آدم أنا يوم جديد، وعلى عملك شهيد، فاستغلني فإني إذا مضيت لا أعود إلى يوم القيامة"، وقال رحمه الله: "يا ابن آدم إنما أنت أيام مجموعة فإذا مضى يوم فقد مضى بعضك".

يا ابن الستين والخمسين والأربعين والسبعين: ماذا تذكر من حياتك؟ يقول ابن القيم -رحمه الله تعالى-: "الإنسان بين ثلاثة أوقات، وقت مضى وانتهى، وهذا يسأل الله المغفرة في تقصيره وتفريطه. ووقت ينتظره يسأل الله أن يعينه، ويعقد النية على استغلاله بطاعة الله حتى إذا حال دونه الأجل كُتب له حسنة، ووقت حاضر هذا يجب أن يستغله بطاعة الله؛ لأنه سيمضي كغيره".

نعم -أيها الأحبة- على المؤمن أن يعتبر بمرور الأيام والأعمال، ويستغل حياته ووقته؛ لأن وقته هو رأس ماله.

الوقت -يا عباد الله- هو الخزينة التي تفتح يوم القيامة ولا يجد الإنسان فيها إلا ما عمل: (وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ) [فصلت: 46].

عبد الله: يوم القيامة ستقرأ ديوانك الذي سطرته بنفسك في هذه الأيام والليالي والأعوام، قال الله -تعالى-: (وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا * اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا) [الإسراء: 13 - 14].

أتدرون -يا عباد الله- كيف رُصد ذلك؟

رصده ربنا -تعالى- والملائكة تكتب ذلك: (مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) [ق: 18].

نعم: (وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَامًا كَاتِبِينَ * يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ) [الإنفطار: 11 - 12].

فعلى المسلم أن يستغل حياته بطاعة الله -تعالى-، والنبي -صلى الله عليه وسلم- أوصانا أن نستغل الحياة قبل أن تتبدل، فقال: "اغتنم خمسا قبل خمس" وذكر منها: "حياتك قبل موتك".

نعم، أن تستغل حياتك -يا عبد الله- قبل موتك وفراقك لهذه الحياة الدنيا، مهما امتد بك الأجل -يا عبد الله- مهما طال بك الزمان لا بد أن تفارق الأهل والأحباب والأصحاب والدور والأموال والقصور والسيارات.

نعم -يا عباد الله- إن الموت حقيقة قاسية مرة سيواجهها الجميع، ولو كان لأحد النجاة من الموت لكان لسيد البشرية -صلى الله عليه وسلم-، عندما حضرته الوفاة أخذ يدخل يده بالماء الذي عنده ويمسح وجهه، ويقول: "لا إله إلا الله، إن للموت لسكرات، لا إله إلا الله، إن للموت لسكرات".

عبد الله: تذكر عندما ينزل بك الأجل والمحبون والمشفقون والناصحون قلوبهم تتقطع من أجلك شفقة ورحمة، ويريدون أن تجلس معهم في هذه الدنيا، ولكن الله -تعالى- قدر الفناء لجميع البشرية؛ لأن هذه الدار ليس دار قرار، هذه الدار دار ابتلاء، دار اختبار، دار امتحان، نعم: (فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ) [النحل: 61].

فانظر إلى الأطباء يجتمعون حول القريب: (فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ * وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ * وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لَا تُبْصِرُونَ) [الواقعة: 83 - 85].

نعم -يا عباد الله- لماذا نغفل عن هذا المصير؟ لماذا الإنسان يتجرأ على معصية الله -تعالى-؟ لماذا الإنسان يتساهل في طاعة الله وهو يعلم أنه بدار امتحان، ويعلم ويوقن بأن الله يراه، وأن الله مطلع عليه، وأنه تعالى لا يخفى عليه شيء من أمرنا، وأن الملائكة تسجل وتدون الأعمال التي نعملها؟ (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) [المجادلة: 7].

إلى متى التسويف -يا عباد الله-؟ إلى متى التسويف؟

على الإنسان أن يبادر؛ جاء في صحيح مسلم أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "بادروا بالأعمال فتن كقطع الليل المظلم، يصبح الرجل مؤمنا ويمسي كافرا، ويمسي مؤمنا ويصبح كافرا يبيع دينه بعرض من الدنيا".

فعلى الإنسان أن يستغل حياته بطاعة الله، وأن يعتبر بمرور الأيام والأعوام.

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.

أقول هذا القول، وأستغفر الله العلي العظيم لي ولكم وسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة، فاستغفروه أنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله، اللهم لك الحمد حتى ترضى، لك الحمد يا الله إذا رضيت، ولك الحمد بعد الرضا، ونثني عليك الخير كله، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه.

أما بعد:

فيا عباد الله: (اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران: 102].

أيها المؤمنون: إذا قام المسلم بعبادة من العبادات، فعليه أن يعنى بالدليل الشرعي؛ لأن الأصل في العبادات الحظر، ولا يأمر الإنسان بعبادة إلا وعنده منها دليل.

نلحظ في نهاية العام أن بعض الناس -جزاهم الله خيرا- يجتهدون فيرسلون عبر الواتس آب، أو غيره من التواصل الاجتماعي: هذه آخر جمعة، فعليك أن تفعل كذا وكذا. هذه الجمعة كغيرها من الجمع. أو "عليك أن تختم العام بالتوبة أو بالصيام أو بالتسامح والعفو.

هذه عبادات -أيها الأحبة- مطلوبة في كل وقت، العفو والتسامح مطلوب من المسلم في كل السنة ليس في نهايتها، والتوبة كذلك مطلوبة من المسلم دائما وأبدا؛ لأنها وظيفة العمر.

وكذلك: الحث بالختم بالصيام، وغير ذلك، فيجتهد بعض الناس وهذا لا أصل له في الشرع.

فعلينا -أيها الأحبة- أن نعنى بالدليل الشرعي؛ لأن كل عبادة يقوم بها المسلم لا بد أن يتوفر فيها شرطان أساسيان:

الشرط الأول: الإخلاص لله -تعالى-.

والشرط الثاني: المتابعة لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: "من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد".

فهذا التاريخ الذي وضعه عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- عندما طلب منه الصحابة أن يوقت لهم وقتا يعرفون به الزمان، فاجتمعوا ورأوا أن يوقتوا بالهجرة، والهجرة -كما تعلمون- هجرة النبي -صلى الله عليه وسلم- في شهر ربيع الأول، لكنهم رأوا أنهم يبدؤوا من شهر الله المحرم، قيل: لأنه بعد ذي الحجة، وقيل: أنه من الأشهر الحرم.

على كل حال على الإنسان ألا يأتي بأمر وإلا وعنده دليل.

أسأل الله -جل وعلا- بأسمائه الحسنى أن يجعل العام المقبل عام خير وعز ونصر للإسلام والمسلمين.

اللهم اجعله يا حي يا قيوم عام خير للإسلام والمسلمين، اللهم اجعله يا حي يا قيوم عام خير للإسلام والمسلمين.

اللهم اجعله يا حي يا قيوم نسألك بأسمائك الحسنى وصفاتك العليا أن تصلح أحوال المسلمين في كل مكان، اللهم اجمع شملهم، اللهم اجمع كلمتهم، اللهم وحد صفوفهم يا رب العالمين، اللهم واشف كل مريض من المسلمين.

اللهم يا حي يا قيوم فرج هم كل مهموم، اللهم واقض الدين عن كل مديون يا رب العالمين، اللهم يا حي يا قيوم أصلح أحوالنا واجعلنا ممن يعتبر بمرور الأيام والأعوام، نعوذ بك يا الله من الغفلة، نعوذ بك يا الله من الغفلة.

اللهم ارزقنا الاستعداد ليوم المعاد، اللهم ارزقنا الاستعداد ليوم المعاد.

اللهم يا حي يا قيوم نسألك أن تجعل همنا هما واحدا هم الآخرة، اللهم يا حي يا قيوم نسألك أن تجعل همنا هما واحدا هم الآخرة.

اللهم طهر قلوبنا من النفاق وأعمالنا من الرياء وألسنتنا من الكذب وأعيننا من الخيانة.

(رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) [البقرة: 201].

(رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ) [آل عمران: 8].

اللهم إنا نسألك من خير ما سألك منه عبدك ورسولك محمد -صلى الله عليه وسلم-، ونعوذ بك من شر ما استعاذك منه عبد ورسولك نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم-.

نسألك من الخير كله عاجله وآجله، ما علمنا منه وما لم نعلم.

نعوذ بك من الشر كله عاجله وآجله ما علمنا منه وما لم نعلم.

اجعلنا ممن يطول عمره ويحسن عمله وتحسن خاتمته، ولا تجعلنا ممن يطول عمره ويسوء عمله وتسوء خاتمته يا رب العالمين.

اعصمنا من فتن الشهوات، وثبتنا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة، واجعل آخر كلامنا من الدنيا: لا إله إلا الله.

اللهم صل وسلم وبارك وأنعم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.


تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي