قصص القرآن هي أحسن القصص، وأفضل القصص، وأصدق القصص. فالقرآن فيه قصص الأنبياء والمرسلين -عليهم الصلاة والسلام-، وفيها من الفوائد: التثبيت للمؤمنين، فإذا رأى المؤمن قصة من قصص الأنبياء، أو وقف يتدبر في...
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونتوكل عليه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، وصفيه وخليله، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح للأمة، وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين، صلوات الله وسلامه عليه.
أما بعد:
فيا عباد الله: (اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ) [آل عمران: 102] وتدبروا كلام ربكم، واعلموا أن به سعادة الدارين، قال الله -جل وعلا-: (كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ) [ص: 29]، وقال سبحانه: (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا) [محمد: 24].
والقرآن -يا أمة القرآن- جاء بمعان منها: القصص، وقصص القرآن هي أحسن القصص، وأفضل القصص، وأصدق القصص: (وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللّهِ حَدِيثًا) [النساء: 87]، (نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ) [يوسف: 3].
فالقرآن -يا عباد الله- فيه قصص الأنبياء والمرسلين -عليهم الصلاة والسلام-، وفيها من الفوائد: التثبيت للمؤمنين، فإذا رأى المؤمن قصة من قصص الأنبياء، أو وقف يتدبر في إحدى قصص الأنبياء والمرسلين -عليهم الصلاة والسلام-، واستنبط منها الدروس والعبر لا شك ولا ريب أن ذلك يزيد في إيمانه ويعلقه بخالقه.
ولعلي أقف معكم اليوم مع قصة موسى -عليه السلام- مع فرعون، وما فيها من العبر.
فرعون -أخزاه الله- تكبر وتجبر وادعى الربوبية: (أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى) [النازعات: 24]، (مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرِي) [القصص: 38]، (إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ) [القصص: 4].
كان في مصر -يا عباد الله- قسمين من الناس: الأقباط وبني إسرائيل، وفرعون من الأقباط أخذ يستعبد بني إسرائيل، ويمتهنهم في خدمته وفي إذلاله، ونمى إلى علمه قيل في رؤيا عُبرت له أنه يخرج من بني إسرائيل صبيا يكون زوال ملكه على يديه، فأخذ يقتل الأطفال، فإذا ولد طفلا من بني إسرائيل قتله -والعياذ بالله-.
ثم جاءه زبانيته ومستشاروه، وقالوا: إذا قتلت بني إسرائيل لم يبق منهم أحد لخدمتك، فاقترحوا عليه أن يقتل عاما ويترك عاما.
فوُلد بأمر الله موسى بالعام الذي يقتل فيه تحديا لفرعون وإظهار لعظمة الله -تقدست أسماؤه وصفاته-، وفيه من الاحتقار والإذلال لفرعون وما ادعاه من الربوبية والإلهية فخافت أمه عليه وحزنت عليه حزنا شديدا.
وخافت عليه من بطش فرعون -أخزاه الله-، ثم أوحى الله إليها أن تلقيه في اليم: (وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ) [القصص: 7] فيه بشارتان: البشارة الأولى: أن الله طمأن قلبها بأن موسى سيعود إليها وأنه سوف يكون من المرسلين، ولكن كيف يكون الماء بأمواجه المتلاطمة مكانا آمنا لطفل صغير رضيع في تابوت لا يجلب لنفسه نفعا ولا يدفع عنها ضرا؟
فسبحان القادر، العناية الإلهية أحاطت بموسى فألقته بإيمانها بقول الله، فأخذته الأمواج إلى بيت فرعون: (فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ) [القصص: 8].
فألقى الله محبة موسى في قلب زوجة فرعون، والمحبة هي التي يضعها الله في القلوب، لو جاء شخص ووزع الأموال الطائلة على الناس ويريد منهم أن يحبوه وقد نزع الله محبته من القلوب لا يمكن أن يدرك مبتغاه، فربنا هو الذي يطرح المحبة والقبول في قلوب العباد، فأحبته حبا شديدا: (وَقَالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ) [القصص: 9].
فوافق فرعون على طلب زوجته لحكمة قد أعدها الله لزوال ملك هذا الطاغية على يد هذا الغلام الذي سوف ينشأ في بيته، فنشأ في بيته وأكل من مأكله ولبس من لباسه وشرب من مشربه وسكن في قصره وشاء العليم الحكيم أنه لا يقبل المراضع: (وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِنْ قَبْلُ).
انظروا وتأملوا -يا عباد الله- حتى يتحقق لأمه الوعد أن يرجع إليها، ولما أرسلته أمه ووضعته في البحر أرسلت أخته تتبع أثره: (وَقَالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ * وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِنْ قَبْلُ فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ * فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ) [القصص: 11 - 13].
فأعاده الله إلى أمه وأصبحت ترضعه وتطمئن عليه بأجرة من فرعون، إنه تقدير الله، ونأخذ من ذلك يا عباد الله أن قدر الله نافذ، فلو اجتمعت الجن والإنس على أن يردوا قضاء الله ما استطاعوا، فرعون وجنوده اجتهدوا أن يبيدوا ذلك الغلام الذي يخشون أن يزيل ملك فرعون ولكن إرادة الله نافذة.
ونرى -يا عباد الله- حنان الأم وعطف الأم واستجابتها لأمر الله: (وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلَا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) [القصص: 10].
نعم، لتكون من المؤمنين بوعد الله -جل في علاه-، فأصبح قلب أم موسى فارغا إلا من التفكير بموسى، ماذا حدث له؟ هل هلك في البحار؟ هي مؤمنة بوعد الله، ولكن الشيطان تسلط عليها وخافت على ابنها، ولا يلام -يا عباد الله- من فقد عزيزا عليه أو غاب عنه عزيز عليه أن يتألم قلبه لفراقه أو لموته، فالأم والأب لا يلامان على فقد العزيز، ولكن تأملوا -يا عباد الله- لولا أن ربطنا على قلبها، فيسأل المسلم ربه أن يربط على قلبه، يقول: اللهم اربط على قلبي، وأنزل على قلبي السكينة والطمأنينة.
ونتأمل -يا عباد الله- ونأخذ من الدروس أيضا: أن الحق والباطل في صراع إلى قيام الساعة لكن الانتصار في النهاية للحق وأهل الحق.
خاصم فرعون وجنوده موسى على ضعف منهم ولكن الحق -يا عباد الله- يعلو.
يقول ابن القيم في نونيته:
والحق ممتحن ومنصور فلا *** تجزع فهذه سنة الرحمن
أيضا -يا عباد الله- نأخذ من هذه القصة: أن موسى لما أيس من فرعون وعلم أنه لم يستجيب لأمر الله دعا عليه وقال موسى: (وَقَالَ مُوسَى رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالًا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ) [يونس: 88].
وتأملوا -يا عباد الله- الآية التي بعدها، قال الله: (قَالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا وَلَا تَتَّبِعَانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ) [يونس: 89] فإذا دعوت -يا عبد الله- ورفعت يديك لله فاترك الأمر لله.
قال بعض المفسرين: إن الله استجاب لموسى وهارون بعد أربعين سنة، فأنت مأمور -يا عبد الله- أن تدعو الله: (ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) [غافر: 60]، (أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ) [النمل: 62] ارفع يديك لله وثق بوعد الله، "ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة.
وتأملوا -يا عباد الله- أن التوكل على الله وحده ينجي العبد، قال الله لما أمر موسى بالهجرة وترك مصر: (فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ * قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ) [الشعراء: 61 - 62] قلها -يا عبد الله- بإيمان ويقين في كل حدث ينزل بك، قل: (إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ) [الشعراء: 62].
أما فرعون فماذا حصل له؟ أطبق الله عليه البحر ولما رأى الهلاك قال الله عنه: (حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ*آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ * فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ) [يونس: 90 - 91].
فإذا مر عليك -يا عبد الله- هذه الأحداث حرك بها قلبك، فالأحداث والعبر والقصص القرآنية فيها حياة القلوب، لا يمر عليك الحدث من غير تدبر ولا تأمل، وهذه القصة فيها من العبر والدروس الشيء الكثير.
نفعنا الله بما قلنا وسمعنا، والقرآن كله مواعظ وفوائد.
أقول هذا القول، وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
اللهم لك الحمد كله يا الله ولك الشكر كله يا الله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، وصفيه وخليله -عليه السلام-.
أما بعد:
فيا عباد الله: اعلموا أن من أعظم العبادات: الشكر، ومن هدي الأنبياء والرسل أنهم يشكرون الله -جل وعلا- في كل أحوالهم، فلما أنجى الله موسى وقومه من فرعون صام موسى ذلك اليوم، وكان ذلك في اليوم العاشر من محرم، صام شكرا لله.
ولما قدم النبي -عليه السلام- المدينة وجد اليهود يصومون هذا اليوم فسألهم عن صيامه، قالوا: ذاك يوم نجى الله فيه موسى فصامه، ونحن نصومه شكرا لله، قال النبي -عليه السلام- "نحن أحق بموسى منكم" فصامه النبي -عليه السلام-.
ولما سئل عن صيامه؛ كما جاء في صحيح مسلم قال: "أحتسب أن يُكفِّر السنة التي قبله".
ويسن: أن يصوم المسلم اليوم التاسع مع العاشر؛ لقول النبي -عليه السلام-: "لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع مع العاشر".
وإذا لم يتمكن الإنسان أن يصوم التاسع مع العاشر، فلا بأس أن يصوم العاشر مع الحادي عشر، أو لو أفرد العاشر وحده، فلا يكره على الصحيح من أقوال أهل العلم.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين.
اللهم انصر دينك وكتابك وسنة نبيك وعبادك المؤمنين، اللهم أصلح أحوال المسلمين في كل مكان.
اللهم اجمع قلوبهم ووحد صفوفهم يا رب العالمين، اللهم يا حي يا قيوم نسألك في هذه الساعة أن تنصر عبادك المظلومين في كل مكان، اللهم سدد آراءهم وقلوبهم وسهامهم يا رب العالمين، اللهم يا رؤوف يا رحيم يا لطيف ارحم إخواننا المستضعفين في العراق وفي الشام وفي كل مكان.
اللهم ول على المسلمين خيارهم في اليمن والعراق والشام، اللهم اجمع كلمة المسلمين يا حي يا قيوم، اللهم فرج هم المهمومين، اللهم فرج هم المهمومين، واقض الدين عن المدينين، واشف مرضانا ومرضى المسلمين يا قوي يا عزيز يا جبار يا من ترانا وتسمع كلامنا وتعلم سرنا ونجوانا نسألك أن تهلك كل عدو للإسلام والمسلمين.
اللهم من أرادنا أو أحد من المسلمين بسوء اللهم أشغله بنفسه، واجعل يا رب كيده في نحره، اللهم احفظ علينا عقيدتنا وأمننا واستقرارنا، من أراد بلادنا أو سائر بلاد المسلمين بسوء اللهم أبطل كيده، اللهم أبطل كيد وافضحه على رؤوس الأشهاد يا رب العالمين، اللهم وفق ولاة أمرنا لكل خير وارزقهم الجلساء الصالحين الناصحين يا رب العالمين.
اللهم انشر الأمن في كل بلاد المسلمين يا رب العالمين، وأعد المشردين إلى بلادهم يا حي يا قيوم، وشرد من طردهم يا قوي يا عزيز، يا من أهلكت فرعون أهلك أولئك الظلمة الذين شردوا وقتلوا الأطفال والنساء وهدموا البيوت على أصحابها، يا من أقسمت بعزتك أن تنتصر للمظلومين، اللهم انتصر لهم يا قوي يا عزيز.
اللهم كما جمعتنا في بيت من بيوتك اللهم اجمعنا بأعلى الجنان، اللهم اجمعنا بأعلى الجنان مع سيد الأنام.
اجعلنا يا الله ممن يطول عمره ويحسن عمله، ولا تجعلنا ممن يطول عمره ويسوء عمله.
اللهم صل على محمدٍ وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، وبارك على محمدٍ وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد.
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي