حقوق الطفل في الإسلام

محمد راتب النابلسي
عناصر الخطبة
  1. الإسلام دين عظيم نظم جميع شئون الحياة .
  2. حقوق الطفل في الإسلام .
  3. ضرورة الاعتناء بحسن تنشئة الأطفال. .

اقتباس

حقيقة أرددها كثيراً لم يبقَ في أيدي المسلمين من ورقة رابحة إلا أولادنا، أولادهم هم المستقبل، لعل الله عز وجل يعيد مجد هذه الأمة على يد أولادنا، الأولاد ثروة كبيرة يحتاج المجتمع إلى قادة في المستقبل، قد ربوا تربية صحيحة، ربوا تربية أخلاقية، تربية إسلامية، تربية اجتماعية، تربية نفسية، تربية علمية، فيا أيها الإخوة، قضية تربية الأولاد هي العمل الأول في حياة المسلمين، لأن القنبلة الذَّرية نرجو أن نقابلها بقنبلة الذُّرية.

الخطبة الأولى:

الحمد لله نحمده، ونستعين به، ونسترشده، ونعوذ به من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مُضل له، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إقراراً بربوبيته، وإرغاماً لمن جحد به وكفر.

وأشهد أن سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم رسول الله، سيد الخلق والبشر، ما اتصلت عين بنظر، أو سمعت أذن بخبر، اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين أمناء دعوته وقادة ألويته و ارضَ عنا وعنهم يا رب العالمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم، إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.

أيها الإخوة الكرام، اتفاقيات كثيرة، كاتفاقية المرأة، واتفاقية حق الطفولة، هم يأخذون مشكلاتهم ويعممونها على العالم كله، والمسلم حينما يتابع أمر دينه، ويرى ما في هذا الدين العظيم الذي هو وحي السماء، ومنهج خالق الأرض والسماء يشعر بألم شديد، لأن الذي عندنا يفوق ما عندهم بآلاف المرات، إن في حقوق الإنسان، وإن في حقوق المرأة، وإن في حقوق الطفل.

اليوم أعرض على مسامعكم بعض ما في هذا الدين العظيم من حقوق للطفولة لا يحلم بها الطرف الآخر، من منا يصدق أن الإسلام ينشئ للطفل حقاً على والديه، أو على أبيه إن صحّ التعبير قبل أن يولد، على الأب أن يحسن اختيار أم الطفل، فهذا أول حق يترتب على الأب قبل أن يكون له ابن، لا يوجد نظام في الأرض أشار إلى هذه الناحية، حقّ الابن على أبيه أن يحسن اختيار أمه.

في اتفاقية حقوق الطفل لا يوجد أبداً إشارة إلى أن من حقه أن يكون ابن أبوين، أربعون بالمئة من الأطفال لقطاء، لا يوجد إشارة بالقانون والاتفاقية إلى أن هذا الطفل من حقه على مجتمعه أن يكون له أب يعترف به، وأم تعتني به، اللقطاء بحدائق الجامعات في بلد غربي ثلاثمئة وخمسين ألفاً، بينما في بلد كبلدنا المسلم الذي فيه بقية مروءة، بقية عفة، أربعون حالة فقط، هذا فضل الدين، فضل الانضباط، فضل الحياء، فضل العفة، لنا ميزات لا يعرفها إلا من غادر هذا البلد ؛ تماسك الأسرة، الأب مقدس.

مرة حدثني أخ كريم سافر إلى باريس رأى شاباً على نهر السين ساهم الوجه قال له مالك وما تتمنى؟ قال له أتمنى أن أقتل أبي، كإنسان مسلم صعق، لما؟ قال أحب فتاة فأخذها مني، أما آباء المسلمين همه الأول تزويج أولاده، همه الأول يبيع بيته في دمشق ليسكن خارج دمشق كي يزوج أولاده، أنا أتمنى على الأخوة الكرام لا تغفل عن ميزات المسلمين، تتمتع بتماسك أسري، الأب مقدس، الأم مقدسة، الأولاد مقدسون، لذلك أول حق للطفل على أبيه أن يحسن اختيار أمه.

الآن لا يوجد بأي اتفاقية طفولة حقوق للجنين، حق الجنين على أمه أن تفطر في رمضان، وهو شهر الصيام، وهو ثاني أكبر عبادة في الإسلام، أن تفطر إذا كانت حاملاً أو مرضعاً، هذا حق للجنين كي يستطيع أن ينمو، وكي يستطيع بعد الولادة أن يرضع، إذاً سمح للأم أن تفطر من أجل جنينها إن كانت حاملاً، ومن أجل وليدها إن كانت مرضعاً، لذلك يقول النبي عليه الصلاة والسلام: "لا تجني أم على ولدها"

(النسائي وأبو يعلى وأبو نعيم عن طارق المحاربي)

أيها الإخوة، حينما يؤذى الصغير يحاسب عنه الكبير، الآن من تعدى على الجنين فأسقطه فعليه دية، دية، شيء بسيط يقول لك عملت كورتاج إجهاض، وكل مؤتمرات السكان تدعو إلى الإجهاض الآمن، يعني تحمل فتاة تذهب إلى مستشفى تطلب عملية إجهاض دون أن تسأل لماذا زنت؟ مثلاً، الإجهاض عندنا ممنوع في الإسلام بل إن إسقاط الجنين يوجب دية لأنه أزهق نفساً.

أيها الإخوة، في حياة الصحابة أن امرأة رمت الأخرى بحجر فأصابت بطنها وهي حامل فقتلت ولدها الذي في بطنها، فاختصموا إلى النبي عليه الصلاة والسلام فقضى بدية للجنين.

لا يوجد بأي اتفاقية أن إنساناً أساء لامرأة فمات الذي في بطنها عليه دية، دية قتيل.

أيها الإخوة، الحامل إذا شربت دواء فألقت الجنين فعليها الدية والكفارة تدفع إلى ورثة الجنين، الآن الحامل إذا ماتت وفي بطنها جنين ما الذي ينبغي أن نفعله؟ ينبغي أن يشق بطنها طولاً وأن يخرج منه الجنين لقوله تعالى: (وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا)

[سورة المائدة الآية: 32].

لازلنا والجنين في بطن أمه؛ حفظ حق الجنين في الميراث إن مات والده و هو لم يولد بعد: الآن مات أبوه ترك أموالاً يا ترى هذا الجنين ذكر أم أنثى؟ لو أنه أنثى وحيدة تأخذ نصف المال، قال: يفرض أن تكون أنثى حفظاً لحق الجنين، الورثة يقتسمون الإرث على أن الذي في بطن الأم أنثى لأنه أعلى نسبة لها، فإذا جاء ذكراً وزعوا الفرق على البقية، هذا من أحكام توزيع الإرث.

أيها الإخوة، أما السقط يصلى عليه ويدعى لوالديه بالمغفرة والرحمة، أما إذا نفخ فيه الروح يغسل ويصلى عليه، احتراماً للسقط هكذا جاءت الشريعة، الآن المولود ولد أولاً ينبغي أن يحنك، أن نأتي بتمرة نأخذ قطعة منها نحنك بها فمه، كي يذوق طعم الحلو مع قراءة الفاتحة والإخلاص وما شابه ذلك، ثم يدعى له بالبركة، الآن أهم حقٍّ حقه في النسب لذلك قال تعالى: (ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ) [سورة الأحزاب: 5]. يعني أول حق للابن أن يعرف من أبوه من أنجبه.

ومنها: عدم الشك بنسبه أو رفضه: أيها الإخوة، الطفل حينما يكون له أب وأم مع الحليب يرضع الرحمة والحب للمجتمع، أما هذا الذي يقسو على الناس قسوة لا حدود لها، هذا الذي يقصف ليدمر شعوباً لعله لقيط، لعله لم يذق طعم الحنان، صدقوا أيها الإخوة حدثنا أستاذ في الجامعة قال: لو أن الأم أرضعت ابنها بقسوة لكان المولود قاسياً، يشرب الحنان مع حليب أمه فإذا كان في المجتمع أربعون بالمئة من المواليد لقطاء أين الرحمة؟ الآن القوي يذبح الضعيف بالعالم كله، والغني يأكل الفقير، لا يوجد رحمة أبداً، ومن أجل حسم الخلافات جاء الحديث الشريف: "الولد للفراش" (مسلم عن أبي هريرة).

مادامت زوجتك وهذا فراشك فالذي ولد هو ابنك، ولو كنت أبيض اللون وهو أسود، وكأن النبي عليه الصلاة والسلام يقول تعلم علم الوراثة، فحينما ولد لإنسان غلام أسود عرض بأمه، فقال النبي عليه الصلاة والسلام: لعل ابنك هذا نزعة عرق فخرج لجد قديم من أجداده.

موضوع الشك والاتهام الولد للفراش والذي يرفض ابنه يكفر، كفى كفراً بامرئ ادعى نسباً لا يعرفه، أو جحده، هذا الذي يدعي نسباً لا يعرفه أو يجحده كان كافراً، أما في العالم الغربي شاب أحب فتاة استأذن والده في الزواج منها، قال له: لا يا بني إنها أختك وأمك لا تدري، أبوه كان زير نساء، فلما أحبّ ثانية قال يا أبي هذه فتاة أحببتها، قال له: أيضاً هذه أختك وأمك لا تدري، الثالثة كذلك فضجر من أبيه، وشكا إلى أمه، قالت له: خذ أياً شئت أنت لست ابنه وهو لا يدري، هذا العالم الغربي نراه قبلة لنا نقلده، نراه الحضارة.

أيها الإخوة، والله أحياناً يخجل الإنسان أن ينتمي لهذه المجتمعات، كفى كفراً بامرئ ادعى نسباً لا يعرفه، أو جحده وإن دق كفر، إذا رفضت ابنك، أحياناً يكون زواج خارج المحكمة يقول ليس ابني، يعرف بماذا يتكلم أمام القاضي؟ لا يوجد دليل، هذه العقود خارج النطاق الشرعي لها مشكلة، إذا قال ليس ابني انتهى الأمر لأنه لا يوجد دليل.

ومنها: حقه في الرضاع: (وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ) [سورة البقرة: 233].

على كل أم أن ترضع ابنها لأن الثديين هدية من الله تعالى.

أيها الإخوة، يرضعن أولادهن صيغة جاءت في معرض الخبر بمعنى الأمر، أيتها الوالدات أرضعن أولادكن، لذلك الفرق بين الإرضاع الطبيعي والصناعي فرق كبير جداً، أكثر الأطفال الذين يرضعون صناعياً كحليب البقر يصابون بآفات قلبية ووعائية حينما يكبرون، لأن حليب البقر فيه خمسة أضعاف الحموض الأمينية التي في حليب الأم تتبدل نسبه في أثناء الرضعة الواحدة، يبدأ بأربعين بالمئة دسم وستين بالمئة ماء، ينتهي بستين بالمئة دسم أربعين بالمئة ماء، معقم، بادر في الصيف دافئ في الشتاء، فيه مواد حافظة، فيه مواد تمنع التصاق الجراثيم بالمعدة، أكثر الأمراض الإنتانية بسبب الإرضاع الصناعي، بالقرآن الكريم: (وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ) [سورة البقرة: 233].

حتى إن كل معمل حليب للأطفال أُلزم أن يكتب لا شيء يعدل حليب الأم: (وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ) [سورة البلد: 10]. قال ابن عباس: الثديين هدية من الله.

العقاب الإلهي للنساء اللواتي أبين إرضاع أولادهن ورم خبيث في الثدي: بالمناسبة أكثر حالات سرطان الثدي تصاب به نساء أبين إرضاع أولادهن من أجل شكلهن، فالعقاب الإلهي ورم خبيث في الثدي، أما فطام الابن لا يمكن أن يكون قراراً من أمه وحدها ولا من أبيه، قرار مشترك بالأحكام الفقهية.

ولما سيدنا عمر حرس قافلة سمع بكاء طفل فنبه أمه، فبكى ثانية نبه أمه، فبكى، فغضب: قال: أرضعيه، قالت ما شأنك بنا؟ إني أفطمه، قال: ولم؟ قالت لأن عمر لا يعطي العطاء إلا بعد الفطام، تروي الروايات أنه ضرب جبهته وقال ويحك يا بن الخطاب كم قتلت من أطفال المسلمين؟ وصلى الفجر في أصحابه لم يفهم أصحابه قراءته من شدة بكائه، لكنه دعا فقال يا رب هل قبلت توبتي فأهنئ نفسي أم رددتها فأعزيها؟

ماذا اتهم نفسه؟ كم قتلت من أطفال المسلمين، لأنه أعطى التعويض العائلي على الفطام لا على الولادة، ثم أمر أن يكون التعويض فور الولادة.

ومنها: أن يحسن الأب اختيار اسم ابنه: حقه في التسمي في أمر نبوي أن يحسن الأب اختيار اسم ابنه، لذلك النبي -عليه الصلاة والسلام- غيّر بعض الأسماء واحدة اسمها عاصية قال: بل أنت جميلة، شخص اسمه أصرم قال له: أنت أزرع، غيّر النبي -عليه الصلاة والسلام- الأسماء، من حق الابن على أبيه أن يختار له اسم يتباهى به، ثم يعق له أي يذبح عقيقة تكريماً لهذا المولود، ولإشعاره أنه كبير يسن أن يكنى بكنية، يا أبا عمير، طفل صغير يلعب بعصفور، يا أبا عمير ما فعل النغير؟ تذبح له عقيقة وتختار له اسماً حسناً وتكنه.

أيها الإخوة، ويحلق رأسه ويتصدق بوزن شعره ذهباً إكراماً له ويغتل الذكر وجوباً، كلها أحكام شرعية.

ومنها: حقه في الحضانة: حقه في الحضانة، الولد يحتاج إلى حنان، إلى عطف، إلى رعاية، والشريعة قد كفلت له ذلك، حضانه حتى يستقل بأمره، يحفظ ويوقى من جميع الأضرار والشرور، والأم هي الحاضنة الأولى، وقد نصّ عليها في التشريع الإسلامي وفي حال السفر يختار له أفضل امرأة بعد أمه كي تكون حاضنة له، هناك ترتيب جاء به الفقهاء الأم أولاً، ثم أمهات الأم، ثم الأب ثم أمهاته، ثم الجد ثم أمهاته، ثم الأخت من أبوين، ثم الأخت من أب، ثم الأخت من أم، ثم الخالة، ثم العمة، ثم الأقرب فالأقرب.

حقه في الحضانة امرأة ترعاه، تعتني به، تحبه، تقبله، تشمه، تضمه، تطعمه، تنظفه من حقه، حدثني طبيب في شيكاغو أقسم بالله في ليلة واحدة ليلة الأحد هو كان في مستشفى بشيكاغو طبيب إسعاف.

الآن طبيب أطفال كبير في دمشق، قال لي والله خمس عشرة حالة أطفال ضربوا بآلات حادة من آبائهم وأمهاتهم لأنهم نغصوا عليهم ليلتهم، فجيء بهم إلى المستشفى، الآن في العالم الغربي الطفل الصغير يضرب يضغط على الصفر، تأتي الشرطة يشتكي على أبيه وأمه من قسوتهم، من بعدهم عن الله، من سوء تربيتهم، هذا القانون ليس لنا هذا لغيرنا، أي طفل في أستراليا أو أوربا في صفر أو واحد تأتي الشرطة يأخذون الأب يحاسبونه، وقد يأخذونه منه لستة أشهر، أطفالنا المسلمون في حفظ، وحماية، ورعاية، وحضانة، وكفالة، والنبي الكريم قال لأم أنت أحق به ما لم تنكحِ، إذا تزوجت تأت امرأة أخرى، ما دام أنت غير متزوجة وانفصلت عن زوجك أنت الحاضنة الأولى.

هل تصدقون أن النبي -عليه الصلاة والسلام- استشار طفلاً نفسه، سأله من تريد اختر؟ فاختار الابن أمه، يعني النبي -عليه الصلاة والسلام- استشار الطفل بالسنة السابعة مع من تحب أن تكون؟ حتى السابعة من حق أمه حصراً لكن بعد السابعة يستشار، مرة اختار الابن والده، قالت الأم للقاضي سله لما اختار والده؟ فسأله القاضي، قال أمي تأخذني إلى تحفيظ القرآن والمعلم يضربني، أما أبي يدعني ألعب مع الصبيان، فأمر القاضي أن تكون الأم هي الحاضنة.

ومنها: حقه في النفقة عليه: حق النفقة عليه، أفضل دينار ينفقه الرجل دينار ينفقه على عياله، أحياناً يقول الناس العمل عبادة، أنا أؤمن بهذا الكلام، إذا كان الشاب اشتغل، وهيأ مالاً لأولاده، أطعمهم، ألبسهم، أكرمهم، أي جعلهم يحسون أنهم في بحبوحة، وفي جنة عمله هو عبادة، أما أب كسول لا يعمل، ما معه شيء دائماً، فأولاده خرجوا من حاضنته، التصقوا بأصدقائهم الأغنياء، فالإنسان حينما لا ينفق على أولاده يخسرهم، من هنا كان العمل عبادة وقد قال النبي -عليه الصلاة والسلام-: "كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يُضَيِّعَ مَنْ يَقُوتُ" (أبو داود عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو).

ومنها: حق الطفل في المساواة بينه وبين إخوته: يطعمه لكن لم ينتبه إلى دينه، ولا إلى إيمانه، ولا إلى أخلاقه، ولا إلى عقيدته، بل إن زكاة الفطر تجب على الصغير، بل تجب على الجنين في بطن أمه، والإسلام يهتم بمشاعر الصغار، فأمر بالعدل التام بين الأولاد، ليس للأب حق أن يُقبّل واحداً دون الآخر، ولا أن يضحك بوجه واحد دون الآخر، ولا أن يحمل واحداً دون الآخر، ولا أن يضم واحداً دون الآخر، إلى هذا المستوى، اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم.

ومنها: حقه في التربية: له حق التربية، يقول النبي -عليه الصلاة والسلام-: "كُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ" (متفق عليه عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا).

"مروا أولادكم بالصلاة لسبع واضربوهم عليها لعشر وفرقوا بينهم في المضاجع" (أحمد والبيهقي والدار قطني عن عمرو بن شعيب).

هناك أب عاتب ولده لأنه كان عاقاً، فقال الولد: يا أبتِ إنك عققتني صغيراً فعققتك كبيراً، وأضعتني وليداً فأضعتك شيخاً، والجزاء من جنس العمل، حينما ترعى ابنك في الأعم الأغلب بقناعتي تسعة وتسعين بالمئة إلا بحالات نادرة جداً يكون ابنك باراً بك، وكان النبي -عليه الصلاة والسلام- يُعلم الصغار: "احفظ الله يَحْفَظْك احفظ الله تجده اتجاهك إذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله..." (أخرجه الترمذي عن عبد الله بن عباس).

وقال: "يا غلام سمِّ الله وكُلْ بيمنك وكل مما يليك" (صحيح عن عمر بن أبي سلمة).

أحياناً يكون إنسان بدعوة مع أولاده يتلقطون اللحم فقط، فيحرج الأب إحراجاً كبيراً، النبي -عليه الصلاة والسلام- رأى غلاماً تطيش يده في الصفحة قال له: "يا غلام سمِّ الله وكل بيمنك وكل مما يليك"، علّم الطفل إن علمته تحبه، إذا ما علمته تكرهه.

ومنها:  حقه في الملاطفة و المداعبة: هناك حق آخر عجيب حقه بالمداعبة والملاطفة، الأقرع بن حابس أبصر النبي صلى الله عليه وسلم يقبل الحسن، فقال: إن لي عشرة من الولد ما قبّلت واحداً منهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:  "من لا يَرحم لا يُرحم" (البخاري و مسلم عن أبي هريرة).

أيها الإخوة، كان النبي -عليه الصلاة والسلام-، ينطلق من مسجده إلى العوالي، يعني بآخر المدينة إلى ظئر إبراهيم مرضعة ولده ليُقبله ثم يرجع.

من ينتقل من المهاجرين إلى المخيم يركب ساعة ونصف، يُقبل ابنه ويرجع هكذا النبي علمنا، كان يأخذ الحسن بن علي والحسين فيقعدهما على فخذه يلاعبهما ويحملهما وحمل أمامة بنت زينب في الصلاة فإذا سجد وضعها وإذا قام حملها.

مرة أطال السجود حتى خشي الصحابة شيء لعل النبي مات، فرفع واحد رأسه فوجد النبي يصلي ساجداً والولد على ظهره، فلما انتهت الصلاة سألوه وأخبرهم، قال: إن ابني ارتحلني فكرهت أن أعجله، هذا أكبر داعية في الأرض، أعظم نبي، أكبر قائد، يرتحله ابن ابنته على ظهره وهو في الصلاة ليؤخر السجود إكراماً له.

أيها الإخوة، ومنها: حقه في الحفاظ عليه وعدم لعنه وسبه والدعاء عليه، الآن حقه في الحفاظ عليه وعدم لعنه وسبه والدعاء عليه، مما يدعو الآباء على أولادهم الله يعدمني إياك، هذا الكلام القاسي لماذا؟ أسمعه كلمة طيبة ينشأ الطفل مؤدباً، ينشئ الطفل على حب، اجعل البيت جنة، هدئ حالك، كن حليماً، هذا السباب والكلام القاسي هذا يقيم شرخاً في العلاقة بين الأب وابنه، لا تدعوا على أنفسكم ولا تدعوا على أولادكم، وإذا استجنح الليل فكفوا صبيانكم، بعد وقت محدد الابن في البيت، يأتي الساعة الثانية ما في، بعد وقت محدد قد يكون العشاء، قد يكون بعد العشاء بساعة الابن في البيت، وإذا استجنح الليل فكفوا صبيانكم.

ومنها: حقه في العلاج: حقه في العلاج، لا تعذبوا صبيانكم، مثلاً بنت يوجد بأسنانها حالة غير صحيحة تحتاج إلى تقويم، لك أجر كبير هذه بنت، صار في جرح فكانت المعالجة غير متقنة تحتاج إلى معالجة متقنة لا يكون في تشويه بوجهها، هذا من واجبات الأب.

ومنها: احترام شخصية الصغير: هناك شيء يكاد لا يصدق، احترام شخصية الصغير، طفل يجلس على يمينه وعلى يساره أشياخ كبار صحابة، جاءت الضيافة، قال له: أتأذن لي يا غلام، أتأذن لي أن أعطيه الأشياخ؟ سيد الخلق يستأذن طفلاً صغيراً، قال له: لا والله لا آذن لك، أعطاه إياه، في مثل هذه التربية؟ طفل تستأذنه؟ أحياناً الأب العاقل يستشير ابنه يمنحه ثقة، يضع المال بمكان، بابا خذ وسجل حتى نضبط أمورنا، تعمل ثقة كبيرة بالطفل، لما تمنح ابنك ثقة يمنحك روحه. قال له: أتأذن لي يا غلام أتأذن لي أن أعطيه الأشياخ؟ فقال هذا الغلام ما كنت لآثر بفضلي منك أحداً يا رسول الله فأعطاه إياه.

حقه في العلاج أن تعالجه، في أمراض بالبداية سهل معالجتها إذا أهملت أصبحت عاهة دائمة بالطفل.

أيها الإخوة الكرام، الموضوع طويل لكن نموذج، هذه حقوق الطفل في الإسلام، أي منها حقوق الطفل في العالم الغربي؟ يتفقون على حقوق، ونلزم بها، وإذا ما طبقناها نعاقب، وإذا تحفظنا عليها تقوم الدنيا ولا تقعد، وعندنا دين من وحي السماء.

أيها الإخوة الكرام، حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم، واعلموا أن ملك الموت قد تخطانا إلى غيرنا، وسيتخطى غيرنا إلينا، فلنتخذ حذرنا، الكيس من دان نفسه، وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها، وتمنى على الله الأماني، والحمد لله رب العالمين.

الخطبة الثانية:

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى صحابته الغر الميامين، وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين.

أيها الإخوة الكرام، حقيقة أرددها كثيراً لم يبقَ في أيدي المسلمين من ورقة رابحة إلا أولادنا، أولادهم هم المستقبل، لعل الله عز وجل يعيد مجد هذه الأمة على يد أولادنا، الأولاد ثروة كبيرة يحتاج المجتمع إلى قادة في المستقبل، قد ربوا تربية صحيحة، ربوا تربية أخلاقية، تربية إسلامية، تربية اجتماعية، تربية نفسية، تربية علمية، فيا أيها الإخوة، قضية تربية الأولاد هي العمل الأول في حياة المسلمين، لأن القنبلة الذَّرية نرجو أن نقابلها بقنبلة الذُّرية.

اللهم اهدنا فيمن هديت، وعافنا فيمن عافيت، وتولنا فيمن توليت، وبارك لنا فيما أعطيت، وقنا واصرف عنا شر ما قضيت، فإنك تقضي بالحق، ولا يقضى عليك، وإنه لا يذل من واليت، ولا يعز من عاديت، تباركت ربنا وتعاليت، ولك الحمد على ما قضيت، نستغفرك ونتوب إليك.

اللهم اهدنا لصالح الأعمال لا يهدي لصالحها إلا أنت، اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها مردنا، واجعل الحياة زاداً لنا من كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر، مولانا رب العالمين.

 اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك، وبطاعتك عن معصيتك، وبفضلك عمن سواك، اللهم بفضلك ورحمتك أعلِ كلمة الحق والدين، وانصر الإسلام، وأعز المسلمين، انصر المسلمين في كل مكان، وفي شتى بقاع الأرض يا رب العالمين، اللهم أرنا قدرتك بأعدائك يا أكرم الأكرمين.

والحمد لله رب العالمين


تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي