البيت هو المجتمع الأول إذا صلح البيت صلح المجتمع. ولقد جاءت الشريعة بالعناية باختيار الزوجين، وجاءت الشريعة بمقومات البيت السعيد. ولكنني اليوم لن أتحدث عن مقومات البيت السعيد وعن أسبابها وسأفرد...
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران: 102].
أيها المؤمنون: اتقوا الله -جل وعلا- في أقولكم وأعمالكم، وراقبوه في سركم وعلانيتكم.
واعلموا -يا رعاكم الله- أن الإسلام دين ينشر الخير والعدل في كل مكان بدءًا من البيوت.
والبيت هو المجتمع الأول إذا صلح البيت صلح المجتمع.
ولقد جاءت الشريعة بالعناية باختيار الزوجين، وجاءت الشريعة بمقومات البيت السعيد.
ولكنني اليوم لن أتحدث عن مقومات البيت السعيد وعن أسبابها وسأفرد بمشيئة الله -جل وعلا- بخطبة قادمة عن هذه المقومات.
وحديث اليوم عما ينغص البيوت، عن الخلافات الزوجية، عن أسبابها وعلاجها، سأكون مستعينا بالله، وأسأله السداد في القول والعمل، وأسأله الإخلاص.
أقول -أيها الفضلاء-: أن من أسباب الشقاق بين الزوجين: الشيطان -أعاذنا الله وإياكم منه-، فقد جاء في صحيح مسلم: أن الشيطان يضع عرشه على الماء، ويرسل رسله، ويبعث رسله، ويأتي أحدهم، ويقول: فعلت وفعلت" ويعددون أفعالهم المشينة، ويقول أحدهم: "فرقت بين الرجل وبين أهله، فيقول: أنت أنت" فهو يدنيه؛ لأن الشيطان -أعاذنا الله وإياكم منه- يريد هدم البيوت، يريد عدم الاستقرار للمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات.
ومن أسباب الخلافات الزوجية: ما يقع به الزوجان أو أحدهما من المخالفات الشرعية، فما وقع أمر إلا بسبب الذنوب: (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) [الروم: 41].
وإن من رزق الله -جل وعلا- الزواج، والنبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: "إن الرجل ليحرم الرزق بالذنب يصيبه".
يقول محمد بن سيرين: "إنني لأعرف معصيتي في خلق زوجتي ودابتي".
وعلاج ذلك: أن يراجع المسلم نفسه وينظر في بيته هل قام على بيته القيام المطلوب من الناحية الشرعية، حث نفسه وأهله على المحافظة على الصلاة؟ حث نفسه وأهله على عدم ارتكاب المحرمات؟
ولذلك نجد أن البيوت التي تقع فيها المنكرات تتسلط فيها الشياطين، وتنكد على أهلها، وتنغص حياتهم.
فعلى المسلم أن يعنى ببيته، ويربي أولاده على الكتاب والسنة.
وعليه أن يحصن بيته بأذكار الصباح والمساء، ويعود أولاده على ذلك ويبدأ بنفسه: (وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى) [طه: 132].
فإذا حصل خلاف بينك وبين زوجتك: راجع نفسك، وأنت -يا أمة الله- إذا رأيتي تقصيرا من زوجكِ، فراجعي نفسك، وتوبي إلى الله -جل وعلا-: (إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ) [الرعد: 11].
ومن أسباب الخلافات الزوجية: ما يحصل من الأمور الاجتماعية، الإنسان بطبيعته يعيش مع أهله ومع أقاربه وفي مجتمعه، فيحصل أحيانا التدخل لا سيما من بعض الأقارب.
وقد يدخلون بنية سليمة يريدون الإصلاح ويفسدون من حيث أرادوا الإصلاح، فعلى المسلم أن يتقي الله، ولا يتدخل فيما لا يعنيه، وقد ورد في حديث حسنه بعض أهل العلم: "من حسن إسلام المرء تركه مما لا يعنيه".
فلا تتدخل فيما لا يعنيك، فكم من زوج فارق زوجته بسبب التدخلات العائلية؟
ولا أسمي ولا أقول: فلانة! أي هذه القريبة كالأخت أو الأم، أو نحو ذلك.
أقول التدخل من بعض الأقارب أيا كان هذا النوع من التدخل، وأيا كان مصدر هذا النوع، على الإنسان أن يتقي الله -جل وعلا-، كما لا يحب ألا يتدخل أحد في شؤونه وخصوصياته فلا يتدخل.
لا يتدخل في شؤون الغير إلا إذا طلب منه، ويدخل بنية صادقة، ويسأل الله -جل وعلا- أن يجعله من مفاتح الخير، مغاليق الشر، وربنا يقول: (لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا) [النساء: 114].
ونبينا -صلى الله عليه وسلم- يقول كما في سنن أبي داود بسند صحيح: "هل أدلكم على خير من الصلاة والصيام والصدقة؟" قالو: بلى يا رسول الله، قال: "إصلاح ذات البين".
فيجتهد المسلم أن يلم هذه البيوت، أما أن يفسد وينقل الكلام ويدمر هذا البيت ويفرق الزوجين، فليحذر من الوعيد الشديد، يقول نبينا وقدوتنا وأسوتنا -صلى الله عليه وسلم- كما في الصحيحين: "لا يدخل الجنة نمام" هماز مشاءٍ بنميم.
وأيضا على الزوجة خاصة: ألا تخرج أسرار البيت، لا تخرج إذا أخطأ الزوج بحقها فلتصبر ولتحتسب، ولا تخرج الأسرار، ربما تتحدث مع أبيها أو مع أمهما أو مع إخوانها، وتؤلب على زوجها ثم يكرهون هذا الزوج.
ولو زانت أو تعدلت الأمور وأرادت الزوجة أن ترجع إلى زوجها رفض والدها أو رفضت أمها أو رفض إخوانها، فعليها ألا تبدي الأسرار، ولا تتحدث بالهاتف أو غيره، وكلما بدر من زوجها تقصيرا اتصلت على فلان وعلى فلانة، وفعل .. وفعل.
فالبيوت أسرار، فعلينا أن نتقي الله -يا عباد الله-.
ومن أسباب الخلافات الزوجية: السحر والعين.
وعلاج ذلك -يا عباد الله-: أن يحصن المسلم نفسه، وأن يكثر من الأوراد والأذكار، وأن يجعل له وردا من كتاب الله، فكم من زوج مسحور؟ وكم من زوجة مسحورة؟
وليعلم الذي يذهب إلى السحرة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال : "من ذهب إلى ساحر فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد".
ويقول حبينا وقدوتنا -صلى الله عليه وسلم- : "من ذهب إلى ساحر فسأله لم تقبل له صلاة أربعين يوما" فلتتق الله.
والذين يحسدون الناس ويصيبوهم بأعينهم على الإنسان أن يحذر من ذلك، ويعلم أن هذا من الأخطاء الجسيمة التي ربما يترتب عليها ضرر كبير على هذا الإنسان، بل ربما تؤدي العين إلى الوفاة كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "لو كان شيء سابق القدر لسبقته العين".
وأكثر ما يدخل الجمل القدر العين، ويدخل الإنسان القبر العين، فعلى الإنسان إذا رأى ما يعجبه كما قال صلى الله عليه وسلم: "فليبرك عليه".
يقول حبيبنا -صلى الله عليه وسلم-: "عَلاَمَ يَقْتُلُ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ، إِذَا رَأَى أَحَدُكُمْ مِنْ أَخِيهِ مَا يُعْجِبُهُ، فَلْيَدْعُ لَهُ بِالْبَرَكَةِ" يقول: ما شاء الله.
رأى زوجة أو رأى زوجا، أو رأى أولادا، أو رأى أموالا أو سيارة، أو رأى بيتا، يعود نفسه أن يقول: ما شاء الله تبارك الله.
نعم -يا عباد الله- فعلى الإنسان أن يتقي الله، وعلى أهل البيوت أن يحصنوا بيوتهم من شياطين الجن والإنس.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات الذكر والحكيم.
أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، وصفيه وخليله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه.
أما بعد:
فيا عباد الله: اتقوا الله حق تقاته، واعلموا أن من أسباب الشقاق والخلاف بين الزوجين: الأمور المالية، ومنها: أن يقصر الزوج على زوجته بالنفقة، والنفقة واجبة على الزوج، فعليه أن يقوم بما أمره الله: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء) [النساء: 34].
فعليه أن يقوم بواجبه من النفقة، أو يقصر بما اتفق عليه في المهر، وكذلك أن تقول الزوجة بالطلبات الكثيرة من زوجها وظروفه المالية لا تسمح له بذلك، فتحمله ما لا يطيق، وربما يرتكب الديون بسبب طلباتها، تريد أن تجاري الناس.
قد يكونون من الأغنياء، لكن هذا الزوج لا يملك من المال إلا اليسير، فحاله مستورة، فتقوم الزوجة بالطلبات الكثيرة، وتلح عليه بذلك، فعليها أن تتقي الله، ولتقتنع ولترض بما كتبه الله.
وكذلك الشراكات التي تكون بين تنبى على المحبة أو على التسامح أو على المجاملة، ومن ثم إذا حصل بين الزوجين خلاف بدأ كل منهم يطلب بحقه، كأن تكون الزوجة موظفة وعندها من الأموال فتدفع تلك الأموال للزوج، فيشتركان في عمل عقاري أو غيره، ثم إذا حصل بينهما شيء بدأت الزوجة تطالب زوجها بحقها من المال، فيبدأ الشقاق، وربما يصل إلى المحاكم، فعلى الجميع أن يحرص كل الحرص على القيام بواجباته وحقوقه.
ومن الأسباب: الجهل بالأحكام الشرعية، فالزوج يهدد زوجته بالطلاق في كل حركة تقوم بها.
إذا قصرت في أي أمر من الأمور كأن تتأخر في تقديم الغداء أو العشاء أو الشاي، فيتكلم عليها ويسبها، وربما سب أهلها ويطلق لسانه، والمسلم ليس بالسباب ولا بالشتام، وليعلم أن لعن المسلم كقتله، فلنتق الله، ويتأمل الإنسان أن له بنات، وكما تدين تدان.
أسأل الله أن يعمر بيوت المسلمين بالسعادة والهناء.
اللهم يا حي يا قيوم نسألك أن تسعد كل زوجين، اللهم أسعد كل زوجين، اللهم ألف بين المختلفين، اللهم اجمع قلوبهم، اللهم ارزقهم جميعا الرحمة.
اللهم ارزقهم يا حي يا قيوم الألفة والمودة والرحمة يا حي يا قيوم، اللهم اشف سخيمة قلوب كل زوجين يا رب العالمين، اللهم يا حي يا قيوم أبطل سحر كل مسحور، اللهم أبطل سحر كل مسحور، اللهم أبطل سحر كل مسحور ومسحورة، اللهم يا حي يا قيوم اشف كل معيون ومعيونة.
اللهم يا حي يا قيوم أصلح أحوال المسلمين، واجمع قلوبهم يا رب العالمين.
اللهم من أرادنا أو أحدا من المسلمين بسوء، اللهم أشغله بنفسه، واجعل يا رب كيده في نحره، وأدر عليه دائرة السوء يا رب العالمين.
اللهم أعن الأزواج للقيام بحقوق زوجاتهم، وأعن الزوجات على القيام بحقوق أزواجهن.
اللهم إنا نسألك في هذه الساعة المباركة أن تنزل علينا رحمة تسعدنا بها في الدنيا والآخرة.
اللهم املأ قلوبنا حبا لك وخوفا منك وتعظيما لك وإجلالا لك يا رب العالمين.
اللهم إنا نسألك أن تشفي كل مريض من المسلمين، وأن تزيل هم كل مهموم من المسلمين.
اللهم أعد المشردين إلى بلادهم، اللهم انشر الأمن في اليمن والعراق وفي الشام وفي كل بلاد المسلمين يا رب العالمين.
اللهم إنا نسألك أن تحفظ علينا عقيدتنا وأمننا واستقرارنا، اللهم احفظ علينا عقيدتنا وأمننا واستقرارنا، يا رب من أراد ببلاد الحرمين سوءً اللهم فأشغله بنفسه، اللهم أبطل كيده، اللهم اكشف ستره، اللهم افضحه يا حي يا قيوم على رؤوس الأشهاد.
اللهم وفق ولاة أمرنا لما تحبه وترضاه، اللهم سدد أقوالهم وأعمالهم يا حي يا قيوم.
اللهم احفظ شباب المسلمين من الزيغ الضلال.
اللهم أحسن لنا الختام، اجعلنا يا رب ممن يطول عمره ويحسن عمله، ولا تجعلنا ممن يطول عمره ويسوء عمله، أحسن لنا الختام، واجعل آخر كلامنا من الدنيا شهادة التوحيد: لا إله إلا الله.
اللهم صل وسلم وبارك وأنعم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي