وإذا وجدت في رصيدك من أثر الطاعة ما تسر به فاحمد الله فذاك فضله، وسله القبول؛ فإنما يتقبل الله من المتقين، وجِدّ في سؤال الله الزيادة والثبات على الحق والهدى، فإن الطاعة إذا وفق لها العبد فرأى لنفسه فضلا على ربه وأعجب بعمله كان ذلك من دواعي حبوطه وعدم قبوله؛ فاحذر أن تفسد ما أصلحت، واحذر أن تهدم ما بنيت، وكن لله ذليلا، وإليه مقبلا؛ فحقه أعظم من أن يفيه عمل الإنسان، مهما بلغ إتقانا وصلاحا وجودة.
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلَّى الله عليه وعلى آله وسلم.
أما بعد: فاتقوا الله عباد الله، فإن تقوى الله هي الغرض والغاية والمقصود من كل ما شرعه الله -تعالى- لعباده، فالله -جل في علاه- شرع التوحيد لتزيين القلوب بالإخلاص له والإقبال عليه، كما شرع الصلاة والزكاة والصوم والحج وسائر شرائع الدين لعمارة القلب بتقوى العزيز الغفار الرحيم الرحمن، (أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) [الرعد:28]، ولا طمأنينة لها إلا بأجمل لباس وأجمل وشاح تتشح به، وهي التقوى، قال -تعالى-: (يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْءَاتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَىَ ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ) [الأعراف:26].
فإذا عري القلب عن هذا اللباس لم يستر سوأته ستر، ولا يقر؛ فإن تقوى الله -تعالى- تجلب له كل طمأنينة وبهاء وزينة.
أيها المؤمنون عباد الله: يتقرب العباد إليه بألوان من القربات كلها تهدف إلى غرض واحد وهو تحقيق التقوى، فمن المهم لكل مؤمن أن يفتش عن نصيبه وعن رصيده، فبعد مواسم التجارات يحسب التجار ما كسبوا وما حصلوا ليدركوا كم ربحوا وكم خسروا فيكون عونا لهم على التعويض والاستزادة، والتقدم إلى الربح والفوز والنجاح.
إن كل عامل يظن أن عمله يذهب دون أثر فهو مخطئ، فما من عمل يعمله العبد في دنياه إلا ولا بد له من أثر، أثره ليس في رصيد في مصارف وبنوك، إنما رصيده في القلوب من التقوى والإيمان: "تُعْرَضُ الْفِتَنُ عَلَى الْقُلُوبِ كَالْحَصِيرِ عُودًا عُودًا فَأَيُّ قَلْبٍ أُشْرِبَهَا نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ"، وهذا هو الرصيد في الإقبال على السيئات والأخذ بها، "وَأَيُّ قَلْبٍ أَنْكَرَهَا نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ بَيْضَاءُ"، وهذا الرصيد الأخير رصيد الصالحات ومحله القلب، "حَتَّى تَصِيرَ عَلَى قَلْبَيْنِ عَلَى أَبْيَضَ مِثْلِ الصَّفَا فَلَا تَضُرُّهُ فِتْنَةٌ مَا دَامَتْ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَالْآخَرُ أَسْوَدُ مُرْبَادًّا كَالْكُوزِ مُجَخِّيًا لَا يَعْرِفُ مَعْرُوفًا وَلَا يُنْكِرُ مُنْكَرًا إِلَّا مَا أُشْرِبَ مِنْ هَوَاهُ".
هكذا يبين النبي -صلى الله عليه وسلم- منتهى تأثير العبادات والصالحات وما طلبه الله -تعالى- من عباده في طاعته والتقرب إليه، ففتشوا عن زادكم الذي تزودتم به من ذكر الله والصلاة ومن الصوم وسائر القربات، ومن الطاعات الظاهرة والباطنة، فإذا وجدتم نقصا فلا تلوموا إلا أنفسكم، وبادروا في تعويض ما حصل من نقص؛ فإن الحياة مرحلة تزود، قال -تعالى-: (وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى) [البقرة:197]، لا يقطع سفر الآخرة ولا يفوز الفائزون عند رب العالمين إلا بالسبق بالتقوى؛ فإن التقوى خير المراكب، (وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوا بِمَفَازَتِهِمْ لَا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ) [الزمر:61]. اللهم اجعلنا من عبادك المتقين، وحزبك المفلحين، وأوليائك الصالحين، يا رب العالمين.
وإذا وجدت في رصيدك من أثر الطاعة ما تسر به فاحمد الله فذاك فضله، وسله القبول؛ فإنما يتقبل الله من المتقين، وجِدّ في سؤال الله الزيادة والثبات على الحق والهدى، فإن الطاعة إذا وفق لها العبد فرأى لنفسه فضلا على ربه وأعجب بعمله كان ذلك من دواعي حبوطه وعدم قبوله؛ فاحذر أن تفسد ما أصلحت، واحذر أن تهدم ما بنيت، وكن لله ذليلا، وإليه مقبلا؛ فحقه أعظم من أن يفيه عمل الإنسان، مهما بلغ إتقانا وصلاحا وجودة.
واعلموا أن لا أحد منكم يدخل الجنة بعمله، قالوا ولا أنت يا رسول الله؟ قال: "ولا أنا، إلا أن يتغمدني الله برحمته"، فإذا وفقت إلى حج، إلى ذكر، إلى صوم، إلى صدقة؛ فاحمد الله فإنه فضل الله عليك، سله القبول فإنه إذا لم يقبلك كنت من الخاسرين، واحذر أن تفوت وصف وشرط القبول، فقد قال ربك: (إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ) [المائدة:27].
وقد تفطن عباد الله الصالحون إلى هذا الأمر، فهذا إبراهيم -عليه السلام- وابنه إسماعيل يرفعان القواعد من البيت، حتى إذا استتم قالا: (رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) [البقرة:127].
لم يتبادر إلى ذهن واحد منهما أنه قد بنى البيت الذي عظمه الله وأعلى شأنه وجعل عظمته وحرمته منذ أن خلق السماوات، ومكة لم يحرمها الناس بل حرمها الله يوم خلق السماوات والأرض، وأعاد إبراهيم وابنه إسماعيل بناء البيت الذي بقيت حرمته من ذلك الزمان إلى أن يشاء الله -عز وجل- من أخر الزمان.
أيها المؤمنون عباد الله: الهجوا بقلوب صادقة وضراعة ملحة أن يقبل الله صالح أعمالكم؛ فإن العمل إذا لم يقبله الله كان خسارة.
واعلم أن القبول ليس خط عشواء ولا حظوظ عمياء؛ بل هو من الله وفضله وفق أسباب وشروط، فما جعل الله شيء في الدنيا والآخرة إلا وله سبب، من أتى بالسبب أدرك النتيجة؛ فالمقدمات تفضي إلى نتائجها.
أقول هذا القول وأستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.
الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه ملء السماء والأرض وملء ما شاء من شيء بعد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن اتبع سنته واقتفى أثره بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فاتقوا الله عباد الله، وأحسنوا العمل في السر والعلن.
إن تقوى الله ليست ثيابا تظهر ولا مظاهر ترى؛ بل تقوى الله في الأصل صلاح في القلب واستقامة في السر وقيام بما فرض الله -تعالى- في الغيب والشهادة، فتقوى الله -سبحانه- إنما تكون بأن يكون العبد مقبلا على الله، راغبا فيما عنده، صادقا في طلب رضوانه، وعند ذلك يدرك تقوى الله -عز وجل، ولا بد أن تنصاع جوارحه لطاعة ربه فيما أمر فعلا، وفيما نهى تركا واجتنابا.
فكونوا من عباد الله المتقين، سلوا الله تقواه، واستعينوا به على حصول الطاعة في السر والعلن.
إذا لم يكن عون من الله للفتى *** فأول ما يجني عليه اجتهادُهُ
اللهم أعنا على طاعتك، واصرف عنا معصيتك.
حج الحجاج بيت الله الحرام ووجدوا من طاعة الله -عز وجل- ما أسأل الله أن يثبته في صحائفهم وأن يجعلهم من المقبولين، وأن يعيدهم إلى بلدانهم فائزين بمغفرة وعفو ورضوان وجنة عرضها السماوات والأرض، وأن يعيننا وإياكم على الطاعة والإحسان.
وحق أهل الفضل أن يذكر فضلهم، كان حج هذا العام على نحو من الخير والبر والأمن والسلام والطمأنينة ما يشاد به ويذكر ويثنى على الله -تعالى- به ويثنى على من قام بجهد في إنجاح موسم هذا العام، فلله الحمد والشكر له الفضل أولا وأخيرا أن وفق القائمين على الحج أن يدبروه على أحسن تدبير، وأن ينظموه على أحسن ما يمكن أن ينظم، فكان -ولله الحمد- على أحسن ما يرام، قطع الله به ألسنة المعتدين وخيب به ظنون المتربصين وأبطل به كيد الكائدين؛ فله الحمد وحده لا شريك له.
كما أن حق أهل الإحسان أن يذكروا بالجميل، فجزى الله حكومة هذه البلاد، وعلى رأسها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان ونائباه وجميع من كان سببا في نجاح الحج خير ما قدموا وبذلوا، ونسأل الله -عز وجل- أن يجدوه في موازين حسناتهم، وأن يجعلهم قرة عين لأهل الإسلام، وأن يدفع بهم الشر عن بلادنا وعن سائر المسلمين يا رب العالمين.
كما نسأله -جل في علاه- أن يخيب من سعى بالفساد والشر، وأذاع الريب والشكوك وسعى بالفساد قولا وعملا، نسأل الله -عز وجل- أن يخيب سعيه، وأن يرد كيده في نحره، وأن يقطع عن المسلمين شره، وأن يجعل تدبيره تدميره، وأن يأتيه من حيث لا يحتسب.
فادعوا الله؛ فإن دعاء المسلم الصادق مع بذل السبب أقوى ما يكون من الأسلحة، إنما تنصرون بضعفائكم بصلاتهم ودعائهم وإخلاصهم، فسلوا الله بصدق؛ فإن سلاح الدعاء يمضي الله -تعالى- به من النصر والتمكين والعز وإبطال كيد المجرمين ما لا يخطر على بال أحد، فاسألوا الله من فضله، واشكروه على نعمه، وقوموا بحقه، وسلوه من كل خير في الدنيا والآخرة تجدوا منه عطاء وبرا.
أيها المؤمنون: يقدم طلابنا من الذكور والإناث على مدارسهم متعلمين قريبا بعد إجازة طويلة، وحقهم أن يتم إعانتهم على ما أقبلوا عليه من تعلم، فالتعلم هو أساس بناء الأمم، كان مفتاح بناء هذه الأمة أول كلمة أوحاها الله -تعالى-: (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ) [العلق:1].
فالقراءة خير وبناء للأمة، والتعليم سبب لتحصيل هذه المعارف التي تبنى بها الأمم في صلاح دينها وصلاح دنياها، فمن المهم ومن الضروري لكل أمة تنشد تقدما -لاسيما ونحن نعيش تحديات ضخاما لا تجتاز إلا ببصيرة وعلم ومعرفة وإتقان لمعارف شتى في أمور الدين وأمور الدنيا- أن تبني مجتمعا متعلما، فعلينا أن نحفز رغبة التعليم والحرص على التعليم في نفوس أبنائنا، فهذا الكسل وذاك التواني في التحصيل وأخذ المدارس على أنها محاضن تحفظ أبناءنا من الشوارع فقط لا شك أن هذا انتكاس في مفهوم التعليم.
التعليم بناء، التعليم ارتقاء، التعليم تشييد لإنسان يمكن أن يصلح في دينه ويصلح في دنياه، يحقق الغاية من الوجود في حق ربه وفي حق الخلق بعمارة الأرض.
فضروري أن نعي هذه الحقيقة، فبعض الناس يرى المدرسة تكفيه مؤونة متابعة أولاده... بأولاده وتكفيه مؤونة المتابعة لهم صباحا فيبقى معهم جزءا من النهار ثم ينامون ثم يذهبون للمدرسة في اليوم الثاني وهكذا دواليك حتى ينتهي الموسم التعليمي فيتخرج الطالب بشهادة لا قيمة لها، ليس لها وزن ولا قيمة في بناء مستقبله ولا في فتح مجالات الكسب له ولا في نفع أمته وبلده ووطنه.
فكونوا على علم بغاية التعليم، وغاية التعليم وغرضه بناء الإنسان الذي إذا تحقق كسبه كان أقوى مقومات بناء البلدان.
أسأل الله أن يصلح لنا التعليم، وأن يعننا على بناء أنفسنا وأبنائنا على ما تقوم به حضارة لأهل الإسلام تصلح بها دنياهم وتتقدم بها منازلهم، يعلون بها على غيرهم، حتى يصبحوا أسوة وقدوة.
اللهم ألهمنا رشدنا وقنا شر أنفسنا، أعنا على سبل الخير ويسر لنا اليسر، اهدنا سبل السلام وادفع عنا الشر والفساد يا ذا الجلال والإكرام.
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي