الدين الحق

صالح بن فوزان الفوزان
عناصر الخطبة
  1. نعمة الإِسلام .
  2. بعض صور ضلال وإنحرافات الكفار .
  3. بعض صور ضلال وإنحرفات المنتسبين للإِسلام .
  4. فضل التمسك بالإسلام .
  5. خطر قيام جهلة المسلمين بالدعوة .
  6. وجوب الكفر بما سوى الإسلام من الأديان .
  7. جريمة حرية الأديان .
  8. وجوب الاعتزاز بالإسلام .

اقتباس

اعلموا أنه لا يتحقق للإِنسان التمسك بدين الإِسلام، حتى يتبرأ مما سواه من سائر الأديان؛ لأنه لم يبق بعد بعثة محمد -صلى الله عليه وسلم- دين صحيح إلا دين الإِسلام الذي جاء به...

الخطبة الأولى:

الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له يعلم ما كان وما يكون، وما تسرون وما تعلنون. وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الصادق المأمون، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الذين كانوا يهدون بالحق وبه يعدلون، وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم يبعثون.

أما بعد:

أيها الناس: اتقوا الله -تعالى- واشكروه إذ هداكم للإِسلام، وجعلكم إن تمسكتم به خير أمة أخرجت للناس، فإن الإِسلام أكبر نعمة أسداها الله للبشرية، قال تعالى: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا) [المائدة:3].

وقال تعالى: (وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا)[آل عمران: 103].

وقال تعالى: (وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) [الأنفال:26].

انظروا إلى الناس من حولكم تجدونهم ما بين ملاحدة تنكروا للأديان، وأنكروا الخالق، وتجبروا على الخلق، وتسموا بأسماء مختلفة ما بين شيوعية، وبعثية، وقومية، واشتراكية، وقد استدرجهم الله فأعطاهم من السلطة والقوة والاختراع والتكتل ما أرهبوا به العالم، واغتروا به في أنفسهم، ثم إن الله سبحانه دمرهم بسهولة، فأضعف قوتهم، وشتت شملهم، ومزق وحدتهم، وسلط عليهم الفقر والفاقة، حتى أصبحوا عبرة للمعتبرين.

ما أغنت عنهم قوتهم، ولا نفعتهم جموعهم وجنودهم، ولا حمتهم أسلحتهم الفتاكة.

لقد انهارت الشيوعية؛ لأن أصحابها لم يبنوها على دين، ولم يقيموها على أساس، بل بنوها على (عَلَىَ شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) [التوبة: 109].

ومن الناس من يتمسك بدين وضعه لنفسه أو وضعه له شياطين الجن والإنس، يعبد صنماً أو قبراً، أو شجراً أو حجراً، لا ينفع ولا يضر، ولا يسمع ولا يبصر، بل هو أضعف ممن عبده، كما قال تعالى: (وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ * إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ) [فاطر:13-14].

وذلكم هو دين الوثنيين على اختلاف أجناسهم، وتنوع معبوداتهم قديماً وحديثاً.

ومن الناس من يتمسك بدين مبدّل محرّف أو منسوخ، قد انتهى العمل به، وأولائكم هم اليهود والنصارى وهم المغضوب عليهم والضالون، والذين نسأل الله أن يجنبنا طريقهم، في آخر سورة الفاتحة في كل ركعة من صلاتنا.

ومن الناس من ينتسب إلى الدين الصحيح وهو الإسلام انتساباً في الظاهر، وهو يكفر به في الباطن، وإنما انتسب إليه ليعيش مع المسلمين ويخادعهم، أولئكم هم المنافقون الذين أخبر الله أنهم: (فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا) [النساء: 145].

ومن الناس الآن من ينتسب إلى الإِسلام بأقواله، لكنه يخالفه بأفعاله وتعبداته، فيدعو غير الله ويذبح لغير الله، ويستغيث بالأموات، ويعبد القبور، أو يتقرب إلى الله بدين لم يشرعه، فيتقرب إليه بالبدع والمحدثات، يفنى عمره، ويتعب جسمه، وينفق ماله في إحياء البدع والخرافات، باسم الإِسلام والدين.

وهو يبعد عن رب العالمين وأولئكم هم عباد الأولياء والصالحين الذين يقولون: (مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى) [الزمر:3].

(وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ) [يونس:18].

أولئكم هم الذين قال الله -تعالى- فيهم : (قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا) [الكهف:103- 104].

وقال تعالى فيهم: (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ * عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ * تَصْلَى نَارًا حَامِيَةً * تُسْقَى مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ * لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ * لَا يُسْمِنُ وَلَا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ) [الغاشية:2-7].

ومن تمام عقوبتهم وابتلائهم: أنهم يحسبون أنهم على حق، فلا يقبلون النصيحة، ولا يفيد فيهم التوجيه: (بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ) [الزخرف:22].

ومن الناس من ينتسب إلى الإِسلام الآن، لكنه لا  يقيم أركانه، فلا يصلي ولا يزكي ولا يصوم ولا يحج، ولا يحكم بشرع الله، ولا يحرّم ما حرّم الله ورسوله من الربا، والمكاسب الخبيثة، وإنما يكتفي بمجرد التسمي، وما يكتب في جواز السفر، وحفيظة النفوس، قد: (اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ) [الجاثية: 23].

ومن الناس اليوم خلق كثير ينتسبون إلى الإِسلام، لكنهم فَرَّقوا دينهم وكانوا شيعا.

فانقسموا إلى جماعات وجمعيات، وأحزاب وفرق، لكل فرقة وجماعة، منهج يختلف عن منهج الأخرى في الاعتقاد والتعبد والدعوة، ولم يبق على الحق من هذه الفرق إلا من تمسك بالكتاب والسنة، وسار على منهج السلف الصالح، كما قال صلى الله عليه وسلم: "وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة" قيل: من هي يا رسول الله؟ قال: "من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي".

ولقد أخبر الله -سبحانه- عن براءة النبي -صلى الله عليه وسلم- من هذه الفرق المخالفة للفرقة الناجية، قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ) [الأنعام:159].

وبين سبحانه طريق النجاة من هذا الاختلاف، بقوله تعالى: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا) [آل عمران:103].

إنه لا صلاح ولا فرج ولا نجاة من عذاب الله إلا بالتمسك بالإسلام علماً وعملاً واعتقاداً، قولاً وفعلاً وحكماً به بين الناس: (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ) [آل عمران:19].

(وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ) [آل عمران:85].

(أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ) [آل عمران:83].

(أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا) [الأنعام:114].

(أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) [المائدة:50].

وهناك من يتحمسون للإِسلام اليوم، ويقومون بالدعوة إليه بزعمهم، وهم جهال بأحكامه، مغرضون يريدون الدس فيه، وإثارة الفتن بين المسلمين، فيروجون الشبه، ويزهدون في علم السلف، ويصفون العلماء، بأنهم قاصروا النظر لا يفهمون فقه الواقع.

وهم يريدون بذلك أن يفصلوا المسلمين عن علمائهم، حتى يدخلوا عليهم مبادئهم وأفكارهم المنحرفة.

وقد يستخدمون لذلك بعض أبنائنا المغرورين.

فتنبهوا لذلك، واحذروا فتنتهم، ولا تروجوا أقوالهم بينكم، فإنها سبب فتنة وشر -رعانا الله وإياكم وجميع المسلمين من الفتن-.

إن الذي لا يفهم فقه الواقع في الحقيقة هو الذي لا يتنبه للدعوات المدسوسة باسم الإِسلام، من أجل إثارة الفتنة، وشق عصا الطاعة، وتفريق الكلمة، فاحذروا هذا الصنف، واحذروا من دعاة السوء، واتقوا الله لعلكم ترحمون.

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله رب العالمين، رضي لنا دين الإِسلام، فلا يقبل ديناً سواه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ولا نعبد إلا إياه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أعلم الخلق وأخشاهم وأتقاهم لله، صلى الله عليه وسلم وعلى آله وأصحابه ومن والاه.

أما بعد:

أيها الناس: اتقوا الله -تعالى-، واعلموا أنه لا يتحقق للإِنسان التمسك بدين الإِسلام، حتى يتبرأ مما سواه من سائر الأديان؛ لأنه لم يبق بعد بعثة محمد -صلى الله عليه وسلم- دين صحيح إلا دين الإِسلام الذي جاء به، قال صلى الله عليه وسلم: "والله لو كان أخي موسى حيا ما وسعه إلا اتباعي".

وقال صلى الله عليه وسلم: "لا يسمع بي يهودي ولا نصراني، ثم لا يؤمن بي إلا دخل النار".

وقال تعالى: (قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ * لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ * وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ * وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ * وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ * لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ) [الكافرون:1-6].

بعض الجهال يقول: إن الإِسلام جاء بحرية الأديان، والتعايش بين أصحابها، وهذا خطأ واضح، وجهل فاضح، فالإِسلام لا يقر الأديان الباطنية، ولذلك شرع عند القدرة قتال أهلها لإزالتها، قال تعالى: (وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ) [الأنفال:39].

وإنما أمر بترك اليهود والنصارى على دينهم إِذا بذلوا الجزية، وخضعوا لدين الإِسلام وهم صاغرون، وذلك؛ لأنهم أهل دين سماوي منسوخ، فأعطوا الفرصة من أجل أن ينتقلوا منه إلى دين الإِسلام بعد تأمله بخلاف الوثنيين والدهرية، فهؤلاء لا يجوز تركهم على كفرهم.

فالواجب على المسلم: ألا يتكلم في هذه المسائل الخطيرة إلا عن علم وبصيرة.

عباد الله: إن دين الإِسلام دين العزة، فهو يعلو ولا يعلى عليه، فما بال بعض المسلمين يذلون للكفرة، والله -تعالى- يقول: (وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) [آل عمران:139]؟

ويقول تعالى: (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ) [المنافقون:8].

قال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-: "نحن قوم أعزنا الله بالإِسلام، فإذا أردنا العزة بغيره أذلنا الله".

فالواجب على المسلم: أن يعتز بدينه، ولا يذل ولا يهون.

الواجب على المسلم: أن يترفع بدينه عن الدنايا والرذائل، والأخلاق الفاسدة، والصفات الهابطة.

ولكن بعض المنتسبين إلى الإِسلام إذا سافروا إلى بلاد الكفار صاروا عاراً على الإِسلام بأخلاقهم وتصرفاتهم القبيحة، يمارسون أقبح الفحش والإِجرام، ولا يتورعون عن الحرام، يعاقرون الخمور، ويغشون مجالس اللهو والفجور، ويظهرون نساءهم بأقبح مظاهر العري والسفور، فيشوهون الإِسلام عند من لا يعرف الإِسلام وهم في الحقيقة إنما يمثلون ويظهرون ما تكنه قلوبهم من مرض ونفاق، والإِسلام بريء منهم ومن تصرفاتهم.

فاتقوا الله -عباد الله-، واحمدوا الله على دين الإِسلام، واعتزوا به، وأظهروه على حقيقته في أي مكان يعزكم الله وينصركم.

واعلموا أن خير الحديث كتاب الله... الخ.


تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي