ومن أراد راحة النفس فليحب الخير للمؤمنين ويجتنب الشر لهم ولنفسه, قال ابن تيمة: "إن القلب السليم هو الذي يعرف الخير ولا يعرف الشر", وسئل ابن سيرين -رحمه الله تعالى-: "ما القلب السليم ؟ فقال: الناصح لله في خلقه". إن سبب شرح الصدور ترك الغيبة والنميمة وترك الحسد, لاتحاسدوا ولاتباغضوا ولاتدابروا وكونوا عباد الله إخواناً", وأحق الناس بعد العلماء بسلامة الصدور طلاب العلم...
الحمد لله شرح صدورنا للإيمان, وفضلنا برسالة أفضل الأنام, أحمده -سبحانه- وأشكره على نعمه العظام, وأشهد أن لا إله إلا الله الواحد العلام, تنزه وتقدس عن مشابهة الخلق والأنام, وأشهد أن محمد عبده ورسوله خير من دعا إلى دار السلام, صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الكرام, وسلم تسليما كثيرا على الدوام.
أما بعد: فأُوصيكم -أيها الناس- ونفسي بتقوى الله -عز وجل- فهي طريق انشراحِ الصدور وذهابِ الغموم (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران: 102].
أيها المؤمنون: إن الصدر إذا انشرح اتسع للعبادة, وتلذذ بها واستأنس القلب بالحياة الدنيا؛ لأنها مطية للدار الآخرة, وإن الصدر إذا ضاق صعُبت العبادة, وثقُلت واستوحش القلب بالدنيا وبأهلها, قال الله تعالى: (فَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ) [الزمر: 22], عن قتادة -رضي الله عنه- في قوله: (فَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ): "قالوا: يا رسول الله؛ فهل ينفرج الصدر؟ قال: نعم. قالوا: هل لذلك علامة؟ قال: نعم التجافي عن دار الغرور والإنابة إلى دار الخلود والاستعداد للموت قبل نزول الموت". [أخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر].
أيها الناس: لقد امتن الله على نبيه فقال له (أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ) [الشرح: 1], فشرح صدره ويسر أمره, ومن لم يشر الله صدره فلن ييسر أمرُه, ولقد أعطى الله نبيه القرآن وجعله شفاء لأمراض الصدور (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ) [الإسراء: 82], عن ابن مسعود -رضي الله عنه- قال: "إن العسل فيه شفاء من كل داء, والقرآن شفاء لما في الصدور".
ومعلوم أن محبة الناس وأُلفتهم ومحبتهم سبب لانشراح الصدر, فعن أبي هريرة قال: قال رسول الله: "المؤمن يألف, ولا خير فيما لا يألف و لا يؤلف".
أيها الأحبة: لقد وصف النبي المسلم بأوصاف تدل على انشراح صدره, سبب في إيمانه وحبه الخير, فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أَنَّ رسولَ الله قال: "المؤمِنُ غِرّ كريم, والفاجر خَبّ لئيم". [أخرجه أبو داود ، والترمذي]. الغر: الذي لم يجرب الأمور، وإنما جعل المؤمن غرا نسبة له إلى سلامة الصدر, وحسن الباطن، والظن في الناس., فكأنه لم يجرب بواطن الأمور، ولم يطلع على دخائل الصدور، فترى الناس منه في راحة، لا يتعدى إليهم منه شر، بل لا يكون فيه شر فيتعدى. الخب: الخداع المكار الخبيث، ولذلك قابل به "الغر"؛ لأن الناس يتأذون به، لما يصلهم من شره.
إخوة الدين: لنجتنب إغاظة الناس وشحن صدورهم فَقَدْ قِيلَ: "مَنْ أَوْغَرْت صَدْرَهُ اسْتَدْعَيْت شَرَّهُ, فَإِنْ رَقَّ لَك بِكَرَمِ طَبْعِهِ, وَرَحِمَك بِحُسْنِ ظَفَرِهِ, فَأَعْظِمْ بِهَا مِنْحَةً أَنْ يَصِيرَ عَدُوُّك لَك رَاحِمًا", ومن أراد راحة النفس فليحب الخير للمؤمنين ويجتنب الشر لهم ولنفسه, قال ابن تيمة: "إن القلب السليم هو الذي يعرف الخير ولا يعرف الشر", وسئل ابن سيرين -رحمه الله تعالى-: "ما القلب السليم ؟ فقال: الناصح لله في خلقه".
عباد الله: إن سبب شرح الصدور ترك الغيبة والنميمة وترك الحسد, "لا تحاسدوا ولا تباغضوا ولا تدابروا وكونوا عباد الله إخواناً" [متفق عليه].
أحق الناس بعد العلماء بسلامة الصدور طلاب العلم, فطالب العلم غداً يقف أمام الناس يفتيهم ويعلمهم ويرشدهم, فلا بد من أن يُربي نفسه على سلامة الصدر ونقاء السريرة وترك الرياء و المراء وترك الحقد والغل وترك الكذب وترك النفاق وترك التجسس وترك البخل والشح، وترك المزاح, قال: ربيعة "إياكم والمزاح فإنه يفسد المودة ويغل الصدر".
وإن من أعظم أسباب شرح الصدور: الإخلاص لله فلو أخلص الناس في كل أعمالهم وتعاملاتهم؛ لانشرحت صدورهم وذهبت غمومهم وهمومهم وارتاحت صدورهم.
ومن أسباب شرح الصدور: إفشاء السلام, والصلاة بالليل والناس نيام, كما صح بذلك الخبر عن سيد البشر, قال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-: "ثلاث يصفين لك ود أخيك: تبدؤه بالسلام إذا لقيته, وتوسع له في المجلس, وتدعوه بأحب أسمائه إليه"
والإهداء والتهادي, والحب في الله, والدعاء للمسلم. قال كسرى لوزيره: ما الكرم؟ قال: التغافل عن الزلل. قال: فما اللؤم؟ قال: الاستقصاء على الضعيف والتجاوز عن الشديد. قال: فما الحيا؟ قال الكف عن الخنا. قال: فما اللذة ؟ قال: الموافقة.
أيها الإخوة: إن سلامة الصدر من أسباب دخول الجنة؛ لأن الصدر ينشرح للإسلام فيدخل الرجل فيه, فإذا وقر الإيمان في قلبه دخل الجنة بسلام, سُئل عبدالله بن سلام -رضي الله عنه- أخبرنا بأوثق عملك في نفسك؟ قال: "إن عملي لضعيف, وأوثق ما أرجو به سلامة الصدر, وتركي ما لا يعنيني".
وإن من أسباب شرح الصدور: حب المؤمنين, فعن النبي –عليه الصلاة والسلام- قال: "مثل المؤمنين في توادهم وتعاطفهم وتراحمهم مثل الجسد, إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر" [رواه البخاري ومسلم].
قال الفضيل: "لم يدرك عندنا من أدرك بكثرة صيام ولا صلاة, وإنما أدرك بسخاء الأنفس وسلامة الصدر والنصح للأمة", وقال السقطي: "من أخلاق الأبدال: سلامة الصدر والنصيحة للإخوان". وقال قاس الجوعي: "أصل الدين الورع, وأفضل العبادة مكابدة الليل, وأفضل طرق الجنة سلامة الصدر".
قال سفيان بن دينار: "قلت لأبي بشير وكان من أصحاب علي: أخبرني عن أعمال من كان قبلنا؟ قال: كانوا يعملون يسيرا ويؤجرون كثيرا. قلت: ولم ذاك؟ قال: لسلامة صدورهم".
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي