إنّ من يحاول نزع حجاب المرأة المسلمة، وقيادتها إلى التبرج والسفور والاختلاط، أو التقليل من شأن الحجاب، ومكانته في الإسلام، أو القول بأنه من القشور التي يجب أن تلغى من حياتنا، أو القول بأنه من الأمور الخلافية؛ تقليلاً لشأنه هو في الحقيقة غاش للأمة المسلمة، محاربٌ لله تعالى ولرسوله وللمؤمنين، مريض القلب، ضعيف الدين والأمانة.
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونستنصره ونسترشده، ونثني عليه الخير كله، ونسأله التوفيق لخيري الدنيا والآخرة، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، ومن شر كل عدو للإسلام وأهله، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، حذرنا من كيد الأعداء، وأمرنا بالتصدي لهجمات الخصوم الألداء، وأشهد أنّ نبينا محمداً عبد الله ورسوله، ومصطفاه وخليله، سيد الأنام، وبدر التمام، ومسك الختام، وقائد الجهاد ضد أعداء الإسلام، حتى حطم الله تعالى به الأصنام، وأظهر به الشريعة وأبان الأحكام، صلوات ربي وسلامه وبركاته عليه، وعلى آله السادة الأعلام، وأصحابه البررة الكرام، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم المعاد.
أما بعد:
فيا أيها الناس اتقوا الله تبارك وتعالى واشكروه على أن هداكم للإسلام، وعلمكم الحكمة والقرآن، وجعلكم من أمة خير الأنام عليه الصلاة والسلام.
عباد الله:
لقد كرم الله تعالى بني آدم، وحملهم في البر والبر والجو ورزقهم من الطيبات، وفضلهم على كثير ممن خلق تفضيلاً، فهم بشر مكرمون؛ جعلهم الله تعالى محلا لهدايته، وأهلاً لكرامته وتكاليفه وتشريعاته.
الإنسان هو المخلوق الوحيد من بين المخلوقات، صاحب العقل والإرادة، المتحكم في رغباته، القادر على كبح جماح شهواته وأهوائه.
والعقل في الإنسان هو سر التكريم، ومنبع التفضيل.
ولقد قصد الإسلام من أتباعه أن يقيموا مجتمعاً طاهراً، سياجه الخلق، وطابعه العفة، وشعاره الحشمة، ودثاره الهيبة، لا تهاج فيه الشهوات، ولا تثار فيه الشبهات، ولا ترتكب فيه الموبقات، وكل هذه الخلال لا تتحقق إلا بالاتزان العقلي الذي يضبط النفوس، ويحكم الضمائر، ويقود البشرية إلى الفضائل.
لهذا كله فقد جاء الإسلام –وهو الدين الحنيف- بصيانة العرض، والمحافظة عليه، وقطع كل السبل المؤدية إلى خدشه، أو التعدي عليه، وجعله من الضرورات الخمس المحفوظة، وأقام الوسائل المهمة، والحواجز المنيعة للمحافظة عليه؛ تكريماً للإنسان.
ومن أهم الوسائل المنيعة، والحواجز العظيمة التي شرعها المولى الكريم سبحانه وتعالى لعباده محافظة على أعراضهم، وصيانةً لها: الحجاب؛ فهو السبيل العظيم الذي يعكر على الشيطان مخططاته، ويسد عليه منافذه وسهامه القاتلة التي يهجم بها على أعراض المسلمين، إضافة إلى ما فيه من تحقيق الحماية للمرأة المسلمة من التعرض للإيذاء والسفه من شياطين الإنس والجن.
قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً) [الأحزاب:59 ]
وقال سبحانه وتعالى: (وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْأِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [النور:31].
وهاتان الآيتان أعظم دليل على وجوب الحجاب على النساء؛ حيث أمر الله سبحانه وتعالى نساء المؤمنين جميعاً أن يسترن جميع وجوههن، فلا يبقين منها إلا عينا واحدة يبصرن بها الطريق؛ كما فسر ذلك جمعٌ من الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم.
ومعنى قوله: (وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا): الملاءةُ والعباءة والغطاية التي تكون فوق الثياب، وهذا هو الحجاب الشرعي المقصود من أمر الله تعالى، وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم: ستر وجه المرأة، وسائر بدنها ستراً كاملاً، لا يبين منه شيء؛ فإن وجه المرأة هو أصل جمالها، ورؤيته من أعظم أسباب الافتتان بها.
قالت أم المؤمنين؛ أم سلمة –رضي الله تعالى عنها-: "لما نزلت هذه الآية: (يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ) خرج نساء الأنصار كأنّ على رؤوسهن الغِرْبان من السكينة، وعليهن أكسية سودٌ يلبسنها". رواه مسلم.
وقالت عائشة –رضي الله عنها-: "يرحم الله نساء المهاجرات الأولَ لمّا أنزل الله: (وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ) شققن مُرُطهُنَّ فاختمرن بها". رواه البخاري قال الحافظ ابن حجر –عليه رحمة الله-: "قولها: فاختمرن بها؛ أي: غطين وجوههن؛ وصفة ذلك: أن تضع الخمار على رأسها، وترميه من الجانب الأيمن على العاتق الأيسر، وهو التقنع".
عباد الله:
الحجاب التزام لأمر الله تعالى وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم، وطاعة لهما؛ فإن الله سبحانه وتعالى هو الذي خلق البشر؛ رجالاً ونساءً، وأوجب الحجاب على النساء، وهو العالم بما يُصلحهن، ويدفع عنهن المفاسد والشرور؛ (وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) [المائدة: من الآية50]. (وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً) [الأحزاب: من الآية71].
الحجاب دليل على الفضيلة، وقائدٌ إلى الحشمة، وحماية للمجتمع من الفاحشة والرذيلة؛ فقد روى البخاري ومسلم أنه صلى الله عليه وسلم قال: "ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء". وعند الإمام مسلم: أنه صلى الله عليه وسلم قال: "فاتقوا الدنيا واتقوا النساء؛ فإن أول فتنة بني إسرائيل في النساء".
الحجاب: مظهرٌ من أهم مظاهر تميز الأمة الإسلامية، ومخالفتها للأمم الكافرة من اليهود والنصارى وأشباههم، وهو سمة للمرأة الحرة العفيفة المتعففة التي تريد الله والدار الآخرة.
أما التبرج والسفور فهما علامةٌ للإماء والفاسقات والعاهرات.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية –عليه رحمة الله-: "المرأة يجب أن تصان وتحفظ بما لا يجب مثله في الرجال؛ ولهذا خصت بالاحتجاب، وترك إبداء الزينة، وترك التبرج، فيجب في حقها الاستتار باللباس والبيوت ما لا يجب في حق الرجال، لأنّ ظهور النساء سبب الفتنة، والرجال قوامون عليهن... والحجاب مختص بالحرائر دون الإماء؛ كما كانت سنة المؤمنين في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وخلفائه أنَّ الحرة تحتجب، والأمة تبرز، وكان عمر رضي الله عنه إذا رأى أمةً مخمرةً ضربها، وقال: أتتشبهين بالحرائر، أي لكاع. فيظهر من الأمةِ رأسها، ويداها، ووجهها".
الحجاب –عباد الله- طهارةٌ لقلوب المؤمنين والمؤمنات، وحمايةٌ لهن وسلامة من الإيذاء؛ إذ هو دليل على الهيبة والتوقير للمرأة؛ فإنّ المرأة المتحجبة مهابةٌ موقرة، في مأمنٍ من تطاول الفسقة، وإيذاء السفهاء.
قال صلى الله عليه وسلم: "المرأة عورة، فإذا خرجت استشرفها الشيطان" رواه الترمذي، وإسناده حسن. ومعنى: استشرفها الشيطان: أي؛ تطلع إليها، وتعرض لها.
قال ابن مسعود –رضي الله عنه-: "إنما النساء عورة، وإنّ المرأة لتخرج من بيتها وما بها من بأس، فيستشرفها الشيطان؛ فيقول لها: إنك لا تمرين بأحدٍ إلا أعجبته. وإن المرأة لتلبس ثيابها، فيقال لها: أين تريدين؟ فتقول: أعود مريضاً، أو أشهد جنازة، أو أصلي في مسجد، وما عبدت امرأة ربها مثل أن تعبده في بيتها".
أيها المسلمون:
لقد أدرك اليهود والنصارى وأذنابهم من المنافقين والعلمانيين؛ أعداء الإسلام والمسلمين مكانة المرأة الحقيقية في المجتمع، ودروها العظيم في صنع الرجال، وتأثيرها الكبير على الأمم، فأيقنوا أنهم متى ما أفسدوا المرأة ونجحوا في تغريبها، وتبرجها وتضليلها وإفسادها هان عليهم السيطرة على المسلمين، والقضاء عليهم، وهاهم دعاة السفور، وقادة تحرير المرأة يُنادون كل يوم بتحريرها وحقوقها المزعومة، وكأن المرأة في الإسلام من سقط المتاع الذي لا يلتفت إليه.
تتعالى صيحاتهم كل يوم عبر المجلات والجرائد والقنوات الفضائية؛ قائلة في وقاحة وسفاهة: كيف يعيش المجتمع برئةٍ واحدة والأخرى معطلة مكبوتةٌ مخنوقة؟! إلى متى تبقى المرأة حبيسة بين جدران أربعة؟! أيظل نصف المجتمع معطلاً؟! لا يمكن للمجتمع أن يسير بقدم واحد؟! إنّ العالم العربي المسلم المحافظ متخلف ورجعي! حرروا المرأة، أطلقوها من قيودها!
يريدون منا أن نسير على خطى الغرب الملحد، وأن نقع فيما وقعوا فيه من الضلال والانحراف، والانحلال الخلقي، من حيث يريد الصالحون الإصلاح والفضيلة قاتلهم الله أنى يؤفكون.
وإنّ المنصف ليتساءل بصدق وعدل: أين الحرية المزعومة للمرأة على أيدي هؤلاء السفها؟!! وأين الحقوق التي ينادون بها، ويصارعون من أجلها؟!! أهي الضياعُ والسفور والتبرج الذي تئن منه المجتمعات المعاصرة؟ أم هي الفضائح التي تعاني منها الأسر كل يوم؟ أم هي الزنا والفجور والعهر والفساد والمهانة التي صارت إليها المرأة لما تبعت هؤلاء المجرمين، فأصبحت خراجة ولاجة، ضائعة تائهة، حالها كما قيل:
ألقاه في اليم مكتوفاً وقال له إياك إياك أن تبتل بالماء
ماذا جنت المرأة -أيها المسلمون- من وراء هذه الدعوات البراقة المسعورة التي يقودها دعاة الرذيلة، ومحاربو الفضيلة؟ هل حققت السعادة التي يزعمون؟ وهل حصلت على الحرية المصونة المضبوطة بالضوابط الإنسانية؟ وهل حصلت على شيء من حقوقها التي ينادون بها؟
كلا والله، فلقد أصبحت المرأة عند هؤلاء السفلة سلعة تجارية، تعرض كما تعرض الأزياء بثمن وبدون ثمن، تغلف بها الصحف والمجلات، مباحةً جنسياً، تتعاطى الشذوذ الجنسي في سوق الملذات والشهوات، يستمتع بها السفهاء على مدار اليوم والليلة ثم يلفظونها لفظ القذاة، ويرمونها رمي النواة دون كرامة، بل لقد صارت المرأة كالإناء المكشوف، تلغ فيه الكلاب، وتقع عليه الطيور، وتتهاوى فيه الفراشات، ولا عجب:
فمن يكن الغراب له دليلاً يمر به على جيف الكلاب
إن وظيفة المرأة الوحيدة؛ هي أن تتزوج، وتكون أسرة، ومجتمعاً نظيفاً، وأي مجهودٍ تبذله بعد ذلك لا قيمة له في حياتها.
نعم! عباد الله: إنّ وظيفة المرأة الكبرى، ومهمتها العظمى في بيتها، وأسرتها، وأولادها؛ فهي مهد الرجال، ومنبت الأبطال، وأم العظماء، ومدرسة القادة والأفذاذ، وكل ما تتحلى به من علمٍ ووعي يجب أن يكون في سبيل هذه الوظيفة العظمى، وخدمة لهذه المهمة الكبرى، أما الكدح في الأسواق، والإنفاق على الأسرة والبيت فهو مهمةُ الرجال الأحرار الحريصين على سلامة أسرهم، وسلامة أعرضهم من ولغ العابثين، وتطاول السفهاء الماجنين.
ولم ولن تعرف المرأة تكريماً كتكريم الإسلام لها، وصيانته لحقوقها؛ ولا يعرف الإسلام من لم يعرف الجاهلية؛ فقد كانت المرأة عند الرومان محكوماً عليها بالإعدام من قبل الزوج متى شاء، ثم جاءت الحضارة اليونانية فاعتبرت المرأة من سقط المتاع الذي لا يؤبه له، ثم اليهودية التي احتقرت المرأة، واعتبرتها من النجاسات التي يجب أن يتخلص منها البشر، ثم الطامة الكبرى؛ النصرانية التي حارت في أمر المرأة؛ هل هي إنسان له روح، أم هي جسد بلا روح! ثم الجاهلية العربية قبل الإسلام التي تشاءمت من المرأة حتى جعلتها رقيقاً تباع وتشترى، وتسبى وتدفن وهي حية، دون أن يكون لها رأي أو حقٌ أو نصيب.
فلما جاء الإسلام انتزع المرأة من الحضيض، وارتفع بها إلى الحياة الآمنة؛ معززة مكرمة مصونة، لها ما للرجل من الحقوق، إلا أنّ للرجال عليهن درجة.
جاءت وافدة النساء أسماء بنت يزيد الأنصارية –رضي الله عنها- إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله! بأبي أنت وأمي إنّ الله بعثك للرجال والنساء كافة، فآمنّا بك وبإلهك، وإنّا معشر النساء محصوراتٌ ومقصوراتٌ ومخدوراتٌ، وقواعد بيوتكم، وحاملات أولادكم، وإنكم معشر الرجال فضلتم علينا بالجمع والجماعات، وفضلتم علينا بشهود الجنائز، وعيادة المرضى، وفضلتم علينا بالحج بعد الحج، وأعظم من ذلك الجهاد في سبيل الله، وإنّ الرجل منكم إذا خرج لحج أو عمرةٍ أو جهادٍ جلسنا في بيوتكم؛ نحفظ أموالكم، ونربي أولادكم، ونغزل ثيابكم، فهل نشارككم فيما أعطاكم الله من الخير والجزاء؟ فالتفت النبي صلى الله عليه وسلم بجملتِه، وقال: "هل تعلمون امرأة أحسن سؤالاً عن أمور دينها من هذه المرأة؟". قالوا: يا رسول الله! ما ظننا أنّ امرأة تسأل سؤالها. فقال: "يا أسماء! افهمي عني، وأخبري من ورائك من النساء أنّ حُسنَ تبعُّلِ المرأةِ لزوجها، وطلبها لمرضاته، واتباعها لرغباته يعدل ذلك كله". فأدبرت المرأة وهي تهلل وتردد. يعدل ذلك كله، يعدل ذلك كله. رواه البيهقي.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعنا بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو الغفور الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد: فيا أيها الناس: اتقوا الله تعالى واشكروه وأطيعوه وراقبوه، واعلموا أنكم ملاقوه.
ثم اعلموا: أنّ واجبكم عظيم ومسؤليتكم كبرى تجاه ما يُحاكُ ضدكم، وضد عقيدتكم وأخلاقكم ونساءكم وأسركم، ومن مؤامرات يقودها دعاة التبرج والسفور، وأذناب الغربِ وأتباعهم، واعلموا رحمكم الله، أنّ التبرج والسفور من أعمال الجاهلية التي تشيع الفاحشة بين الناس، وتعرض المرأة المسلمة لطمع الطامعين، وغمز المجرمين، ونهش الناهشين، وسخط رب العالمين.
ولن يكون الحجاب يوماً ما عثرة تقف في وجه المرأة وتمنعها من القيام بواجبها، أو الحصول على حقها، بل هو السبيل القويم الذي يُمكنها من القيام بوظيفتها بعفةٍ وحشمةٍ، وطهرٍ ونزاهةٍ، وعلى هذا بايع نساءُ الصحابة النبي صلى الله عليه وسلم؛ على الحشمة، والحياء والعفة، والحجاب؛ قال عبد الله بن عمرو بن العاص –رضي الله عنهما-: جاءت أميمة بنت رقيقة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تبايعه على الإسلام، فقال: "أبايعك على أن لا تشركي بالله شيئاً، ولا تسرقي، ولا تزني، ولا تقتلي ولدك، ولا تأتي ببهتان تفترينه بين يديك ورجليك، ولا تنوحي، ولا تبرجي تبرج الجاهلية الأولى". رواه أحمد وغيره، وإسناده صحيح.
ولقد خرج المصطفى صلى الله عليه وسلم ذات يوم من المسجد، وقد اختلط النساء مع الرجال في الطريق، فقال: "استأخرن فإنه ليس لكنّ أن تحتضن الطريق". فكانت المرأة –كما يقول راوي الحديث- تلصق بالجدار حتى إنّ ثوبها ليتعلق به من لصوقها. رواه أبو داود بإسناد حسن.
ثم اعلموا أيها المسلمون: أنّ من يحاول نزع حجاب المرأة المسلمة، وقيادتها إلى التبرج والسفور والاختلاط، أو التقليل من شأن الحجاب، ومكانته في الإسلام، أو القول بأنه من القشور التي يجب أن تلغى من حياتنا، أو القول بأنه من الأمور الخلافية؛ تقليلاً لشأنه هو في الحقيقة غاش للأمة المسلمة، محاربٌ لله تعالى ولرسوله وللمؤمنين، مريض القلب، ضعيف الدين والأمانة.
فقد فرض الله تعالى الحجاب، وأمر به أمهات المؤمنين ونساء الصحابة الكرام رضوان الله تعالى عليهم، مع ما علم من قوة إيمانهم، وبعدهم عن الخنا والفجور والعصيان. فما ظنكم –عباد الله- بحال المسلمين اليوم مع كثرة الفتن، والمغريات بالحرام، وبعد الناس عن شرع الله، وتحكم الشهوات والرغبات فيهم، وتنافس النساء في الخلاعة والمجون والفتنة، لا شك أنّ إيجاب الحجاب في هذه الأزمنة ألزم، والحرص عليه آكد وأوجب؛ لسلامة المسلمين والمسلمات، وصيانة أعراضهم.
قال صلى الله عليه وسلم: "من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة". فقالت أم سلمة: فكيف يصنع النساء بذيولهن؟! قال: "يرخين شبراً" فقالت: إذاً تنكشف أقدامهن! قال: "فيرخينه ذراعاً لا يزدن عليه" رواه الترمذي، وابن ماجه بسند صحيح.
وعن ابن عمر –رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "سيكون آخر أمتي نساءٌ كاسيات عاريات، على رؤوسهن كأسنمة البخت، اِلعَنُوهنَّ؛ فإنهنَّ ملعوناتٌ" رواه الطبراني، وهو صحيح.
قال ابن عبد البر –رحمة الله عليه- "أراد النبي النساء اللواتي يلبسن من الثياب الشيء الخفيف الذي يصف ولا يستر، فهن كاسيات بالاسم، عارياتٌ في الحقيقة".
فتأدبوا معاشر المسلمين بتأديب الله لرسوله وصحابته، وامتثلوا أمره، الزموا نساءكم بالحجاب الذي هو سببٌ للطهارة، ووسيلة للنجاة والسلامة في الدنيا والآخرة، ولا تغتروا بما يروجه دعاة السفور والضلال وأتباعهم، فإنهم ليسوا أسوة كريمة، ولا قدوة في الدين والأخلاق حتى ينخدع المسلمون بهم، ويستجيبوا لنعيقهم وثغائهم، فأسوة المسلمين إلى يوم القيامة في نبيهم محمد صلى الله عليه وسلم وصحابته الذين أنزل عليهم الحجاب، وأمروا به، وبالبعد عن التبرج، مع طهارة قلوبهم، ونقاء سرائرهم.
لقد جرب الغرب ما يدعون.
فهاهم لما زرعوا يحصدون، حصاد الهشيم.
ترى البنت تخرج من بيتها قبيل البلوغ.
فترجع تحمل في بطنها نتاج اللقاح.
فتجهضه لتعيد اللقاء.
وحيناً تدعه يلاقي الحياة، فتلقيه في ملجأ أو حضانة.
فيبحث عن أمه أو أبيه.
لكي يطعموه، لكي يرحموه، لكي يمنحوه الحنان الكبير، لكي يرضعوه.
ولكنه لا يرى ما يريد.
فينشأ يحمل حقداً دفيناً لكل الوجود.
ويخرج للكون دون قيود.
ليقتل هذا، ويسلب هذا، ويغصب تلك بدون حدود.
أهذي الحقوق كما يزعمون.
فأف لهم ولما يدعون.
(وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ)الأنفال: من الآية30. (وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلاً وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلاً) [فاطر: من الآية43]. (وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) [يوسف: من الآية21].
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذلَّ أعداء الدين...
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي