فتنة الهرج

علي باوزير
عناصر الخطبة
  1. وقوع نبوة النبي الكريم بفتنة الهرج .
  2. دلالات كلمة الهرج والأحاديث المبينة لها .
  3. وقفات مع فتنة التقتيل عامة وباليمن خاصة .
  4. منهج المسلم في التعامل وقت فتنة الهرج .
  5. تحذير ووعيد شديد للخائضين في دماء المسلمين .

اقتباس

ومن هذه الأمور التي أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- عنها وجعلها علامة من علامات الساعة فتنة الهرج، هذه الفتنة التي عظم بلاء العالم اليوم كله بها، واشتد ضرره ومحنته منها، هذه الفتنة التي لم تدع مكانا ولا بلداً إلا وأصابته؛ حتى لكأن القارئ إذا قرأ أحاديث النبي -صلى الله عليه وسلم- التي تتحدث عن هذه الفتنة يتيقن أنه -صلى الله عليه وسلم- ما كان يتحدث إلا عن زماننا هذا الذي نعيش فيه. فما هي فتنة الهرج هذه؟ جاء في الصحيحين عن أبي هريرة -رضي الله عنه وأرضاه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: "لا تقوم الساعة حتى يكثر الهرج"، قالوا: وما الهرج يا رسول الله؟ قال: "القتل القتل".

الخطبة الأولى:

إن الحمد لله نحمده ونستعينه، ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب:70-71].

أما بعد: فإن أصدق القول كتاب الله، وخير الهدي هدي رسوله محمد بن عبد الله، صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

وبعد: أيها المسلمون عباد الله، قبل أكثر من ألف وأربعمائة عام أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- عن أمور ستحصل للناس في مستقبلهم، وعن حوادث ستحصل وتقع بعد موته -صلى الله عليه وسلم-، وكان هذا وحيا من الله -تبارك وتعالى-؛ دلالة على صدق نبوته وعلى أنه رسول الله حقا.

وكان مما أخبر به -صلى الله عليه وسلم- وحدث عنه ما اصطلح العلماء على تسميته بعلامات الساعة أو أمارات الساعة، وهي الحوادث والأمور التي تحدث قرب قيام الساعة فتدل الناس على أن قيام الساعة قد صار وشيكا.

هذه العلامات وهذه الأمارات قد جاءت فيها أحاديث كثيرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- حدثنا وأخبرنا عن كثير من الأمور، ووقعت كما أخبر بها -صلى الله عليه وسلم-.

ومن هذه الأمور التي أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- عنها وجعلها علامة من علامات الساعة فتنة الهرج، هذه الفتنة التي عظم بلاء العالم اليوم كله بها، واشتد ضرره ومحنته منها، هذه الفتنة التي لم تدع مكانا ولا بلداً إلا وأصابته؛ حتى لكأن القارئ إذا قرأ أحاديث النبي -صلى الله عليه وسلم- التي تتحدث عن هذه الفتنة يتيقن أنه -صلى الله عليه وسلم- ما كان يتحدث إلا عن زماننا هذا الذي نعيش فيه. فما هي فتنة الهرج هذه؟ جاء في الصحيحين عن أبي هريرة -رضي الله عنه وأرضاه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: "لا تقوم الساعة حتى يكثر الهرج"، قالوا: وما الهرج يا رسول الله؟ قال: "القتل القتل".

هذه هي فتنة الهرج التي أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- عنها، فتنة القتل، إزهاق الأرواح وإراقة الدماء، ولكن دعونا -أيها الأحباب- نقف قليلا مع الكلمة التي استخدمها النبي -صلى الله عليه وسلم- وهي كلمة "الهرج"، هذه الكلمة -أيها الأحباب- في لسان العرب وفي غيره من المعاجم اللغوية تأتي بمعنى الاختلاط، وتأتي كذلك بمعنى الكثرة، وفسرها النبي -صلى الله عليه وسلم- بمعنى "القتل"، فهذه الكلمة تدل على الاختلاط، وعلى الكثرة، وعلى القتل، أي: إن القتل الذي يحصل في هذه الفتنة قتل كثير، وقتل فيه اختلاط وعدم تمييز.

وهذا هو الذي دلت عليه الأحاديث التي تحدثت عن فتنة الهرج، ففي الصحيحين، عن أبي هريرة -رضي الله عنه وأرضاه-، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "يتقارب الزمان، وينقص العمل، ويلقى الشح، ويكثر الهرج"، قالوا: وما الهرج يا رسول الله؟ قال: "القتل القتل". وفي حديث أبي مسعود وأبي موسى الأشعري -رضي الله عنهما- قال: "إن بين يدي الساعة أياما يرفع فيها العلم وينزل فيها الجهل، ويكثر فيها الهرج"، قال: "والهرج القتل" رواه البخاري ومسلم.

هذا من حيث الكثرة، وأما من حيث الاختلاط وعدم التمييز بين من يستحق ومن لا يستحق القتل فإن هذا قد دل عليه حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "لا تذهب الدنيا حتى يأتي يوم لا يدري القاتل فيما قتل، ولا المقتول فيما قتل"، فقيل: كيف يكون ذلك يا رسول الله؟ قال "الهرج"؛ السبب هو حصول الهرج، حصول الاختلاط، حصول عدم التمييز بين من يستحق القتل ومن لا يستحق، فيقتل القاتل ولا يدري لماذا قتل، ويُقتل المقتول ولا يدري من أجل أي شيء قتل!.

قال -عليه الصلاة والسلام-: "القاتل والمقتول في النار"، في ذلك الوقت في وقت الهرج حين يتجرأ الناس ويتمادون في القتل ولا يسألون عن السبب، ولا يبحثون عن المبرر الشرعي عند ذلك في زمن الهرج "القاتل والمقتول في النار!" ولا حول ولا قوة إلا بالله.

وجاء من حديث أبي موسى، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن بين يدي الساعة الهرج"، قالوا وما الهرج يا رسول الله؟ قال "القتل"، ثم فسره النبي -صلى الله عليه وسلم-: "ليس قتلكم المشركين، وإنما قتل بعضكم بعضا، حتى يقتل الرجل جاره ويقتل عمه ويقتل ابن عمه". يضيع عنه التمييز، لم يعد يفرق بين عدوه ووليه، لم يعد يميز بين حبيبه وبغيضه، لم يعد يستطيع التفريق بين من يستحق القتل وبين من يستحق الإكرام، الجار والعم وابن العم، فلهذا؛ الصحابة -رضي الله عنهم وأرضاهم- تعجبوا غاية العجب: كيف يفعل رجل هذا الفعل ويقع في مثل هذا الخلط بين العدو والصديق فيقتل جاره وابن عمه وعمه؟ فقالوا: يا رسول الله، ومعنا عقولنا في ذلك الزمان؟ فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "لا تنزع عقول أهل ذلك الزمان، ويخلف هباء من الناس لا عقول لهم"؛ فلهذا يقعون في مثل هذا الخلط العجيب.

وحقا -أيها الأحباب- إننا نعيش اليوم في عالم مجنون قد ضاعت فيه كل مقاييس العقل السوية، وغابت عنه كل معايير التفريق المستقيمة، بين من يستحق ومن لا يستحق، نعيش في عالم صار كالثور الهائج المنطلق الذي ينطح كل شيء أمامه دون أي تفريق ودون أي تمييز!.

فقط -أيها الأحباب- في مائة عام، من عام  سبعة وتسعمائة وألف إلى عام سبعة وألفين للميلاد، خلال هذا القرن فقط قتل من الناس قرابة مائتين وخمسين مليون إنسان في الحروب والنزاعات التي حصلت على مستوى العالم، رقم ضخم مهول، أعداد لم يقتل مثلها على مر القرون من تاريخ البشرية! قتل هؤلاء جميعا في مائة عام فقط! أفيكون أهل ذلك الزمن أهل عقول وهم يفعلون مثل هذا الفعل؟.

وأشد هؤلاء جنونا الذين يقتلون وهم ينتسبون إلى الإسلام، الكفار لا يؤمنون برب ولا بإله ولا يرجون بعثا ولا نشورا ولا حسابا ولا عقابا ولا يخافون نارا ولا يرجون جنة؛ فلهذا يفعلون ما يفعلون، أما المسلمون الذين يؤمنون بالله ويعترفون بوجوده وربوبيته وإلوهيته، وأنه الجبار القاهر العظيم -سبحانه وتعالى-، المسلمون الذين يؤمنون بأن هناك جنة وأن هناك نارا، الذين يؤمنون بالبعث والنشور والحساب والعقاب؛ كيف يتجرؤون على مثل هذا الفعل؟ كيف يتجرؤون على الخوض في الدماء؟ كيف يتجاوزون النصوص الشرعية الواضحة التي شددت في هذا الأمر غاية التشديد؟.

ألا يقرؤون في القرآن قول الله -تبارك وتعالى-: (وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا) [النساء:93]، ألا يقرؤون في القرآن قول الله -تبارك وتعالى-: (وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا) [الفرقان:68-69]، ألا يقرؤون مثل هذه النصوص في القرآن؟ فأين عقولهم؟ وأين إيمانهم؟ وأين خوفهم من الله -تعالى-؟.

خاصة -أيها الأحباب- أهل اليمن الذين قال النبي -صلى الله عليه وسلم- عنهم: "هم ارق قلوبا وألين أفئدة"؛ فأين ذهبت رقة القلوب؟ وأين ذهب لين الأفئدة مما نراه ونشاهده ونسمع عنه في أيامنا هذه؟.

في الأيام الماضية رأينا أشياء بشعة ومناظر فظيعة لا يتصور الواحد أنها تحصل في بلد الإيمان والحكمة في عدن وفي مناطق أخرى في غير عدن، أطفال وأبرياء وأناس لا ذنب لهم يقتلون شر قتلة ويفعل بهم الأفاعيل البشعة، شيء ما كنا نتصور أن يكون في بلدنا هذه، يرى الواحد الصور التي نقلت فيتصور أنها في بلد آخر، يتصور أنها في فلسطين أو في العراق أو في أفغانستان أو في مكان آخر، لكن لا يتصور أنها في هذا البلد الذي قال النبي -صلى الله عليه وسلم- في أهله: "هم أرق قلوبا وألين أفئدة".

لكن -أيها الأحباب- عشنا إلى هذا اليوم الذي نرى فيه مثل هذه الأمور، ونسمع فيه مثل هذه الجرائم المنكرة!.

فيا أيها الأحباب: ما هو المبرر لمثل هذا القتل؟ وما هو السبب فيه؟ وما هي الحجة التي سيقف الإنسان بين يدي الله -سبحانه وتعالى- يواجهه بها؟ ماذا سيقول لله -سبحانه وتعالى- حين يأتي به هذا المقتول يمسكه بيد ورأسه بيد أخرى ويقول: يا رب سل هذا فيما قتلني؟ لأجل أي شيء ولماذا فعل بي مثل هذا الفعل؟ ما هو جوابه عند الله -سبحانه وتعالى-؟ لن تنفعه المبررات إلا أن يكون قد قتل هذا المقتول بحق، وليس هو الذي يحدد أن هذا يستحق القتل أم لا يستحق، الذي يحدد هو الشريعة الإسلامية، الشرع هو الذي يحدد إن كان هذا يستحق القتل أو لا يستحق، والذي يفسر هذا هم العلماء، والذي ينفذ هذا هو القضاء، أما أن يكون الأمر مفتوحا وأما أن يصير الأمر فوضى وكل واحد يتصرف ويفعل ما يشاء، فإنه إن نفعته الأعذار أمام أهل الأرض فلن تنفعه الأعذار أمام الجبار -تبارك وتعالى- يوم القيامة.

واسمع -أيها الأخ الحبيب- اسمع وصية رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، حدثنا عن زمن الهرج وأوصانا ماذا نفعل في زمن الهرج، يروى لنا عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه وأرضاه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: " تَكُونُ فِتْنَةٌ، النَّائِمُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الْمُضْطَجِعِ، وَالْمُضْطَجِعُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الْقَاعِدِ، وَالْقَاعِدُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الْمَاشِي، وَالْمَاشِي خَيْرٌ مِنَ الرَّاكِبِ، وَالرَّاكِبُ خَيْرٌ مِنَ الْجَارِي، قَتْلاهَا كُلُّهَا فِي النَّارِ"، أي: كلما كان الإنسان أقل حركة في هذه الفتنة ولم يكن مسارعا فيها كلما كان هذا خيرا له، كلما كان أبعد عن الدخول فيها كلما كان هذا خيرا له. فسأله ابن مسعود -رضي الله عنه-: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَتَى ذَلِكَ؟ قَالَ: "ذَلِكَ أَيَّامُ الْهَرَجِ"، قَالَ: قُلْتُ: وَمَتَى أَيَّامُ الْهَرَجِ؟ قَالَ : "حِينَ لا يَأْمَنُ الرَّجُلُ جَلِيسَهُ"، صاحبه الذي بجانبه لا يأمنه أن يقتله،وهذا قد عشناه أيها الأحباب، قَالَ ابن مسعود: قُلْتُ: فَبِمَ تَأْمُرُنِي إِذَا أَدْرَكْتُ ذَلِكَ؟ ما هي وصيتك؟ قَالَ: "اكْفُفْ نَفْسَكَ وَيَدَكَ، وَادْخُلْ دَارَكَ"، قَالَ ابن مسعود: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَرَأَيْتَ إِنْ دُخِلَ عَلَيَّ دَارِي؟ قَالَ: "فَادْخُلْ بَيْتَكَ"، قَالَ: فَقُلْتُ: أَفَرَأَيْتَ إِنْ دُخِلَ عَلَيَّ بَيْتِي؟ قَالَ: "فَادْخُلْ مَسْجِدَكَ"، ابتعد عن هذه الفتنة، ابتعد أن تتلوث يدك بدماء المسلمين، "ثُمَّ اصْنَعْ هَكَذَا"، ثُمَّ قَبَضَ بِيَمِينِهِ عَلَى الْكُوعِ –أي: أمسك يدك- "وَقُلْ: رَبِّيَ اللَّهُ، حَتَّى تُقْتَلَ عَلَى ذَلِكَ".

أعلن إيمانك، أعلن خوفك من الله -سبحانه وتعالى- وأمسك يدك أن تتلطخ بدماء المسلمين.

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيدا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إقرارا به وتوحيدا، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما مزيدا.

وبعد: أيها الأحباب الكرام، بعض الناس مع هذه الوصية النبوية العظيمة، ومع التحذير العظيم من هذه الجريمة، إلا أنه يأبى إلا الخوض في الدماء، ويرفض إلا أن تتلوث يده بدماء المسلمين، ويأبى إلا أن يدخل في فتنة الهرج، فنقول لمثل هذا: اقتل ففي النار متسع لك، اقتل ففي النار مكان لك ولأمثالك! لن تضيق النار بكم مهما كثرت أعدادكم ولن تتضجر منكم فهي تناديكم وتدعوكم! اقتل لأجل أن تدخل النار فتذوق ألم القتل الذي أذقته غيرك!.

اقتل لتدخل النار لتعرف حجم جريمتك وبشاعة فعلتك، اقتل حتى تحظى بغضب الله وسخطه ولعنته: (وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا) [النساء:93].

اقتل لأجل أن تكون أبغض الناس عند الله -تبارك وتعالى-؛ فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "أبغض الناس إلى الله ثلاثة: ملحد في الحرم، ومبتغ في الإسلام سنة الجاهلية، ومطلب دم امرئ بغير حق ليهريق دمه" رواه البخاري.

اقتل أخاك المسلم لتقفل على نفسك أبواب المغفرة والرحمة من الله -تعالى-، قال -صلى الله عليه وسلم-: "كل ذنب عسى الله أن يغفره، إلا أن يموت الرجل كافرا، أو الرجل يقتل الرجل متعمدا"، تسد عليه أبواب المغفرة وتقفل أمامه أبواب الرحمة.

نقول له: اقتل أخاك حتى تضيق عليك حياتك وتضيق عليك معيشتك وتسد أمامك أبواب الخير كلها، قال -صلى الله عليه وسلم-: "لا يزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يصب دما حراما"، فإذا أصاب دما حراما فعند ذلك ضاقت عليه أموره كلها.

اقتل أخاك لأجل أن تكون مع الفراعنة، لأجل أن تحشر مع الطغاة والمتجبرين، لأجل أن تكون مع الكافرين والمشركين تساق معهم وتحشر بينهم، فعن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه وأرضاه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "يرسل عنق من جهنم يوم القيامة يقول: إن لي ثلاثة: كل جبار عنيد، ومن جعل مع الله إلها آخر، ومن قتل نفسا بغير نفس"، مع الجبابرة والمشركين يحشر معهم والعياذ بالله، فينطوي عليهم فيلقيهم في حمراء جهنم والعياذ بالله.

من يريد القتل نقول له: اقتل، ولكن قبل ذلك اذهب إلى الكعبة المكرمة وإلى بيت الله الحرام وانقض هذه الكعبة حجرا حجرا فإن ذلك أهون على الله من أن تقتل امرأ مسلما، قال -صلى الله عليه وسلم- وهو يطوف بالبيت الحرام وينظر إلى الكعبة يقول: "ما أطيبك! وما أطيب ريحك! وما أعظمك! وما أعظم حرمتك عند الله!" ثم يقول -صلى الله عليه وسلم-: "والذي نفس محمد بيده! لحرمة المؤمن أعظم عند الله منك، ماله ودمه"، أعظم عند الله من بيته المحرم المعظم المكرم، بل زوال الدنيا بأسرها أهون عند الله! يقول -صلى الله عليه وسلم-: "لزوال الدنيا أهون على الله من قتل مؤمن بغير حق".

من يريد القتل نقول له: اقتل، لا لتخاصم يوم القيامة الذي قتلته فحسب، بل لتخاصم لا إله إلا الله التي يحملها هذا الذي قتلته.

أسامة بن زيد -رضي الله عنه وأرضاه- في غزوة وهو يجاهد الكفار والمشركين رأى رجلا من المشركين قد أثخن في المسلمين وقتل فيهم، فتربص به وتحين منه غفلة، فلما رأى فرصة انقض عليه ورفع السيف عليه، فلما رأى هذا المشرك السيف فوق رأسه قال: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، فقتله أسامة؛ لأن الحال يوحي بأن هذا الرجل لم يقلها صدقا من قلبه، وإنما قالها خوفا من السيف، فبلغ الخبر إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فدعاه فقال: "أقتلته بعدما قال لا إله إلا الله؟"، قال: يا رسول الله، إنما قالها متعوذا، خوفا من السيف، لم يقلها صدقا من قلبه، فقال -صلى الله عليه وسلم-: "فكيف تفعل بلا إله إلا الله إذا جاءت يوم القيامة؟"، قال: يا رسول الله، إنما قالها متعوذا، قال: "فكيف تفعل بلا إله إلا الله إذا جاءت يوم القيامة؟" فلم يزل يكررها ويرددها: "فكيف تفعل بلا إله إلا الله إذا جاءت يوم القيامة؟"؛ فانظر من سيكون خصمك يوم القيامة: هذا  الشخص الذي قتلته، ولا إله إلا الله تخاصمك بين يدي الله -سبحانه وتعالى-.

الأمر -أيها الأحباب- ليس بالسهل ولا بالهين، حق المقتول لا يسقط أبداً، وأول ما يقضى بين الناس يوم القيامة من الحقوق في الدماء، فانظر ماذا ستجيب يوم القيامة حين تسأل وحين تقاضى، حق المقتول يبقى في رقبة القاتل وذمته إلى يوم القيامة، إن تاب إلى الله سقط حق الله -تبارك وتعالى- وإن دفع الدية أو اقتُص منه وقتل سقط حق أولياء الدم ويبقى حق المقتول محفوظا إلى يوم القيامة، ويأتي الإنسان يواجه هذا الحق ويقاضى بين يدي الله -سبحانه وتعالى- على هذا الحق الذي في رقبته.

فالأمر جد عظيم وخطير، وليس بالأمر السهل ولا الهين، والله لو أن الأمة كلها تساهلت في الدماء لهانت على الله ولضاعت كرامتها عند الله -تبارك وتعالى- ولصارت عنده لا تسوى شيئا لاستخفافها بدماء عباده! يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "لو أن أهل السماء –الملائكة- وأهل الأرض جميعهم، مؤمنهم وكافرهم، اشتركوا في دم امرئ مؤمن"، واحد فقط، "لأكبهم الله في نار جهنم"، ولا تبقى لهم كرامة عند الله -تبارك وتعالى-.

فاللهَ الله أيها الأحباب في أمر الدماء، في أمر أرواح المسلمين وأنفس المسلمين؛ فإنها عظيمة عند الله -تبارك وتعالى-.

نسأل الله تعالى أن يحقن دماء المسلمين...


تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي