كلمة التوحيد فضائلها وشروطها ومناقضاتها

خالد بن سعد الخشلان
عناصر الخطبة
  1. أهمية الركن الأول من أركان الإسلام .
  2. فضائل كلمة التوحيد والإخلاص .
  3. شروط الانتفاع بشهادة لا إله إلا الله .
  4. قوادح في التوحيد .
  5. أمور تخل بتحقيق شهادة التوحيد .
  6. وجوب الحذر من كل صور الشرك. .

اقتباس

إن من يتأمل واقع المسلمين اليوم في كثير من بقاع العالم الإسلامي يلحظ البعد الكبير والمسافة الطويلة بين فئام منهم وبين لا إله إلا الله؛ ففئام من المسلمين يقولون هذه الكلمة بألسنتهم صباحًا ومساء، ولكنهم في حقيقة الأمر بعيدون عن معناها، تاركون لمقتضاها، معرضون عما دلت عليه واقعون فيما يخالفها ويناقضها. أليست كثير من بلاد المسلمين اليوم مملوءة بالقبور والمشاهد والمزارات يُطاف بها ويُذبح لها، ويُتبرك بها، ويُسأل من أصحابها قضاء الحاجات، وكشف الكربات...

الخطبة الأولى:

الحمد لله الذي أوضح المحجة، وأقام الحجة وبيَّن شرائع الملة، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه وسلم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب:70-71].

أما بعد فيا عباد الله: اتقوا الله -عز وجل- وأطيعوه وراقبوه في جميع أموركم ولا تعصوه، واعلموا رحمكم الله أن لكم يومًا تقفون فيه بين يدي ربكم لتجزى كل نفس بما عملت، فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور.

لا يصرفنكم عن عبادة ربكم صارفٌ، ولا يلهينكم عن طاعة ربكم مُلْهٍ، فما هذه الأيام الدنيا إلا أيام قلائل عما قليل يودعها المرء ويغادرها إلى الدار الآخرة، فرحم الله عبدًا تزود واستعد للانتقال إلى الدار الآخرة بطاعة ربه ومولاه.

إخوة الإسلام: إن الركن الأول من أركان الإسلام شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، هذا الركن العظيم مفتاح الإسلام، طريق الدخول فيه، وهو الأساس الذي تقوم عليه بقية الأركان، وتنبني عليه سائر الأحكام، إن كان هذا الركن لو كان سليمًا قويًّا استقامت سائر الأركان والأعمال، وكانت مقبولة عند الله -عز وجل-، وانتفع بها صاحبها، وإن اختل هذا الأساس وهذا الركن فسدت سائر الأعمال، وصارت هباءً منثورًا، ولم ينفع الإنسان بعد ذلك صلاته ولا زكاته ولا صومه ولا حجه.

ولهذا كانت هذه الكلمة وهي شهادة التوحيد أول نداء يوجهه رسل الله -عليهم الصلاة والسلام- إلى أقوامهم، فما من رسول بعثه الله إلى قومه إلا كانت هذه الكلمة كلمة التوحيد هي أول ما يطرق آذانهم؛ لأنها هي الأصل، وما بعدها تبع لها.

(لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنِّيَ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ) [الأعراف:59]، (وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ)، (وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ)، (وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ) [الأنبياء:25].

وكان خاتم رسل الله -عليهم الصلاة والسلام- محمد -صلى الله عليه وسلم- الذي طلب من كفار قريش أول ما طلب منهم أن يوحدوا الله، ويفردوه بالعبادة حيث جمعهم ذات يوم وقال لهم: "قولوا لا إله إلا الله تفلحوا".

إن هذه الكلمة كلمة التوحيد والإخلاص لها في دين الله ربنا منزلة عظيمة ودرجة رفيعة؛ إذ هي شهادة الرب لنفسه بالوحدانية، وهي كذلك شهادة الملائكة، وشهادة أولي العلم لربهم -عز وجل- بالوحدانية (شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَآئِمَاً بِالْقِسْطِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) [آل عمران:18].

قَالَ مُوسَى -عليه السلام-: "يَا رَبِّ! عَلِّمْنِي شَيْئًا أَذْكُرُكَ وَأَدْعُوكَ بِهِ، قَالَ: قُلْ يَا مُوسَى: لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، قَالَ: كُلُّ عِبَادِكَ يَقُولُ هَذَا، قَالَ: قُلْ: لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، قَالَ: لا إِلَهَ إِلا أَنْتَ، إِنَّمَا أُرِيدُ شَيْئًا تَخُصَّنِي بِهِ، قَالَ: يَا مُوسَى، لَوْ أَنَّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعَ وَعَامِرَهُنَّ غَيْرِي وَالأَرَضِينَ السَّبْعَ فِي كِفَّةٍ، وَلا إِلَهَ إِلا اللَّهُ فِي كِفَّةٍ مَالَتْ بِهِنَّ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ".

إن أصحاب هذه الكلمة كلمة الإخلاص والتوحيد العاملين بمقتضاها هم أهل الجنة "من قال  لا إله إلا الله خالصًا من قلبه دخل الجنة"، كما قال ذلك الصادق المصدوق -صلى الله عليه وسلم-.

أهل لا إله إلا الله هم في الوقت ذاته أسعد الناس، وأحرى الناس بشفاعة النبي -صلى الله عليه وسلم- يوم العرض على الله.

سأل أبو هريرة -رضي الله عنه- رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله من أسعد الناس بشفاعتك يا رسول الله؟ فقال -صلى الله عليه وسلم-: "من قال لا إله إلا الله خالصًا من قلبه".

هذه الكلمة كلمة التوحيد من خُتمت حياته بها فيا سعادته! ويا هناءته! "من كان آخر كلامه من الدنيا لا إله إلا الله دخل الجنة".

لكن هذه الكلمة أيها الإخوة المسلمون لا تنفع قائلها والمتلفظ بها إلا إذا علم معناها، وعمل بمقتضاها، وانقاد لمدلولها، فهي ليست مجرد كلمة تردها الألسنة دون أن تعقلها وتعيها القلوب ودون أن تنقاد الجوارح لمقتضاها ومدلولها.

هي كلمة لا تنفع صاحبها إلا إذا توفرت فيه شروط ثمانية، أولها العلم بمعنى لا إله إلا الله، ومعنى لا إله إلا الله: الإقرار الجازم بأنه لا يستحق العبادة بجميع أنواعها وصورها إلا الله وحده لا شريك له، وأن كل معبود في الأرض سوى الله -عز وجل- فهو باطل (ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ) [الحج:62].

فيقر المسلم وهو يتلفظ بهذه الكلمة أنه ليس هناك أحد في الكون كله يستحق أن تُصرف له العبادة مهما كانت أو يُصرف له أيّ نوع منها، فلا ملك مقرّب ولا نبي مرسل ولا بشر ولا جن ولا ولي ولا غيره إلا الله وحده لا شريك له؛ فهو سبحانه وتعالى هو المعبود بحق، هو الإله بحق، هو الذي يستحق أن تُصرف له جميع أنواع العبادة صغرت أم كبرت؛ لأنه وحده هو الخالق الرازق، لأنه حده هو المحيي المميت؛ لأنه وحده هو الضار النافع، لأنه وحده مالك هذا الكون وما فيه، لا يحصل في الكون شيء إلا بعلم الله -عز وجل- ولا يحصل في الكون شيء إلا بقدرته وإرادته سبحانه وتعالى.

وأما من سوى الله فلا يملك لنفسه مهما عظم جاهه، وعظم سلطانه، وعظمت مكانته لا يملك لنفسه نفعًا ولا ضرًّا، لا يملك لنفسه لا حياة ولا نشورًا، لا يمكن أن يدفع عن نفسه أدنى ضر يمكن أن يتصور أن يصل إليه، فكيف يسوي البشر، كيف يسوي العبد بين الخالق والمخلوق تعالى؟! تعالى الله عما يقول المشركون ويفعله الملحدون علوًّا كبيرًا.

واسمع أيها المسلم إلى ما جاء في كتاب ربك -عز وجل- من قوارع عظيمة تقرع آذان الذين يشركون بالله غيره ويصرفون شيئًا من العبادة لغير الله -عز وجل- كيف وجَّه الله -عز وجل- لهم هذه النداءات والقوارع العظيمة يقول الله -عز وجل-: (قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ * أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنزَلَ لَكُم مِّنَ السَّمَاء مَاء فَأَنبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَّا كَانَ لَكُمْ أَن تُنبِتُوا شَجَرَهَا أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ * أَمَّن جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلَالَهَا أَنْهَارًا وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ * أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاء الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ * أَمَّن يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَن يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ * أَمَّن يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاء وَالْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ * قُل لَّا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ) [النمل: 59- 65].

هذا هو ربكم -عز وجل- المتفرد بجميع صفات الجلال والكمال والعظمة والكبرياء، هو مدبر هذا الكون وحده، وهو مصرّف هذا الكون وحده، وهو بذلك الذي يستحق أن يُعبد وحده لا شريك له.

وأما الشرط الثاني لكلمة التوحيد فهو اليقين الجازم المنافي للشك، فلا يكون عند المسلم أدنى شك في معنى هذه الكلمة، وما دلت عليه.

والشرط الثالث: الإخلاص بأن يكون قائلها مخلصًا في قولها، ولهذا جاء في الحديث: "من قال لا إله إلا الله خالصًا من قلبه"، فنطق اللسان وحده لا يكفي، بل لا بد مع نطق اللسان موافقة القلب على ذلك، وهذا هو الظن بكل مؤمن ومؤمنة يوم يقول هذه الكلمة أن قلبه ينعقد وينطوي على الإخلاص بهذه الكلمة؛ لعلمه ويقينه بأنه لا أحد يستحق العبادة في هذا الكون إلا الله -عز وجل-.

والشرط الرابع: الصدق المنافي للكذب، حتى يخرج قائل هذه الكلمة من صفوف المنافقين الذين يقولون بألسنتهم لا إله إلا الله، وجوارحهم على خلاف ذلك.

والشرط الخامس: المحبة لهذه الكلمة ولمدلول كلمة التوحيد، ولأهلها الموحدين، وبغض ما يخالفها، والبراءة من أعدائها: يقول المسلم هذه الكلمة وهو يحب أهل التوحيد وهو يحب صفات التوحيد، ويكره المشركين وصفات المشركين.

والشرط السادس: الانقياد المنافي للترك، فيكون قائلها منقادًا لما دلت عليه من معنى دون تردد أو تذبذب، بل شأنه التسليم والطاعة والانقياد الكامل لما دلت عليه هذه الكلمة العظيمة من حصر العبادة لله وحده، والبعد عن صرف أيّ نوع من أنواعها لغير الله -عز وجل-.

والشرط السابع: القبول لهذه الكلمة المنافي للترك الناشئ من الاستكبار، فإن أعداء هذه الكلمة ما حملهم على تركها والإعراض عنها إلا الكبر المستقر في نفوسهم، والذي دفعهم إلى رد الحق والصد عنه كما قال الله -عز وجل-: (إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ) [الصافات:35].

والشرط الثامن لهذه الكلمة: الكفر بالطاغوت، وهو جميع ما يُعبَد من دون الله من الأهواء والأوثان والأصنام الحسية والمعنوية، فيكفر المسلم بعبادتها وتأليهها؛ لعلمه أن العبادة لا تكون إلا لله -عز وجل-، وأن كل عبادة لغير الله فهي عبادة باطلة، وأن كل معبود سوى الله فعبادته باطلة.

هذه -أيها الإخوة في الله- هي كلمة الإخلاص وشروطها التي لا تنفع بدونها، فنسأل الله -عز وجل- أن يجعلنا من أهل هذه الكلمة حقًّا وصدقًا، وأن يثبتنا عليها في الدنيا وفي الآخرة، إن ربنا لطيف لما يشاء إنه هو العليم الحكيم.

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيمًا لشأنه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه وسلم تسليمًا كثيرا إلى يوم الدين.

أما بعد فإن أفضل الحديث كتاب الله وخير الهدى هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، وعليكم بجماعة المسلمين؛ فإن يد الله مع جماعة المسلمين ومن شذ عنهم شذ في النار.

أيها الإخوة المسلمون: إن من يتأمل واقع المسلمين اليوم في كثير من بقاع العالم الإسلامي يلحظ البعد الكبير والمسافة الطويلة بين فئام منهم وبين لا إله إلا الله؛ ففئام من المسلمين يقولون هذه الكلمة بألسنتهم صباحًا ومساء، ولكنهم في حقيقة الأمر بعيدون عن معناها، تاركون لمقتضاها، معرضون عما دلت عليه واقعون فيما يخالفها ويناقضها.

 أليست كثير من بلاد المسلمين اليوم مملوءة بالقبور والمشاهد والمزارات يُطاف بها ويُذبح لها، ويُتبرك بها، ويُسأل من أصحابها قضاء الحاجات، وكشف الكربات، وتصدح الأصوات عندها بدعاء غير الله -عز وجل- يدعو عليًّا وحسينًا وعبد القادر والبدوي.. طلبًا للغوث وبحثًا عن الرزق، فهل بعد هذا الشرك من شرك أيها الإخوة المسلمون؟!

والأدهى من ذلك وأمرّ أن تجد علماء سوء يسوقون للرعاع من الناس هذا الصنيع، ولا ينكرون عليهم، والمنكر يجد من المضايقة البدنية والنفسية وإلصاق التهم والأوصاف به شيئًا كثيرًا، أليست كثير من بلاد المسلمين اليوم -إلا هذه البلاد حرسها الله- تُحكم بغير شريعة الله، ويُساس الناس فيها، ويُحكم في دمائهم وأموالهم وأعراضهم بحثالة الفكر البشري من القوانين الوضعية الكفرية المستوردة من بلاد النصارى.

فأي معنى لا إله إلا الله، والعبادة تُصرَف لغير الله، الحكم بغير شرع الله أي معنى لـ"لا إله إلا الله"، والقلوب تطلب النفع ودفع الضر من غير الله، ويشرّع للناس من النظم والقوانين ما يحارب به شرع الله ودينه؟!

 ألم يصبح سوق السحرة والمشعوذين والكهنة والعرافين رائجًا في بلاد المسلمين والناس فيها يتهافتون على أولئك الكذبة الدجالين المحرفين عبدة الجن والشياطين يتهافتون على أولئك السحرة زرافات ووحدانا؟!

إنه ما عمل بمقتضى لا إله إلا الله من يظن أن الشفاء بأولئك الدجالين، إنه ما التزم بمقتضى لا إله إلا الله من يطلب العافية من غير الله من السحرة والمشعوذين.

 ويزداد عجب المسلم من أقوام يقولون: لا إله إلا الله، وأحدهم يظن جلب النفع له ودفع الضر عنه يستجلب بحرز يضعه في يده، أو تميمة أو ودعة يعلقها في رقبته، ونسي أولئك أن لا اله إلا الله تعني من جملة ما تعينه أن الله وحده لا غيره هو الضار النافع، وهو الذي يُسأل منه الشفاء والخير والعافية، وأن الخلق كلهم لو اجتمعوا على أن يضروا مخلوقًا بشيء لم يكتبه الله عليه لم يقدروا والله إلى ذلك سبيلاً، ولو اجتمعوا على أن ينفعوا العبد بشيء لم يكتبه الله له لم يقدروا على ذلك.

أيها الإخوة المسلمون: كما أن هذه الأمور العظام تناقض كلمة التوحيد وتقدح فيها، وتخل بها، بل وقد تجعل صاحبها في بعض الأحيان من جملة الكفار، وإن نطق بها؛ فإن المعاصي وكبائر الذنوب تقدح في كلمة التوحيد، وتنافي كمال كلمة التوحيد.

فعليك أيها المسلم -إن أردت الانتفاع بهذه الكلمة العظيمة- أن تتحرز من ألوان الشرك ودروبه، وأن تبتعد عن المعاصي صغيرها وكبيرها؛ لتكون ممن حقق هذه الكلمة اعتقادا في قلبك وعملاً في جوارحك، وسمتًا وهديًا في جميع تصرفاتك؛ فإن من أعظم منن الله على العبد أن يتوفاه الله -عز وجل- وهو من أهل كلمة التوحيد حقًّا وصدقًا الموعودين بالأمن التام في الدنيا وفي الآخرة: (الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ..) أي بشرك (أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ) [الأنعام:82].

أسأل الله -عز وجل- لي ولكم ولعموم المسلمين الحياة على التوحيد الصحيح والموت عليه، كما أسأله سبحانه أن يهدي ضال المسلمين إلى الحق والصواب؛ إن ربي على كل شيء قدير.

هذا وصلوا وسلموا على نبيكم محمد بن عبدالله؛ فقد أمركم ربكم بهذا في كتابه فقال عز من قائل: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب: 56]، وقال عليه الصلاة والسلام: "من صلى عليَّ صلاة صلى الله عليه بها عشرًا" اللهم صلّ وسلم وبارك...


تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي