الشمس فوق الرؤوس تكاد تذيب الجماجم بل والعظام، والزحام وحده يكاد يخنق الأنفاس، فالبشرية كلها منذ أن خلق اللـه آدم إلى آخر رجل قامت علية الساعة تقف في موقف واحد في أرض واحدة. العرق يكاد يغرق الناس كلٌّ بحسب عمله في عرقه، والأهوال تزداد شدة عندما يؤتَى بجهنم لها سبعون ألف زمام مع كل زمام سبعون ألف ملك يجرونها، يؤتَى بها إلى أرض المحشر فإذا ما رأت جهنم الخلائق زفرت وزمجرت غضباً منها لغضب ربها جل وعلا، حينئذ تجثوا جميع الأمم على الركب من هول الموقف، بل ولا يتكلم يومها إلا الأنبياء...
أحبتي في اللـه: هذا هو لقاؤنا الثاني عشر من لقاءات هذه السلسلة الكريمة المباركة، وكنا قد توقفنا في اللقاء السابق مع البشرية كلها، وهي في أرض المحشر وقد أصابها من الكرب، والهمّ، والغمّ ما لا يستطيع بليغ على وجه الأرض أن يجسّده، الشمس فوق الرؤوس تكاد تذيب الجماجم بل والعظام، والزحام وحده يكاد يخنق الأنفاس، فالبشرية كلها منذ أن خلق اللـه آدم إلى آخر رجل قامت علية الساعة تقف في موقف واحد في أرض واحدة.
العرق يكاد يغرق الناس كلٌّ بحسب عمله في عرقه، والأهوال تزداد شدة عندما يؤتَى بجهنم لها سبعون ألف زمام مع كل زمام سبعون ألف ملك يجرونها، يؤتَى بها إلى أرض المحشر فإذا ما رأت جهنم الخلائق زفرت وزمجرت غضباً منها لغضب ربها جل وعلا، حينئذ تجثوا جميع الأمم على الركب من هول الموقف، بل ولا يتكلم يومها إلا الأنبياء ودعوتهم يومئذ اللـهم سلم سلم!! اللـهم سلم سلم!!!
ويزداد الكرب والهم على الخلق فيقول بعضهم لبعض: ألا ترون ما نحن فيه! ألا ترون ما قد بلغنا؟! ألا تنظرون من يشفع لكم إلى ربكم؟! ويذهبون إلى صفوة اللـه من خلقه إلى الأنبياء والمرسلين فيقول كل نبي: "إن ربى قد غضب اليوم غضباً لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله، ثم يقول كل نبي: نفسي، نفسي، نفسي"!!! إلا المصطفى محمد بن عبد اللـه إنه التجارة الرابحة.. إنه صفوة اللـه من خلقه..، وأكرم الخلق على اللـه.
يقول الحبيب: فيأتوني فيقولون يا رسول اللـه، ألا ترى ما نحن فيه؟! ألا ترى ما قد بلغنا؟! ألا تشفع لنا إلى ربك؟!
فأقوم وأقول: أنا لها، أنا لها، ويخر ساجداً تحت عرش الرحمن جل جلاله ويثنى على اللـه سبحانه وتعالى بمحامد لم يفتح اللـه به على أحد من قبله فينادي عليه ربه ويقول: يا محمد ارفع رأسك وسل تعطى واشفع تشفع فيقول المصطفى: “يا رب.. أمتي، أمتي، أمتي”.
وفى حديث الصور الطويل الذي خرجناه في اللقاء الماضي مع حديث الشفاعة الذي ذكرت الآن يقول اللـه جل وعلا لنبيه المصطفى ما شأنك؟ وهو أعلم، فيقول الحبيب: “يا رب قد وعدتني الشفاعة. فشفعني في خلقك، فأقضِ بينهم، فيقول اللـه جل جلاله: قد شفعتك، أنا آتيكم لأقضي بينكم”. فيرجع الحبيب المصطفى ليقف مع الناس في أرض المحشر لينظروا جميعاً مجيء الرب جل جلاله لفصل القضاء بين العباد.
وهذا هو لقاءنا مع حضراتكم في هذا اليوم المبارك، وكما تعودنا حتى لا ينسحب بساط الوقت من بين أيدينا سريعاً فسوف أركز الحديث مع حضراتكم في العناصر التالية:
أولاً: مجيء الرب جل جلاله.
ثانياً: أول من يكلمهم اللـه يوم القيامة.
ثالثاً: العرض على اللـه جل وعلا وأخذ الكتب.
فأعيروني القلوب والأسـماع فإن هذه الكلمات تكاد تخلع القلوب ورب الكعبة.
أولاً: مجيء الرب جل جلاله:
أحبتي في اللـه: هل منكم من أحد قد حضر يوماً محكمة من محاكم الدنيا؟!
يوم يؤتى بالمتهمين ليقفوا وراء هذا القفص الحديدي وفجأة وقد امتلأت قاعة المحكمة بأهل المتهمين وبالمحامين، يدخل القضاة ليجلسوا على منصة القضاء ويصرخ الحاجب: محكمة، فَتَصْمُت الأنفاس، وتتقطع وتكاد القلوب أن تقفز من الصدور، ويبدأ المحامون في المرافعات، والمجادلات والمعاذير وتسمع هيئة القضاء، ويردون، ويترافعون، ويتناقشون ثم يسدل الستار على هيئة القضاء ليتناقش القضاة في إبرام الحكم وفي النطق به، وفي المرة الثانية يدخل القضاة ليصدروا الحكم في هذه القضية.
أسألك باللـه أنظر إلى وجوه الناس في قاعة المحكمة.
العيون تبكى.. والقلوب تكاد تقفز من الصدور.. والأنفاس متقطعة الكلام همس.. والسؤال تخافت.. الكل ينظر بأي شيء سيحكم؟!! وما الذي سينطق به القاضي؟! وهو العبد الحقير الفقير إلى اللـه الملك القدير.
تصور هذا المشهد الذي يكاد يخلع القلب بل تكاد القلوب أن تقفز إلى الحناجر لتقف على حجم الهول والخلق جميعاً في أرض المحشر ومن بينهم الأنبيــاء يقفــون وينظرون إلى السماء وهم ينظرون مجيء الملك العدل جل جلاله.
يقول الحق جل وعلا: (يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لا عِوَجَ لَهُ وَخَشَعَتِ الأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلا تَسْمَعُ إِلا هَمْسًا * يَوْمَئِذٍ لا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلا * يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا * وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا) [طه:108-111].
تنشق السماء وينزل أهل السماء الأولى من الملائكة بضعف من في الأرض من الإنس والجن. قال اللـه تعالى: (وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالْغَمَامِ وَنُزِّلَ الْمَلائِكَةُ تَنْزِيلا) [الفرقان:25].
يقول ابن عباس: ينزل أهل السماء الأولى من الملائكة بضعف من في الأرض من الجن والإنس فتحيط الملائكة بالخلائق في أرض المحشر، فإذا ما نظـرت الخـلائق إلـى الملائكـة قالـوا أفيكـم ربنـا؟! فتقـول الملائكة: لا وهو آت.
قال اللـه تعالى: (هَلْ يَنْظُرُونَ إِلا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلائِكَةُ وَقُضِيَ الأَمْرُ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الأُمُورُ) [البقرة:210].
ويقول الحق سبحانه: (وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا * وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ * يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الإِنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى * يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي * فَيَوْمَئِذٍ لا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ * وَلا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ) [الفجر:22-26].
اللـهم سلم سلم.. اللـهم سلم سلم يا أرحم الراحمين.
يأتي الحق جل وعلا إتياناً يليق بكماله وجلاله.
لا تعطل صفة المجيء ولا تكيف صفة المجيء، ولا تشبه صفة المجيء، ولا تشبه اللـه بأحد من خلقه، فكل ما دار ببالك، فاللـه بخلاف ذلك.
جل ربنا عن الشبيه والنظير وعن المثيل، لا ند له، ولا كفء له، ولا شبيه له، ولا صاحبة له، ولا ولد له: (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ) [سورة الإخلاص 1- 3].
قال جل جلاله: (الرَّحمَنُ عَلَى العَرشِ اسْتَوىَ) [طه: 5].
استوى كما أخبر وعلى الوجه الذي أراد وبالمعنى الذي قال، استواءً منزهاً عن الحلول والانتقال.
فلا العرش يحمله ولا الكرسي يسـنده، بل العرش وحملته والكرسي وعظمته، الكل محمول بلطف قدرته، مقهور بجلال قبضته، سبحانه وتعالى.
فالاستواء معلوم والكيف مجهول والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة.
قال جل جلاله: (لَيسَ كَمثْلِهِ شَيء وَهُو السَّمِيعٌ البَصِيرٌ) [الشورى:11].
وقال جل جلاله: (وِلا يُحيطُونَ بِهِ عِلمًا) [طه:110].
قال جل جلاله: (فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الأَمْثَالَ) [النحل:74].
(هَلْ يَنْظُرُونَ إِلا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلائِكَةُ وَقُضِيَ الأَمْرُ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الأُمُورُ).
ثم يتنزل أهل السماء الثانية من الملائكة بضعف من في الأرض من ملائكة السماء الأولى والجن والإنس فيحيط أهل السماء الثانية بأهل الأرض من الملائكة والإنس والجن.
وهكذا أهل السماء الثالثة والرابعة والخامسة والسادسة والسابعة على قدر ذلك من التضعيف.
ثم يتنزل حملة عرش الملك -جل وعلا- وهم يحملون العرش يسبحون اللـه سبحانه ويقولون: سبحان ذي الملك والملكوت.. سبحان ذي العزة والجبروت.. سبحان من كتب الموت على الخلائق ولا يموت. سبوح قدوس.. قدوس.. قدوس.. رب الملائكة والروح.
اسمع لربك -جل وعلا- وهو يقول: (فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ وَحُمِلَتِ الأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ وَانْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ وَالْمَلَكُ عَلَى أَرْجَائِهَا وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ) [الحاقة:13-18].
ويضع الحق جل جلاله كرسيه حيث شاء من أرضه ويقول: يا معشر الجن والإنس إني قد أنصت إليكم منذ خلقتكم، أسمع قولكم، وأرى أعمالكم، فأنصتوا اليوم إليَّ، فإنما هي أعمالكم وصحفكم تُقرأ عليكم فمن وجد خيراً فليحمد اللـه، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه.
ثم يقول الحق جل جلاله: (أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي ءَادَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلا كَثِيرًا أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ اصْلَوْهَا الْيَوْمَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) [يس:60-65].
أتدرون من هم أول من يكلمهم اللـه في هذا الموقف العصيب؟!!
هذا هو عنصرنا الثاني من عناصر اللقاء.
ثانياً: أول من يكلمهم اللـه -جل وعلا-: أول من يكلمه اللـه -جل وعلا- يوم القيامة في هذا الموقف العصيب هو آدم عليه السلام ينادي عليه الحق سبحانه كما ثبت في الصحيحين من حديث أبي سعيد الخدري رضي اللـه عنه أن المصطفى قال: “يقول اللـه تعالى: يا آدم فيقول: لبيك! وسعديك! والخير كله في يديك! فيقول اللـه -جل وعلا-! أخرج بعث النار فيقول آدم: وما بعث النار؟ فيقول اللـه -جل وعلا-: من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين قال: فذاك حين يشيب الصغير وتضع كل ذات حمل حملها، وترى الناس سكارى وما هم بِسُكارى ولكن عذاب اللـه شديد” فاشتد ذلك على أصحاب الحبيب محمد فقالوا: يا رسول اللـه! أينا ذلك الرجل؟ فقال المصطفى: “أبشروا فإن من يأجوج ومأجوج تسعمائة وتسعة وتسعين ومنكم رجلٌ"، ثم قال: “والذي نفسي بيده إني لأطمع أن تكونوا ربع أهل الجنة” فحمدنا اللـه وكبرنا ثم قال: “والذي نفسي بيده إني لأطمع أن تكونوا ثلث أهل الجنة” فحمـدنـا اللـه وكبرنـا ثـم قـال: “والذي نفسـي بيـده إنـي لأطمـع أن تكونـوا شطر أهل الجنة، إن مثلكم في الأمم كمثل الشعرة البيضاء في جلد الثور الأسود أو كالرقمة في ذراع الحمار”.
قال اللـه سبحانه وتعالى مخاطباً أمة المصطفى: (كُنتُم خَيرَ أُمَّةٍ أُخرِجَت لِلنَّاسِ).
اللـهم لك الحمد يا من خلقتنا موحدين وجعلتنا من أمة سيد النبيين.
ثم بعد ذلك ينادى رب العزة تبارك وتعالى: يا نوح.. يقول لبيك وسعديك، فيقول اللـه سبحانه هل بلغت قومك؟! فيقول نوح: نعم يا رب -واللـه أعلم- فيقول الحق جل جلاله: يا قوم نوح هل بلغكم نوح؟! فيقولون لا ما أتانا من نذير وما آتانا من أحد، فيقول من يشهد لك يا نوح؟!! فيقول نوح: محمد وأمته!
“فتدعون فتشهدون أنه قد بلغ أمته ثم أدعى فأشهد عليكم”، وفي لفظ ابن ماجه بسند صححه شيخنا الألباني يقول المصطفى: “فيقول اللـه لأمتي ما الذي أخبركم أن نوح قد بلغ قومه”؟! فتقول الأمة الميمونة لربها -جل وعلا-: جاءنا نبينا محمد فأخبرنا أن الرسل جميعاً قد بلَّغوا قومهم فصدقناه. يقول المصطفى: “فذلك قــول اللـه تعالى: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا) [البقرة:143].
ثم يدعى عيسى عليه السلام ويقال له يا عيسى: (ءَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ) [المائدة:116].
لماذا خص اللـه عيسى من بين سائر الرسل بهذا السؤال؟!
لأنه ما من رسول بعث في قومه إلا وقد آمن به من آمن من قومه، وكفر من كفر، إلا قوم عيسى فمنهم من قال: إن عيسى هو اللـه!! ومنهم من قال أن عيسى هو ابن اللـه!! ومنهم من جعل عيسى وأمه إلهين من دون اللـه!! فهل هناك إله يأكل؟! إله يشرب؟! إله يتزوج؟! إله يقضي حاجته؟!!
ولله در ابن القيم يقول:
نريد جوابه ممـــن وَعَــاه *** أعباد المسـيح لنــا سـؤال
أماتوه فهـل هــــذا إله؟! *** إذا مـات الإله بصنـع قـوم
وأعجـب منـه بطـن قد حَوَاهُ *** ويا عجـباً لقبر ضــم ربـاً
لدى الظلمات مـن حيض غَزَاهُ *** أقام هنـاك تسعاً مـن شـهور
ضعيفـــاً فاتحاً للثـدي فـاهُ *** وشَـقَّ الفَرْجَ مـولوداً صغيراً
بــلازم ذاك فهل هـذا إله ؟! *** ويـأكل ثـم يشرب ثـم يأتي
سيســـأل كلهـم عـما افتراه *** تعالى الله عـن إفك النصارى
قال تعالى: (وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ ءَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلامُ الْغُيُوبِ مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) [المائدة:116-117].
ثم يقول عيسى عليه السلام لربه الرحمن: (إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) [المائدة:118].
فيرد اللـه -جل وعلا- على عبده المصطفى ونبيه عيسى عليه السلام يقول: (قَالَ اللَّهُ هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) [المائدة:119].
ثم يدعى جميع الرسل قال تعالى: (يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَا أُجِبْتُمْ قَالُوا لا عِلْمَ لَنَا إِنَّكَ أَنْتَ عَلامُ الْغُيُوبِ) [ المائدة: 109 ].
واسمع لله -جل وعلا- وهو يقول: (فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ) [الأعراف:6].
يجمع اللـه سبحانه وتعالى الرسل بجلال العبودية بل وجلال العبودية في جواب الرسل على اللـه جل جلاله وهم يقولون: (لا عِلْمَ لَنَا إِنَّكَ أَنْتَ عَلامُ الْغُيُوبِ).
أيها الأخيار: يسأل الرسل والملائكة بل والأنبياء بل والشهداء؟ فهل نُترك بعد هؤلاء؟!!
قال اللـه تعالى: (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ إِلا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ وَأَشْرَقَتِ الأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ) [الزمر:68-70].
ويبدأ العرض على اللـه -جل وعلا- وكيف يبدأ الحساب؟
هذا ما سوف نتعرف عليه بإيجاز بعد جلسة الاستراحة.
أقول قولي هذا وأستغفر اللـه لي ولكم...
الحمد لله رب العالمين وأشهد أن لا إله إلا اللـه وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللـهم صلى وسلم وزد وبارك عليه وعلى أصحابه وأحبابه وأتباعه وعلى كل من اهتدى بهديه واستن بسنته واقتفى أثره إلى يوم الدين، أما بعد.
ثالثاً: العرض على اللـه -جل وعلا- وأخذ الكتب:
أيها الأحبة الكرام: بعد ذلك يبدأ الحساب وسنقف مع الحساب وقفات، فالحساب يبدأ بالعرض على اللـه جل جلاله بالوقوف بين يدي الحق الملك العدل سبحانه فأنت في أرض المحشر ستستمع إلى نداء الملائكة: أين فلان بن فلان؟
هــذا هو اسمي.. ماذا تريدون يا ملائكة اللـه؟!
أقبل للعرض على اللـه -جل وعلا-!! وقد وكلت الملائكة بأخذك، وسوقك في أرض المحشر على رؤوس الأشهاد، والخلائق كلها تنظر إليك، فيقرع النداء قلبك ويصفر وجهك وترتعد فرائصك وتضطرب جوارحك وترى نفسك بين يدي الحق جل جلاله ليكلمك ليس بينك وبينه ترجمان كما في الصحيحين من حديث عدي بن حاتم أنه قال: “ما منكم من أحد إلا سيكلمه ربه، ليس بينه وبينه تُرجمان، فينظر أيمن منه (أي عن يمينه) فلا يرى إلا ما قدم (أي في هذه الحياة الدنيا) وينظر أشأم منه (أي عن شماله) فلا يرى إلا مــا قــدم، وينظر بين يديه فلا يرى إلا النار تلقاء وجهه فاتقوا النار ولو بشـــق تمـــرة”، أي ولو بنصف تمرة تتصدقون بها إلى اللـه -جل وعلا-.
يقرع النداء القلب ويأمر اللـه تبارك وتعالى بالصحف وبالكتب فيأخذ كل إنسان صحيفته.
تلك الصحيفة التي لا تغادر بلية كتمتها ولا مخبأة أسررتها. فكم من معصية قد كنت نسيتها.. ذكرك اللـه إياها. وكم من مصيبة قد كنت أخفيتها.. أظهرها اللـه لك وأبداها.. فيا حسرة القلب ساعتها على ما فرطنا في دنيانا من طاعة موالنا.
اسمع لربك -جل وعلا-، وهو يقول: (وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ وَتَرَى الأَرْضَ بَارِزَةً وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا وَعُرِضُوا عَلَى رَبِّكَ صَفًّا لَقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِدًا وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْــفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُـــولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَـــالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيـــرَةً وَلا كَبِـيرَةً إِلا أَحْصَاهَا وَوَجَـــدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا) [الكهف:47-49].
أيها المسلم:
مُستوحشاً قلـق الأحشــاء حيرانا *** تذكر وقوفـك يوم العرض عُرْيانا
على العصاة و رب العرش غضبانا *** والنار تلهب مـن غيظ ومن حنقٍ
فهل تـرى فيه حرفاً غيـر ما كانا *** اقـرأ كتابـك يا عبــدُ على مهلٍ
إقرار مــن عرف الأشياء عرفانا *** فلما قرأت ولــــم تنكر قراءته
وأمضـوا بعبد عصى للنار عطشانا *** نادى الجليــل خـذوه يا ملائكتي
والمـؤمنون بـدار الخلــد سكانا *** المشركـون غـداً في النار يلتهبوا
أقف عند هذا القدر مع العرض على اللـه -جل وعلا- لنواصل الحديث إن قدر اللـه لنا البقاء واللقاء لنتعرف على: كيفية العرض؟، كيفية الحساب؟! كيف يحاسب اللـه المؤمن يوم القيامة؟! وكيف يقرأ المؤمن كتابه؟! وهل تظهر الحسنات أولاً أم تظهر السيئات؟! وما الذي يقوله اللـه للمؤمن؟!
وكيف يحاسب اللـه الكافر يوم القيامة؟! وكيف يقرأ الكافر صحيفته وكتابه؟!
أسأل اللـه العظيم رب العرش الكريم أن يحسن خاتمتنا. إنه ولي ذلك والقادر عليه.
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي