الأدلة الرصينة على حماية الله لمكة والمدينة

محمد بن عبد الله الإمام
عناصر الخطبة
  1. كثرة الآيات والأحاديث المبينة لفضل مكة والمدينة .
  2. وقفات مع بعض تلك الآثار الشريفة .
  3. أدلة رصينة على حماية الله لمكة والمدينة .
  4. توعّد اللهِ من يريد مساءة هذين المكانين .
  5. حب مكة والمدينة من الدين .
  6. تخفيف الأمطار الأخيرة لمعاناة أهل اليمن .

اقتباس

ألا ولنعلم جميعا أن الله -عز وجل- كتب البقاء لهذين المكانين إلى قرب قيام الساعة بحفظه -سبحانه- ودفاعه وعنايته ورعايته -سبحانه وتعالى-، إذ إن هذين المكانين -كما سمعتم- قد اختارهما الله -عز وجل- اختيارا إلهيا، فهما باقيان بإبقاء الله لهما، كما دلت على ذلك النصوص الواردة في هذا المجال.

الخطبة الأولى:

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له؛ وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلَّى الله عليه وعلى آله وسلم.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102]. (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء:1]: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب:70-71].

أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

اعلموا -معاشر المسلمين- أننا ما زلنا بحاجة إلى التزود من معرفة فضائل وخصائص ومناقب الحرمين الشريفين، وكذلك معرفة ما لله -عز وجل- من عناية بهما، وكذلك ما لله من حفظ لهما ودفاع عنهما، فهذه المعرفة إذا زادت فهي من أعظم أسباب قيام دين المسلمين، ومن أعظم أسباب بقاء عبوديتهم لرب العالمين -سبحانه وتعالى-.

ألا وإن الله -عز وجل- قد ذكر في كتابه الكريم مكة في آيات كثيرة، وأما السنة النبوية فقد ذكر بعض المؤلفين أن الأحاديث الصحيحة والحسنة الواردة في مكة وفضلها إلى آخرها، والآثار، أنها بلغت مائتين وثمانية عشر حديثا وأثرا.

وكذلك -أيضا- خصائص الحرم المدني، إنها كثيرة جدا، حتى ذكر الصالحي -رحمه الله- أنها بلغت إلى أكثر من مائة خصيصة، وذكر أن الأحاديث الصحيحة والحسنة الواردة في فضل المدينة النبوية وخصائصها، إلى آخره، أنها مائة وثلاثة وثلاثون حديثا.

فلهذا؛ في مقامي هذا، إني ذاكر شيئا نذرا من ذلك، لما سمعتم من كثرة الأدلة الكثيرة المستفيضة المتواترة في بيان عظمة الحرمين الشريفين: الحرم المكي، والحرم المدني.

ربنا -جل شأنه- قال في كتابه الكريم: (وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِّتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا) [الشورى:7]، ذكر الفراء -رحمه الله- والمفسر الكبير ابن جرير -رحمه الله- وابن عادل وغيرهم الإجماع على أن المراد بأم القرى هنا مكة، كذلك -أيضا- أجمع الجغرافيون المتقدمون والمتأخرون أن مكة تقع في قلب الأرض، وأنها وسط الأرض، وأن الأرض ممتدة من الكعبة، هكذا قالوا واتفقوا.

كذلك -أيضا- ربنا -جل شأنه- قال في كتابه الكريم: (وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَن لَّا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ) [الحج:26]، فأعلم الله لإبراهيم مكان البيت، وأمره -سبحانه- أن يقوم ببناء البيت، فقام إبراهيم الخليل ببناء الكعبة المشرفة، ومن ذلك الوقت إلى ساعتنا هذه وإلى قرب قيام الساعة وهذا البيت باق بإبقاء الله له، وحفظ الله له، ودفاع الله عنه -سبحانه وتعالى-.

ومن العجيب، أن المقام، وهو الحجر الذي كان يصعد عليه إبراهيم حينما ارتفع البناء، أنه لا يزال موجودا محفوظا، كم قد ذهبت من حصون مشيدة كانت في التاريخ لها شأن، وهذا البيت لم يكن على شكل بناء الحصون المشيدة، ومع هذا فهو باقٍ بإبقاء الله -عز وجل-.

فربنا -جل شأنه- في هذه الآية أضاف البيت إليه وقال: (وَطَهِّرْ بَيْتِيَ)، فهذه الإضافة إضافة تشريف وتكريم لهذا البيت، حتى قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: "جعل الله -عز وجل- للكعبة المشرفة العظمة والعزة والتشريف حتى أذل رقاب أهل الأرض لها... فيقصدها الملوك والجبابرة من أنحاء الأرض، فإذا وصلوا إليها كانوا أذلة خاضعين منقادين من جملة الناس، هذا من عظمة الله التي جعلها الله -عز وجل- لبيته المبارك المشرف.

قال ربنا في كتابه الكريم: (وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَأَمْناً) [البقرة:125]، فربنا -جل شأنه- جعل الناس يرجعون إلى البيت ويترددون عليه ويشتاقون إليه ويتوافدون إليه، حبهم له تمتلئ به قلوبهم، وهذا من عطاء الله ومن فضل الله وكرم الله على عباده، ومن تفضيله لهذا البيت العظيم. وقد قال إبراهيم: (رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ الصَّلاَةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ) [إبراهيم:37]، أي: تحب المجيء إلى هذا البيت وإلى هذا المكان، ألا وهو مكة.

وهكذا قال الله في كتابه الكريم: (جَعَلَ اللّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِّلنَّاسِ)، ومعنى قياما للناس، أي: قياما لدينهم. وكيف لا يكون البيت الحرام ومكة قياما لدين الناس وفي مكة القبلة، وهي الكعبة، وهي القبلة لأهل الأرض كلهم؟ فليس لأهل الأرض قبلة إلا الكعبة المشرفة.

وهكذا -أيضا- ليس لأهل الأرض مكان يؤدون فيه مناسك الحج إلا مكة المشرفة، فمن لم يأت الحج في هذه الأماكن فلا حج له، ومن لم يستقبل الكعبة في صلاته فلا صلاة له ولا دين له، فهذه من المناقب العظيمة ومن الفضائل الكبيرة الجسيمة بحمد الله رب العالمين.

وكذلك -أيضا- ربنا -جل شأنه- أخبرنا عن إبراهيم أنه قال: (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُم بِاللّهِ) [البقرة:126]، فاستجاب الله دعاء إبراهيم وجعل مكة حرما آمنا، وجعله مأوى للمسلمين يؤوون إليه ويأتون إليه ويقيمون دين الله -عز وجل-.

ولهذا كان هذا المكان -ألا وهو مكة- من خصائص المسلمين ليس لغيرهم، قال الله في كتابه الكريم: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلاَ يَقْرَبُواْ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا). ربنا -جل شأنه- حرم على المشركين أن يدخلوا مكة، وهذا لعظيم منزلتها، وعلو مكانتها عند الله في شريعة الله في الكتاب الكريم وفي السنة النبوية ذكره.

وقد ذكر عدد كبير من المفسرين ومن الفقهاء إجماع المسلمين على أن المشركين لا يدخلون البيت الحرام، وذكروا لا يدخلون مكة المكرمة، وذكر هؤلاء -أيضا- أن الجمهور على أن اليهود والنصارى لا يدخلون مكة، فهذا من التفضيل العظيم لهذا البيت ولهذه البقعة المباركة.

وقد قال القاضي عياض -رحمه الله-: "وقد أجمع المسلمون أن مكة والمدينة أفضل بقاع الأرض، وذكر هذا الإجماع الإمام النووي -رحمه الله-، وذكره غيره، كالعامري وغيرهم -رحمهم الله تعالى-"، وهو إجماع صحيح على أن أفضل بقاع الأرض مكة والمدينة، فهذا من فضل الله العظيم، وتفضيله الكريم لهذين المكانين، واختياره -سبحانه- لهذين المكانين...

فيا معشر المسلمين: إن هذا لفضل من الله عظيم أن جعل المسلمين يختصون ويخصون بهذين المكانين، الحرمين الشريفين، والأدلة في القرآن الكريم كثيرة فيما تعلق بمكة وما في مكة، قال الله في كتابه الكريم: (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ * فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا) [آل عمران:96-97].

هكذا بين لنا ربنا أن أول بيت وضع للعبادة وبني للعبادة هو الكعبة المشرفة، وأن أول مسجد بني هو المسجد الحرام، فهذا من عظيم ما خص الله تلك البقعة بما سمعتم وجعل فيها الآيات.

وذكر الله أجزاء مكة بما ذكرها به في كتابه الكريم، ومن ذلك أن الله قال: (فَإِذَا أَفَضْتُم مِّنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُواْ اللّهَ عِندَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِن كُنتُم مِّن قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّآلِّينَ) [البقرة:198].

جعل الله لهذه الأماكن من التشريف حيث جعل المناسك تؤدى فيها، يقام فيها ذكره وشكره وعبادته وتوحيده -سبحانه وتعالى-، فهذا مما خص الله هذا المكان بما خصه، وقال -تعالى- (وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ) [الحج:29]، فليس هناك بيت يطاف حوله على وجه الأرض إلا الكعبة المشرفة، فالطواف في غير الكعبة المشرفة وفي غير الصفا والمروة يعتبر من البدع ومن المحدثات في الدين، ومن الأمور التي قد تكون أبعد من هذا، فهذا مما خص الله به هذه الكعبة، إلى غير ذلك من أنواع الخصائص الكثيرة العظيمة بحمد الله رب العالمين.

وجعلت العبادة في هذين المكانين في الحرمين الشريفين مفضلة تفضيلا لا يلحق، فجعلت الصلاة بمكة بمائة ألف صلاة... إلا المسجد النبوي، فإن الصلاة فيه بألف صلاة، فهذا من فضل الله على عباده.

إلى غير ذلك مما هنالك من الخصائص والمناقب والمزايا والمكارم التي جاءت بها الشريعة، وصارت مسطرة معلومة محفوظة باقية إلى قيام الساعة والحمد لله.

فالمسلمون كلما كانوا أعرف بهذه المناقب والفضائل والخصائص والمزايا كانوا أكثر إقبالا على عبادة الله، وعلى تعظيم هذين المكانين الحرمين الشريفين، وهذا -كما سمعتم- له منافع عظيمة، يحتاج المسلمون إلى التزود من ذلك.

ألا ولنعلم جميعا أن الله -عز وجل- كتب البقاء لهذين المكانين إلى قرب قيام الساعة بحفظه -سبحانه- ودفاعه وعنايته ورعايته -سبحانه وتعالى-، إذ إن هذين المكانين -كما سمعتم- قد اختارهما الله -عز وجل- اختيارا إلهيا، فهما باقيان بإبقاء الله لهما، كما دلت على ذلك النصوص الواردة في هذا المجال.

ومن ذلك أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قام في مكة يخاطبها: "إِنَّكِ لأَحَبُّ بِلادِ اللَّهِ إِلَيَّ، وَأَحَبُّ أَرْضِ اللَّهِ إِلَيَّ، وَلَوْلا أَنِّي أُخْرِجْتُ مِنْكِ مَا خَرَجْتُ"، هذا التعظيم وهذا الحب مطلوب أن يكون في قلوب المسلمين جميعا، وقد جاء من حديث عياش بن أبي ربيعة عند أحمد وابن ماجه وابن أبي شيبة وغيرهم أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- قال: "لا تزال هذه الأمة بخير ما عظموا مكة، فإن ضيعوها أهلكهم الله"، الحديث حسنه الحافظ بن حجر في الفتح -رحمه الله تعالى-.

ولهذا توعد الله في كتابه من تسول له نفسه أن يفعل سوءاً في هذين المكانين، قال الله في شأن الحرم المكي، في شأن مكة وما حولها: (وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ) [الحج:25]، هكذا يتوعد الله من يريد شرا بمكة وبمن في مكة، هذا وعيده، وإن وعيده لشديد، وإن بطشه لكبير!.

فالمسلمون بحاجة إلى أن يدركوا هذا، ولله در ابن مسعود -رضي الله عنه- فقد أخرج الحافظ ابن أبي شيبة في مصنفه، والأثر صحيح، أنه قال -رضي الله عنه-: "لو أن رجلاً أراد بإلحاد فيه بظلم وهو بِعَدَن أَبْيَن لأذاقه الله من العذاب الأليم".

والحمد لله، المسلمون عرفوا على مر التاريخ بتعظيم مكة، وعلى وجه الخصوص تعظيم الكعبة والمسجد الحرام.

وهكذا -أيضا- تعظيم الحرم المكي، عملا بالقرآن وعملا بالسنة، تعظيم دين وتقرب إلى الله وتعبد بما جاء في كتاب الله وبما جاء بسنة رسول الله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.

ولا شك ولا ريب أن هذا التعظيم والحب من الدين، ومن القرب إلى الله رب العالمين -سبحانه وتعالى-، فلتكن قلوب المسلمين في مشارق الأرض وفي مغاربها عامرة بهذا التعظيم، قال الله في كتابه الكريم: (وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبِّهِ) [الحج:30].

ومن عجيب تعظيم النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه لما كان في الحديبية، وهو مكان قريب من مكة، قال: "والله لا يطلبون مني شيئا تعظم فيه حرمات الله إلا أجبتهم إلى ذلك". لما منع -عليه الصلاة والسلام- من دخول مكة من قبل كفار قريش آنذاك.

فالتعظيم لهذين المكانين من أمور الدين، والمطلوب أن يكون المسلمون على هذا، وألا يذهبوا بعيدا عن هذا، وألا يحرموا من هذا، فكل مسلم يجاهد نفسه على أن يكون قلبه عامرا بهذا التعظيم وهذا الإجلال.

ومن الحمايات الإلهية العجيبة العظيمة ما رواه البخاري ومسلم من حديث عائشة أم المؤمنين أن الرسول -عليه الصلاة والسلام- قال: "يغزو جيش الكعبة، حتى إذا كانوا ببيداء من الأرض خسف بأولهم وآخرهم"، هكذا يبين لنا رسولنا عظيم عناية الله، عظيم حماية الله وحراسة الله ودفاع الله عن بيته وعن الأماكن المقدسة التي جعلها لأداء العبادات له والقربات إليه -سبحانه وتعالى-.

وأدلة كثيرة في هذا المقام، كذلك المدينة النبوية، روى الإمام البخاري ومسلم من حديث أنس أن الرسول -عليه الصلاة والسلام- قال: "ما من بلد إلا سيطؤه الدجال، إلا مكة والمدينة".

هذا من حفظ الله، الدجال يجوب الأرض في وقت قصير، ومعه جيش كبير، ووراءه من الخلائق ما وراءه، قال -عليه الصلاة والسلام-: "إذا جاءوا إلى المدينة فعلى كل نقب من أنقابها ملائكة يحرسونها"، وفي لفظ: "ما من بلد إلا سيطؤه الدجال إلا مكة والمدينة"، يجعل الله حراسة من عنده -سبحانه- لرد الدجال، بينما الدجال قادم يريد المدينة إذا بالملائكة الحراس ترده وتصرفه، فيرجع منكسرا؛ بنصر الله، وحماية الله، ودفاع الله.

وقد جاء في البخاري ومسلم من حديث علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- قال عن المدينة: "من أحدث فيها حدثا أو أوى محدثا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل الله منهم صرفا ولا عدلا يوم القيامة"، ومن حديث سعد بن أبي وقاص أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- قال: "لا يكيد أحد أهل المدينة بسوء إلا ذاب كما يذوب الملح في الماء"، ومن حديث جابر وغيره أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- قال: "من أخاف أهلَ المدينةِ فقد أخاف ما بينَ جنبَيَّ"، عليه الصلاة والسلام.

معاشر المسلمين والمؤمنين: احمدوا الله على ما في كتاب الله وعلى ما في سنة رسول الله من الإرشاد والعلم الذي تستنير به العقول، وتستضيء به، والذي تنشرح له الصدور، والذي تتغذى به القلوب؛ احمدوا الله على هذه النعم العظيمة، فالمسلمون -ولله الحمد والمنة- يعرفون ما لهذين المكانين من مكانة عظيمة، ومن منزلة كبيرة، وأن من يسعى إلى شيء مما فيه المساس بهذين المكانين، أن هذا يسعى إلى ما فيه المهانة والمتالف، فليكن المسلمون جميعا حريصين على المحافظة على هذين المكانين.

أستغفر الله؛ إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وأصحابه.

أما بعد: تعلمون ماذا يجري في اليمن من المعاناة بسبب الفتن والمحن، وماذا يجري من أمور الفقر الذي صار له أثر بالغ في بعض الناس وفي بعض الأسر.

وإننا نعلم أن الله -عز وجل- قد أكرم كثيرا من أهل اليمن في هذه الأيام الماضية بأن أغدق عليهم الأمطار، فأنزل الله عليهم الأمطار العظيمة الغزيرة النافعة، فحصلت -ولله الحمد والمنة- حصلت الثمرة المباركة في الحبوب والثمار، والحمد لله، فهذا من فضل الله -سبحانه-، إنه لطيف بالعباد، إذا حصلت شدة على أناس فقد حصل لغيرهم من الرخاء ما يحصل ليحصل التعاون والتآزر والإيثار والإنقاذ والتفقد لحال المتضررين.

اللهم اغفر لنا وارحمنا...


تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي