التفِت من حولك اليوم, تصفّح الأخبار, وشاهد الفتن التي تعصف بالعالم عصفًا, قتلى بالمئات يوميًا.. يموتون بدم بارد, قال -صلى الله عليه وسلم-: "يأتي يوم يكثر فيه الهرج -يعني: القتل- فلا يعرف القاتل لم قُتل، ولا يعرف المقتول لم قتل، حتى إن الرجل ليمر على القبر فيتمرغ فيه، فيقول: يا ليتني كنت مكانك"؛ تلفت من حولك وتأمل في فتن الدين, فالملهيات والمعاصي تتعرض للإنسان دون أن يبحث عنها...
الحمد لله خالق البريات، وباعث الأموات، وسامع الأصوات، ومجيب الدعوات، وكاشف الكربات، عالم الأسرار، وغافر الأوزار، ومنجي الأبرار، ومهلك الفجار، ورافع الدرجات، الذي علم وألهم، وأنعم وأكرم، وحكم وأحكم، وأوجب وألزم (وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ) [الشورى: 25].
وأشهد أن لا اله إلا الله, وحده لا شريك له, له الملك, وله الحمد وهو على كل شيء قدير.
وأشهد أن سيدنا وحبيبنا وشفيعنا محمدًا عبدُ الله ورسوله وصفيه من خلقه وخليله.
يا خير من دُفنت بالقاع أعظمه*** فطاب من طيبهنَّ القاع والأَكَمُ
أنت النبي الذي ترجى شفاعته*** عند الصراط إذا ما زلت القدم
أنت البشير النذير المستضاء به ***وشافع الخلق إذ يغشاهم الندم
صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن سار على نهجه وتمسك بسنته واقتدى بهديه واتبعهم بإحسان إلى يوم الدين، ونحن معهم يا أرحم الراحمين.
أما بعدُ: فاتقوا الله عباد الله ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون.
يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم .. يقول الله جل وعلا: (اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ) [الأنبياء:1].
العالم اليوم يشهد تغيرات كثيرة، ولو نظرنا اليوم إلى ما حولنا فسنرى بعض الأمور التي نستنكرها، والتي لم نكن نراها من قبل، بل القارئ منا والمتصفح لأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم يعلم أن الناس اليوم يرتقبون نهاية التاريخ وتوقف الزمان، ونهاية هذا العالم، بل لم يجتمع المسلمون والنصارى واليهود على شيءٍ مثلما اجتمعوا اليوم على أن الساعة قد اقتربت، وأن العالم سينتهي، وأن التاريخ يوشك على أن يتوقف، والله تعالى قد أخبرنا بذلك (اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُون) [الأنبياء: 1].
لقد اقتربت الساعة منذ أن بعث النبي -صلى الله عليه وسلم-، واقتربت الدنيا من نهايتها.
وقد بعث الله -عز وجل- إلى هذه الأرض أنبياء ومرسلين، من آدم -عليه السلام- أول نبي، ونوح -عليه السلام- أول رسول وجعل آخر الأنبياء والمرسلين الذي تختم به الأمم نبينا محمد -عليه الصلاة والسلام-.
وسوف أذكر لكم بعض العلامات التي تدل على أن الساعة قد أوشكت على القيام، وأن التاريخ قد أوشك على الانتهاء، وأن الزمن قد أوشك أن يقف, وهذه العلامات تسمى بعلامات الساعة الصغرى, وقد جعلها الله تعالى تحذيرًا وإنذارًا لنا لنعلم قرب قيام القيامة فنستعد لها.
فمن هذه العلامات الصغرى بعثة النبي -صلى الله عليه وسلم-, يقول -صلى الله عليه وسلم-: "بعثت أنا والساعة كهاتين" وفرّق بين السبابة والوسطى.
وقال -صلى الله عليه وسلم-: "بُعثت في نَسَم الساعة"، وأول الريح قبل أن تأتي يسمى نسيماً، فكأن بداية الساعة بعثة النبي -عليه الصلاة والسلام-.
ومن علامات الساعة: كثرةُ الفتن, قام النبي -عليه الصلاة والسلام- يوماً من الأيام من نومه فزعاً فقال: "سبحان الله! ماذا أنزل الله من الفتن، ثم قال -عليه الصلاة والسلام-: من يوقظ صواحب الحجرات كي يصلين؟ رب كاسية في الدنيا عارية يوم القيامة".
التفِت من حولك اليوم, تصفّح الأخبار, وشاهد الفتن التي تعصف بالعالم عصفًا, قتلى بالمئات يوميًا.. يموتون بدم بارد, قال -صلى الله عليه وسلم-: "يأتي يوم يكثر فيه الهرج -يعني: القتل- فلا يعرف القاتل لم قُتل، ولا يعرف المقتول لم قتل، حتى إن الرجل ليمر على القبر فيتمرغ فيه، فيقول: يا ليتني كنت مكانك".
تلفت من حولك وتأمل في فتن الدين, فالملهيات والمعاصي تتعرض للإنسان دون أن يبحث عنها.
(اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ * مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ) [الأنبياء:1-2].
وقد أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه: "سوف تأتي فتن يرقق بعضها بعضًا" كلما جاءت فتنة أنستنا ما قبلها.
ومن علامات الساعة الصغرى: ما أخبر عنه النبي -عليه الصلاة والسلام- أنها ستخرج نار عظيمة من الحجاز، فقال: "لن تقوم الساعة حتى تخرج نار من أرض الحجاز تضيء لها أعناق الإبل بـبصرى"، يعني أن أهل الشام يرون هذه النار وهي تخرج من الحجاز! وهذه أخبر بها النبي -عليه الصلاة والسلام- في حياته.
وقد حدثت هذه العلامة العظيمة في القرن السابع الهجري قبل أكثر من (700) عام خرجت هذه النار، ووقعت وكان بعض أهل العلم قد عاصر هذه الأيام، خرجت نار عند المدينة، وسبقت هذه النار زلازل، ارتجف فيها الأرض وخاف الناس, وخرجت أصوات لا يعرف الناس ما سببها، ينظرون إلى الأرض ترجف تحتهم أياماً.
ثم فجأة تخرج بالقرب من المدينة نار عظيمة, خرجت من الأرض، ثم ترتفع ثم تسير في الأرض كالأنهار، نار وحمم وجحيم، تخرج النار من الأرض والناس يتذكرون هذا الحديث، وعلموا أن الساعة قد اقتربت، فذهب أهل العلم إلى الأمراء والحاكم ينصحونه في الله، ويذكرونه ويأمرونه بالمعروف، وينهونه عن المنكر، وإذا بالناس يبكون في مسجد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
وقد تجمع الأولاد والنساء والشيوخ والرجال في مسجد النبي -عليه الصلاة والسلام- حتى الأمراء والحكام، حتى الأغنياء كل الناس قد تجمعوا في مسجد النبي -صلى الله عليه وسلم- بين تائب وعابد ومصلٍ وخاشع وذاكر وساجد، وأرجعت المظالم وتحلل الناس من المظالم، وتابوا إلى الله جل وعلا.
ثم جاءت الأخبار من بصرى الشام أن الناس قد أبصرت نور هذه النار, فسبحان الله العظيم .. كيف تحقق خبر الرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم-.
ومن علامات الساعة الصغرى: ما أخبر عنه النبي -صلى الله عليه وسلم- بقوله: "يأتي على الناس سنون خداعة، يكذب فيها الصادق، ويصدق فيها الكاذب، ويخون فيها الأمين، ويؤتمن فيها الخائن".
ولو تأملت حال الناس اليوم, ونظرت في وسائل الإعلام, وكيف يرفع الخونة والفساق ويمجدون, ثم يصبحون أبطالاً يقتدى بهم, ويتسنمون المناصب الرفيعة, في حين يطالُ أهلَ الخير والصلاح والأمانة التشويه والتحقير, ويلاحقون في كثير من بلدان العالم, ولا يمكنون من إظهار دينهم, فإلى الله المشتكى.
ومن علامات الساعة الصغرى: ظهور المعازف والموسيقى وانتشارها, يقول -عليه الصلاة والسلام-: "سيكون في آخر الزمان خسف وقذف ومسخ، قالوا: متى يا رسول الله؟ قال: إذا ظهرت المعازف والقينات".
ولقد ظهرت المعازف في هذا الزمان وفشت فشوًا كبيرًا, فأصبحت تسمعها في السيارات والطائرات والمطاعم بل حتى في دورات المياه أجلكم الله في بعض الفنادق أو المطاعم, بل وصل الأمر إلى وجودها في المساجد من خلال أجهزة الجوال, فأصبحنا نسمع الموسيقى أثناء الصلاة وداخل المسجد, ولا حول ولا قوة إلا بالله.
يوم القيامة لو علمت بهوله *** لفررت من أهل ومن أوطان
يوم تشققت السماء لهوله *** وتشيب منه مفارق الولدان
يوم عبوس قمطرير شره *** في الخلق منتشر عظيم الشان
باركَ اللهُ لي ولكم في القرآنِ العظيمِ، ونفعني وإياكم بما فيه من الآياتِ والذِّكرِ الحكيمِ ..
أقولُ قولي هذا وأستغفرُ اللهَ العظيمَ الجليلَ لي ولكم ولسائرِ المسلمينَ من كلِّ ذنبٍ فاستغفروه إنه هو الغفورُ الرحيمُ.
الحمدُ للهِ على إحسانِه, وأشكرُه على توفيقِه وامتنانِه، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شَريكَ له تعظيمًا لشأنه، وأشهدُ أن محمداً عبدُه ورسولُه صلى اللهُ عليه وعلى آلِه وأصحابِه وإخوانه, وسلمَ تسليماً كثيراً، أما بعدُ:
فمن علامات الساعة الصغرى: تباهي الناس بالمساجد وتزيينها وزخرفتها, فقد جاء في الحديث أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "لا تقوم الساعة حتى يتباهى الناس بالمساجد".
بل إن من علامات الساعة تزيين البيوت وزخرفتها والتطاول في البنيان, فهذا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كما عند مسلم عندما سأله جبريل -عليه السلام- عن الساعة قال: أخبرني عن أمارتها. فقال -صلى الله عليه وسلم-: أن تلد الأمة ربتها، وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاء يتطاولون في البنيان.
وروى أبو هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- أنه قَالَ: "لا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَبْنِيَ النَّاسُ بُيُوتًا يُشَبِّهُونَهَا بِالْمَرَاحِلِ", قَالَ إِبْرَاهِيمُ ــ أحد رواة الحديث ــ: يَعْنِي الثِّيَابَ الْمُخَطَّطَةَ.
ومن علامات الساعة الصغرى: تقارب الزمان ومروره سريعًا, جاء في الحديث أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "يتقارب الزمان فتصبح السنة كالشهر، والشهر كالأسبوع، والأسبوع كيوم، واليوم كساعة، والساعة كحرق السعفة".
ومن علامات الساعة ما جاء في الحديث الذي رواه الهيثمي وغيره وحسنه الألباني عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "مِنَ اقترابِ الساعةِ أنْ يُرَى الهلالُ قُبُلًا فيُقالُ: لِلَيْلَتَيْنِ وأنْ تُتَّخَذَ المساجدُ طرُقًا وأنْ يَظهَرَ موتُ الفَجأةِ".
ومن علامات الساعة: تشبه هذه الأمة باليهود والنصارى, روى البخاري من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "لا تقوم الساعة حتى تأخذ أمتي بأخذ القرون قبلها شبراً بشبر, وذراعاً بذراع" فقيل: يا رسول الله! كفارس والروم؟ فقال: "ومن الناس إلا أولئك".
ومن علامات الساعة الصغرى: ما ورد في الحديث الذي رواه الإمام أحمد: "إن بين يدي الساعة: تسليم الخاصة, وفشو التجارة, حتى تعين المرأة زوجها على التجارة, وقطع الأرحام, وشهادة الزور, وكتمان شهادة الحق, وظهور القلم".
ومن علامات الساعة الصغرى: ما ورد في الحديث الذي أخرجه الإمام أحمد وصححه الشيخ الألباني عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "لا تقوم الساعة حتى تظهر الفتن، ويكثر الكذب، وتتقارب الأسواق", ولو تلفت من حولك قليلاً لرأيت كثرة الأسواق وانتشارها, فتجد في غالبية الطرق الأسواق عن اليمين والشمال, وأصبحنا نشاهد كثرة المجمعات التجارية بعد أن كان في البلد كله سوق واحد, وهذا من علامات الساعة.
ومن علامات الساعة: تداعي الأمم على الأمة الإسلامية, روى أبو داود وصححه الشيخ الألباني من حديث ثوبان -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "يوشَكُ أن تَداعَى عليكم الأممُ كما تداعَى الأكلةُ على قصعتِها" قيل: يا رسولَ اللهِ أمِن قلةٍ بنا؟ قال: "لا, ولكنَّكم غثاءٌ كغثاءِ السيلِ, تُنزَعُ المهابةُ من قلوبِ عدوِّكم منكم, ويُوضعُ في قلوبِكم الوهنُ" قالوا: يا رسولَ اللهِ وما الوهنُ؟ قال: "حبُّ الدنيا وكراهيةُ الموتِ".
أيها الإخوة. وبعد .. فهذه جملة من علامات الساعة الصغرى, وقد وقعت كلها, وهذا دليل أن القيامة قريبة, ولا ندري.. هل ندركها أم لا, ومن لم يدركها فإن قيامته تقوم بموته, فلنستعد لتلك اللحظات, ولنعلم أن الله تعالى يرسل لنا هذه العلامات نذرًا وتذكيرًا بأن لا ننشغل بهذه الدنيا على حساب الآخرة, (أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ * أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ * أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ * بَلَى قَدْ جَاءَتْكَ آيَاتِي فَكَذَّبْتَ بِهَا وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ * وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْمُتَكَبِّرِينَ * وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفَازَتِهِمْ لَا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ) [الزمر: 55- 61].
اللهم أحسن خاتمتنا في الأمور كلها, وأجرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة.
عباد الله .. إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى, وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي, يعظكم لعلكم تذكرون, فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم, واشكروه على نعمه يزدكم, ولذكر الله أكبر, والله يعلم ما تصنعون.
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي