في وجوب شكر الله على نزول الغيث

صالح بن فوزان الفوزان
عناصر الخطبة
  1. وجوب شكر الله على نعمة الغيث .
  2. كيفية الشكر .
  3. خطأ نسبة المطر إلى الماديات .
  4. حكم من نسب المطر إلى غير الله .

اقتباس

ويقول: هذا يرجع إلى المناخ؛ فبلاد أوروبا -مثلاً- كثيرة الأمطار؛ نظراً لمناخها وموقعها الجغرافي، وبلادنا قليلة الأمطار؛ نظراً لمناخها وموقعها الجغرافي، فينسى -هذا الجاهل أو الملحد- أن هذا راجع إلى قدرة الله وحكمته، وأنه هو الذي ينزله ويحبسه كما يشاء. ولم ير هذا الجاهل أن كثيراً من بلاد أوروبا وأفريقيا الآن تشكو من الجفاف وقلة الأمطار، ولم ينفعها مناخها وموقعها الجغرافي؛ لأن الله حبس المطر عنها

 

 

 

الحمد لله رب العالمين، يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد، (وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ) [الشورى:28] وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة تنفي الشرك بجميع أنواعه وتثبت التوحيد، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله رحمة للعالمين وقدوة للعالمين، وحجة على المعاندين، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً.

أما بعد:

أيها الناس: اتقوا الله واشكروه، فقد كنتم في الأيام الماضية في ضيق وشدة من تأخر نزول المطر الذي منه تشربون وتسقون حروثكم وأشجاركم وتتوفر به المراعي لأنعامكم، ثم فرج الله شدتكم ورحم ضعفكم فأنزل الله عليكم الغيث بفضله ورحمته فارتوت الأرض وسالت الأودية وامتلأت السدود.

فاحمدوا الله واشكروه على هذه النعمة العظيمة قال الله تعالى: (وَأَنْزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ مَاءً ثَجَّاجاً * لِنُخْرِجَ بِهِ حَبّاً وَنَبَاتاً * وَجَنَّاتٍ أَلْفَافاً) [النبأ 14: 16] وقال تعالى (أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ * أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ * لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجاً فَلَوْلا تَشْكُرُونَ) [الواقعة 67: 69]

قال الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى: "ثم تأمل الحكمة البالغة في نزول المطر على الأرض من علو ليعم بسقيه وهادها وتلولها وظرابها وآكامها ومنخفضها ومرتفعها ولو كان ربها تعالى إنما يسقيها من ناحية من نواحيها لما أتى الماء على الناحية المرتفعة إلا إذا اجتمع في السفلى وكثر، وفي ذلك فساد، فاقتضت حكمته أن سقاها من فوقها، فينشئ سبحانه السحاب وهي روايا الأرض، ثم يرسل الرياح فتلقحها كما يلقح الفحل الأنثى، ثم ينزل منه على الأرض. ثم تأمل الحكمة البالغة في إنزاله بقدر الحاجة، حتى إذا أخذت الأرض حاجتها وكان تتابعه عليها بعد عليها بعد ذلك يضرها، أقلع عنها وأعقبه بالصحو".

عباد الله: اشكروا الله على هذه النعمة العظيمة؛ بالتحديث بها، وإضافتها إليه، والثناء على الله، واعتقاد أنها منه وحده، والاستعانة بها وعلى طاعته؛ فإن كثيراً من الناس لا يشكرون الله على هذه النعمة كما أنهم لا يشكرونه على غيرها من النعم؛ فبعضهم لا ينسب نزول المطر إلى الله، وإنما ينسبه إلى الطبيعة ويقول: هذا يرجع إلى المناخ؛ فبلاد أوروبا -مثلاً- كثيرة الأمطار؛ نظراً لمناخها وموقعها الجغرافي، وبلادنا قليلة الأمطار؛ نظراً لمناخها وموقعها الجغرافي، فينسى -هذا الجاهل أو الملحد- أن هذا راجع إلى قدرة الله وحكمته، وأنه هو الذي ينزله ويحبسه كما يشاء. ولم ير هذا الجاهل أن كثيراً من بلاد أوروبا وأفريقيا الآن تشكو من الجفاف وقلة الأمطار، ولم ينفعها مناخها وموقعها الجغرافي؛ لأن الله حبس المطر عنها؛ قال تعالى: (وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا) [الفرقان:50]

وبعض الناس ينسب نزول المطر إلى النجوم والطوالع أو الانخفاض الجوي كما يسمونه، وينشرون في بعض الصحف أن هذا العام ستكثر الأمطار أو تقل؛ نظراً لكذا وكذا، وهذا من الجرأة على الله وادعاء علم الغيب والتشويش على العوام الذين لا يعرفون كذبهم وتخرصهم. وفي مثل هؤلاء يقول الله تعالى: (وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ) [الواقعة:82] أي بدل أن تشكروا الله تعالى على إنزاله المطر عليكم (تُكَذِّبُونَ) فتنسبون ذلك إلى غيره من الكواكب والمخلوقات التي لا قدرة لها.

وفي الصحيحين عن زيد بن خالد الجهني قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الصبح بالحديبية على أثر سماء -أي: نزول مطر- كانت من الليل فلما انصرف أقبل على الناس قال: "أتدرون ماذا قال ربكم؟" قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: قال: "أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر، فأما من قال: مطرنا بفضل الله ورحمته فذلك مؤمن بي كافر بالكواكب. وأما من قال: مطرنا بنوء كذا وكذا؛ فذلك كافر بي مؤمن بالكوكب" ومعنى الحديث: أن من نسب المطر إلى الله واعتقد أنه أنزله بفضله ورحمته من غير استحقاق من العبد على ربه وأثنى على الله بذلك فقال: "مطرنا بفضل الله ورحمته". فهذا مؤمن بالله شاكراً لنعمته كافر بما سواه، وأما من نسب نزول المطر إلى غير الله من الكواكب أو الطبيعة وتغير المناخ؛ فذلك كافر بالله تعالى مؤمن بغيره.

فإذا اعتقد أن لغير الله تأثيراً في إنزال المطر فهذا كفر أكبر؛ لأنه شرك في الربوبية والمشرك كافر، وإن لم يعتقد ذلك وأضاف المطر إلى السبب فهو من الشرك الأصغر والكفر الأصغر؛ لأنه نسب نعمة الله إلى غيره حيث نسب المطر إلى السبب، والواجب نسبته إلى الخالق؛ فالواجب أن ينسب نزول المطر وجميع النعم إلى الله تعالى، قال تعالى: (وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ) [النحل :53]

وإنزال الغيث من أعظم نعم الله وإحسانه إلى عباده؛ لِما اشتمل عليه من منافعهم، فلا يستغنون عنه أبداً. فيجب عليهم أن يشكروه عليه؛ ومن شكره أن يضيفوه إليه وحده ويحمدوه عليه؛ فإن النفوس مجبولة على حب من أحسن إليها، والله -جل وعلا- هو المحسن المطلق الذي يجب أن تضاف إليه النعم كلها ويشكر عليها وحده لا شريك له في ذلك.

عباد الله: ومن الناس في هذا الزمان من يستغل وقت نزول الأمطار للنزهة والترفيه عن النفس فيخرجون إلى البراري والأودية بعوائلهم ونسائهم فيسرفون في المآكل ويضيعون الصلوات ويزاولون أنواعاً من الملاهي بالأغاني والدفوف والمزامير، وربما يشربون المسكرات ويتعاطون المخدرات، ويختلط الرجال بالنساء، وتحصل أنواع من المفاسد والمعاصي والفسوق، ويقابلون نعمة الله بكفرها، ويستغلونها في معاصيه.

فاتقوا الله يا من تفعلون ذلك واحذروا أن يصيبكم ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه عبد الله ابن الإمام أحمد عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "والذي نفسي بيده ليبيتن أناس من أمتي على أشر وبطر ولعب ولهو فيصبحوا قردة وخنازير باستحلالهم المحارم واتخاذهم القينات وشربهم الخمر وبأكلهم الربا ولبسهم الحرير" ووردت بمعناه أحاديث أخر؛ فاتقوا الله -عباد الله-.

إن الخروج إلى البر للفسحة ومشاهدة السيول مع المحافظة على طاعة الله والابتعاد عن فعل المحرمات أمر لا بأس به ولكن قليل من الناس من يتقيد بذلك، فاتقوا الله في أنفسكم واحذروا أن تكونوا ممن قال الله فيهم: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْراً وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ * جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ الْقَرَارُ) [ابراهيم 28: 29]

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم...
 

 

 

 


تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي