إعادة الأمل لأهل اليمن

صالح بن مقبل العصيمي
عناصر الخطبة
  1. أهمية جهود المملكة لإعادة الأمل لأهل اليمن .
  2. الأسباب الدافعة للمملكة لإعادة الأمل لأهل اليمن .
  3. فضل أهل اليمن .
  4. معرفةُ خيارهم بجهود المملكة الحسَنة تجاه بلدهم .

اقتباس

إنَّ إعَادَةَ الأَمَلِ، وَجُهُودَ الإِعْمَارِ، هِيَ دَعْمٌ لِلْحُكُومَةِ الْيَمَنِيَةِ، وَحِفْظٌ لِمَبْدَأِ حَقِّ الْـجوُارِ؛ فَأَهْلُ الْيَمَنِ تَعَرَّضُوا لأَقْسَى أَنْوَاع ِالظُّلْمِ، وَكَانُوا بِـحَاجَةٍ مَاسَّةٍ لِلْعَوْنِ، فَكَانَتِ الْمَمْلَكَةُ أَوْلَى النَّاسِ بِنُصْرَتِـهِمْ -بَعْدَ عَوْنِ اللهِ لَـهُمْ- لِقَوْلِهِ -صلى الله عليه وسلم-: "خَيْرُ الجِيرَانِ عِنْدَ اللَّهِ خَيْرُهُمْ لِجَارِهِ" رَوَاهُ أَبُو دَاودَ وَغَيـرُهُ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ.

الخطبة الأولى:

إنَّ الحمدَ للهِ، نَحْمَدُهُ، ونستعينُهُ، ونستغفِرُهُ، ونعوذُ باللهِ مِنْ شرورِ أنفسِنَا وسيئاتِ أعمالِنَا، مَنْ يهدِ اللهُ فلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ.

وأشهدُ أنْ لا إلهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شريكَ لَهُ، تَعْظِيمًا لِشَأْنِهِ، وأشهدُ أنَّ مُحَمَّدًا عبدُهُ ورسُولُهُ وَخَلِيلُهُ، صَلَّى اللهُ عليهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كثيرًا.

أمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ -عِبَادَ اللهِ- حقَّ التَّقْوَى، واعلَمُوا أنَّ أَجْسَادَكُمْ عَلَى النَّارِ لَا تَقْوَى، وَاِعْلَمُوا بِأَنَّ خَيْرَ الْهَدْي هَدْيُ مُحَمَّدٍ -صلى الله عليه وسلم-، وَأَنَّ شَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ.

عِبَادَ اللهِ: إِنَّ الْمُتَابِعَ لِلأَحْدَاثِ الْمُتَوَالِيَةِ فِي هَذَا الزَّمَانِ، وَمَا حَدَثَ لإِخْوَانِنَا فِي بِلَادِ الشَّامِ بِشَكْلٍ عَامٍ، وَفِي حَلَب بِشَكْلٍ خَاصٍّ؛ لَيِتَأَكَّدَ لَهُ أَنَّ جهودَ المملكةِ لإِعَادَةِ الأَمَلِ لأَهْلِ الْيَمَنِ، وَإِعْمَارِ بَلَدِهِمْ، وَتَـخْلِيصِهَا مِنْ بَطْشِ الْـحُوثِيَّةِ الظَّلَمَةِ، كَانَ لَـهَا الأَثَرُ الْعَظِيمُ فِي حِـمَايَةِ الْمُسْتَضْعَفِيـنَ فِي الْيَمَنِ، وَالَّذِينَ كَادُوا أَنْ يَكُونُوا لُقْمَةً سَائِغَةً لِمِيلِيشِياتِ الْـحُوثِيِّ الْبَغِيضَةِ، وَمَنْ سَانَدَهُمْ، الَّذِينَ كَانُوا يَعْمَلُونَ لَيْلًا وَنَـهَارًا، سِرًّا وَجِهَارًا، لإِبْعَادِ الْيَمَنِ عَنْ دِينِهَا، وَالإِخْلَالِ بِأَمْنِهَ؛ وَإِلَّا لَرَأَيْنَا أَهْلَ الْيَمَنِ يَعِيشُونَ الْآنَ نَفْسَ مَأْسَاةِ حَلَبٍ، إِنْ لَـمْ تَكُنْ أَشَدَّ، فَالْعَدُوُّ يُرِيدُ أَنْ يُـمَزِّقَ الْيَمَنَ، وَلَكِنْ هَيْهَاتَ أَنْ تَتَحَقَّقَ آمَالُـهُمْ! حَيْثُ دَعَا النَّبِـيُّ -صلى الله عليه وسلم- لَـهَا فَقَالَ: "اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي يَمَنِنَا"، وأثنى -صلى الله عليه وسلم- عَلَى أَهْلِهَا بِقَوْلِهِ: "أَتَاكُمْ أَهْلُ الْيَمَنِ، هُمْ أَضْعَفُ قُلُوبًا، وَأَرَقُّ أَفْئِدَةً، الْفِقْهُ يَمَانٍ، وَالْحِكْمَةُ يَمَانِيَةٌ" مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

الْيَمَنُ الَّتِـي دَخَلَتِ الإِسْلَامَ بِكُلِّ يُسْرٍ وَسُهُولَةٍ، وَالَّتِـي يُـحِبُّهَا كُلُّ مُسْلِمٍ، وَيَشْنَؤُهَا كُلُّ مُبْغِضٍ، قَدْ جَاءَتْ جُهُودُ الْمَمْلَكَةِ الْمُبَارَكَةُ لإِعَادَةِ الأَمَلِ وَإِعْمَارِ الْيَمَنِ لأَسْبَابٍ:

أَوَّلًا: نُصْرَةً لِلْمَظْلُومِ؛ حَيْثُ تَعَرَّضَ أَهْلُنَا فِي الْيَمَنِ لِظُلْمٍ عَظِيمٍ، وَجَوْرٍ كَبِيـرٍ، عَلَى أَيْدِي مِيلِيشِياتِ الْـحُوثِيِّ الْبَغِيضَةِ، بِدَعْمٍ مِنْ دَوْلَةِ الْمَجُوسِ؛ فَدُمِّرَتْ مَسَاجِدُهُمْ، ومَدَارِسُهُمْ، ومُسْتَشْفَيَاتُـهمْ، وَطُرُقُهُمْ، وَأُبِيدَتْ مُـمْتَلَكَاتُـهُمْ؛ فَكَانَ لَا بُدَّ مِنْ نُصْرَةِ هَؤُلَاءِ الْـمَظْلُومِيـنَ، كَمَا قَالَ -تعالى-: (وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) [الأنفال:72]، وَلِقَوْلِهِ -صلى الله عليه وسلم-: "انْصُرْ أَخَاكَ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا" رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. فَمِنْ خُلُقِ الْمُسْلِمِ أَنَّهُ إِذَا اِسْتَنْصَرَهُ أَخُوهُ الْمُسْلِمُ، وَكَانَ قَادِرًا عَلَى نُصْرَتِهِ؛ فَعَلَيْهِ نُصْرُهُ فِي غَيْـرِ مَعْصِيَةِ اللهِ.

ثانياً: إنَّ إعَادَةَ الأَمَلِ، وَجُهُودَ الإِعْمَارِ، هِيَ دَعْمٌ لِلْحُكُومَةِ الْيَمَنِيَةِ، وَحِفْظٌ لِمَبْدَأِ حَقِّ الْـجوُارِ؛ فَأَهْلُ الْيَمَنِ تَعَرَّضُوا لأَقْسَى أَنْوَاع ِالظُّلْمِ، وَكَانُوا بِـحَاجَةٍ مَاسَّةٍ لِلْعَوْنِ، فَكَانَتِ الْمَمْلَكَةُ أَوْلَى النَّاسِ بِنُصْرَتِـهِمْ -بَعْدَ عَوْنِ اللهِ لَـهُمْ- لِقَوْلِهِ -صلى الله عليه وسلم-: "خَيْرُ الجِيرَانِ عِنْدَ اللَّهِ خَيْرُهُمْ لِجَارِهِ" رَوَاهُ أَبُو دَاودَ وَغَيـرُهُ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ. فَاستَجَابَتِ الْمَمْلَكَةِ – حَـمَاهَا اللهُ- لِنِدَاءِ حُكُومَةِ الْيَمَنِ؛ لِوَأْدِ الْفِتْنَةِ فِي بِلَادِهِمْ، وَهَذِهِ النُّصْرَةُ تَعْزِيزٌ لِمَبْدَأِ حَقِّ الْـجَارِ، الَّذِي كَفَلَهُ الإِسْلَامُ، وَحَثَّ عَلَيهِ.

 نَارِي وَنَارُ جَارِي وَاحِدَةٌ  *** وَإِلَيْهِ قَبْلِي تَنْزِلُ الْقِدْرُ

 مَا ضَرَّ جَارًا لِي أُجَاوِرُهُ *** أَنْ لَا يَكُونَ لِبَابِهِ سِتْـرُ

ثالثا: عِبَادَ اللَّهِ، إِنَّ الإخْلَالَ بأمنِ الْيَمَنِ، سَيَنْعَكِسُ سَلبًا عَلَى أَمِنِ دُوَلِ الْخَلِيجِ عَامَّةً، وَالْمَمْلَكَةِ خَاصَّةً؛  فَلَا يُـمْكِنُ أَنْ تَنْعَمَ بأمنٍ وَجَارُكَ قَدْ اختَلَّ أَمِنُهُ؛ لِسُهولَةِ تَسَلُّلِ الْمُجْرِمِينَ وَالْمُفْسِدِينَ إِلَى دُوَلِ الْمنْطَقَةِ، وَتَهْرِيبِ الْمُخَدِّرَاتِ والأسلِحةِ، وإيواءِ الْمُفْسِدَيْنَ وَالْخونَةِ، فَأَيُّ خَلَلٍ يَـحْدُثُ فِي الْيَمَنِ سَيَنْعَكِسُ سَلبًا عَلَى جِيرَانِهَا، وَتِلْكَ حَقِيقَةٌ لَا خِلاَفَ عَلَيهَا، وَلَا نِعْمَة بَعْدَ الْـهِدَاِيَةِ للإسلامِ أَفَضْلُ مِنْ نِعْمَةِ الْأَمْنِ؛ فَكَانَ لا بُدَّ مِنَ الْخِيَارِ الَّذِي لَا مَفَرَّ مِنْهُ، وَهُوَ قِتَالُ هَؤُلَاءِ الْبُغاةِ؛ حَتَّى يَـعُودَ لِلْيَمَنِ أَمْنُهَا وَاِسْتِقْرَارُهَا.

رابعا: عِبَادَ اللَّهِ، لَقَدْ اِسْتَخْدَمَتِ الْمَمْلَكَةُ، وَدُوَلُ التَّحَالُفِ جَـمِيعَ الْحُلُولِ السلْمِيَّةَ لِوَأْدِ الْفِتْنَةِ، وَلَكِنَّهَا تَتَعَامَلُ مَعَ أَصحَابِ مَـكْرٍ سَيِّئٍ، لَا يَلْتَزِمُونَ بِعَهْدٍ وَلَا مِيثَاقٍ، لِأَنَّهُمْ لَا يَعْنِيهِمْ أَنْ تَبْقَى الْيَمَنُ عَامِرَةً أَمْ خَرَابًا؛ فَكُلَّمَا قُدِّمَتْ لَـهُمْ تَنَازُلَاتٌ، حَقْنًا للدِّمَاءِ، غَالَوْا فِي مَطَالِبِهِمْ؛ لأنَّ الطُّغَاةَ الْبُغاةَ لَا يَرْضَوْنَ بِالسِّلْمِ أَبَدًا، وَلَا يَـجْنَحُونَ لَهُ، وَلَا يَلْتَزِمُونَ بِعَهْدٍ وَلَا مِيثَاقٍ.

خامساً: عِبَادَ اللَّهِ، إِنَّ هَؤُلَاءِ الْبُغاةَ جَائِرُونَ صَائِلُون، والصَّائِلُ لا بُدَّ أَنْ يُدْفَعَ، وَلَوْ بِالْقِتْلِ؛ خَاصَّةً وَقَدْ اِسْتَخْدَمَ هَؤُلَاءِ الظَّلَمَةُ كُلَّ مَا يـَخْطُرُ عَلَى الْبالِ، وَمَا لَا يَتَصَوَّرُهُ أولو الألبابِ مِنْ وَسَائِلِ التخريبِ والإفسادِ فِي الْيَمَنِ؛ فَدَمَّرُوا الْمَسَاجِدَ، وَهَدَّمُوا الْمُسْتَشْفيَاتِ، وَالْمَدَارِسَ، وَدَوْرَ الْعَلْمِ، وَجَعَلُوا بَعْضَهَا مُسْتَوْدَعَاتٍ للأسلحةِ.

وَقَدْ سَلَكَ هَؤُلَاءِ الْمُجْرِمُونَ فِي الْيَمَنِ مَا تَأْبَاُه النُّفُوسُ، وَتَرْفُضُهُ الْقِيَمُ وَالْمَبَادِئُ وَالْعُقُولُ السَّلِيمَةُ، وَيُحَرِّمُهُ الإسلامُ تَحْرِيمًا قطعيًّا مِنَ التَّنْكِيلِ بِالنِّساءِ والأطفَالِ، وإظهارِهِمْ فِي بَعْضِ وَسَائِلِ الإِعْلَامِ الْعَمِيلَةِ عَلَى أَنَّهُمْ ضَحَايَا لِدوَلِ التَّـحَالُفِ، بينما هُمْ فِي الْحَقِيقَةِ ضَحَايَا لميليشياتِ الْـحُوثِيِّ ، وَفَيَالِقِ الشَّرِّ، الَّتِي أَخْزَاهَا اللهُ، وَكَشَفَ عَوَارَهَا، فَقَتَلُوا هَؤُلَاءِ الأبرياء، ثُـمَّ زَعَمُوا أَنَّ الْقَاتِلَ غَيْرُهُمْ.

سادساً: عِبَادَ اللَّهِ، لَقَدْ بَلَغَ مِنْ مِكْرِهِمْ -أَخَزَاهُمْ اللهُ- أَنَّهُمْ لَا يَتَوَرَّعُونَ عَنْ وَصْفِ كُلِّ مِنْ يَقِفُ ضِدَّهُمْ بِأَنَّهُ إِرْهَابيٌّ، أَوْ دَاعِشِيٌّ؛ فَيُطْلِقُونَ الأوصافَ الْمُنَفِّرَةَ عَلَى خُصُومِهِمْ؛ لِيَسْتَعْدُوا عَلَيهِمُ الدُّوَلَ الْكُبْرَى، أَوْ عَلَى الأقل ِّيُحَيِّدُونَهُمْ، مَزِيدٌ مِنْ الظُّلَمِ وَالْجَوْرِ، وَهَذَا منْهَجُ الْخونَةِ، وَمَسْلَكُ مَنْ لَا يَخَافُونَ اللهَ أَبَدًا، وَمِنْهَجُ ضَعِيفِي الْحُجَّةِ، الَّذِينَ لَا يَكْسَبُونَ بِالْحُجَّةِ وَالْبَيَانِ؛ فَيَلْجَؤُونَ لِلْكَذِبِ والبُهْتَانِ، وَهَكَذَا كَانَتْ تَصِفُ قُرَيْشٌ نَبِيَّ الْهُدَى -صلى الله عليه وسلم- بِأَنَّهُ صَّابِئٌ، وَسَاحُرٌ، وَمـَجْنُونٌ، وَغَيْرهَا مِنْ الألفاظِ الَّتِي لَا يَتَوَرَّعُ أَهِلُ الشَّرِّ عَنْ وَصْفِ أَهْلِ الْخَيْرِ بِهَا؛ لِلْتَنْفِيرِ مِنْهُمْ.

وَهَكَذَا نـَجِـدُ أَنَّ كُلَّ مَنْ يَنْصُرُ الْـحَقَّ لَا يَتَرَدَّدُ خَصْمُهُ عَنْ وَصْفِهِ بِأَنَّهُ دَاعِشِيٌّ، أَوْ إِرْهَابِيٌّ؛ ظَـنًّا أَنَّهُ بِهَذَا يُخَوِّفُهُ، وَيَصُدُّ النَّاسَ عَنْهُ، قَالَ اللهُ -تعالى-: (كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ *  أَتَوَاصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ) [الذاريات:52-53].

فَهَذِهِ الْوَسَائِلُ بإطلاقِ الأَوْصَافِ شنْشِنَةٌ نَعْرِفُهَا مِنْ أَخْزَم، لَا تُـحَرِّكُ لِعَاقِلٍ سَاكِنًا؛ فَلَنْ تَمْنَعَنَا عَنْ قولِ الْـحَقِّ، وَلَا عَنْ نُصْرَةِ أَهْلِنَا وَجِيـرَانِنَا فِي الْيمنِ.

سابعا: عِبَادَ اللَّهِ، لَقَدْ أَبَادَ هَؤُلَاءِ الظَّلَمَةُ مُـحَافَظَاتٍ عَنْ بَكْرَةِ أَبِيهَا، وَأَخْرَجُوا أَهْلَهَا مِنْ دِيَارِهمْ؛ وَكَانَتْ دِمَاجُ خَيْرَ شَاهِدٍ عَلَى مَا حَدَثَ لَهَا ولأهْلِهَا؛ حَيْثُ أُخْرِجُوا مِنْهَا قَسرًا، وَأُبْعِدُوا عَنْهَا ظُلَمًا؛ وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلّا بِاللهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ!.

ثامناً: عِبَادَ اللَّهِ، لَقَدْ اِسْتَخْدَمَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَجَرمُوا فِي الْيَمَنِ جَمِيعَ وَسَائِلِ الْكَسْبِ غَيْرِ الْمَشْرُوعَةِ؛ لِشِرَاءِ الضَّمَائِرِ وَالْمَبَادِئِ وَالْقِيَمِ، فَزَرَعُوا الْمُخَدّرَاتِ، وَاِسْتَوْرَدُوهَا، وَتَاجَرُوا بِهَا، وَسَعَوا لِتَهْرِيبِهَا لِدولِ الْخَلِيجِ؛ لِيُحَقِّقُوا مِنْ خِلَالِـهَا هَدَفَيْنِ:

الأولُ: إفسادُ شَبابِ وَشَابَّاتِ دُوَلِ الْخَلِيج بِهَا.

وَثَانِيَا: لِكَسْبِ الْمَزِيدِ مِنَ الْمَالِ، مِنْ أَجَلِ شِرَاءِ الأسلحةِ، وَمِنْ أَجْلِ اِسْتِمْرارِهِمْ فِي تَدْمِيرِ الْيَمَنِ، وَقَتْلِ أَهْلِهِ، وَهُمْ لَمْ يَـخْسَرُوا شَيْئًا؛ فَهُمْ إِمَّا مَارِقُونَ، أَوْ مُرْتَزقَةٌ، أَوْ جُنُودٌ مِنْ جُنُودِ الشَّيْطَانِ الْعَمِيلَةِ؛ حَيْثُ اِسْتَعَانَ هَؤُلَاءِ الْبُغاةُ بِالصَّعَالِيكِ الْمُرْتَزِقَة، الَّذِينَ لَا دِينَ لَهُمْ، وَلَا ملَّة، وَلَا يَخَافُونَ اللهَ، وَلَا يَتَّقُونَهُ؛ وَجَعَلُوهُمْ فِي وَاجِهَةِ الْجُيوشِ، لِيَقْتُلُوا مِنْ خِلَالِهِمْ الأبرياءَ، فَقَتَّلُوا الرِّجَالَ، وَيَتَّمُوا الأطفالَ، وَرَمَّلُوا النِّسَّاءَ، بِكُلَّ الطُّرُقِ الْوَحْشِيَّةِ، وَاللهُ هُوَ الْمُنْتَقِمُ مِنْهُمْ.

تاسعا: عِبَادَ اللَّهِ، لَقَدْ اسْتَخْدَمَ هَؤُلَاءِ الْبُغاةُ الإعلامَ الْحاقِدَ؛ وَبَثُّوا عَبْرَهُ أكاذيبَهُمْ بِاللَّيلِ وَالنّهارِ؛ وَهَذَا لَا يَخْفَى عَلَى أَهْل الْعَدْلِ والإنصافِ، فَقَدْ اِشْتَرَوْا ذِمَمَ مُلّاكِ بَعْضِ الْقِنْوَاتِ، وَأَنْشَؤُوا قنوَاتٍ أخْرَى، وَاِسْتَوْلَوْا عَلَى قِنْوَاتٍ عُنْوَةً، وَظُلَمًا، وَعُدْوَانًا، وَمَارَسُوا كُلَّ أسَاليِب ِالتَّضْلِيلِ الإِعْلَامِيِّ، فَصَوَّرُوا مَنْ قُتِلُوا عَلَى أَيدِيِهِمْ مِنْ مَرْضَى بِالْمُسْتَشْفيَاتِ، وَمِنْ طُلَّابِ الْمَدَارِسِ، عَلَى أَنَّهُمْ مَاتُوا بِنِيَرانِ حُكُومَةِ الْيَمَنِ؛ فَيَقْـتُلُونَ وَيَنُوحُونَ عَلَى الْقَتْلَى عَبْرَ الإِعْلَامِ الْمُزَيَّفِ؛ وَلَكُنَّ لَيْلَ الظُّلْمِ لَنْ يَطُولَ بـِحَـوْلِ اللهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ الْقَوِيِّ الْجبارِ.

أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ وَلِـجَمِيعِ الْمُسْلِمِـيـنَ فَاِسْتَغْفِرُوهُ؛ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.

الخطبة الثانية:

الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى عِظَمِ نِعَمِهِ وَاِمْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شريكَ لَهُ تَعْظِيمًا لِشَأْنِهِ، وَأَشَهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدَهُ وَرَسُولُهُ وَخَلِيله، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمَاً كَثِيرَاً.

أمَّا بَعْدُ: عِبَادَ اللَّهِ، ... عَلَينَا أَنْ نَسْأَلَ: مَاذَا قَدَّمَتْ هَذِهِ الدُّوَلُ الَّتِي أَشْعَلَتِ الْحَرْبَ فِي الْيَمَنِ؟ هَلْ قَدَّمَتْ لِأَهِلُ الْيَمَنِ شَيئًا مِـمَّا قَدَّمَتْ دُوْلَةُ التَّوْحِيدِ، وَحامِيَةُ الْحَرَمَيْنِ؟ حَيْثُ أَطْلَقَتْ حَمَلَةَ إِعَادَةِ الأَمَلِ؛ فَفَتَّحَتْ لِلْيمْنَيِينَ أَبَوَابـَهَا قَبْلَ وَبَعْدَ الْحَرْبِ، وَاِسْتَقْبَلَتْهُمْ بالإكرامِ؛ فَأَمَّنَتْ خَائِفِيِهِمْ، وَاِسْتَضَافَتْ مُطَارَدِيِهْمْ، إِنَّ أَعَدَادَهُمْ فِي بِلادِنَا بِالْمَلاَيِينِ، وَصَارُوا مِنْ نَسِيجِ مُجْتَمَعِنَا، يَدْرُسُ أبناؤُهُمْ بِمَدَارِسِنَا، وَيَعِيشُونَ بأمنٍ وأمانٍ بَيْنَنَا، يَرَوْنَ الصُّورَةَ الْحَقِيقِيَّةَ عَنِ الأحداثِ فِي بَلَدِهِمْ مِنَ الإعلامِ الصَّادِقِ، الَّذِي يُبْرِزُ دَورَ الْمَمْلَكَةِ تـُجَاهَ بَلَدِهُمْ؛ فَلَمْ يَسْتَطعْ أَهِلُ الشَّرِّ أَنْ يُثِيرُوهُمْ، أَوْ يَسْتَفِزُّوهُم، فَهُمْ أَهْلُ عَقْلٍ وَحِكْمَةٍ، وَفِقْهٍ وَدِرَايَةٍ، أحفادُ أَبِي مُوسَى الأشْعَرِيِّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْه- وَعَبْدِ الرَّزَّاقِ بنِ هَـمَّامٍ الصَّنْعَانِيّ، والإمامِ الشَّوْكَانِيّ، وَغَيْرِهِمْ مِنْ  عُلَمَاءِ الْيَمَنِ؛ حَمَلَةِ لِوَاءِ السَّنَةِ.

أَلَيْسَ أَهْلُ الْيَمَنِ هُـمُ الَّذِينَ قَالَ اللهُ فِيهُمْ: (فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) [المائدة:54]؟.

فَخِيَارُ أَهْلِ الْيَمَنِ وأتقيَاؤُهُمْ عَرَفُوا لِلْمَمْلَكَةِ دَوْرَهَا فِي حِـمَاِيَةِ بَلَدِهِمْ، وَإِعمَارِ مَا دَمَّرَتْهُ هَذِهِ الْعِصَابَاتُ الْبَاغِيَةُ؛ فَأَحَبُّوهَا، وَبِالأَنْفُسِ فَدَوْهَا، وَلَـمْ يُفْلِحْ مَكْرُّ الْمَاكِرِينَ الْمُضَلِّلِينَ في زَرَعِ الشِّقَاقِ وَالْفِتْنَةِ فِيمَا بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ، بَلْ وَأَغَاثَت الْمَمْلَكَةُ -بِفَضْلِ اللهِ وُجُودِهِ- أَهْلَنَا فِي دَاخِلِ الْيَمَنِ رَغْمَ شَرَاسَةِ الْـحَرْبْ، بِالطَّعَامِ، وَالْكِسَاءِ، والْمَأْوَى، وَالْعِلاجِ؛ بَلْ وَمَتَى خَرَجَ مِنْهَا الحوثِيُّ وأتباعُهُ؛ فَالْمَمْلَكَةُ -بِفَضْلِ اللهِ وَعَوْنِهِ وَمَدَدِهِ- لَنْ تَتَأَخَّرَ عَنْ دْعْمِهِمْ وَمُسَاعَدَتِـهِمْ.

اللَّهُمُّ اِحْفَظْ لِبِلادِنَا وَلِسَائِرِ بِلادِ الْمُسْلِمِينَ  الْأَمْـنَ والأمَانَ، الَّلهُمَّ اِحْمِ بِلَادَنَا وَسَائِرَ بِلَادِ الإِسْلَامِ مِنَ الفِتَنِ، وَالمِحَنِ، مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَن، الَّلهُمَّ وَفِّقْ وَلِيَّ أَمْرِنَا، لِمَا تُحِبُ وَتَرْضَى، وَخُذْ بِنَاصِيَتِهِ لِلْبِرِّ وَالتَّقْوَى، الَّلهُمَّ اجْعَلْهُ سِلْمًا لِأْوْلِيَائِكَ، حَرْباً عَلَى أَعْدَائِكَ.

الَّلهُم ارْفَعْ رَايَةَ السُّنَّةِ، وَاقْمَعْ رَايَةَ البِدْعَةِ، الَّلهُمَّ احْقِنْ دِمَاءَ أَهْلِ الإِسْلَامِ فِي كُلِّ مَكَانٍ، اللهُمَّ أَصْلِحْ لَنَا دِينَنَا الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِنَا، وَأَصْلِحْ لَنَا دُنْيَانَا الَّتِي فِيهَا مَعَاشُنَا، وَأَصْلِحْ لَنَا آخِرَتَنَا الَّتِي فِيهَا مَعَادُنَا، وَاجْعَلِ الْحَيَاةَ زِيَادَةً لَنَا فِي كُلِّ خَيْرٍ، وَاجْعَلِ الْمَوْتَ رَاحَةً لَنَا مِنْ كُلِّ شَرٍّ.

اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ مِنَ الْخَيْرِ كُلِّهِ عَاجِلِهِ وَآجِلِهِ، مَا عَلِمْنَا مِنْهُ وَمَا لَمْ نَعْلَمْ، وَنَعُوذُ بِكَ مِنَ الشَّرِّ كُلِّهِ عَاجِلِهِ وَآجِلِهِ، مَا عَلِمْنَا مِنْهُ وَمَا لَمْ نَعْلَمْ، اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ مَا سَأَلَكَ مِنْهُ عِبَادُكَ الصَّالِحُونَ، ونَسْتَعِيذُ بِكَ مِمَّا اسْتَعَاذَ مِنْهُ عِبَادُكَ الصَّالِحُونَ.

رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ، رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ، رَبَّنَا وآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلَا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ.

سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ العزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ، وَسَلَامٌ عَلَى المُرْسَلِينَ، وَالحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِين.


تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي