وهناك سورة يقال لها سورة الطلاق عدد آياتها اثنتا عشرة آية ذكر -سبحانه وتعالى- فيها توجيهات لعباده حتى لا يكونوا كمن يبني قصرا ويهدم مصرا، وأستعين بالله -سبحانه وتعالى- في هذه الدقائق لأذكر لكم نحواً من ثلاثين فائدة من فوائد تلك السورة العظيمة التي ابتعد عنها كثير من الناس.
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله، خير نبي أرسله، اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك نبينا محمد وعلى إخوانه الأنبياء والمرسلين، وآل كل وصحب كل أجمعين، وأحسن الله ختامي وختامكم وختام المسلمين، وحشر الجميع تحت لواء سيد المرسلين.
أما بعد: فأوصيكم -عباد الله- بتقوى الله التي هي وصيته للأولين والآخرين، التي قال فيها -سبحانه-: (وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُواْ اللّهَ وَإِن تَكْفُرُواْ فَإِنَّ لِلّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَانَ اللّهُ غَنِيًّا حَمِيدًا * وَلِلّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَفَى بِاللّهِ وَكِيلاً * إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ وَيَأْتِ بِآخَرِينَ وَكَانَ اللّهُ عَلَى ذَلِكَ قَدِيرًا) [النساء:131-133].
الثقة بالله أزكى أمل، والتوكل عليه أوفى عمل، من لم يكن له من دينه واعظ لم تنفعه المواعظ.
يا معشر الإخوة: يقول المولى -سبحانه وتعالى-: (هَذَا بَلاَغٌ لِّلنَّاسِ وَلِيُنذَرُواْ بِهِ وَلِيَعْلَمُواْ أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ) [إبراهيم:52].
إن الناظر في كثير من الناس وفي أحوالهم يرى أنهم قد بعدوا عن منهج الله -سبحانه وتعالى-، لاسيما فيما يتعلق ببيوتهم ومعاملاتهم مع أزواجهم، وهناك سورة يقال لها سورة الطلاق عدد آياتها اثنتا عشرة آية ذكر -سبحانه وتعالى- فيها توجيهات لعباده حتى لا يكونوا كمن يبني قصرا ويهدم مصرا، وأستعين بالله -سبحانه وتعالى- في هذه الدقائق لأذكر لكم نحواً من ثلاثين فائدة من فوائد تلك السورة العظيمة التي ابتعد عنها كثير من الناس.
الفائدة الأولى: توجيه الله -تعالى- لنبيه ولأمته أمة محمد -صلى الله عليه وسلم- وتعليمه لهم تفاصيل معاملتهم مع أزواجهم.
الفائدة الثانية: إنه لا ينبغي أن يكون الطلاق إلا والمرأة مستقبلة لعدتها، وذلك لا يكون إلا إذا كانت في طهر لم يمسها فيه؛ وذلك لقوله -سبحانه وتعالى-: (فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ) [الطلاق:1].
الفائدة الثالثة: إنه يجب على الأزواج أن يحصوا العدة، وأن يعدوها عدا؛ حتى لا يكون هنالك خلط في الأيام وفي القروء.
الفائدة الرابعة: أنه لا يجوز للزوج أن يخرج الزوجة المطلقة من بيتها، لا يجوز له ذلك أبداً، فإن اقتضى الحال أن يخرج هو فإنه يخرج هو ويترك لها البيت.
الفائدة الخامسة: إنه لا يجوز لها هي أن تخرج من بيتها كما يصنع كثير من النساء، تضع ثيابها في حقيبتها ثم تخرج فارة هاربة إلى بيت أهلها؛ وذلك لقوله -سبحانه وتعالى-: (لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ) [الطلاق:1].
الفائدة السادسة: إن تلك الأشياء التي فرضها الله -سبحانه وتعالى- وأمر بها هي حدود لا يجوز للناس أن يتعدوها، ومن يتعدّها فقد ظلم نفسه، وقال الله -تعالى- فقد ظلم نفسه لمن تعدى حدوده حتى يدرك الإنسان أنه إنْ فعل ذلك فإنه يضر نفسه ولا يضر أحدا، وذلك أن الناس مجبولون على مصالحهم وعلى جلب المصالح لأنفسهم، ومن يتعدّ حدود الله فقد ظلم نفسه.
الفائدة التي تليها: إن في بقاء المرأة في بيت زوجها توقّعا ورجاء أن يراجع امرأته؛ لأنه يراها وهي مقبله وهي مدبرة في بيته مدة ثلاثة أشهر أو مدة الحمل، يراها وهي تذهب وتجيء، فلعله يراجعها، وفي ذلك يقول الله -تعالى-: (لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا) [الطلاق:1].
الفائدة السابعة: إن المرأة إذا قاربت بلوغ النهاية في الأجل فإن الزوج حينئذ مخير إما أن يمسكها بمعروف وإما يفارقها بمعروف، وفي سورة البقرة يقول الله -تعالى-: (وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النَّسَاء فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ) [البقرة:231]، ويقول: (فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ) [الطلاق:2]، المعروف ما تعارف عليه الناس أنه من الخير ومن البر، وعليه إذا طلقها أن يحسن إليها وأن يمتعها وألا ينسى الفضل الذي كان بينه وبينها، هكذا يقول الله -تعالى-: (فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ).
الفائدة الثامنة: إنه يجب على الزوج إذا راجع الزوجة أن يشهد ذوي عدل.
الفائدة التاسعة: إنه يجب على الشهود أن يقيموا الشهادة لله، قال الله -تعالى-: (وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِّنكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ) [الطلاق:2]، ولم يقل (واشهدوا لله)، ولكنه قال: (وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ)، أي أدوها بحق، واعرفوا وقتها وأولها وآخرها؛ حتى لا يكون في الشهادة بعد ذلك خلل.
والفائدة العاشرة: إنه إنما يتعظ بأوامر الله -تعالى- وزواجره (مَن كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) [الطلاق:2]، أما من ولى ظهره لكتاب الله -تعالى- فإنه لا يتعظ بذلك، ومن لم يكن له من دينه واعظ لم تنفعه المواعظ.
الفائدة الحادية عشر: من يتق الله -سبحانه وتعالى- في أمر الطلاق وفي أمر الرجعة فإن الله -تعالى- يجعل له من ضيقه مخرجا، ومن همه فرجا، ويرزقه من حيث لا يحتسب.
القائدة الثانية عشر: من توكل على الله -تعالى- في قراراته في أمر النكاح وفي أمر الطلاق وفي أمر الرجعة وفي أمر الإشهاد فهو حسبه، فهو الذي يعلم الغيب وهو الذي يعلم المستقبل، وفي هذا ما يزرع الثقة في القلب والثقة في النفس، فيكون لدى الإنسان أمل بعد ذلك، والناس مطبوعون على الخوف من المستقبل، وقد أمن الله لك هذا الأمر ووعدك بأنه هو حسبك، وكفى بالله حسيبا! يقول الله -تعالى- (وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا) [الطلاق:2-3].
الفائدة الثالثة عشر: عدة اليائسة التي انقطع عنها الحيض ثلاثة أشهر.
الفائدة الرابعة عشر: عدة الصغيرة التي لم تحض بعدُ أيضا ثلاثة أشهر.
الفائدة الخامسة عشر: الحامل عدتها أن تضع حملها، فلو طلقها في أول حملها فإن عدتها إلى أن تلد، ولو طلقها قبل أن تضع بلحظات فإن عدتها لحظات، وأما إذا كانت من النساء اللائي يحضن فعدتهن ثلاثة قروء أو ثلاثة حيضات أو ثلاثة أطهار على اختلاف من أقوال العلماء؛ لقوله -سبحانه-: (وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوَءٍ)، وأما هنا فإنه قال: (وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِن نِّسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ وَأُوْلَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ) [الطلاق:4].
الفائدة السادسة عشر: من يتق الله -سبحانه وتعالى- في ذلك، وهذا أمر آخر ووعد آخر لمن يتقي الله، من يتق الله -سبحانه وتعالى- يجعل له من أمره يسرا، قال -سبحانه- (وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا)، ثم قال بعد ذلك: (وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا) [الطلاق:5]، ليس هناك في القرآن حث على التقوى وترغيب لما هو أتقى كما جاء في هذه السورة، سورة الطلاق، فمن يتق الله -سبحانه وتعالى- في معاملته مع امرأته فإن الله -سبحانه وتعالى- يكفر عنه سيئاته، ويعظم له أجره، ويجعل له من أمره يسرا، ويجعل له مخرجا، ويرزقه من حيث لا يحتسب. وسيأتي أيضا فوق هذا وعود أخرى.
الفائدة السابعة عشر: يجب على الرجل أن يسكن امرأته المطلقة يجب عليه أن يسكنها، إلا إذا كانت مطلقة طلاقا بائنا، أي الطلقة الثالثة، فهذه مسألة اختلف فيها العلماء، أما إذا كانت الطلقة هي الثانية فإنه بإجماع العلماء يجب عليه أن يسكنها، بل ذكر الله -سبحانه وتعالى- أن ذلك البيت الذي طلقت فيه هو بيتها، ولهذا قال -تعالى- في الآيات السابقات: (لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ)، وقال: (أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنتُم) [الطلاق:6].
الفائدة الثامنة عشر:السكن الذي يجب على الزوج هو على حسب طاقته وعلى حسب قدرته؛ لقوله -سبحانه-: (أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنتُم مِّن وُجْدِكُمْ).
الفائدة التاسعة عشر: لا يجوز للزوج أن يضار زوجته ولا يؤذيها، فإن من الناس من يتحكم في امرأته المطلقة ويقول لها: لا يجوز لك أن تخرجي من البيت، ومع ذلك يؤذيها ويستغل هذا التوجيه الإلهي، قال -تعالى-: (وَلَا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ) [الطلاق:6].
الفائدة العشرون: المرأة المطلقة حتى لو كانت مطلقة طلاقا لا رجعة فيه وكانت حاملا فإنه يجب عليه أن ينفق عليها حتى تضع حملها؛ لقوله -تعالى- في هذه الآية: (وَإِن كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ) [الطلاق:6].
الفائدة الحادية والعشرون: أنها إذا أرضعت ولده فعليه أن ينفق عليها حتى لو كانت مطلقة طلاقا بائنا، نعم هذا الولد ولدها ولكن النفقة على الرجال من يوم أن يتزوج النساء إلى أن تطلق إلى أن تحمل إلى أن تلد إلى أن ترضع، كما قال الشاعر:
كُتب القتلُ والقتالُ علينا *** وعلى الغانياتِ جَرُّ الذيول
وقال -تعالى-، وهو أحسن من هذا كله: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ) [النساء:34]، فهنا قال: (فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ) [الطلاق:6].
الفائدة الثانية والعشرون: يجب على الزوجين أن يأتمرا بينهما بالمعروف، أي أن يأمر كل واحد منهما الآخر بالمعروف، لقوله: (وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُم بِمَعْرُوفٍ) [الطلاق:6]، أي: تشاوروا بينكم بالمعروف، وائتمروا بينكم بمعروف.
الفائدة الثالثة والعشرون: إن اختلف الزوجان أو اختلف الطرفان الرجل والمرأة في هذا الأمر فإنهما سوف يجدان من يرضع ذلك الولد، قال الله: (وَإِن تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى) [الطلاق:6]، وذلك أن النساء كثير، والمرأة إذا كان لها لبن يدر فإنها تضيق به وتحب بعاطفتها أن ترضع؛ ولهذا وعد الله وعدا مؤكدا فقال: (وَإِن تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى).
الفائدة الرابعة والعشرون: أن الإنفاق على الزوج في كل شيء من أمر الزوجة، حينما تكون وهي معه أو حينما تكون مطلقة أو حينما تكون مرضعة، إن الإنفاق الذي يجب عليه إنما يكون على حسب سعته: (لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا)، لقوله -تعالى-: (لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ)، فإن كان رزقه ضيقا ودخله قليلا فلينفق مما أتاه الله، قال -تعالى-: (وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا) [الطلاق:7].
الفائدة الخامسة والعشرون: مَن أنفق على حسب قدرته واتقى الله -تعالى- في ذلك فإن الله يعده وعدا حسنا ووعدا مؤكدا لا ريب فيه ولا شك، فالله -تعالى- لا يخلف وعده وعنده خزائن السماوات والأرض، قال -تعالى- في هذا الوعد: (سَيَجْعَلُ اللَّهُ) ولم يقل سوف (سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا) [الطلاق:7].
وهذه قاعدة -أيها الإخوة- علينا أن نعمل بها في كل شيء، وأن نتوقعها من رب رحيم، من الرحمن الكريم المنان، في كل الأوقات، سيجعل الله بعد عسرا يسرا.
ثم يقول الله -تعالى- بعد ذلك: (وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ فَحَاسَبْنَاهَا حِسَابًا شَدِيدًا) [الطلاق:8]، وانتقل الأسلوب إلى شيء آخر قد لا يظن أنه ليس هناك علاقة بين هذا وبين ما سبق، بل فيه علاقة عظيمة، وهي أن الله -سبحانه وتعالى- يخبر بأن كثيرا من القرى التي عتت وعصت التي خرجت عن أمر ربها حاسبها الله –تعالى- حسابا شديدا وعذبها عذابا نكرا.
فيا أصحاب القرى الصغيرة، إياكم أن تخرجوا عن أوامر ربكم وإياكم أن تتمردوا على تنبيهات السماء؛ فإن الله -تعالى- قد يهلككم وقد يعاقبكم ويحاسبكم حسابا شديدا، فاتقوا الله يا أولي الألباب!.
(وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ فَحَاسَبْنَاهَا حِسَابًا شَدِيدًا وَعَذَّبْنَاهَا عَذَابًا نُّكْرًا * فَذَاقَتْ وَبَالَ أَمْرِهَا وَكَانَ عَاقِبَةُ أَمْرِهَا خُسْرًا * أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُوْلِي الْأَلْبَابِ الَّذِينَ آمَنُوا قَدْ أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْرًا) [الطلاق:8-10].
الفائدة السادسة والعشرون: أن من يتق الله -تعالى- ويدرك أوامره ونواهيه ويعمل بتوجيهاته -سبحانه وتعالى- فهو من أولي الألباب، وهم أولو العقول السليمة، أما الذين لا يفطنون إلى ذلك فإنهم كالبهائم...: (فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُوْلِي الْأَلْبَابِ الَّذِينَ آمَنُوا قَدْ أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْرًا).
الفائدة السابعة والعشرون: أن من يعمل بأوامر الله -سبحانه وتعالى- ومن يعمل الصالحات فإن الله -تعالى- (يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا قَدْ أَحْسَنَ اللَّهُ لَهُ رِزْقًا) [الطلاق:11]، وهذا الجزاء العظيم من الله -سبحانه وتعالى- لا يساوي ذلك العمل، فالعمل قليل والأجر على قدر الكريم الوهاب -سبحانه وتعالى- فهو أجر عظيم يجزيه الله -سبحانه وتعالى- من امتثل أوامره.
نسأل الله -سبحانه وتعالى- أن يجعلنا من عباده المتقين الذين يعملون الصالحات، وأن يجعلنا من أولي الألباب، وأن يجعلنا ممن يجتبيه -سبحانه وتعالى- ليجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب. اللهم آمين.
هذا وأستغفر الله لي ولكم وللمسلمين من كل ذنب فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إله الأولين والآخرين، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبد الله ورسوله أرسله الله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيدا، صلى الله عليه وعلى آله السادة الغرر، ما اتصلت عين بنظر، وسمعت أذن بخبر.
يا معشر الإخوة: الفائدة الثامنة والعشرون: هي في آخر آية في هذه السورة، وهي آية عجيبة، وتشتمل على فوائد: (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ) [الطلاق:12]، وليس هناك في القرآن إشارة إلى أن الأراضين سبع إلا في هذه الآية: (وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا).
إذا؛ فالفائدة الأولى من هذه الآية، وفيها فوائد كثيرة، عظم خلق المولى -سبحانه- وعظم قدرته، وإذا تقرر ذلك في قلب العبد وعلم أن الذي ذكر هذه التوجيهات هو من كان بهذه القدرة الهائلة العظيمة، الذي خلق هذا الكون كله وخلق السماوات وخلق من الأرض مثلهن إذا علم ذلك فإنه سوف تنغرس المهابة في قلبه لهذا العظيم، ويعرف أن الله -سبحانه وتعالى- ذو الجلال وذو العظمة وذو الكمال وذو الجمال فيهابه، لكنه لا يكون له ذلك إلا إذا كان من أولي الألباب الذين ذكرهم الله -تعالى- قبل قليل؛ ولهذا قال الله -تعالى- في آخر الآية: (لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا)، فلا تظنوا -أيها الأزواج ويا أيتها الزوجات ويا أيها المطلقون ويا أيتها المطلقات- لا يظنن أحدكم أنه سوف يخفى على ربه شيء من عمله أو شيء من مكنون نفسه فإن الله -تعالى- قد أحاط بكل شيء علما.
الفائدة الثامنة والعشرون: إن الله -تعالى- قال: (يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ)، وفي ذلك تشريف لأوامر الله -سبحانه وتعالى- التي تنزل من السماء، ولهذا قال الله -تعالى- في ثنايا السورة (ذَلِكَ أَمْرُ اللَّهِ أَنزَلَهُ إِلَيْكُمْ)، وهو منزل من ربكم -سبحانه وتعالى- من السماء حتى نعلم أن الخطب جسيم وأن الحدث جلل وأن الأمر ليس بالسهل؛ فلا نستهين بأوامر الله -سبحانه وتعالى-.
وهنالك لمحة دالة عامة نستفيدها من هذه السورة هي أن الإسلام عني بأمر الطلاق، وأنزل فيه سورة كاملة، وليس هناك سورة للنكاح، لأن الناس يقبلون على الزواج وعلى النكاح ويستعدون له ويعدون له المهر؛ لكنهم لغضبة يسيرة في ثوان معدودة قد يهدمون هذا البناء كله، فأراد الله -سبحانه وتعالى- تدارك عباده برحمته حتى لا يقعوا في هذه الورطة، ثم يأتي بعد ذلك ليبحث له عن مخارج ويبحث له عن مداخل، وقد لا يجد مخرجا حتى يصبح كفها ويدها ومعصمها في يد رجل آخر، وحتى تنكح زوجا غيره، فيندم ولا ينفع حينئذ الندم!.
يا أيها الإخوة: (هَذَا بَلاَغٌ لِّلنَّاسِ وَلِيُنذَرُواْ بِهِ وَلِيَعْلَمُواْ أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ) [إبراهيم:52].
ارجعوا إلى هذه السورة، وتعلموا منهج الله -سبحانه وتعالى-، وتأدبوا بآداب الإسلام في معاملاتكم كلها، إننا لم نبعد عن منهج الله -سبحانه وتعالى- إلا لما اتخذنا كتاب الله -تعالى- وراءنا ظهريا، فارجعوا إلى كلام ربكم وإلى توجيهاته.
نسأل الله -سبحانه وتعالى- أن يرزقنا الفهم عنه في كتابه، وأن يجعل القرآن العظيم ربيع قلوبنا، ونور صدورنا، وجلاء أحزاننا، وذهاب همومنا وغمومنا.
اللهم إنا نعوذ بك من زوال نعمتك، وتحول عافيتك، وفجاءة نقمتك، وجميع سخطك.
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي