الحديثُ عن تزكِيةِ النفوس، وتطهيرِ الطِّباع، وتنمِيَة دواعِي العفَّة والطهارة ليست شِعاراتٍ عاطفيَّة، أو كمالاتٍ خُلُقيَّة؛ بل هي أصلُ تماسُك المُجتمع وبُنيَة أساسٍ لبقائِه، ومقصدٌ عظيمٌ من مقاصِدِ الشرع الحَنيف.. وأخلاقُ الإسلام ليست رأيًا بشريًّا ولا نظامًا وضعيًّا، ولكنها ربَّانيَّة المصدر، عباديَّة المقصِد، يُرادُ بها وجهُ الله ورِضوانُه، تملِكُ على المُسلم قلبَه فيدفعُه إليها إيمانُه، وهي ثابتةٌ كاملةٌ لا تتردَّدُ مع الأهواء، فيها الأُسوةُ والقُدوة..
الحمدُ لله جعلَ الفضيلةَ لباسًا للمُتقين وحِليَة، وحثَّ على حراسَةِ الأخلاق في مُحكَم تنزيلِه وصادِقِ وحيِه، ووعَدَ أهلَ العفاف كِفايةً وغُنيَة، وفطَرَ الناسَ على الحياء فصارَ نقاءُ المُجتمعات لكِرام الناس بُغيَة، وتجافِيها عن مباءَات الرَّذائِل مطلَبٌ شريفٌ وحِميَة.
أحمدُ الله تعالى ربِّي وأشكرُه، وأُثنِي عليه وأستغفرُه، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريكَ له المُتفرِّدُ في ذاتِه وفي خلقِه وأمرِه ونهيِه، وأشهدُ أن محمدًا عبدُ الله ورسولُه وأمينُه على وَحيِه، صلَّى الله وسلَّم وبارَك عليه، وعلى آله المُبرَّأين من كل فِريَة، وعلى أصحابِه والتابِعين.
أما بعد: فإن تقوَى الله تعالى هي الوصيَّة، وهي الزادُ المُدَّخرُ لذَوِي النفوسِ الزكيَّة، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب: 70، 71].
من اتَّقَى الله فإن الله تعالى هو مولاه وهو كافِيه، ومن اتَّقَى الناسَ فلن يُغنُوا عنه من الله شيئًا.
أيها المسلمون: القِيَمُ مبادِئُ في الحياة، ومظاهرُ في السلُوك، وهي جُزءٌ من عقيدة أي مُجتمعٍ، والفضيلةُ والأخلاقُ والمبادئُ قِيَمٌ مُطلقةٌ في دينِنا الحَنيف، تستمِدُّ أصولَها من شريعَتنا الغرَّاء، فهي عقيدةٌ وعبادة، وتأصيلُها وصيانتُها واجبٌ شرعيٌّ على المُربِّين والمُصلِحين.
وقد تكاثَرَت النصوصُ في جانبِ السلُوكِ والأخلاقِ والقِيَم عامَّة، وفي جانبِ الفضيلَة خاصَّة، وجعلَها الله من أسباب الفلاح، وجعلَ أهلَها ورثَةَ الفردوس الأعلى من الجنة.
والحديثُ عن تزكِيةِ النفوس، وتطهيرِ الطِّباع، وتنمِيَة دواعِي العفَّة والطهارة ليست شِعاراتٍ عاطفيَّة، أو كمالاتٍ خُلُقيَّة؛ بل هي أصلُ تماسُك المُجتمع وبُنيَة أساسٍ لبقائِه، ومقصدٌ عظيمٌ من مقاصِدِ الشرع الحَنيف؛ بل قرَنَ الله الأمنَ والعفافَ في آيةٍ واحدةٍ مع توحيدِه - سبحانه - في سُورة الفُرقان.
وأخلاقُ الإسلام ليست رأيًا بشريًّا ولا نظامًا وضعيًّا، ولكنها ربَّانيَّة المصدر، عباديَّة المقصِد، يُرادُ بها وجهُ الله ورِضوانُه، تملِكُ على المُسلم قلبَه فيدفعُه إليها إيمانُه، وهي ثابتةٌ كاملةٌ لا تتردَّدُ مع الأهواء، فيها الأُسوةُ والقُدوة: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) [الأحزاب: 21]، وفيها الاقتِداءُ والاهتِداء: (أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ) [الأنعام: 90].
ومن فضلِ الله تعالى على هذه الأمة المُحمدية أنها تمسَّكَت بدينِ ربِّها، والْتَزَمَت شِرعتَه مع تطاوُل القُرون وعوادِي الزمان، وتوارَثَت قِيَمه ومبادِئَه، وتربَّت عليه الأجيال، وتميَّزَت به أمةُ الإسلام.
ومن سُنَّة الله في خلقِه أن يعترِيَهم الضعفُ والنقصُ ما بين فترةٍ وأُخرى، إلا أن تسارُعَ التغيُّر ومقدارَ التأثُّر في هذه الأزمان المُتأخِّرة لم يعُدْ خافِيًا على أدنَى مُتأمِّل.
أيها المُسلمون: التغيُّر والتغييرُ سِمةٌ بشريَّةٌ ومظهرٌ من مظاهر الحياة، وهو مفهومٌ مُحايِدٌ لوصفِ حالة التبدُّل، فلا يُمدَحُ ولا يُذمُّ إلا بحسب موضوعِه وهدفِه؛ فتغييرُ الخطأ للصواب، والفساد إلى الصلاح، والشرِّ إلى الخير، والضعفِ إلى القوة، والفشل إلى النجاح كلُّ ذلك مطلوبٌ ومحمودٌ، لكن الفتنة والبلاء حين يُبدَّلُ الحقُّ بالباطلِ، والمعروفُ بالمُنكَر، والفضيلةُ إلى ضِدِّها.
وقد قصَّ الله تعالى في كتابِه حالَ أمةٍ قبلَنا؛ لتكون عِبرةً لنا، فقال - سبحانه -: (سَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَمْ آتَيْنَاهُمْ مِنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ وَمَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) [البقرة: 211].
فبيَّن الله تعالى مراحِلَ هذا التبديل لنعمةِ الله، وأوضحَ مظاهرَه في أخلاق القوم ومسالِكِهم؛ ليجتنِبَ المُسلمون المزالِقَ التي هوَت بغيرهم؛ لأن الأُمم لا تُنكَبُ جُزافًا، ولكنها قوانينُ الله وسُننُه التي يخضَعُ لها الأولون والآخرُون.
عباد الله: وحياةُ المُؤمنين المُتمسِّكين بدينِهم المبنيَّةُ على العبوديَّة لله تعالى على الطُّهر والعفافِ والفضيلَة هي حياةٌ محفُوفةٌ بالمخاطِر، تعتَرِيها رياحُ التأثير من كل جانِبٍ، وتهُبُّ عليها عواصِفُ الفتن، وتزيدُ المخاطِرُ بانفِتاح الإعلام بكل قنواتِه المُتنوِّعة ووسائل التواصُل الاجتماعيِّ غير المُنضبِطة، وتسلُّط أهل الشرِّ والفساد، (وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا) [النساء: 27].
وهذا المَيلُ العظيمُ الذي ذكرَه الله تعالى تُصوِّرُه موجةُ الفُجُور المُنظَّم المُسلَّط على الأمة عبر مُؤسَّسات وأحزاب، وظواهر اجتماعيَّة محمُومة تُمكِّنُ للفساد الأخلاقيِّ والدعايَة له بشتَّى الوسائِل؛ لتحقيقِ أهدافٍ تؤُولُ في النهايةِ إلى مُحاصَرَة التديُّن في حياةِ الناس؛ لعلمِهم أن الدعوةَ إلى الله لا تنتعِشُ في مُجتمعٍ مُستهترٍ بالقِيَم، غارِقٍ في الشهوات.
فأيُّ أمةٍ تُفرَّغُ من عقائِدِها وأخلاقِها، فإن ديانتَها مُتلاشيَةٌ بالتَّبَع، ومُضمحِلَّةٌ بالتأكيد، ولا يبقَى بعد ذلك من الأمةِ إلا اسمٌ، ولا من وجودِها إلا رسمٌ.
ومن هنا كان إغراقُ المُجتمع في الفساد الخُلُقيِّ بشتَّى أنواعه هدفًا مقصُودًا لكل القُوَى المُعادِية للمدِّ الإسلاميِّ، وتحت مُسمَّياتٍ مُختلفة، ويصِفُون المُجتمعات المُسلمة بالتطرُّف والإرهاب، ويُرهِقُونَها بكل بلِيَّةٍ بزَعم مُحاربَة التطرُّف، ويضُخُّون التفسيقَ القسْريَّ باسمِ: التحديث، والانفِتاح، وغايتُه سَلخُ المُجتمع من هويَّته الإسلامية وتحوُّلُه لغيرها، وإفراغُ المُسلمين من عقيدةِ أسلافِهم.
وهذا يستدعِي وقفةً مُخلِصةً من عامَّة المُسلمين وخاصَّتهم، للذَّود عن مُعتقداتهم وقِيَم الفاضِلة؛ فمُستقبلُنا رهنٌ بوفائِنا لدينِنا.
عباد الله: وفي سنواتٍ قريبةٍ مضَت أكثَرَ الغيورُون من كُتَّاب المُسلمين الذين شهِدُوا تمكُّن الاستِعمار من ديارِهم وجلاءَه بعد ذلك، أكثَرُوا من شهاداتهم ومُشاهداتهم على حِرصِ المُستعمِرِ على هدم الأخلاق خُطوةً خُطوةً، حتى رأى الواحِدُ منهم تحوُّلاتٍ كاملةً خلال عِقدَين أو ثلاثةٍ من الزمان؛ ذلك أن خلخَلَةَ منظومة الأخلاق وبثَّ الشهوات هدم، والهدمُ سريعةٌ تداعِياتُه، ودانِيةٌ تبِعَاتُه.
ثم إن الذين تساهَلُوا في عقائِدِهم وقِيَمهم، ورامُوا مُجاراةَ غيرهم لم يظفَرُوا بشيءٍ، فلا الأخلاقُ بقِيَت، ولا الحضارةُ بُنِيَت.
أيها المُسلمون: إن بناءَ الشخصيَّة المُسلمة للمُجتمع، وتحصينَه ضدَّ مُحاولات الهَدم والتخريبِ تستدعِي ضرورةَ العمل الجادِّ في الدعوة إلى الله تعالى، والحثِّ على الأخلاق بتمثُّلها والدعوة إليها، والتذكير بالله واليوم الآخر، وبالحساب والعقاب، ورَبط الناس بالقُرآن وعِبَره وعِظاته، وحِكَمه وأحكامه.
وإن نُصوصَ القرآن والسنَّة في مبدأ الفضيلَة تتضمَّنُ معنًى كليًّا قاطِعًا، وهو: أن مقصُودَ الله - جلَّ وعلا - هو التحفُّظُ والصيانةُ وسدُّ الذرائِع.
إن أي تغييرٍ ثقافيٍّ واجتماعيٍّ لا بُدَّ أن ينبُعَ من داخلِ المُجتمع المُسلم، وأن يلتزِمَ ثوابِتَ الدين وأُسس الهويَّة، وإن المُجتمعات أيًّا كانت تتقدَّمُ إذا امتلَكَت القُدرات اللازِمة لتأسيسِ الحضارة والمدنيَّة والعِمران البشريِّ، غيرَ أن المُجتمع المُسلمَ المُستنيرَ بنُور الله يظلُّ مُتَّسِقًا في تقدُّمه مع مُقتضَيَات الوحي الربَّانيِّ، بينما المُجتمعاتُ الكافِرة لا تُلقِي لأوامر الله بالاً، ولا ترفعُ بها رأسًا.
وهذا ما تتبايَنُ به المُجتمعاتُ في علاقاتها بأنفُسِها وبأفرادِها، فتعجزُ المُجتمعات الماديَّة عن إدراك الغايةِ المُثلَى لإعمار الأرض، وتُسفِرُ التحوُّلات الاجتماعيَّة إلى التفكُّك وانهِيار الأخلاق، وتبرُزُ مُشكِلاتٌ وأزماتٌ حادَّة ينهارُ معها بناءُ المُجتمع.
إن تماسُكَ المُجتمع المُسلم مرهُونٌ - بإذن الله - بالمُبادَرَة بالإصلاح في نُور الوحي، والتمسُّك بهويَّته الإسلاميَّة في قِيَمه ومبادئِه.
وإن مُدافعَة الشرِّ ضرورةٌ لا يُقصَدُ بها الانتِصارُ للرأي، لكنَّه - واللهِ - الخوفُ من استِكمال شرائِطِ العقوبات الإلهيَّة، ودفعًا لتفاقُم الفساد والخبَث.
عن أم المُؤمنين زينب بن جحشٍ - رضي الله عنها -، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - دخلَ عليها فزِعًا يقولُ: «لا إله إلا الله، ويلٌ للعربِ من شرٍّ قد اقترَب، فُتِح اليوم من رَدم يأجُوج ومأجُوج مثلُ هذه» - وحلَّقَ بإصبعِه الإبهامَ والتي تَلِيها -، قالت زينبُ: فقلتُ: يا رسولَ الله! أنهلِكُ وفينا الصالِحون؟ قال: «نعم، إذا كثُرَ الخبَثُ» (رواه البخاري).
عباد الله: الأمرُ بالمعروف والنهيُ عن المُنكَر صَمَّامُ الأمان لهذه الأمة، ولا تزالُ الأمةُ بخيرٍ ما دامَت تُنكِرُ المُنكَر، قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: «إن الناسَ إذا رأَوا الظالِمَ فلم يأخُذوا على يدَيه، أوشكَ أن يعُمَّهم الله بعقابِه» (رواه أحمد، وأبو داود، والترمذي).
فلا مناصَ من الاحتِساب لمُحاصَرَة هذا الطُّوفان الواسِع من التغييرات السلبِيَّة، ولتحقيقِ الواجبِ الكِفائيِّ الذي تندفعُ به العقوبةُ والمقتُ عن الأمة، وتنبيهُ الناس إلى ما يُحاكُ ضدَّهم، وبالكلمة الطيبة والحكمة والموعظة الحسنة؛ فقد قال الله - عز وجل -: (فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ) [هود: 116].
وقد قال - سبحانه -: (أُولُو بَقِيَّةٍ)؛ لأن الأمور تقوَى في أولها ثم تضعُف، فمن ثبَتَ في وقتِ الضعفِ فهو بقيَّةُ الصدر الأول.
أعوذُ بالله من الشيطان الرجيم: بسم الله الرحمن الرحيم: (ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ * إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ * هَذَا بَصَائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) [الجاثية: 18- 20].
بارَك الله لي ولكم في القرآن والسنَّة، ونفعَنا بما فيهما من الآياتِ والحكمة، أقولُ قولِي هذا، وأستغفِرُ الله تعالى لي ولكم.
الحمدُ لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، وأشهَدُ أن لا إله إلا الله الملكُ الحقُّ المُبين، وأشهدُ أن محمدًا عبدُه ورسولُه الصادقُ الأمين، صلَّى الله وسلَّم وبارَك عليه، وعلى آله وصحبِه أجمعين.
وبعدُ .. أيها المسلمون: فإن معرفةَ الغايةِ من الخلق، والهدفِ من هذه الحياة هي أهم قضيَّةٍ تشغَلُ بالَ الإنسان، وهي محلُّ تأمُّلاته وفِكره.
وكلُّ إنسان له تصوُّرٌ حسب علمِه وإدراكه ومُعتقَده، أما المُسلمُ الذي رضِيَ بالله ربًّا، وبالإسلام دينًا، وبمُحمدٍ - صلى الله عليه وسلم - نبيًّا ورسُولاً فالقضيَّةُ عنده جلِيَّةٌ واضِحةٌ، والمسألةُ بيِّنةٌ لا لبسَ فيها ولا غُموض؛ إذ يجِدُ الجوابَ القاطِعَ في كتابِ الله تعالى وسُنَّة نبيِّه - صلى الله عليه وسلم -.
وإن أعظمَ القضايا وُضوحًا في القرآن الكريم، وأكثَرها حُضورًا في سُوره وآياتِه، وأشدَّها قوَّةً وتأثيرًا: هي الإخبارُ عن الحياةِ الآخرة الأبديَّة؛ إما في الجنة حيث النعيم المُقيم، وإما في جهنَّم حيث العذاب الأليم، هذه القضيَّةُ الكُبرَى التي تتعلَّقُ بنهاية الإنسان ومصيرِه بعد الموتِ، وآياتُها من الكثرَة والتَّكرار والتفصيل والبيان ما يستدعِي أن يستحضِرَها المُسلمُ في كل أحوالِه وتصرُّفاته.
كما جاء البيانُ المُفصَّلُ للغايةِ التي خُلِقَ لأجلها الإنسان في أمر الله وخبَره؛ أما الخبرُ فقولُه - سبحانه -: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) [الذاريات: 56]، وأما الأمرُ فقولُه - جلَّ وعلا -: (وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ) [البينة: 5].
فالغايةُ من الخلق، وإرسال الرُّسُل، وإنزال الكتب: تحقيقُ عبادة الله تعالى بتوحيده، وتعظيم أمره ونهيِه، والسَّير وفقَ ما يرضَاه - سبحانه -، واجتِناب أسباب غضبِه ومقتِه.
خطبَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - أولَ بعثِه فقال: «إن الرائِدَ لا يكذِبُ أهلَه، والله لو كذَبتُ الناسَ جميعًا ما كذَبتُكم، ولو غرَرتُ الناسَ ما غرَرتُكم، والله لتموتُنَّ كما تنامُون، ولتُبعثُنَّ كما تستيقِظُون، ولتُحاسبُنَّ بما تعمَلُون، ولتُجزوُنَّ بالإحسان إحسانًا، وبالسُّوء سُوءًا، وإنها للجنةُ أبدًا، والنارُ أبدًا» (أخرجه ابن حبان).
وتظهرُ حقيقةُ اليقين بالله في مراحِلِ الضعفِ، وإنما يكونُ اليقينُ للواثِقِ بالله مهما حلَكَ الظلام، واشتدَّ الضيقُ، وتكالَبَت الخُطُوب.
اللهم يا مُقلِّبَ القلوب ثبِّت قلوبَنا على دينِك.
هذا وصلُّوا وسلِّمُوا على نبيِّ الرحمةِ والهُدى: محمدِ بن عبد الله رسولِ الله إلى العالَمين.
اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على عبدِك ورسولِك محمدٍ، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وصحابتِه الغُرِّ الميامِين، ومن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين، واخذُل الطُّغاةَ والملاحِدَة والمُفسِدين، اللهم انصُر دينَك وكتابَك، وسُنَّة نبيِّك، وعبادَك المؤمنين.
اللهم أبرِم لهذه الأمة أمرَ رُشدٍ يُعزُّ فيه أهلُ طاعتِك، ويُهدَى فيه أهلُ معصيتِك، ويُؤمرُ فيه بالمعروف، ويُنهَى عن المُنكَر يا رب العالمين.
اللهم من أرادَ الإسلامَ والمُسلمين ودينَهم وديارَهم بسُوءٍ فأشغِله بنفسِه، ورُدَّ كيدَه في نَحرِه، واجعَل دائرةَ السَّوء عليه يا رب العالمين.
اللهم انصُر المُجاهدِين في سبيلِك في فِلسطين، وفي كل مكانٍ يا رب العالمين، اللهم فُكَّ حِصارَهم، وأصلِح أحوالَهم، واكبِت عدوَّهم.
اللهم حرِّر المسجدَ الأقصَى من ظُلم الظالمين، وعُدوان المُحتلِّين.
اللهم إنا نسألُك باسمِك الأعظَم الذي إذا دُعِيتَ به أجَبتَ، وإذا سُئِلتَ به أعطَيتَ أن تلطُفَ بإخوانِنا المُسلمين في كل مكانٍ، اللهم كُن لهم في فلسطين، وفي سُوريا، وفي العراق، وفي اليمَن، وفي كل مكانٍ، اللهم الطُف بهم، وارفَع عنهم البلاء، وعجِّل لهم بالفرَج، اللهم أصلِح أحوالَهم، واجمعهم على الهُدى، واكفِهم شِرارَهم.
اللهم عليك بالطُّغاة الظالِمين ومن عاونَهم، اللهم عليك بالطُّغاة الظالِمين ومن عاونَهم، اللهم أنزِل عليهم رِجزَك ومقتَك وغضبَك إلهَ الحقِّ.
اللهم وفِّق ولِيَّ أمرِنا خادمَ الحرمين الشريفين لما تُحبُّ وترضَى، وخُذ به للبرِّ والتقوَى، اللهم وفِّقه ونائبَيه وأعوانَهم لما فيه صلاحُ العبادِ والبلادِ.
اللهم احفَظ وسدِّد ووفِّق جنودَنا المُرابِطين على ثُغورِنا وحُدودِنا، المُجاهِدين لحفظِ أمنِ بلادِنا وأهلِنا وديارِنا المقدَّسة، اللهم كُن لهم مُعينًا ونصيرًا وحافِظًا.
اللهم وفِّق ولاةَ أمور المسلمين لتحكيم شرعِك، واتِّباع سُنَّة نبيِّك محمدٍ - صلى الله عليه وسلم -، واجعَلهم رحمةً على عبادِك المؤمنين.
اللهم انشُر الأمنَ والرخاءَ في بلادِنا وبلادِ المسلمين، واكفِنا شرَّ الأشرار، وكيدَ الفُجَّار، وشرَّ طوارِق الليل والنهار.
(رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) [البقرة: 201]،
ربَّنا اغفِر لنا ذنوبَنا، وإسرافَنا في أمرِنا، وثبِّت أقدامَنا، وانصُرنا على القومِ الكافِرين.
اللهم اغفِر ذنوبَنا، واستُر عيوبَنا، ويسِّر أمورَنا، وبلِّغنا فيما يُرضِيك آمالَنا، اللهم اغفِر لنا ولوالدِينا ووالدِيهم وذُريَّاتهم، وأزواجِنا وذريَّاتِنا، إنك سميعُ الدعاء.
نستغفِرُ الله، نستغفِرُ الله، نستغفِرُ الله الذي لا إله إلا هو الحيَّ القيومَ ونتوبُ إليه.
اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغنيُّ ونحن الفقراء، أنزِل علينا الغيثَ ولا تجعَلنا من القانِطين، اللهم أغِثنا، اللهم أغِثنا، اللهم أغِثنا غيثًا هنيئًا مريئًا، سحًّا طبَقًا مُجلِّلاً، عامًّا نافعًا غيرَ ضارٍّ، تُحيِي به البلاد، وتسقِي به العباد، وتجعلُه بلاغًا للحاضِر والباد.
اللهم سُقيَا رحمةٍ، اللهم سُقيَا رحمةٍ، اللهم سُقيَا رحمةٍ، لا سُقيَا عذابٍ ولا بلاءٍ ولا هدمٍ ولا غرَقٍ، اللهم إنا نستغفِرُك إنك كنتَ غفَّارًا، فأرسِلِ السماءَ علينا مِدرارًا.
ربَّنا تقبَّل منَّا إنك أنت السميعُ العليم، وتُب علينا إنك أنت التوابُ الرحيم.
سُبحان ربِّنا ربِّ العزَّة عما يصِفُون، وسلامٌ على المُرسلين، والحمدُ لله رب العالمين.
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي