أيام مرة، ولحظات عصيبة؛ يعيشها المسلمون اليوم وهم ينظرون إلى أهل الكفر وقد جمعوا لأهل الإسلام، والسبب المعلن أنهم يحاربون الإرهاب، والحقيقة أنهم يريدون القضاء على الإسلام...
الحمد لله الذي تفرد بالكبرياء والكمال، وتوحد بالبقاء والعز الذي لا نفاد له ولا زوال، الملك الذي يولي ويعزل، ويأخذ ويمهل، الجبار الذي خضع كل متكبر لعظيم هيبته، وقهر كل متكبر بسلطان سطوته.
وأشهد أن لا إله إلا الله الكبير المتعال، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله المبعوث بأكمل شريعة وأشرف خصال، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه صلاةً تتجدد بالغدو والآصال، وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد:
فيا عباد الله -أيها المسلمون-: أيام مرة، ولحظات عصيبة يعيشها المسلمون اليوم وهم ينظرون إلى أهل الكفر وقد جمعوا لأهل الإسلام، تحالف نصراني رافضي على أهل السنة بدافع ديني عقدي، وحقد أبدي سرمدي، تحالف نصراني رافضي على حلب، وتحالف رافضي نصراني على الموصل، والسبب المعلن أنهم يحاربون الإرهاب، والحقيقة أنهم يريدون القضاء على الإسلام السني، يدمرون الشام والعراق وعيونهم على مكة والمدينة، قصف بالصواريخ والدبابات والقنابل الحارقة والاهتزازية حتى أصبح الليل كالنهار، والنتيجة بلاد تستباح، وأعراض تنتهك، ودماء تراق، وحضارات تهدم، أمور لو تأملهن طفل لطفل في عوارضه المشيب.
ومع هذه الدموع والآلام والجراح هيهات أن يقضوا على الإسلام، هيهات أن يطفئوا أنواره، لقد مر المسلمون في تاريخهم الطويل بأزمات عظيمة، مزقت فيها أجسادهم، واستبيحت ديارهم، فذهبت الأزمات، وبقي الإسلام غضًا طريًا، بدأت الآلام والتضحيات في حياة رسولنا -عليه الصلاة والسلام- والذي لاقى في ذات الله الشدائد، قالت له عائشة -رضي َالله عنها-: يا رسول الله هل أتى عليك يوم كان أشد من يوم أحد؟ فقال عليه الصلاة والسلام: "لقد لقيت من قومك وكان أشد ما لقيت منهم يوم العقبة، إذ عرضت نفسي على ابن عبد ياليل بن عبد كلال فلم يجبني إلى ما أردت، فانطلقت وأنا مهموم على وجهي، فلم أستفق إلا وأنا بقرن الثعالب، فرفعت رأسي فإذا أنا بسحابة قد أظلتني، فنظرت فيها فإذا فيها جبريل، فناداني فقال: إن الله -عز وجل- قد سمع قول قومك لك وما ردوا عليك، وقد بعث إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم، قال: فناداني ملك الجبال وسلم علي ثم قال: يا محمد، إن الله سمع قول قومك وأنا ملك الجبال، وقد بعثني ربك إليك لتأمرني بأمرك فما شئت، إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين؟ فقال له رسول الله -صلى الله عليه وسلمَ-: "بل أرجو الله أن يخرج من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئًا".
وحوصر عليه الصلاة والسلام هو وقومه في شعب أبي طالب ثلاث سنين، وفي أحد كسرت رباعيته، وشج رأسه، وقتل سبعون من أصحابه، وفي حادثة بئر معونة قتل سبعون من قراء الصحابة -رَضي الله عنهم-ن ومع هذا بقي الإسلام وذهب أعداؤه، ودخل صلى الله عليه وسلمَ مكة فاتحًا منتصرًا وهو يقول: (جَاء الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا) [الإسراء: 81].
دخل مكة عليه الصلاة والسلام عزيزًا قد مكنه الله من رقاب المشركين بعد ثماني عشرة سنة من الألم والدموع والتضحيات، وبعد وفاته عليه الصلاة والسلام ارتد من ارتد من العرب حتى قيل أنه لم يؤذن إلا في ثلاثة مساجد، ومنع المرتدون الزكاة، فأراد الصديق قتالهم فعارضه الصحابة -رضي الله عنهمَ- وعلى رأسهم عمر، فأصر الصديق على قتالهم، وشرح الله صدر عمر لرأي الصديق؛ فقاتلهم وانتصر عليهم، وذهب المرتدون وبقي الإسلام عزيزًا شامخًا.
وفي زمن القرامطة دخل أبو طاهر القرمطي -لعنه الله- المسجد الحرام يوم التروية، ووقف على باب الكعبة وتأمل ونادى في الحجيج: لمن الملك اليوم؟ ثم قال: أين الطير الأبابيل؟ أين الطير الأبابيل؟ ثم قال -أخزاه الله-: أنا الله وبالله أنا، يخلق الخلق وأفنيهم أنا، ثم قتل الناس وهم يطوفون فكانوا يفرون منه فيتعلقون بأستار الكعبة فيقتلون وهم كذلك، ثم أمر أن تدفن القتلى في بئر زمزم بعد أن قتل الآلاف من الحجيج –لعنه الله وأخزاه- ومع هذا لم يمت الإسلام، لم يمت الإسلام بل مات القرمطي تتبعه لعنات المسلمين إلى يوم القيامة، وبقي الإسلام يزداد نورًا وتألقًا.
وقتل التتار من المسلمين في أواخر أيام الدولة العباسية ما يقرب من مليون مسلم، ولما دخل الصليبيون بيت المقدس في أواخر سنة أربعمائة من الهجرة ارتكبوا أشنع المجازر حتى قتلوا سبعين ألفًا أو يزيدون؛ فما مات الإسلام بل قيض الله لدينه البطل الناصر صلاح الدين، والذي أخرج الصليبيين وأعاد بيت المقدس للمسلمين.
ولما استولى النصارى على الأندلس حرموا الإسلام، ومنعوا استخدام اللغة العربية، وارتداء اللباس العربي، ومن يخالف ذلك كان يحرق حيًا بعد أن يعذب أشد العذاب، وفتحوا محاكم التفتيش التي تفننوا فيها في أساليب القتل، فمن ذلك أنهم وضعوا غرفًا فيها آلات رهيبة لتكسير العظام، وسحق الأجسام، فكانوا يبدؤون بسحق عظام الأرجل ثم الصدر ثم الرأس حتى يهشم الجسم ويخرج من الجانب الآخر كتلةً من العظام الممزوجة باللحم والدم.
ومع هذا البطش والتنكيل والتقتيل والمكر الكبار والمؤامرات التي تحاك بالليل والنهار ظل الإسلام قائمًا على أصوله، وأشرقت شمسه على جميع القارات، ودخل أمريكا وأوربا حتى زاد عدد المسلمين على المليار، فلا خوف على الإسلام، أعداؤه يموتون وأما هو فإنه يمرض ولا يموت، يتعثر ثم يقوم؛ لأنه الدين الذي اختاره الله للعالمين: (وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا) [المائدة: 3]؛ لأنه الدين الذي ختم الله به الأديان، وجعله مهيمنًا عليها، فلا سبيل للوقوف أمامه: (يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ * هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) [التوبة: 32 - 33].
لأنه الدين الذي وعد الله أهله أن يمكن له في الأرض: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا) [النور: 55].
قال عليه الصلاة والسلام: "تغزون جزيرة العرب فيفتحها الله -عز وجل- ثم فارس، فيفتحها الله -عز وجل- ثم تغزون الروم، فيفتحها الله، ثم تغزون الدجال، فيفتحه الله" [رواه مسلم]، وقال عليه الصلاة والسلام: "لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود، فيقتلهم المسلمون حتى يختبئ اليهودي من رواء الحجر والشجر، فيقول الحجر أو الشجر: يا مسلم، يا عبد الله، هذا يهودي خلفي فتعال فاقتله، إلا الغرقد فإنه من شجر اليهود" [رواه مسلم عن أبي هريرة].
كلام كأنه من نسج الخيال كما كان زوال فارس والروم أشبه بالخيال، لكن الذي نطق به لا ينطق عن الهوى، فلا بد من وقوع ما أخبر به، فلا بد أن يأتي اليوم الذي ترفرف فيه "لا إله إلا الله" على ديار الكفر ومعاقلهم، والله ليكونن ذلك، قال عليه الصلاة والسلام: "ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار، ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر إلا أدخله الله هذا الدين بعز عزيز، أو بذل ذليل عزًا يعز الله به الإسلام، وذلًا يذل الله به الكفر" [رواه الإمام أحمد].
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ) [الحج: 40].
قلت ما سمعتم، وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الحمد لله وحده، أعز جنده، وأنجز وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده، وصلى اللهم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.
أما بعد:
فيا معاشر المسلمين: يقول عليه الصلاة والسلام: "إن الله يقول أنا عند ظن عبدي بي" [رواه البخاري عن أبي هريرة] فمن ظن بالله خيرًا رأى الخير، ومن ظن بالله شرًا رأى الشر، فأحسنوا الظن بالله -سبحانه وتعالى- فكم عنده من خير، وكم له من لطف؟ توقعوا من الله كل خير وأملوا كل جميل، لا تعيشوا القلق بل عيشوا حياةً مطمئنةً؛ فقد آمنتم أنه "لا إله إلا الله": (الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ) [الأنعام: 82].
ثقوا بالله وتوكلوا عليه فكل شيء بيده، أرزاقكم وآجالكم هو من كتبها وهو الذي قسمها بين خلقه، فلا دخل لمخلوق فيها، وثقوا بأن الله سينصر دينه، ويعلي كلمته، ويذل أعداءه، ولو كاد الكائدون ومكر الماكرون، مهما حل بالإسلام من نكبات، ولو شاء الله لقلب موازين القوى في لحظة لكنه حكيم خبير.
عباد الله: ومع ثقتنا بأن العاقبة للمتقين، وأن النصر للمسلمين، لكن علينا أن نبذل أسباب النصر، فلن يأتي النصر بالتمني، لن يأتي النصر وأعداؤنا يخططون ويدبرون ويمكرون بالليل والنهار ونحن نتقلب في متعنا ولذاتنا وشهواتنا بعيدًا عن هموم أمتنا.
لن يأتي النصر وأعداء الإسلام يجهزون الصواريخ والطائرات ونحن نجهز الأفلام والمسلسلات والأغنيات.
لن يأتي النصر وأعداء الإسلام يخرجون العلماء والمخترعين، ونحن نخرج الفنانين واللاعبين والممثلين.
لن يأتي النصر حتى تعود الأمة إلى مصدر عزها إلى كتاب ربها، والذي ما عاش المسلمون حياة الذل والمهانة إلا لما ابتعدوا عنه؛ فإن عادوا إليه عاد لهم عزهم ومجدهم: (وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ) [الحج: 40].
لن يأتي النصر وأعداء الإسلام اجتمعوا على حرب الإسلام ووحدوا كلمتهم.
أما نحن فتفرقنا واختلفنا، واشتغل بعضنا ببعض ففشلنا وذهبت قوتنا، قال ربنا -جل وعلا-: (وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) [الأنفال: 46].
أيها المسلمون: الكلام لن ينفع إذا لم نغير واقعنا تغييرًا حقيقيًا، وذلك بالعودة إلى كتاب الله وسنة رسوله -عليه الصلاة والسلام- فإن غيرنا نصرنا، وإن بقينا على ما نحن فيه بدلنا، قال الله: (وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ) [محمد: 38].
عباد الله: صلوا وسلموا على رسول الله امتثالًا لأمر الله: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب: 56].
اللهم صل وسلم وزد وبارك على عبدك ورسولك نبينا محمد، وارض اللهم عن الصحابة أجمعين، وعن التابعين وتابعي التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بمنك وكرمك ورحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم أعز الإسلام وانصر المسلمين، اللهم أعز الإسلام وانصر المسلمين، اللهم أعز الإسلام وانصر المسلمين، اللهم احقن دماء المسلمين، اللهم احفظ أعراضهم، اللهم كن ناصرًا ومعينًا ومؤيدًا وظهيرًا.
اللهم كن لإخواننا في حلب، اللهم كن لإخواننا في الموصل، اللهم إن حالهم لا تخفى عليك، اللهم كن ناصرًا يوم قلَّ الناصر، اللهم كن لهم معينًا يوم قلَّ المعين، اللهم إن الكفر قد جمعوا لهم بغير ذنب إلا أن يقولوا: ربنا الله، اللهم انتصر لهم يا ناصر المستضعفين، يا ناصر المستضعفين، يا ناصر المستضعفين، يا قوي يا قادر، يا من لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم.
اللهم انصر جنودنا في الحد الجنوبي، اللهم انصرهم وأيدهم وأعنهم، اللهم أعدهم سالمين غانمين منصورين.
اللهم آمنا في دورنا وأصلح ولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك، برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم ادفع عنا الغلاء والوباء والربا والزنا والزلازل والمحن وسائر الفتن ما ظهر منها وما بطن، عن بلدنا هذا خاصةً وعن سائر بلاد المسلمين عامةً، يا رب العالمين.
اللهم إنا نعوذ بك من علم لا ينفع، ومن نفس لا تشبع، ومن قلب لا يخشع، ومن عين لا تدمع.
اللهم إنا نعوذ بك من شر كل ذي شر أنت آخذ بناصيته، يا قوي يا قادر.
اللهم أحسن عاقبتنا في الأمور كلها، وأجرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة.
اللهم اجعلنا نستقبل من أيامنا خيرًا مما استدبرنا، يا قوي يا قادر.
اللهم اغفر لنا ولوالدينا، اللهم ارحمهم كما ربونا صغارًا.
اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات.
اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء، أنت الغني ونحن الفقراء، أنت الغني ونحن الفقراء، أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم أسقنا وأغثنا، اللهم أسقنا وأغثنا، اللهم جللنا سحابًا كثيفًا قصيفًا ضحوكًا دلوقًا، اللهم أسق البلاد والعباد، اللهم أسق البلاد والعباد، اللهم أسق البلاد والعباد، اللهم ارحمنا بالشيوخ الركع، والأطفال الرضع، والبهائم الرتع.
اللهم إنا خلق من خلقك فلا تمنع عنا بذنوبنا فضلك، يا رب العالمين، اللهم سقيا رحمة لا سقيا عذاب ولا هدم ولا بلاء ولا غرق.
اللهم ربنا آتنا في الدنيا حسنةً وفي الآخرة حسنةً وقنا عذاب النار.
اللهم صل وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي