وصايا للمرضى

سعد بن سعيد الحجري
عناصر الخطبة
  1. أهمية التواصي وثمراته .
  2. الوصية في القرآن والسنة .
  3. لماذا نوصي المريض ؟.
  4. أمور يواسى بها المريض .
  5. وصايا للمرضى .
  6. اليقين أن المرض بقضاء الله .
  7. إحسان الظن بالله .
  8. معرفة ثواب المرض وثواب الصبر .
  9. الوقاية والتداوي المشروع .
  10. عدم تمني الموت .
  11. دوام العمل الصالح .
  12. التوبة الصادقة .
  13. الحذر من الذهب إلى السحرة والمشعوذين. .
اهداف الخطبة
  1. ذكر بعض الوصايا المهمة للمرضى
  2. بيان بعض الأمور التي يواسى بها المرضى.

اقتباس

إن ممن يحتاج إلى الوصية المرضى لضعف قلوبهم وضعف أبدانهم وقلة أعمالهم وانشغالهم بأنفسهم وبحثهم عن الصحة بأي سبيل، فهم كالغريق الذي يتشبث بما ينجيه، وحاجتهم إلى الوصية لتثبيت قلوبهم وتثبيت فطرهم وثباتهم على الصراط المستقيم..
ويحتاجون إلى الوصية لمواساتهم فيما فقدوه من الصحة والتخفيف عنهم من الهموم والغموم وإدخال السرور إلى قلوبهم

 

 

 

 

الحمد لله فالق الحبّ والنوى علم الجهر والنجوى، رفع درجات المرضى وجعل الثواب على قدر البلوى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له العلي الأعلى، له الأسماء الحسنى والصفات العلى، وأشهد أنّ سيدنا محمداً عبده ورسوله نبي الهدى وقدوة المرضى، صلى الله عليه وسلم كلما صبر المريض ودعا ربه بدعاء عريض، وعلى آله وصحبه ومن سار على منهجه إلى يوم الدين.

أما بعد:

فيا أيها المسلمون.. اتقوا الله الذي جعل الحياة الدنيا متاع، وجعل الآخرة دار القرار. واعلموا أنَّ من كان يريد حرث الآخرة يزد الله له في حرثه، ومن كان يريد حرث الدنيا يؤته الله منها وما له في الآخرة من نصيب. وتيقنوا أن (مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلا يُجْزَى إِلا مِثْلَهَا وَمَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ) [غافر:40]، فاغتنموا الدنيا قبل الآخرة، والعمل قبل الجزاء، فإنه (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ) [الزلزلة:7-8]. وقوموا بواجب التواصي فإننا أمة التواصي نحب لغيرنا ما نحب لأنفسنا، وديننا هو دين التواصي لحاجتنا إلى التذكير فقد قيل: ما سمى الإنسان إنساناً إلا لنسيانه، وقد نسي آدم ونسيت ذريته. قال تعالى: (وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً) [طـه:115]، وما كثرة النسيان إلا لتسلط الغفلة على الناس ولحب الدنيا واستحواذ الشيطان. ولقد أمرنا الله تعالى بالتذكير وبين أنه لا ينتفع به إلا المؤمنون. قال تعالى: (وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ) [الذاريات:55].

وبالتواصي يكون الربح والفوز بالمطلوب، والنجاة من المرهوب. يقول تعالى: (وَالْعَصْرِ إِنَّ الأِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ) [العصر:1-3].

وبالتواصي يكون التراحم والتعاطف والتآلف والتعاون، ويكون المجتمع كالبنيان الذي يشد بعضه بعضاً ويقوى بعضه بعضاً. يقول تعالى: (ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ) [البلد:17]، ويقول صلى الله عليه وسلم: "المؤمن للمؤمن كالبنيان يشدُّ بعضه بعضاً".

ولأهمية التواصي وصى الله الأولين والآخرين بالتقوى. يقول الله تعالى: (وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ) [النساء: من الآية131]، ووصى الله الرسل أولي العزم بأن يقيموا الدين ولا يتفرقوا فيه. قال تعالى: (شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ) [الشورى:13]، ووصى الله الإنسان بوالديه حسناً، قال تعالى: (وَوَصَّيْنَا الأِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَاناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً ) [الاحقاف: من الآية15]، ووصى بالأولاد فقال: (يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ) [النساء: من الآية11]، ووصى صلى الله عليه وسلم بعدم الغضب لأنه جماع الشر فقال: "لا تغضب" ثلاث مرات. وأوصى آخر بالحياء لأنه جماع الخير ولأنه من اتفقت عليه الشرائع ، يقول صلى الله عليه وسلم: "أوصيك أن تستحي من الله كما تستحي من الرجل الصالح من قومك".

وممن يحتاج إلى والوصية المرضى لضعف قلوبهم وضعف أبدانهم وقلة أعمالهم وانشغالهم بأنفسهم وبحثهم عن الصحة بأي سبيل، فهم كالغريق الذي يتشبث بما ينجيه، وحاجتهم إلى الوصية لتثبيت قلوبهم وتثبيت فطرهم وثباتهم على الصراط المستقيم. قال تعالى: (يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ ) [إبراهيم: من الآية27]، وكان صلى الله عليه وسلم يدعو في سجوده ويقول: "يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك".

ويحتاجون إلى الوصية لمواساتهم فيما فقدوه من الصحة والتخفيف عنهم من الهموم والغموم وإدخال السرور إلى قلوبهم، فمن نفس عن مسلم كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه.

ومما يواسى به المريض: عيادته، وهي حق لكل مسلم. يقول صلى الله عليه وسلم: "حق المسلم على المسلم خمس: رد السلام وعيادة المريض واتباع الجنائز وإجابة الدعوة وتشميت العاطس"، ويقول: "من عاد مريضاً ناداه مناد: أن طبت وطاب ممشاك وتبوأت من الجنة منزلاً"، وقال: "ما من مسلم يعود مسلماً غدوة إلا صلى عليه سبعون ألف ملك حتى يمسي، وإن عاد عشية صلى عليه سبعون ألف ملك حتى يصبح، وكان له طريق في الجنة"، وقال: "من عاد مريضاً لم يزل في خرفة الجنة حتى يرجع".

ومما يواسي به: الدعاء له، ومن الدعاء المشروع: "لا بأس إن شاء الله" وقول: "اسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يشفيك" سبع مرات. وروى ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل على رجل يعوده فقال صلى الله عليه وسلم: "لا بأس طهور إن شاء الله"، وقال صلى الله عليه وسلم: "من عاد مريضاً لم يحضر أجله فقال عنده سبع مرات: أسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يشفيك، إلا عافاه الله سبحانه وتعالى من ذلك المرض".

وقال صلى الله عليه وسلم: "إذا جاء الرجل يعود مريضاً فليقل: اللهم اشف عبدك فلاناً".

وأول الوصايا لهم:

أن يوقنوا أنّ ما أصابهم من المرض بقضاء الله وقدره، فما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، وله الأمر من قبل ومن بعد، ولن يصيب العبد إلا ما كتب الله له. وهذا المريض الذي أصابهم مكتوب لهم عند الله في كتاب قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، فيجب على المريض أن يرضى بما رضيه الله له، ويحب ما أحبه الله له. يقول تعالى: (قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) [التوبة:51]، ويقول: (مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ) [الحديد:22]، ويقول صلى الله عليه وسلم لا بن عباس: "واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف"، وفي رواية غير الترمذي: "تعرف على الله في الرخاء يعرفك في الشدة، واعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك وما أخطأك لم يكن ليصيبك".. ويقول: "قدر الله المقادير قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة".

الوصية الثانية:   

أن يحسنوا الظن بربهم فإنه أراد بهم خيراً وقدمهم على غيرهم.

قال صلى الله عليه وسلم: "من يرد الله به خيراً يصب منه"، ويقول: "إذا أراد الله بعبده خيراً عجل له العقوبة في الدنيا، وإذا أراد بعبده شراً أمسك عنه بذنبه حتى يوافي به يوم القيامة". وطهر قلوبهم من الشر وملأها من الخير وزينها بالإيمان، وطهر أبدانهم من الذنوب والمعاصي حتى أن أحدهم يمشي على الأرض وما عليه خطيئة، يقول صلى الله عليه وسلم: "ما يزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة في نفسه وولده وماله حتى يلقى الله وما عليه خطيئة"، ويقول: "ما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض وما عليه خطيئة".
فالمرض أوجده الله لحكمة جليلة لأن الله عدل في قضائه غنيّ عن تعذيب عباده لا يظلم الناس مثقال ذرة، ولكن الناس أنفسهم يظلمون، وهو أرحم بهم من أنفسهم، ويفرح بتوبة العبد أشد من فرح العبد بها، فرحمته في السماء والأرض والبر والبحر وفي الناس والجن والدواب والهوام والوحوش (رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً ) [غافر: من الآية7]، ويقول صلى الله عليه وسلم: " لا يموتنَّ أحدكم إلا وهو يحسن الظن بربه" أي: لا يقول ظلمني بالمرض أو خصني به، أو نحو ذلك.

وعاد صلى الله عليه وسلم شاباً مريضاً فقال: "كيف تجدك؟" قال أرجو رحمة ربي، وأخاف ذنوبي، قال: "أبشر لا يجتمعان في قلب عبد في مثل هذا الموطن إلا أمنه الله مما يخاف وأعطاه ما يرجوه"، ويقول تعالى في الحديث القدسي: "أنا عند ظن عبدي بي، إن ظنّ خيراً فله، وإن ظنّ شراً له".

ويقول صلى الله عليه وسلم: "إن حسن الظن من حسن العبادة".

والوصية الثالثة:
اعرفوا ما أعد الله للمرضى من ثواب الصبر وثواب المرض فإن الله جواد كريم وواسع العطاء، وقد عرف الصالحون فضل المرض ففرحوا به كما يفرح أهل الرخاء بالرخاء. يقول صلى الله عليه وسلم: "وإن كان أحدهم ليفرح بالبلاء كما يفرح أحدكم بالرخاء" وتمنّوه، فهاهو أُبيّ بن كعب يدعو: "اللهم حمى لا تمنعني الجهاد في سبيلك ولا صلاة في الجماعة في مسجد نبيك ولا الحج إلى بيتك".

والمرض علامة حب الله للعبد ومن أحبه حفظه، ومن حفظه أجاب دعاءه، وأعطاه سؤاله وأدخله الجنة، يقول صلى الله عليه وسلم: "إن عظم الجزاء مع عظم البلاء، وإذا أحب الله قوماً ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا ومن سخط فله السخط".

وهو طريق إلى الجنة، يقول للمرأة الأنصارية: "إن شئت صبرت ولك الجنة، وإن شئت دعوت الله لك". ويكفي إن مرض فصبر كان ثوابه عند الله بغير حساب. يقول تعالى: (إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ) [الزمر: من الآية10]، ويقول صلى الله عليه وسلم: "ما أعطي أحد من عطاء خير ولا أوسع من الصبر" والصبر عون من الله تعالى للعبد، فمن صبر أعين ومن لا صبر له لا عون له. يقول تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) [البقرة:153]، ويقول صلى الله عليه وسلم لا بنته لما مات ولدها: "إن لله ما أخذ وله ما أعطى وكل شيء عنده بأجل مسمى فلتصبر ولتحتسب".

الوصية الرابعة:
التداوي المشروع والوقاية خير من العلاج، والعلاج بالمأذون به أمر مشروع، وبذل الأسباب أمر مطلوب، ونحن لا نعتمد على الأسباب ولكننا نبذلها استجابة لأمر الله تعالى وتأسياً برسوله صلى الله عليه وسلم. يقول تعالى: (فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [الجمعة:10] ويقول: (هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ) [الملك:15]، وقال لأيوب: (ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ) [صّ:42]، ويقول صلى الله عليه وسلم: "تداووا عباد الله فإن الله لم يضع داء إلا وضع له دواء غير داء واحد: الهرم".

ومن الوقاية أذكار الصباح والمساء والمحافظة على الصلوات وخصوصاً صلاة الفجر والصدقة وقراءة (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) [الإخلاص:]1، و"المعوذتين" في الكفين ثلاثاً عند النوم ومسح الجسد بهما، وأرشد إلى الأذان في أذان المولود، وكان يعوذ الحسن والحسين من كل شيطان وهامة ومن كل عين لامة، ومنع أن يرد الصحيح على المريض.

ومن الوقاية عدم الدخول إلى أماكن الأمراض المعدية لأن الله تعالى يقول: (وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ) [البقرة: من الآية195]، ويقول صلى الله عليه وسلم: "إذا سمعتم بالطاعون في أرض فلا تقدموا عليه وإذا وقع بأرض وأنتم فيها فلا تخرجوا منها". ولما قدم عمر الشام وبها الطاعون استشار المهاجرين فمنهم من قال: ادخل، ومنه من قال: لا تدخل. قال: ارتفعوا عني. ثم استشار الأنصار فقالوا مثل مقالة المهاجرين. قال ارتفعوا عني. ثم استشار مهاجرة الفتح فأشروا عليه بعدم الدخول، فلم يدخل. قال أبو عبيدة: نفرُّ من قدر الله؟ قال: نعم، نفرّ من قدر الله إلى قدر الله.

ومن العلاج المشروع قراءة القرآن فإنه شفاء. يقول تعالى: (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ) [الإسراء: من الآية82]. ومنها الأدعية المشروعة مثل: "أسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يشفيك" سبع مرات، ومثل "بسم الله" ثلاثاً، و"أعوذ بعزة الله وقدرته من شر ما أجد وأحاذر" سبعاً، ومثل: "بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء" ثلاثاً في الصباح وثلاثاً في المساء، ومنها العسل، فإن الله يقول: (فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ) [النحل: من الآية69]، ويقول صلى الله عليه وسلم: "الشفاء في ثلاث: شربة عسل، وشرطة محجم، وكية نار، وأنا أنهى أمتي عن الكي"، ومنها ماء زمزم. يقول صلى الله عليه وسلم: "ماء زمزم طعام طعم وشفاء سقم".

ومنها الحبة السوداء فإنها دواء من كل داء. ومنها الحجامة لقوله صلى الله عليه وسلم: "خير ما تداويتم به الحجامة"، وقوله: "ما مررت بملأ من الملائكة ليلة أسري بي إلا قالوا: يا محمد مر أمتك بالحجامة"، ومنها الأدوية التي يصفها الأطباء، يقول صلى الله عليه وسلم: "لكل داء دواء".

والوصية الخامسة:
عدم تمني الموت لألم المرض، لأن الموت يقطع العمل. يقول صلى الله عليه وسلم: "إذا مات ابن آدم انقطع عمله..."، ويقول ابن القيم: إن امرأة ماتت ورآها أبوها في المنام فقالت: يا أبتي نحن أهل القبور نعلم ولا نعمل، وأنتم أهل الدنيا تعملون ولا تعلمون. يا أبتي: تسبيحة أو تسبيحتان خير من الدنيا وما فيها. وخير الناس من طال عمره وحسن عمله، وشر الناس من طال عمره وساء عمله، وعمر المؤمن لا يزيده إلا خيراً، إن كان محسناً ازداد من الخير، وإن كان مسيئاً أقلع عن الذنب وتاب منه. يقول صلى الله عليه وسلم: "لا يتمنين أحدكم الموت إما محسناً فلعله أن يزداد من الخير، وإما مسيئاً فلعله أن يستعتب". ويقول: "لا يتمنينَّ أحدكم الموت لضر نزل به، فإن كان لا بد متمنياً فليقل: اللهم أحيني ما كانت الحياة خيراً لي، وتوفني إذا كانت الوفاة خيراً لي".

وفي تمني الموت مفاسد منها: التسخط والتضجر وعدم الصبر وإضعاف النفس واليأس والجهل والحمق وقطع العمل الصالح، فلا يجوز تمني الموت إلا لمن حسن عمله وأحبَّ لقاء الله، فإنّ من أحبّ لقاء الله أحبّ الله لقاءه، ولذا خيّر صلى الله عليه وسلم بين الخلود في الدنيا ثم الجنة أو اللحاق بالرفيق الأعلى، فاختار الرفيق الأعلى.

ولما نزل الطاعون في الشام قال أبو عبيدة: اللهم اقسم لي منه نصيباً، لأنه يعلم أنه شهادة ويجب أن يستبدل المرض تمني الموت بالصبر فإن الله تعالى يقول: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [آل عمران:200].

ويقول صلى الله عليه وسلم: "من يستغنِ يغنه الله ومن يستعفف يعفه الله ومن يصبر يصبره الله"، وفي الحديث: "عجباً لأمر المؤمن إن أمره كله خير وليس ذلك إلا للمؤمن: إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له".

فاصبروا عند البلاء واشكروا عند السراء. أقول ما تسمعون وأستغفر الله العظيم.

  

الخطبة الثانية:

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن سلك طريقه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.

أما بعد:

فيا أيها المسلمون اتقوا الله واعلموا أنّ الوصية للمريض مطلوبة لأنها تخفّف آلامه وتزيد إيمانه، ومن الوصايا:

والوصية السادسة:
دوام العمل الصالح وعدم انقطاعه، فإن الله شرع العمل الصالح ليدوم، وما شرعه لينقطع. يقول تعالى:(وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ) [الحجر:99]، ويقول: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102].

وكان صلى الله عليه وسلم إذا عمل عملاً داوم عليه، وأحب العمل إلى الله تعالى وإلى رسوله ما داوم عليه صاحبه وإن قل، وإننا نلاحظ بعض المرضى يستبدل الذكر بالتشكي والتسخط والأنين، ونسي أن الله يقول: (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ) [البقرة: من الآية152] ويقول: (الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ ) [آل عمران: من الآية191]، وكان صلى الله عليه وسلم يقول: "الحمد لله على كل حال" وينبغي للمريض أن يشغل وقته بقراءة القرآن ليكثر أجره ويقل وزره ويرتفع قدره ويزول مرضه ويحفظ وقته، ويداوم على الصلاة في أوقاتها ويصليها على حسب استطاعته فإنه لا يجوز له تركها ما دام عقله معه فهي عمود الإسلام وهي أول ما يحاسب عليه العبد وهي آخر ما يفقد العبد من دينه، ومن حفظها فهو لما سواها أحفظ، ومن ضيعها فهو لما سواها أضيع، وهكذا جميع الأعمال الصالحة يداوم عليها فإن المرض لا يقطع العمل وإنما يرقق القلب ويزيد والإيمان ويرغب في اللجوء إلى الله تعالى ويزهد في الدنيا ويرغب في الآخرة.

والوصية السابعة:
التوبة الصادقة وكثرة الدعاء الاستغفار، فإنّ ابن آدم خطّاء وخير الخطائين التوابون، وإنّ الله يفرح بتوبة عبده أشدَ من فرح العبد نفسه، وإنه يغفر الذنوب جميعاً، ويبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل، فعلى المريض أن يندم على فعل الذنب وأن يقلع عنه وأن يعزم على عدم فعله مستقبلاً، وأن يعيد المظالم إلى أهلها فإنّ اليوم عمل ولا حساب وغداً حساب ولا عمل. يقول صلى الله عليه وسلم: "من كان عنده مظلمة لأخيه فليتحللها اليوم قبل أن لا يكون درهم ولا دينار إن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته وإن لم تكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه".

وليكثر من الدعاء فإن الله يقول (ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) [غافر: من الآية60 ]ويقول صلى الله عليه وسلم: "لا يغني حذر من قدر، وإنّ الدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل، وإن البلاء لينزل فيلقاه الدعاء فيعتلجان إلى يوم القيامة"، و"وما من مسلم يدعو بدعوة ليس فيها إثم أو قطيعة رحم إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث: إما أن تعجل له، وإما أن تدخر له في الآخرة،وإما أن يصرف عنه من السوء مثلها".

وليكثر من الاستغفار فإنه لا يهلك مع الاستغفار أحد. قال تعالى: (وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) [الأنفال: من الآية33]، ومن لزم الاستغفار جعل الله له من كل هم فرجا ومن كل ضيق مخرجاً، وأعظمه سيد الاستغفار، وكان صلى الله عليه وسلم في المجلس الواحد يستغفر الله سبعين مرة.

الوصية الثامنة:
الحذر من الذهاب إلى المشعوذين والكهنة والسحرة لأنهم كفرة ويدعون إلى الكفر، إذ يدعون علم الغيب ويكفرون بالرسالات وبالرسل ويعبدون الشيطان ويهينون القرآن ويلبسون على الناس بإظهار الصلاح، ومن أتى إليهم من غير تصديق لم تقبل منه صلاة أربعين يوماً، ومن جاءهم وصدقهم فقد كفر بما أنزل على محمد فليحذر المسلم الذهاب إليهم، وليحذر منهم، وليتداوى بالأدوية المشروعة فإن الله لم يُنزل داء إلا وله دواء علمه من علمه وجهله من جهله.

أسأل الله أن ينفع بهذه الوصايا وأن يجعل لها آذاناً صاغية وقلوباً واعية وأن ينفس بها الكرب وأن ييسر بها العسر، والله الهادي إلى سواء السبيل.

 

 

 

 

 


تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي