أحكام المساجد (5) ما ينهى عن فعله داخل المسجد

محمد بن إبراهيم النعيم
عناصر الخطبة
  1. النهي عن الصلاة بين السواري .
  2. كراهة توطُّن المكان في المسجد لغير الإمام .
  3. حكم الصلاة خلف المتحدثين .
  4. النهي عن إقامة جماعتين في وقت واحد .
  5. النهي عن إقامة الحدود في المساجد .
  6. كراهة التحدُّث في أمور الدنيا لمنتظري الصلاة .
  7. حكم الخروج من المسجد بعد الأذان .

اقتباس

ولهذا المسجد آداب وأحكام، وقد تكلمنا في أربع خطب سابقة عن بعض آداب وأحكام المساجد، وها نحن اليوم نكمل هذه السلسلة لنتحدث عن سبعة أشياء ينهى عن فعلها داخل المسجد.

الخطبة الأولى:

المسجد بيت الله -عز وجل- في الأرض، أطهر ساحات الدنيا، وأنقى بقاع الأرض؛ فيه تتآلف القلوب المؤمنة، وتنزل رحمات الرب -جل وعلا-، وتهبط ملائكة الله، وتحل السكينة والخشوع؛ هو قلعة الإيمان، وبيت كل تقي، أُمر كل مسلم بالغ أن يدخله في اليوم خمس مرات.

ولهذا المسجد آداب وأحكام، وقد تكلمنا في أربع خطب سابقة عن بعض آداب وأحكام المساجد، وها نحن اليوم نكمل هذه السلسلة لنتحدث عن سبعة أشياء ينهى عن فعلها داخل المسجد.

أولا: الصلاة بين السواري: فالصلاة بين السواري للإمام والمنفرد جائزة، أما للمأموم فمكروهة؛ لأنها تقطع الصف، إلا عند الزحام وضيق المسجد، فقد روى قُرَّة بن إياس -رضي الله عنه- قَالَ: "كُنَّا نُنْهَى أَنْ نَصُفَّ بَيْنَ السَّوَارِي عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَنُطْرَدُ عَنْهَا طَرْدًا" رواه ابن ماجه.

وقد سئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين -رحمه الله- عن حكم الصلاة بين الأعمدة والسواري، فأجاب: "إذا كان لحاجة فلا بأس، وإن لم يكن لحاجة فإنه مكروه؛ لأن الصحابة -رضي الله عنهم- كانوا يتقون ذلك".

ثانيا: توطن المكان في المسجد لغير الإمام: فعن عبد الرحمن بن شبل -رضي الله عنه- "أن النبي –صلى الله عليه وسلم- نهى عن نقرة الغراب، وافتراش السبع، وأن يوطِّنَ الرجلُ المكان في المسجد كما يوطِّنُ البعير" رواه أحمد وأبو داود. أي: يكره لغير الإمام المداومة على موضع لا يصلي إلا فيه، وقد يغضب إذا رأى أحدا سبقه إليه، وقد يصل المآل به أن يأمر من سبقه إليه بالتنحي عنه، وهذا لا يشرع، بل منهي عنه، والمطلوب من المسلم أن لا يتعود على مكان محدد في المسجد لا يصلي إلا فيه؛ لئلا يتشبه بالبعير الذي يخصص مكانا دائما لبروكه.

والحديث لا يتعارض مع الحديث الذي رواه أبو هريرة –رضي الله عنه- قال: قال رسول الله–صلى الله عليه وسلم-: "لا يوطن رجل مسلم المساجد للصلاة والذكر إلا تبشبش الله به من حين يخرج كما يتبشبش أهل الغائب بغائبهم إذا قدم عليهم" رواه ابن ماجه والحاكم؛ لأن المقصود في هذا الحديث هو إيطان الرجل المسجد ككل للصلاة؛ وليس كما في الصورة الأخرى والتي فيها إيطان مكان معيّن في المسجد كما يوطِّنُ البعير مكانه ولا يبغي غيره.

ثالثا: الصلاة خلف المتحدثين: فعن ابن عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- أَنَّ النَّبِيَّ –صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "لا تُصَلُّوا خَلْفَ النَّائِمِ، وَلا الْمُتَحَدِّثِ" رواه أبو داود وحسنه الألباني.

ولعل الحكمة في ذلك ابتعاد المصلي عن كل ما يشوش عليه حرصا على خشوعه في الصلاة، أو حتى لا يُساء الظن به أنه جاء ليتصنت عليهم.

رابعا: إقامة جماعتين في المسجد في وقت واحد: وهذا يحدث كثيرا في رمضان أثناء صلاة التراويح حينما يشرع الإمام في صلاة التراويح ويدخل مجموعة لم يصلوا العشاء فيصلون في مؤخرة المسجد جماعة، وإنما المشروع في حقهم الدخول مع الإمام في صلاة التراويح بنية أداء الفريضة كي لا تقام جماعتان في وقت واحد.

خامسا: إقامة الحدود في المسجد: فعن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال: "لا تقام الحدود في المساجد" رواه ابن ماجه.

فينهى عن إقامة الحدود في المساجد، ولعل الحكمة في ذلك كي لا يَكره الذي أقيم عليه الحد المسجد، وقد يعتبره مكانا مشؤوما وقد لا يدخله مرة أخرى؛ والأمر الآخر أن من دخل بيت الله فهو في ضيافة الرحمن، وحق للمزور أن يكرمه الله، فلا يليق أن يُجلد أو يهان.

هذه بعض الأمور التي يُنهى فعلها في المسجد تعظيما له، أسأل الله -تعالى- أن يجعلنا ممن يستمع القول فيتبع أحسنه.

أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه؛ إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريك له تعظيمًا لشأنه، وأشهَد أنَّ نبيَّنا وسيِّدنا محمّدًا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلّى الله عليه وعلى آله وأصحابه وإخوانه، وسلم تسليمًا كثيرًا.

أما بعد: فاتقوا الله -تعالى- حق التقوى، وتعلموا آداب المساجد ما يباح فيها وما يكره تغنموا؛ فإن ذلك من تعظيم شعائر الله، ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب.

فقد ذكرت لكم خمسة أمور يكره فعلها داخل المسجد، وأما الأمر السادس: الحديث في أمور الدنيا أثناء انتظار الصلاة، فقد روى عبد الله بن مسعود –رضي الله عنه- أن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال: "سيكون في آخر الزمان قوم يكون حديثهم في مساجدهم، ليس لله فيهم حاجة" رواه ابن حبان وحسنه الألباني.

قال بعض أهل العلم: إن الحديث يشير إلى النهي عن الحديث في أمور الدنيا أثناء انتظار الصلاة لأنه وقت تفتح فيه أبواب السماء، وقد حث فيه النبي –صلى الله عليه وسلم- على كثرة الدعاء واستغلاله في عمل الطاعات، أما بعد الصلاة فلا حرج في الحديث في أمور الدنيا، لفعل الصحابة -رضي الله عنهم- ذلك في حضرة النبي –صلى الله عليه وسلم-، حيث روى سِمَاك بْنُ حَرْبٍ قَالَ: قُلْتُ لِجَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ: أَكُنْتَ تُجَالِسُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-؟ قَالَ: "نَعَمْ، كَثِيرًا. كَانَ لا يَقُومُ مِنْ مُصَلّاهُ الَّذِي يُصَلِّي فِيهِ الصُّبْحَ أَوْ الْغَدَاةَ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، فَإِذَا طَلَعَتْ الشَّمْسُ قَامَ، وَكَانُوا يَتَحَدَّثُونَ فَيَأْخُذُونَ فِي أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ فَيَضْحَكُونَ وَيَتَبَسَّمُ" رواه مسلم.

أما حديث (الكلام في المسجد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب) فهو حديث مكذوب لا أصل له.

سابعا: الخروج من المسجد بعد الأذان: فعن أبي هريرة –رضي الله عنه- أن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال: "إذا أذن المؤذن فلا يخرج أحد حتى يصلي" رواه البيهقي. وروى عُثْمَانُ بْن عَفَّانَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ –صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ أَدْرَكَهُ الأَذَانُ فِي الْمَسْجِدِ ثُمَّ خَرَجَ لَمْ يَخْرُجْ لِحَاجَةٍ وَهُوَ لا يُرِيدُ الرَّجْعَةَ فَهُوَ مُنَافِقٌ" رواه ابن ماجه.

فالذي يخرج من المسجد بعد الأذان دليل على أنه لم يفقه ولم يفهم نداء المؤذن وهو يقول له ولأمثاله: (حي على الصلاة حي على الفلاح)، كما أن من خرج من المسجد بعد الأذان يتشبه بالشيطان الذي يفر إذا سمع الأذان والإقامة، حيث روى أبو هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى الله عليه وسلم- قَالَ: "إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ أَدْبَرَ الشَّيْطَانُ وَلَهُ ضُرَاطٌ حَتَّى لا يَسْمَعَ التَّأْذِينَ، فَإِذَا قَضَى النِّدَاءَ أَقْبَلَ، حَتَّى إِذَا ثُوِّبَ بِالصَّلاةِ أَدْبَرَ، حَتَّى إِذَا قَضَى التَّثْوِيبَ أَقْبَلَ حَتَّى يَخْطِرَ بَيْنَ الْمَرْءِ وَنَفْسِهِ يَقُولُ: اذْكُرْ كَذَا، اذْكُرْ كَذَا، لِمَا لَمْ يَكُنْ يَذْكُرُ، حَتَّى يَظَلَّ الرَّجُلُ لا يَدْرِي كَمْ صَلَّى" متفق عليه. وعندما خرج رجل من المسجد بعدما نودي بالصلاة قال أبو هريرة –رضي الله عنه-: "أما هذا فقد عصى أبا القاسم" رواه النسائي.

قال العلماء: ويستثنى من ذلك من خرج لضرورة، كمن أراد تجديد الوضوء، أو أراد الصلاة في مسجد آخر.

هذه بعض آداب المساجد، وللموضوع بقية إن شاء الله، اسأل الله -تعالى- أن يفقهنا في أمر ديننا، ويعلي رايتنا، اللهم زينا بالعلم وجملنا بالتقوى، وألبسنا لباس العافية.

اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عنا سيئها لا يصرف عنا سيئها إلا أنت، اللهم أحينا على أحسن الأحوال التي ترضيك عنا، وأمتنا على أحسن الأحوال التي ترضيك عنا، اللهم ارزقنا الثبات حتى الممات، اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها معادنا، واجعل الحياة زيادة لنا في كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر.

اللهم احفظ علينا أمننا واستقرارنا، وأصلح ولاة أمرنا، وارزقهم بطانة صالحة ناصحة يا رب العالمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، واخذل أعداء الدين...

اللهم لا تدع لنا ذنبا إلا غفرته...، اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات.

ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين. ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.


تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي