لقد فضَّل الله الإنسان على البهائم بأن جعله ناطقًا يتكلم ويُفصح عما يريد، وأعظم من ذلك يذكر ربه ويتلو كتابه، فاللسان نعمة عظيمة وهبها الله للإنسان، غير أنه عضو خطير يُردي صاحبه في مهاوي الردى، بل يجعله من الهالكين والعياذ بالله. وبحمد الله تم جمع عبارات كثيرة منتشرة ومشتهرة عند الناس، سنعرض بعضًا منها في هذه الخطبة، ونكمل البقية بإذن الله في الخطبة القادمة، ولنبدأ الآن: فمنها قول بعض الكتاب: عدالة السماء -أو هبة السماء- أو هبة الطبيعة- أو إرادة السماء- قدرة السماء – مشيئة السماء – هذا ما أرادته السماء – تدابير القدر.
إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتد، ومن يضلل فلن تجد له وليًّا مرشدًا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبدُ الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين وتابعيهم وسلم تسليمًا كثيرًا.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب:70-71].
أما بعد: فإنَّ خير الحديث كتابُ الله، وخير الهدي هديُ محمد --صلى الله عليه وسلم--، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
أيها الناس: لقد فضَّل الله الإنسان على البهائم بأن جعله ناطقًا يتكلم ويُفصح عما يريد، وأعظم من ذلك يذكر ربه ويتلو كتابه، فاللسان نعمة عظيمة وهبها الله للإنسان، غير أنه عضو خطير يُردي صاحبه في مهاوي الردى، بل يجعله من الهالكين والعياذ بالله.
أخرج البخاري في صحيحه من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- عَنْ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "إِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ لَا يُلْقِي لَهَا بَالًا يَرْفَعُهُ اللَّهُ بِهَا دَرَجَاتٍ، وَإِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ لَا يُلْقِي لَهَا بَالًا يَهْوِي بِهَا فِي جَهَنَّمَ".
وأخرج أحمد والترمذي وابن ماجه من حديث عن معاذ -رضي الله عنه- قال: قلت: يا رسول الله، أخبرني بعمل يدخلني الجنة ويباعدني عن النار. قال: "لقد سألت عن أمر عظيم، وإنه ليسير على من يسره الله تعالى عليه: تعبد الله ولا تشرك به شيئا، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان"، ثم قال: "ألا أدلك على أبواب الخير؟ الصوم جنة، والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار، وصلاة الرجل في جوف الليل" ثم تلا: (تتجافى جنوبهم عن المضاجع) حتى بلغ (يعملون)، ثم قال: "ألا أدلك برأس الأمر وعموده وذروة سنامه؟" قلت: بلى يا رسول الله، قال: "رأس الأمر الإسلام، وعموده الصلاة، وذروة سنامه الجهاد"، ثم قال: "ألا أخبرك بملاك ذلك كله؟" قلت: بلى يا نبي الله، فأخذ بلسانه فقال: "كفَّ عليك هذا" فقلت: يا نبي الله، وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟ قال: "ثكلتك أمك يا معاذ! وهل يكب الناس في النار على وجوههم أو على مناخرهم - إلا حصائد ألسنتهم؟".
عباد الله: من هذا المبدأ نتكلم في هذه الخطبة بمشيئة الله عن بعض العبارات التي تجري على ألسنة الناس وهي خاطئة يجب تجنبها، ليسلم العبد من تبعات لسانه، فكون العبد لا يقصد معناها الباطل لا يعذره أمام الله، لا بد من التكلم بعلم أو السكوت بحلم.
وهذا الاعتذار باطل؛ لأنه عند الكلام لا بد من سلامة اللفظ وصحة القصد، ولا يكفي سلامة القلب، والنبي -صلى الله عليه وسلم- كان ينبه أصحابه على الألفاظ الخاطئة ولا يسألهم عما في قلوبهم ومعلوم أن الصحابة -رضي الله عنهم- هم أصح الناس قلوبًا ومع هذا قال لهم: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا وَاسْمَعُوا وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ) [البقرة: 104]؛ لأن اليهود كانوا يقولونها للنبي -صلى الله عليه وسلم- يقصدون بها معنىً فاسداً وهو (الرعونة) فنهى الله تعالى عن قولها مع أن الصحابة رضي الله عنهم لم يقصدوا ذلك لكنه سدٌ لهذا الباب وأمرهم أن يقولوا (انظرنا) أي انتظرنا لنفهم عنك ما تقول.
وبحمد الله تم جمع عبارات كثيرة منتشرة ومشتهرة عند الناس، سنعرض بعضًا منها في هذه الخطبة، ونكمل البقية بإذن الله في الخطبة القادمة، ولنبدأ الآن:
فمنها قول بعض الكتاب: عدالة السماء -أو هبة السماء- أو هبة الطبيعة- أو إرادة السماء- قدرة السماء – مشيئة السماء – هذا ما أرادته السماء – تدابير القدر.
وهذه كلمات لا تجوز لما فيها من نسبة الأمور الى غير فاعلها، فالسماء مخلوق ليس بيده شيء مُدَبَّر غير مُدبِّر والله هو الخالق المدبر المقدر.
ومن الألفاظ الخاطئة قول بعضهم: يا لسخرية القدر، والله إن هذا لمنكر من القول كيف يلقيه الشيطان على ألسنتهم والله يقول: (وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ) [المجادلة: 2]، فالقدر فعل الله تعالى، وفيه حكمة وعدل ورحمة، والله تعالى لا يخلق شراً محضاً.
ومنها قول البعض: فلان شكله غلط – وهذا كلام قبيح لما فيه من السخرية بخلق الله تعالى القائل: (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ) [التين: 4].
وبعضهم يقول لمن نجى من الموت يقول عنه "له سبعة أرواح" أو "نجى من الموت بأعجوبة"، وهذا غير صحيح فالإنسان ليس له إلا روح واحدة وأجله مقدر ومكتوب، والله تعالى إذا قدر شيئًا وقع والذي ينبغي أن يقال: "نجاه الله تعالى".
ويقولون لمن مكث مريضاً فترة طويلة "كان في صراع مع المرض أو في صراع طويل مع الموت"، وربما قال بعضهم: قاهر المرض - وهذا من سوء الأدب مع الله تعالى فالإنسان لا يستطيع أن يغلب قدر الله الذي هو المرض والموت، وكلمة "يصارع"، فيها إشعار بأن الإنسان يحاول أن يتغلب على قدر الله تعالى.
ومثله قاهر المستحيل – وهذا لا يصح فلا أحد يستطيع أن يقهر المستحيل، والمستحيل هو الممتنع، والعبارة فيها تجوز لأن الإنسان مهما أوتي من قوة وقدرة وذكاء فلن يفعل المستحيل لكنهم يطلقونها على من لديه عجز أو إعاقة واستطاع أن يفعل شيئًا لم يفعله أمثاله.
اللهم احفظ علينا ألسنتنا، وجميع جوارحنا يا رب العالمين..
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم..
أما بعد فيا أيها الناس: لا يزال الحديث موصولاً عن العبارات الشائعة بين الناس وهي خطأ، فمن الألفاظ المحرمة قول "الحياة ليست عادلة"، وهذا سبٌّ للرب سبحانه ووصف له بالظلم تعالى الله عن ذلك، فالحياة هي الدهر والزمن، فهذا شتم وسب للدهر، والحياة إنما هي ظرف يجري فيه المقدور وربنا سبحانه هو مقدّر الأقدار ومصرّف الأمور.
وربما قال أحدهم: يا خيبة الدهر، أو قال: الزمن غدار، أو قال: قسوة الدهر، أو الزمن يعبث بنا، أو قام بسبّ الساعة التي عرفه أو رآه فيها. ونحو ذلك.
وهذا كله محرم لما فيه من انصراف السبّ إلى الله، تعالى الله عن قولهم، كما أخرج البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "قال الله عز وجل: يؤذيني ابن آدم يسب الدهر، وأنا الدهر بيدي الأمر، أقلب الليل والنهار"، وجاء الحديث بألفاظ مختلفة منها رواية مسلم: "قال الله عز وجل: يؤذيني ابن آدم يقول: يا خيبة الدهر، فلا يقولن أحدكم: يا خيبة الدهر، فإني أنا الدهر أقلب ليله ونهاره فإذا شئت قبضتهما"، ومنها رواية للإمام أحمد: "لا تسبوا الدهر! فإن الله عز وجل قال: أنا الدهر، الأيام والليالي لي أجددها وأبليها وآتي بملوك بعد ملوك".
ومن الألفاظ المحرمة قول بعض الناس: الخائن يخونه الله – أو خان الله من خانك، ومثلها قول: الله يظلمك إن ظلمتني، وهذه عبارات فاحشة وقبيحة ينزه الله تعالى عنها، فالله لا يخون ولا يظلم أبدًا بل الله منزَّه عن كل نقيصة لكن تقول: "والخائن يجازيه الله –الله يجازيك إن خنتني– الله يعاقبك إن ظلمتني".
قال الله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) [يونس: 44]، وقال جل شأنه: (وَإِنْ يُرِيدُوا خِيَانَتَكَ فَقَدْ خَانُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) [الأنفال: 71]، ولم يقل فخانهم.
ومن العبارات الخاطئة: العصمة لله تعالى.. تعالى الله عن ذلك فالله هو العاصم، لأن المعصوم لا بد له من عاصم، والله تعالى خالق كل شيء ورب كل شيء.
ومن ذلك إطلاق كلمة مرض ملعون، والمرض من تقدير الله تعالى، فلا يجوز لعن المرض، لأنه مربوب مدبر، والله لا يخلق شرًّا محضًا بل هو كفارة للخطايا ورفعة في الدرجات.
وقد أخرج مسلم في صحيحه أنه لما قالت أم السائب عن الحمى: "لا بارك الله فيها"، قال لها النبي -صلى الله عليه وسلم-: "لا تسبي الحمى فإنها تذهب خطايا بني آدم كما يذهب الكير خبث الحديد"، كما أن فيه تسخط على أقدار الله تعالى.
ومن العبارات السيئة قول البعض عندما يسأل عن حاله يقول: الله يسأل عن حالك أو الله ينشد عن حالك.. وهذا كلام فاحش فالله هو العليم الخبير لا يخفى عليه شيء فكيف يسأل عن حال المخلوق، لكن يرد بقول: الله يجمل أو يطيب حالك.
ويقولون أيضًا: لعن الله الشارب قبل الطالب، وهذا باطل وكذب بل افتراء على الله تعالى – صحيح أن الأولى بالشرب من طلب الماء لكن لو شرب قبله غيره فلا بأس.
ومن الألفاظ المحرمة قولهم: لا يرحمون ولا يدعون رحمة الله تنزل، وهذا باطل فرحمة الله لا يمنعها أحد مهما بلغت قوته وعلت مكانته (مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) [فاطر: 2].
ومنها قولهم إذا علموا أن شخصاً أصيب بمرض أو حادث قالوا: "فلان ما يستاهل أو ما يستحق"، وهذا محرم وقبيح وفيه اتهام لله تعالى بالظلم إذا قدر على فلان المرض أو البلاء أو الحادث، كما أن فيه اعتراض على أقدار الله تعالى، وكأنه يقول يا رب لِمَ ابتليت فلاناً بذلك وهو لا يستحق؟!
وهو يبتلي المؤمن والكافر والبر والفاجر، ولا شك أن ابتلاء المؤمن فيه مصالح تكفير سيئاته ورفعة درجاته وتمحيصه وتصفيته.
اللهم إنا نسألك أن تهدينا لأحسن الأخلاق.....
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي