هذا الذي يضايق الناس في معايشهم وأرزاقهم، ويتسبب في إيذائهم ومعاناتهم، أي قيم وأخلاق يحملها؟! هذا الذي يعذّب الناس ويعبث بالكهرباء! ويعبث بالماء! ويعبث بالخدمات! ويفسد فيها ويتسبب بإيلام الناس وإيجاعهم ومعاناتهم، ثم لا يتحرك قلبه رحمة وشفقة لما يراه من الحال الذي صار إليه الناس، أهذا يحمل في قلبه قيمًا وأخلاقًا؟! أهذا في قلبه رحمة وإنسانية؟! هل تربى مثل هذا تربية حسنة؟! أليس هؤلاء -أيها الأحباب- بحاجة إلى نصح وتذكير بدينهم وقيهم وأخلاقهم ومبادئهم؟!
إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له؛ وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلَّى الله عليه وعلى آله وسلم.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب:70-71].
أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
وبعد أيها المسلمون عباد الله: إن الحديث عن الأخلاق والقيم والمبادئ حديث له مذاق خاص وعبق جميل لا يمل على كثرة ترداده وتكراره، وما أشبهه بقول القائل:
أَعِدْ ذِكْرَ نَعمانٍ لَنا إنَّ ذِكرَهُ *** كما المِسْكُ ما كَرَّرْتَهُ يَتَضَوَّعُ
قد يقول بعض الناس: أليس من الأوْلى أن يكون الحديث عن واقع الناس وحياتهم، وعن معاشهم ومعاناتهم، وما يجري ويدور عليهم في يومهم وليلتهم.
أليس هذا أولى من الكلام عن القيم والأخلاق والمبادئ التي صارت عند الكثيرين أشبه ما تكون بالأحلام التي يراها النائم في نومه، وأما في الواقع فإنه لا يكاد يجدها إلا قليلاً.
أقول أيها الأحباب: إن الحديث عن الأخلاق والقيم والمبادئ هو حديث عن صلب معاناة الناس، إن الحديث عنهم هو حديث في عمق الواقع الذي نعيشه والذي نحياه.
إن الكلام عنها يمسّ معاناتنا التي نعانيها في يومنا وليلتنا، فإن جميع مشاكلنا إذا نظرنا إليها، وتأملنا في أسبابها نجد أنها تعود وترجع إلى نقص الإيمان وسوء الأخلاق وضعف القيم والمبادئ.
صحيح أن هناك كثيرًا من القيم والأخلاق الفاضلة التي لا زالت موجودة في مجتمعنا بفضل الله سبحانه، فلم يخلُ هذا المجتمع يومًا من الأيام من قيم وأخلاق ومبادئ، ولكن ليست على المستوى المطلوب الذي تتحقق به السعادة وتحصل بسببه النهضة والرفعة
وإلا فبالله عليكم -أيها الأحباب- هذا الذي يضايق الناس في معايشهم وأرزاقهم، ويتسبب في إيذائهم ومعاناتهم، أي قيم وأخلاق يحملها؟! هذا الذي يعذّب الناس ويعبث بالكهرباء! ويعبث بالماء! ويعبث بالخدمات! ويفسد فيها ويتسبب بإيلام الناس وإيجاعهم ومعاناتهم، ثم لا يتحرك قلبه رحمة وشفقة لما يراه من الحال الذي صار إليه الناس، أهذا يحمل في قلبه قيمًا وأخلاقًا؟! أهذا في قلبه رحمة وإنسانية؟! هل تربى مثل هذا تربية حسنة؟! هل نشأ مثل هذا نشأة أخلاقية مستقيمة أم أنه يعاني أزمة في القيم والأخلاق هي التي سلكت فيه وبأمثاله سبيل الشيطان وجعلتهم يفعلون هذه الأفاعيل المنكرة؟!
أليس هؤلاء -أيها الأحباب- بحاجة إلى نصح وتذكير بدينهم وقيهم وأخلاقهم ومبادئهم؟! ألسنا بحاجة أن نصحح الخلل الموجود فينا، ألسنا بحاجة أن نربي أولادنا وأجيالنا حتى لا يتكرر الخطأ فيهم فيعانوا ما نعاني منه اليوم، ويقاسوا ما نقاسي في حياتنا اليوم.
إن الأمم الكافرة -أيها الأحباب- قد عرفت أهمية الأخلاق، عرفت أهمية القيم والمبادئ من خلال منظور مادي بحت، نظروا إلى أسباب النهضة والحضارة، فوجدوا أن من أولها القيم والمبادئ والأخلاق، عرفوا معنى البيت القائل:
إنما الأمم الأخلاق ما بقيت *** فإن همو ذهبت أخلاقهم ذهبوا
عرفوا معناه فعملوا به، وأخذوا بهذا السبب من أسباب الأخلاق والقيم والمبادئ، مع أن الأخلاق التي عندهم إنما هي أخلاق وضعية هم الذين وضعوا معايرها وشروطها بما تستحسنه عقولهم، وبما يرون أنه مناسب لحياتهم، فكيف بنا أيها الأحباب كيف بهذه الأمة التي حباها الله -سبحانه وتعالى- بأخلاق ربانية جاءت من عند الله أمر بها رب العالمين هو الذي وضع معايرها، هو الذي وضع شروطها هو الذي بيَّن لنا ما هو الحسن منها وما هو القبيح.
أليس نحن أوْلى بأن نأخذ بهذه الأخلاق التي جاءتنا من فوق سبع سماوات في بعض الدول غير المسلمة، الطالب في المراحل الأولى للدراسة يلزم بتعلم الأخلاق قبل كل شيء، ونحن في المراحل الأولى في الدراسة يتعلم أولادنا الحاسوب واللغة الإنجليزية وغير ذلك من العلوم، بينما في جانب الأخلاق هناك إهمال غير لائق أن يكون في هذه الأمة وفي هذا المجتمع.
أيها الأحباب الكرام: إن علماءنا قد تركوا لنا ثروة ضخمة في هذا الجانب، ألفوا كتبًا كثيرة في الكلام عن السلوك والآداب والأخلاق، وتحدثوا عن أدق التفاصيل السلوكية والأخلاقية بما لا يوجد عن أمة من الأمم ولم يكتفوا بهذا لم يؤلفوا مجرد كتب نظرية، بل تركوا لنا نماذج عملية طبّقوا ما قالوا، وفعلوا ما كتبوا، فتركوا لنا نماذج حية تمثل أعلى درجات الرقي الأخلاقي البشري بما لا يوجد عند أمة من الأمم، فنحن لنا ميراث ضخم من الأخلاق، ميراث ضخم من القيم، ميراث ضخم من المبادئ، ولنا في رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أسوة حسنة.
نبينا -صلى الله عليه وسلم- حين بدأ دعوته قبل أن يحمل السلاح ويقاتل، وقبل أن ينشئ كيانًا سياسيًّا، بل قبل أن تُفرض عليه معظم شعائر وشرائع الإسلام، قبل هذا كله وفي أوائل دعوته كان -صلى الله عليه وسلم- يعلّم أصحابه الأخلاق، يعلّم أصحابه المبادئ، يعلّم أصحابه القيم، حتى صارت هذه علامة بارزة على دعوته ومعلمًا واضحًا من معالم دينه.
اسمعوا إلى هذه القصة حين هاجر الصحابة -رضي الله عنهم وأرضاهم- من مكة إلى أرض الحبشة أرسلت قريش وراءهم؛ لكي تستعيدهم، فالتقى سفراء قريش بملك الحبشة وحرّضوه على المسلمين واتهموهم بالباطل، ونسبوا إليهم القبائح، فأراد ملك الحبشة وكان ملكًا عادلاً لا يُظلم عنده أحد؛ كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-، أراد أن يسمع من المسلمين، فدعاهم قال: تعالوا أخبروني عن دينكم، حدثوني عن إسلامكم، ما هذا الذي جئتم به فخالفتم به عشيرتكم وقبيلتكم؟
فقام جعفر بن أبي طالب -رضي الله عنه وأرضاه- وبدأ يتحدث وقال: "أيها الملك! إنا كنا قوم أهل جاهلية؛ نأكل الميتة، ونقطع الأرحام، ونسيء الجوار، ويأكل القوي منا الضعيف، ونعبد الأوثان والأصنام؛ حتى أرسل الله -عز وجل- إلينا رجلاً منا نعرف نسبه وصدقه وأمانته، قال: فأمرنا فدعانا إلى الله لنوحّده ونعبده وحده، ونترك ما كان يعبد آباؤنا من الأوثان والأحجار والأنداد"، وهذا هو أساس دين الإسلام، هذا أصل الإيمان توحيد الله -عز وجل- الذي يبنى عليه كل عمل الإسلام.
ثم قال جعفر مواصلاً شرحه وبيانه للإسلام قال: "وأمرنا بصدق الحديث، وصلة الأرحام، وأداء الأمانة، وحُسن الجوار والكفّ عن المحارم والدماء، ونهانا عن الفواحش وقول الزور، وأكل مال اليتيم وقذف المحصنات الغافلات".
دعونا نقف أيها الأحباب مع هذه الكلمات، أليست هذه مشاكلنا اليوم؟ أليس هذا الذي نحتاجه اليوم، وبسبب غيابه صرنا نعاني كثيرًا اليوم؛ "أمرنا بصدق الحديث وأداء الأمانة، وصلة الأرحام، وحسن الجوار، والكفّ عن المحارم والدماء، ونهانا عن الفواحش، وأكل مال اليتيم، وقذف المحصنات الغافلات".
لاحظوا أن جعفر -رضي الله عنه وأرضاه- أطال في الكلام عن هذه القضية؛ قضية الأخلاق والقيم والمبادئ التي كان يدعوهم إليها النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ لأن جعفر وجد أن هذه القيم هي التي تعبّر عن الإسلام حقًّا، أن هذه المبادئ هي التي توضّح رسالة محمد، وتمثل رسالة محمد -صلى الله عليه وسلم-؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان كثيرًا ما يحدثهم عنها، كان كثيرًا ما يأمرهم بها، كان كثيرًا ما يرددها على مسامعهم حتى انطبعت في قلوبهم ونفوسهم فصار الواحد إذا أراد أن يتحدث عن الإسلام لا يجد إلا هذه الكلمات التي رددها وكررها عليهم النبي -صلى الله عليه وسلم- حتى استقرت في عقولهم وقلوبهم.
بل إن أعداء النبي -صلى الله عليه وسلم- ما كانوا يجدون شيئًا يعبرون به عن دينه إلا هذه القيم وهذه المبادئ، هرقل ملك الروم لما سمع عن دعوة النبي -صلى الله عليه وسلم- أراد أن يتعرف عليها أكثر فطلب العرب من أهل قريش من أقارب النبي -صلى الله عليه وسلم- أي: الذي بينه وبين النبي -صلى الله عليه وسلم- صلة نسب فجيء له بأبي سفيان بن حرب، وكان في ذلك الوقت ما زال مشركًا محاربًا للنبي -صلى الله عليه وسلم-.
فسأله هرقل قال له: بماذا يأمركم؟ فقال أبو سفيان: يأمرنا أن نعبد الله وحده، وأن نترك الأوثان"؛ يأمرنا أن نعبد الله وحده وأن نترك الأوثان والأنداد وهذا أصل الدين.
قال: "ويأمرنا بالصلاة والصدق والعفاف والصلة"، ذكر عبادة واحدة وثلاثة أخلاق، ذكر الصلاة، ثم ذكر العفاف والصدق والصلة، أي: صلة الأرحام حتى أعداء النبي -صلى الله عليه وسلم- كانوا يعرفون أن هذه هي دعوته، وهذه هي ملته، وهذا هو دينه، وهذه هي سنته، وعلى هذا الأساس أقام النبي -صلى الله عليه وسلم- دعوته، وأقام النبي -صلى الله عليه وسلم- دولته، وأسس المجتمع المسلم على هذا الأساس العظيم والبناء المتين.
اهتم ببناء الإنسان قبل أن يهتم ببناء الأوطان يقال: إن الصينيين القدماء بنوا سورهم العظيم لأجل أن يحميهم من هجمات الأعداء، فلما انتهوا من بناء هذا السور اطمئنوا وشعروا بالأمان، فإن هذا السور لا يستطيع أحد أن يتسلقه، أو أن يخترقه، ومرت الأيام فإذا بهم يفاجئون بالعدو قد صار داخل ديارهم أين السور؟ أين ذهبت الجدران؟ بحثوا في الأمر وتحروا الحقيقة فإذا بهم يتفاجؤون بأن حراس السور هم الذين فتحوا الأبواب.
اهتموا ببناء الجدران، ولم يهتموا ببناء الإنسان، فكانت الهزيمة بسبب هذا الإنسان، ولم تنفعهم ولم تحميهم الجدران.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولك فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيدًا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إقرارًا به وتوحيدًا، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا مزيدًا.
وبعد أيها الأحباب الكرام: حتى القرآن الذي كان ينزل على النبي -صلى الله عليه وسلم- في مكة قبل الهجرة كان يركّز على هذا الجانب كثيرًا، ويتحدث عنه كثيرًا، وانظر وتأمل في السور المكية التي نزلت على النبي -صلى الله عليه وسلم- قبل هجرته.
خذ مثالاً على هذا سورة الماعون (أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ * فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ * وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ * فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ * الَّذِينَ هُمْ يُرَاؤُونَ * وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ) [الماعون: 1- 7].
تحدثت هذه السورة عن قضية إيمانية وهي أول قضية (أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ) وتحدثت عن قضية عبادية وهي قضية الصلاة (فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ) [الماعون: 4- 5]، وبقية السورة في الكلام عن قضايا أخلاقية (فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ) [الماعون:2]، يدفع اليتيم ولا يرحمه ولا يشفق عليه ولا يعطيه (وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ) [الماعون:3]، أي لا يدعو الناس إلى الإنفاق على المساكين وإطعامهم لشدة بخله ولقسوة قلبه.
وفي آخر السورة (وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ) [الماعون:7]، أي: لا يقدمون ما يمكنهم تقديمه من المعونة للناس من الأدوات التي يمكن أن تُعار أو من الخدمات التي لا يعجزه وينقصه تقديمها للناس (وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ).
فانظروا إلى هذه القضايا الأخلاقية الاجتماعية التي تحدث عنها القرآن قبل أن يوجد المجتمع المسلم المستقبلي، قبل أن يوجد مجتمع المدينة إذا بالقرآن يحدثنا عن القرآن والأخلاق والقيم التي يتعامل بها الناس فيما بينهم البين.
في سورة القلم هذه السورة المكية التي تحدثت عن أخلاق النبي -صلى الله عليه وسلم- وأخلاق أعدائه لما جاءت المقارنة بين النبي -صلى الله عليه وسلم- وبين أعدائه أثنى الله -سبحانه وتعالى- على نبيه، لكن لم يثنِ عليه بأنه زعيم وطني أو قائد عسكري أو رجل ذو حسب ونسب، إنما أثنى عليه بثناء آخر عده العلماء أعظم ثناء يمكن أن يقال لإنسان واعتبروه شهادة من أعظم الشهادات التي أعطاها الله -عز وجل- لنبيه، قال (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ) [القلم:4]، جعل هذا هو معيار العظمة.
هذا هو مقياس التميز في زمن كان الناس لا يعدون الأخلاق معيارًا كانوا لا يعدونها ميزانًا للعظمة، بل العظيم فيهم القوي الشديد الغني ذو البطش والجبروت والقوة، فأراد الله -سبحانه وتعالى- أن يثبّت هذا المعنى في النفوس، وأن يؤكد هذا في القلوب وأن يرسّخ هذا المفهوم أن العظمة إنما هي بحسن الأخلاق (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ) [القلم: 4].
وفي المقابل لما أراد الله -سبحانه وتعالى- أن يتكلم عن زعماء العرب وعظماء قريش ويبيّن عيوبهم لم يتكلم عن نقص مؤهلاتهم العلمية، وقد كانوا من أجهل الناس ولم يتكلم عن قدراتهم القيادية إنما تكلم عن صفاتهم الأخلاقية قال: (وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَّهِينٍ * هَمَّازٍ مَّشَّاء بِنَمِيمٍ * مَنَّاعٍ لِّلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ * عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ) [القلم: 10- 13].
(وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ) كثير الحلف بسبب كثرة كذبه (مَّهِينٍ) دنيء النفس وحقيرها، (هَمَّازٍ) أي يطعن في الناس ويعيبهم ويقدح فيهم (مَّشَّاء بِنَمِيمٍ) يمشي بالنميمة والإفساد بين الناس (مَنَّاعٍ لِّلْخَيْرِ) يمنع الخير ولا يبذله (مُعْتَدٍ أَثِيمٍ) كثير العدوان على الناس كثير الآثام والسيئات (عُتُلٍّ) غليظ الأخلاق وغليظ القلب (زَنِيمٍ) لا أصل له في الخير ولا أصل له في الفضل.
ففضحهم الله -سبحانه وتعالى- بفضح أخلاقهم وبيان عيوبهم في جانب المبادئ والقيم.
فالكلام أيها الأحباب عن الأخلاق الكلام عن المبادئ الكلام عن القيم، هذا كلام عن أصل من أصول من الدين، عن ركن من أركانه العظيمة الكلام عن هذا هو كلام عن التغير والإصلاح للخير، الكلام عن هذا هو كلام عن سبيل وطريق النهضة والقوة والرقي والتغيير.
نسأل الله -سبحانه وتعالى- أن يصلح أحوالنا كلها، ونسأله سبحانه أن يحسن أخلاقنا..
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي