سلوا الله -تبارك وتعالى- الفلاح في الدنيا والآخرة، وخذوا بأسباب الفلاح، وتعرَّفوا على صفات المفلحين، وجاهدوا أنفسكم على الاتصاف بها لتكونوا من أهل الفلاح؛ فإن «الفلاح» يا معاشر العباد هو حيازة الخير في الدنيا والآخرة. وفي القرآن الكريم آيات كثيرة مشتملة على صفات المفلحين وبيان نعوتهم وخلالهم وأوصافهم وأعمالهم؛ فجديرٌ بكل مسلم أن يتأمل كتاب الله وأن يعرف الفلاح منه وأن يهتدي بهداياته العظيمة...
إنَّ الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا؛ من يهده الله فلا مضلَّ له، ومن يُضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا اللهُ وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، بلَّغ الرسالة، وأدَّى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين، فما ترك خيرًا إلا دلَّ الأمة عليه، ولا شرًا إلا حذرها منه؛ فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
أمَّا بعد أيها المؤمنون: اتقوا الله تعالى، وراقبوه سبحانه مراقبة من يعلم أن ربَّه يسمعُه ويراه.
أيها المؤمنون: سلوا الله -تبارك وتعالى- الفلاح في الدنيا والآخرة، وخذوا بأسباب الفلاح، وتعرَّفوا على صفات المفلحين، وجاهدوا أنفسكم على الاتصاف بها لتكونوا من أهل الفلاح؛ فإن «الفلاح» يا معاشر العباد هو حيازة الخير في الدنيا والآخرة.
عباد الله: وفي القرآن الكريم آيات كثيرة مشتملة على صفات المفلحين وبيان نعوتهم وخلالهم وأوصافهم وأعمالهم؛ فجديرٌ بكل مسلم أن يتأمل كتاب الله وأن يعرف الفلاح منه وأن يهتدي بهداياته العظيمة، وفي القرآن آياتٌ كثيرة مختومة بقوله سبحانه: (أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)، أو بقوله: (لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)، أو مبدوءة بقوله: (قَدْ أَفْلَحَ)، وهي مشتملة على صفات المفلحين ونعوتهم جديرٌ بنا أيها العباد أن نتأملها ونتدبرها.
عباد الله: ومن أعظم صفات المفلحين؛ صحة إيمانهم وسلامة عقيدتهم وحُسن أعمالهم وتقربهم إلى الله، قال الله عز وجل: (هُدًى لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ * وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ * أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) [البقرة:2-5].
ومن صفاتهم عباد الله: عظيم محبتهم للنبي الكريم -عليه الصلاة والسلام- المحبة التي تثمر تعظيمه وتوقيره واتباعه ولزوم سبيله عليه الصلاة والسلام، قال الله تعالى: (فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)[الأعراف:157].
ومن صفاتهم عباد الله: تزكيتهم لبواطنهم وسرائرهم؛ وذلك بتنقية القلوب من الأوصاف المشينة والخصال الذميمة، قال الله -تبارك وتعالى-: (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى)[الأعلى:14]، وقال الله -تبارك وتعالى-: (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا)[الشمس:9-10].
ومن صفاتهم أيها المؤمنون: تحقيقهم لتقوى الله عز وجل ومجاهدتهم أنفسهم لنيل الوسيلة إليه والقرب منه، قال الله عز وجل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [المائدة:35].
ومن صفاتهم عباد الله: عنايتهم بالصلاة محافظةً وخشوعا، وبُعدهم عن اللغو سماعًا وجلوسًا، وأداؤهم للزكاة المفروضة، وحفظهم لفروجهم بالبُعد عن الفواحش والآثام، وأداؤهم للأمانات، ورعايتهم للعهود والمواثيق، قال الله سبحانه وتعالى: (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ * أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ * الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) [المؤمنون:1-11].
ومن صفات المفلحين عباد الله: ذِكرهم لله جل في علاه بالكثرة، يذكرون الله -جل وعلا- ذكرًا كثيرا، قال الله تعالى: (وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [الأنفال:45].
ومن صفاتهم: ذِكرهم لآلاء الله المتوالية ونعَمه المتتالية وعطاياه التي لا تعد ولا تحصى، قال الله -عز وجل- فيما ذكره من وصية هود عليه السلام لقومه قال: (فَاذْكُرُوا آلَاءَ اللَّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)[الأعراف:69].
أيها المؤمنون: ومن صفات المفلحين تمييزهم بين الحلال والحرام، والخبائث والطيبات، واتقاؤهم ما حرَّم الله جل في علاه، قال الله تعالى: (قُلْ لَا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)[المائدة:100].
ومن صفاتهم عباد الله: بُعدهم عن المكاسب المحرمة والأموال الخبيثة؛ وبخاصة الربا أخبث الأموال وأشنعها، قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)[آل عمران:130].
ومن صفاتهم يا معاشر العباد: بُعدهم عن كل ما كان من عمل الشيطان وما يدعو إليه من الآثام؛ من تعاطي للخمور أو الميسر أو استقسام بالأزلام أو غير ذلك من الفواحش والآثام، قال الله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [المائدة:90] .
أيها المؤمنون: حيَّ على الفلاح؛ فهذه صفات أهله ونعوت المفلحين في ضوء كتاب الله جل في علاه، جعلنا الله بمنِّه وكرمه من عباده المفلحين وأوليائه المقربين.
أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم.
الحمد لله كثيرًا، وأشهد أن لا إله إلا اللهُ وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله؛ صلى الله وسلَّم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد عباد الله: اتقوا الله تعالى.
عباد الله: بوابة الفلاح والمدخل إليه التوبة إلى الله -عز وجل- من كل ذنب وخطيئة، قال الله تعالى: (وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)[النور:31].
والفلاح -عباد الله- صبرٌ كله؛ فمن لا صبر له لا قدرة له على سبيل المفلحين، قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [آل عمران:200].
ويا أيها الموفق: يعينك على الفلاح أن تذكُر لقاء الله -عز وجل-، وأن المفلحين هم الفائزون يوم القيامة بعالي الدرجات ورفيع الرتب، قال الله تعالى: (فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَظْلِمُونَ)[الأعراف:8-9].
عباد الله: والمجتمعات المسلمة من أجل أن تفلح لابد فيها من حُسبةٍ وأمرٍ بالمعروف ونهيٍ عن المنكر ودعوةٍ إلى الله سبحانه وتعالى، قال الله تعالى: (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)[آل عمران:104].
وصلُّوا وسلِّموا -رعاكم الله- على محمد بن عبد الله كما أمركم الله بذلك في كتابه فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) [الأحزاب:56]، وقال صلى الله عليه وسلم: "مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّى الله عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا".
اللهم صلِّ على محمدٍ وعلى آل محمد كما صلَّيت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنَّك حميدٌ مجيد، وبارك على محمدٍ وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنَّك حميدٌ مجيد. وارضَ اللهمَّ عن الخلفاء الراشدين؛ أبى بكرٍ وعمرَ وعثمانَ وعلي، وعن الصحابة أجمعين، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
اللهم آتِ نفوسنا تقواها، وزكها أنت خير من زكاها. اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفة والغنى. اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي فيها معادنا، واجعل الحياة زيادةً لنا في كل خير، والموت راحة لنا من كل شر.
اللهم آمِنَّا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين. اللهم اغفر لنا ذنبنا كله؛ دقَّه وجلَّه، أوله وآخره، علانيته وسرَّه، اللهم اغفر لنا ولوالدينا ووالديهم وذرياتهم وللمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات.
اللهم إنا نستغفرك إنك كنت غفارا، فأرسل السماء علينا مدرارا، اللهم إنا نسألك بأسمائك الحسنى وصفاتك العليا وبرحمتك التي وسعت كل شيء أن تسقينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من اليائسين.
اللهم إنا نسألك غيثًا مُغيثا، هنيئا مريئا، سحًّا طبقا، نافعًا غير ضار، عاجلًا غير رائث، اللهم أغث قلوبنا بالإيمان وديارنا بالمطر، اللهم إنا نسألك سقيا رحمة لا سقيا هدم ولا عذاب ولا غرق، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أعطنا ولا تحرمنا، وزدنا ولا تنقصنا، وآثرنا ولا تؤثر علينا. ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.
عباد الله: اذكروا الله يذكركم، واشكروه على نعمه يزيدكم، (وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ).
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي