إن مما يؤسف له عباد الله أنك لا تلبث ترى ما بين فينة وأخرى تنازعاً وتجاذباً بين البعض حول أحكام قرّرها الله ورسوله وشرحها العلماء، وكأنها مجال لتبادل الرأي ورفضه، بل تجاوز الأمر لترى -عياذاً بالله- اعتراضاً على تلك الأحكام مع تعدٍّ على الثوابت وساهمت وسائل التواصل في إظهار هذا الغثاء وإبراز تلك الجرأة والتطاول على ما أوجبه الله من رجالٍ ونساءٍ!! إن قوامةَ الرجل على المرأة حكمٌ شرعيٌ متقرِّر، من نصوص الكتاب والسنة، لا مجال للاجتهاد في إثباته أو نفيه...
الحمد لله حمداً لا يُحدّ، وأشكره شكراً لا يُعد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، في الشكر والحمد، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله خير فرد، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه صلاة بلا عَدّ.. وسلم تسليما..
أما بعد فاتقوا الله عباد الله.. واعلموا أن مرجعية المسلم في أفعاله وتصرفاته، وسلوكه ومواقفه، وتصوراته وقراراته؛ كتابُ الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- فما قررّه القرآن والسنة فهو الحق لا غيره، وما رفضاه فهو الباطل عينه فالله أحكمُ الحاكمين.. خلق الخلْق وهو أعرف بما يصلح شؤونهم..
الواجب ما أوجبه الله ورسوله، والمحرم ما حرماه، فالحكم لله والشرعُ شرعُ الله -عز وجل- هذه قاعدةٌ ينطلقُ منها المسلم في تعامله مع الأحكام وأخذه بها وحكمه عليها، فهو لا ينطلق من أعراف ولا تقاليد ولا اتفاقات دولية تعارضها بلا رجوع إلى الدين، وإنما المرجع في ذلك كله فرداً وأسرةً ومجتمعاً ودولة، كتابُ الله وسنة رسوله-صلى الله عليه وسلم-ولا ينبغي للمسلم أن يجد أدنى حرج في ذلك (فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا) [النساء: 58].
فلا إيمانَ إلا بالتحاكمِ بكل شيءٍ إلى شرع الكتاب والسنة مع تمام الانقياد والتسليم هذا مقتضى الإيمان الحق ومن لوازمه: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمْ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً) [الأحزاب: 36].
عباد الله.. من تلك الأحكام التي قررتها الشريعة بوضوح وجلاء والتي نستغرب إثارتها والاعتراض عليها مؤخراً قوامة الرجل على المرأة!!جاء في تقريرها نص قاطع من الله عز وجل لا غموض فيه ولا خفاء (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ) [النساء: 34]، قال الله: قوّام وليس قائم.. صيغةُ مبالغة تفيدُ دوامَ ذلك وأهمية استمراره على الزوجة والبنات وغيرهم..
أمرَ -صلى الله عليه وسلم- المرأة بطاعة زوجها وحذّرها من مخالفة أمره وقرن ذلك بالعبادات؛ "إذا صلت المرأة خمسها، وصامت شهرها، وحفظت فرجها، وأطاعت زوجها، قيل لها: ادخلي من أي أبواب الجنة شئت" (رواه ابن حبان وصححه الألباني).
وحسنُ تبعّل المرأة لزوجها وجودةُ إدارتِها لبيتها يعدلُ الجهاد والحجّ العمرة مجتمعات..
إن مما يؤسف له عباد الله أنك لا تلبث ترى ما بين فينة وأخرى تنازعاً وتجاذباً بين البعض حول أحكام قرّرها الله ورسوله وشرحها العلماء، وكأنها مجال لتبادل الرأي ورفضه، بل تجاوز الأمر لترى -عياذاً بالله- اعتراضاً على تلك الأحكام مع تعدٍّ على الثوابت وساهمت وسائل التواصل في إظهار هذا الغثاء وإبراز تلك الجرأة والتطاول على ما أوجبه الله من رجالٍ ونساءٍ!!
إن قوامةَ الرجل على المرأة حكمٌ شرعيٌ متقرّر، من نصوص الكتاب والسنة، لا مجال للاجتهاد في إثباته أو نفيه وهي مسؤولية عظمى تعريفها: أن الله فوَّض الزوجَ والأبَ لتدبيرِ شئون زوجته وبناته، والقيام بما يصلحهم بالتدبير والصيانة والحفظ والرعاية، فهو السيد والقيم في الأسرة، والقائم على شئونها، والمكلف شرعا بتحصيل المصالح الشرعية للأسرة وتكميلها. وهو المكلّف شرعاً بدرء المفاسد عن أسرته وحمايتها من مصاعب الدنيا ومن عقوبة الآخرة وبوقايتها الشرور!!
قوامة الرجل لا تزول حين تصبح المرأة غنية ماديّاً فتظن أنها تستغني عن القوامة أو الولاية!! وهذه القوامة للرجل ليست تشريفا وإنما تكليف رباني، وواجب شرعي، وإذا قصر في قوامته وفرَّط في مسؤوليته، عرّض نفسه للحساب والعقاب؛ لأنها أمانة والتقصير بها خيانة؛ "والرجل راعٍ في بيته ومسؤول عن رعيته"، مهمة عُظمى سيُسأل عنها ويحاسب عليها إن قصّر وفرّط ويؤجر عليها إذا قام بواجبه..
وهذه القوامةُ للرجل على المرأة ليست قوامةَ تسلّط وقهر، وليست قوامة ظلم، وتضييع للحقوق وأكلاً لمالها، وليست تعدٍّ على المرأة ولا تحقيرٍ لها، أو عضل.. ليست القوامةُ بأن يفرد الرجلُ عضلاتِ لسانهِ على المرأةِ بِالسبِّ والشتم أو بمنعها من زيارة أهلها والتضييق عليها وعدم مشاورتها والاستماع لرأيها في أمور البيت والأسرة فكل ذلك جاهليةٌ وجبروت وليس قوامةً وعدلاً وكذلك من الإخلال بالقوامة التفريطُ الذي نراه اليوم بعدم الاهتمام بلبس نسائهم وسترهم وحجابهم لاسيما إذا سافروا للخارج أو الأسواق والأعراس أو بالتبذير والإسراف للمباهاة فهذا كله تفريط بالقوامة..
إنَّ القوامةَ رفعٌ لشأنِ المرأةِ وزيادةٌ لعقلها وعلمهِا وتربيةٌ لأخلاقهِا بحثِّها وترغيبها، وأمرها بما أوجب الله عليها من أحكام دينه وشرعه، وزجرها ونهيها عن ارتكاب مخالفاتٍ تضُّرها في دينها وخلقها..
هذه هي القوامة الشرعية التي جعلها الله -عز وجل- من حقوق الرجال على الأزواج، ومن الظلم والحيف أن يُصوِّر البعضُ أنَّ القوامةَ نوعُ تسلّطٍ وقهَرٍ للمرأة لا بد للمرأة من نزعها والاعتراض عليها فهمت أمهاتنا وجدّاتنا القوامة للرجل وهن غير متعلمات فطبقنها بطواعية وسعدن في حياتهن بينما بعض النساء المتعلمات اليوم ضاقت عليها القوامة..
القوامة ليست أيضاً ما يفهمه بعض الرجال من إلغاء كرامة المرأة ودورها ولا يهتم برأيها فلقد رأيناه -صلى الله عليه وسلم- وهو القدوة الأسوة ونبيُّ الأمة يُوحى إليه كيف يتعامل مع المرأة في خطئها وصوابها وفي دلالها ومحبتها بل وعقوبتها.. يأخذُ رأيَهن في أعظم الأمور من شأن الرسالة كما عرض على خديجة الأمرَ أولَ الوحي وفي العبادات كما عرض على أم سلمة في الحديبية وعائشة وحفصة وفاطمة وغيرهن رضي الله عنهن وأرضاهن..
أفنريدُ مثالاً خيراً من ذلك ومع الأسف لما شُوِّهت القوامة من بعض الرجال وبسبب الاعتراض على تعاليم الدين وتشويهه والجرأة على الثوابت والاستقواء بالغير ممن لا يهمهم مجتمعنا وتقليدهم بأخلاقهم نالَ القوامة والولاية هذا التعدّي من بعض النساء وأشباه الرجال باسم حقوق المرأة؛ لأنهم يريدون قوامة تتركُ النساءَ بلا رأي ولا توجيه لتضيع البيوت بالدلال والتساهل الذي دمّرنا وجعل بناتنا عانسات أو أولادنا في براثن الضياع!
والقوامة إخوتي لا تعني تفضيل الرجال على النساء فالخيرية والفضل مرهونة بالعمل والعقل من رجل أو امرأة (مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً) [النحل: 97].
قوامة الرجل على المرأة أمر طبيعي لا تنكره الفطر السوية، ولا ترده العقول الصحيحة، والله جعل سببها (بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ) [النساء: 34]، إذًا فالرجل استحق القوامة بما فضَّله الله به فطريًّا في قوة البدن ورجاحة العقل إن كانت موجودة بالقدرة على التحكّم في المشاعر والعواطف، والنظر للأمور بعقلٍ وموضوعيةٍ من أمورٍ فُطِرَ الرجالُ عليها، وهي أصلاً سببٌ لإعجابِ المرأة بالرجل متى ما اتصف بها.. وكذلك من أسباب القوامة والولاية (وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ).
فالأصل أن الرجلَ مكلّفٌ مالياً لإدارة أسرته، بتقديم المهر لزوجته ابتداءً، والإنفاق عليها مطعماً ومشرباً ومأكلاً وملبسا ومسكنا (لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا) [الطلاق: 7]، (وَعلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) [البقرة: 233]، فليست القوامة إذاً بالعضلات والشَّعْرِ والبنية الجسمية للرجال بل بالعقل والفهم والخلق والمعاشرة لزوجته بالمعروف، والتخلّق بالخلق الحسن معها، يقول -صلى الله عليه وسلم-: "خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي"، بحسن الرعاية والإنفاق، وعدم البخل والتقتير في النفقة على الأهل، والعمل على إدخال السرور والفرح لأسرته، وتحمّل الخطأ متى ما وقع من الزوجة والأولاد، يقول -صلى الله عليه وسلم-: "لا يفرك مؤمن مؤمنة إن كره منها خلقًا رضي منها آخر".
من المؤسف أن يظهر إعلامٌ لا يبحث عن الحق استغلال كثيرين لممارسات متعدّدة من الرجال في التسلط والظلم وهضم حقوق المرأة حتى نُسب ذلك للإسلام وهو منه براء وحتى جعلت بعض التافهين يناقشون هذه الثوابت منطلقين من أفعالٍ شاذة، بل يستنصرون بالأعداء لرغبة تغيير معالم الدين ويجروننا للفساد باسم الحقوق المزعومة..
وأما المرأة فإن رضاها وتسليمها لربها وعدم منازعته فيما أمر وقرر خير لها في دنياها وأخراها، وذلك بملازمتها لطاعةِ زوجها في المعروف، وبقرارها في بيتها، وعدمِ الخروج منه أو إدخال أحدٍ إلا بأذنه، وبحفظها لفرجها وعرضها، وهي مأجورة..
إن مشكلتنا اليوم أنهم يظنون المرأة التي في بيتها تُربي أولادها وترضي زوجها أنها مقيدةٌ وعاطلةٌ بلا عمل تؤدّيه، وهذا ظلم عظيم فأيُّ عملٍ أعظمُ أجراً وأثراً من تربية الأولاد ورعاية الزوج لكنه انحراف الفكر والفطر الذي ضيع كثيراً من البيوت!! إن أحسنت المرأة في ذلك موعودة بالخير بالدنيا والثمرة العظيمة لها في الآخرة "ادْخُلِي الْجَنَّةَ مِنْ أَيِّ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ شِئْتِ"، وثمرة ذلك استقرار أسري وحياة سعيدة هانئة..
فاتقوا الله عباد الله واستمسكوا بإسلامكم وبشرع ربكم ولا يغرنكم بهرجة الإعلام وجلبته فإنكم في زمنٍ استحكمت فيه غربة الإسلام، وصار الدين غريباً كما بدأ فطوبى للغرباء الذين يصلحون إذا فسد الناس والذين يُصلحون ما أفسد الناس ولنعلم أن الدعوة لإلغاء قوامة الرجل على المرأة، وتحريض المرأة على زوجها، هي دعوة جاهلية، لا خير فيها للمرأة ولا خير فيها للأسرة، ولا خير فيها للمجتمع، ولا ينادي بهذه الدعوة من يريد خيراً للمسلمين.. وأي خير وصلاح في معارضة الشرع ومناكفة أحكامه وإلغائها وإبطالها؟!
فنسأل الله -عز وجل- أن يوفقنا لهداه، والعمل بما يحبه ويرضاه، وتطبيق شرعه وأحكامه وأن يكفينا شر الأشرار وكيد الفجار إنه سميع قريب.
أقول قولي هذا..
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد:
إن مما بلينا به مؤخراً جرأة من يدّعون ثقافةً وعلماً مشوّهاً في الإعلام ووسائل التواصل وفي المجالس؛ فيناقشون ثوابت الدين ويعترضون على بعضها ويسفهّون رأي علماء معروفين فقط لأنه خالف عقولهم القاصرة عن الفهم والبحث العلمي وقد يدفع بعضهم الهوى ليُحرِّف الدين كما يريده ويفعله وما تُمليه عليه شهوتهُ فيبحث عمن يُحلِّلُ له الأمر!!
إنا نطالب هؤلاء بأن يفعلوا ما اختاروه من محرمات وفساد فالله هو الحسيب على الجميع وليكفونا شر بلبلتهم وتشويههم وتعدِّيهم على الثوابت ومناقشتها للإثارة فقط وليس للبحث العلمي..
لقد أصبح النقاش مفتوحاً على كل شيء بمسمّى الاعتراض! فالمرأةُ كي تسافر لوحدها تُطالبُ بنزعِ القوامة والبعض لكي يمارس شهواته يريد تحليل الخمر والغناء وغير ذلك عياذاً بالله..
ولخدمة الكافرين نشوّه معالم الدين وثوابت قرّرها الله ربّ العالمين وسنة سيد الأنبياء والمرسلين ولا يغرّنكم إخوتي هلاك الهالكين وجرأة المتنطّعين ممن يثير الشبهات ويُحلّل الشهوات، واسألوا الله السلامة.
اللهم اجعلنا وقَّافين عند أحكامك ملتزمين بكتابك متبعين لسنة نبيك أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه..
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي