السعادة الحقة ليست في وفرة المال، ولا كثرة الولد، ولا سطوة الجاه، ولا رفعة المنصب، السعادة أمر معنوي ملموس لا يقاس بالنوع والكم، ولا يشترى بالدينار والدرهم، لا يملك بشر أن يعطيها من حُرمها، ولا أن ينتزعها ممن أوتيها. السعادة الحقيقة والحياة الهانئة المطمئنة إنما تكون في...
الحمد لله إيماناً بكماله وجلاله، ويقيناً بعلمه وحكمته، ورضى وطمأنينة بعدله ورحمته، أحاط بكل شيء علما، وأحصى كل شيء عددا، أحمده تعالى وأشكره حمدا وشكرا كما يليق بجلال وجهه وعظيم سلطانه.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، أرسله الله -تعالى- بشيرا ونذيرا، وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا، فبلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ما من خير إلا دل أمته عليه، وما من شر إلا حذرها منه، فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه، ومن اتبع سنته، واهتدى بهديه إلى يوم الدين.
أما بعد:
فاتقوا الله حق التقوى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب: 70 - 71].
عباد الله: الحياة الطيبة والسعادة، والعيشة الهنية الرضية؛ مطلب مهم، ومقصد أسمى، يسعى إلى تحقيقه البشر، وتشرئب إلى سماعه النفوس، وتطمح إلى تحقيقه وبلوغه الأفئدة.
السعادة هدف سامي ينشده كل الناس، ويبحثون عنه، بدءًا من المثقف إلى العامي، ومن السلطان إلى الصعلوك، ما منهم من أحد إلا يكره حياة النكد والشقاء، ويرنو إلى حياة السعد والهناء، ولهذا تعددت مشارب الناس ووسائلهم، وتنوعت أساليبهم وأفهامهم في البحث عن السعادة، والعيش في ظلالها.
إلا أن من الناس من قد أخطأ الطريق، وزل به الفهم في إدراك معنى السعادة الحقة، وتحقيق الحياة المطمئنة التي يرغب فيها، ويسعى إلى بلوغها؛ لأنه لم يسلك الطريق الصحيح لبلوغها.
فمن الناس من يبحث عن السعادة في جمع الأموال، فيراها في تحصيل القناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث.
ومن الناس من يبحث عن السعادة في المناصب والوجاهات والرئاسة، وحب الإستعلاء، فيراها في الوظائف والمناصب التي ترفعه عن الناس.
ومنهم من ينشد السعادة في كثرة الأولاد، وصحة الأجسام، وشبع الأبدان، والمظاهر والشكليات.
ومنهم من لا يرى السعادة إلا في متعة البدن، وكثرة اللهو واللعب، وتقطيع الأوقات، وإمضاء الساعات في المقاهي والاستراحات والمتنزهات، والعكوف على المشاهد والقنوات.
عباد الله: لقد طلب السعادة أقوام على مر العصور بطرق متعددة ليست على هدي الله -تعالى- وهدي رسله -عليهم الصلاة والسلام-، فكانت بعض هذه الطرق سبب لدمارهم وهلاكهم، وإن لنا فيما قصه الله علينا في كتابه الكريم من قصص أقوام طلبوا السعادة في غير مظانها الحقيقية فانقلبت سعادتهم شقاوة أبدية في الدنيا والآخرة؛ إن لنا في ذلك لمعتبر.
هذا فرعون أعتى من عرفته البشرية تكبرا وتجبرا، ينعم الله عليه بأعظم النعم، ويعطيه ملك مصر، ويجمع له الناس، ويُجري له الأرزاق والأنهار، فيخاطب الملايين الذين استعبدهم عقودا من الزمان ويقول: (يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِن تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ) [الزخرف: 51]، (مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرِي) [القصص: 38] فكان عاقبة هذا العتو والتكبر والتمرد الشقاء واللعنة والهلاك: (فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولَى) [النازعات: 25]، (وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ * النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ) [غافر: 45 - 46].
وهذا قارون منحه الله -تعالى- كنوزا كالتلال تنؤوا بحمل مفاتحها الأثقال، ما جمعها بجهده ولا بكده، بل بفضل الله ونعمته، وحُذِر من الفساد في الأرض، والتكبر على العباد، لكنه استكبر وعتى عما نهى الله عنه، فحُرم السعادة في الدنيا والآخرة: (فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِن فِئَةٍ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ المُنتَصِرِينَ) [القصص: 81].
هذا الوليد بن المغيرة يرى أن السعادة في تكثير الأموال والأولاد، ويرزقه الله مالا ممدودا، وعشرة من الأبناء عن يمينه وشماله، فيكفر بنعمة الله عليه، ويعصي رسوله، ويهزأ به، فيُحرم السعادة، ويُكتب له الشقاء في الدنيا والآخرة: (ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا * وَجَعَلْتُ لَهُ مَالًا مَّمْدُودًا* وَبَنِينَ شُهُودًا * وَمَهَّدتُّ لَهُ تَمْهِيدًا * ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ * كَلَّا إِنَّهُ كَانَ لِآيَاتِنَا عَنِيدًا * سَأُرْهِقُهُ صَعُودًا) [المدثر: 11 - 17].
وغيره وغيرهم، أمم وأقوام في الماضي والحاضر انتكست أفهامهم في طلب السعادة، فطلبوها في غير طرقها الصحيحة، فما لبثوا أن انقلبت عليهم حسرة وندامة وشقاوة وتعاسة.
والحق -يا عباد الله-: أن السعادة الحقيقية والحياة السعيدة ليست في شيء مما مضى كله بدون توفيق الله -تعالى-، فقد شقي أناس بأموالهم وأولادهم وأزواجهم، وشقي آخرون بعواقب مناصبهم وجاههم، وشقي آخرون بلعبهم ولهوهم.
السعادة الحقة ليست في وفرة المال، ولا كثرة الولد، ولا سطوة الجاه، ولا رفعة المنصب، السعادة أمر معنوي ملموس لا يقاس بالنوع والكم، ولا يشترى بالدينار والدرهم، لا يملك بشر أن يعطيها من حُرمها، ولا أن ينتزعها ممن أوتيها.
السعادة الحقيقة والحياة الهانئة المطمئنة إنما تكون في الإيمان والعمل الصالح، يقول ربنا -عز وجل- ومن أصدق من الله قيلا: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً) الحياة الطيبة هي السعادة بكل معانيها: (فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً) أي في الدنيا، أما في الآخرة: (وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) [النحل: 97]، وذلك في جنة عرضها السموات والأرض، فيها ما تشتهيه الأنفس، وتلذ الأعين، لا مرض فيها ولا نصب، ولا هم ولا غم، ولا تعب ولا موت، بل لذاتها متتابعة، فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، هذه هي السعادة التي أخبرنا عنها ربنا -عز وجل-.
بل أخبر أن من أعرض عن ذكره فإن له المعيشة الضنك، ويٌحشر يوم القيامة أعمى: (وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى * وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِن بِآيَاتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى) [طـه: 125 - 127].
عباد الله: الحياة بغير الإيمان تعقيد تحفة المنغصات، بضعف الإيمان تنبت الاضطرابات الاجتماعية، والأمراض النفسية.
الدنيا للمؤمن ليست عبئا مضَجِرا، ولا لغزا محيرا، ولكنها مرحلة ومزرعة، ودار ممر واختبار يرجو بعدها لقاء الله -تعالى-.
المؤمن تغمره السعادة؛ لأنه مؤمن بأن الحياة محكومة بأقدار الله -تعالى- فلا ييأس على ما فات، ولا يبطر بما حصل، ولا يستسلم للخيبة، ولا يهلك نفسه تحسراً، بل كل مواقف الدنيا عنده ابتلاءً بالخير والشر، ولئن زلزلته وقائع البلوى رده الإيمان إلى استقرار النفس، وبرد اليقين، ورباط الطمأنينة، فنعِم بالسكينة من غير هلع ولا شقاء.
المؤمن يملك السعادة والراحة التي تجمع له بين التوكل والعمل الكادح، لا يزلزله جزع، ولا يرهقه قلق، يعمر الحياة نشاطاً واجتهاداً.
المؤمن يعلم أن السعيد لا يأكل أكثر مما يأكل الناس، ولا يملك أكثر مما يملك الناس، ولكنَ السعيد يرضى أكثر مما يرضى الناس.
عباد الله: إن من أسباب السعادة: الإيمان بالله -عز وجل- والذي يتضمن الرضا والقناعة بما أُعطي العبد، هذا هو الغنى الحقيقي؛ كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "ليس الغنى عن كثرة العرض، ولكن الغنى غنى النفس" [متفق عليه].
رضا وقناعة بما يعطى، رضا بما يقدر الله -عز وجل- على العبد، فمن أُعطي الرضا فقد أُعطي السعادة.
أما الساخطون الشاكون فلا يذوقون للسرور طعماً، حياتهم سواد ممتد، وظلام متصل، وليل حالك.
الساخط المتسخط دائم الحزن والكآبة، ضيق النفس والصدر، ضائق بالناس وضائق بنفسه.
الدنيا في عينه كسم الخياط.
أما الرضا فسكون وطمأنينة ورضا بما قدر الله -تعالى- واختار، فمن أنعم الله عليه بالرضا تأتيه المصيبة فيعلم أنها من عند الله فيرضى ويسلِم، ولا يصبح ولا يمسى إلا راضياً مرضياَ.
هنيئا لمن ملأ الرضا فؤاده، لا يتحسر على ماضٍ باكياً حزيناً، ولا يعيش حاضراً متسخطاً جزوعاً، ولا ينتظر المستقبل خائفاً ووجلاً، لا يعيش رهبة من غموض، ولا توجس من مستقبل، إيمانه مصدر أمانه: (الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ) [الأنعام: 82]، (فَمَن يُرِدِ اللّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاء كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ) [الأنعام: 125].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو الغفور الرحيم.
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيما لشأنه، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه صلى الله عليه وعلى وصحبه، وسلم تسليما كثيراً.
أما بعد:
فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.
عباد الله: لا بد أن يعرف المؤمن حقيقة السعادة، وأن تكون نظرته للحياة نظرة صحيحة سوية؛ لأن بعض الناس ينظر للدنيا نظرة غير سوية، أو ينظر للمال نظرة غير سوية، وبسبب هذه النظرة تتأثر تصرفاته في هذه الحياة، وربما تصرَف تصرفات غريبة، والسبب في ذلك: سوء النظرة، والفهم غير الصحيح للسعادة، والفهم غير الصحيح للحياة الدنيا.
هذه الحياة الدنيا لابد أن يستحضر المؤمن أنها دار ممر وعبور، وأنه لن يخلد فيها إلى أبد الآباد، وأنه مهما أعطي فيها من متع الدنيا فإنه لابد من لقاء الله -عز وجل-: (يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ) [الإنشقاق: 6]، (أَفَرَأَيْتَ إِن مَّتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ * ثُمَّ جَاءهُم مَّا كَانُوا يُوعَدُونَ * مَا أَغْنَى عَنْهُم مَّا كَانُوا يُمَتَّعُونَ) [الشعراء: 205 - 207].
هذه الدنيا لا تصفو لأحد، لكن لو افتُرض أنها صفت لأحد من المكدِرات والمنغصات فإنها زائلة وفانية، ولا بد من لقاء الله -عز وجل-، ولا بد بعد ذلك من بعث وجزاء وحساب ونشور: (فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ) [الزلزلة: 7 - 8].
فلابد من النظرة السوية، النظرة الصحيحة لهذه الحياة الدنيا، والنظرة الصحيحة للسعادة، وأنها إنما تكمن في الإيمان والعمل الصالح، وطاعة الله -عز وجل-.
ومن نشد السعادة في غير ذلك فإنما ينشد أوهاما وخيالات، وإن حصَل شيئا من المتع المادية فإنها زائلة وفانية، مآلها للفناء، ومن لم يقدم عملا صالحا في دنياه فإنما حصله من متع في هذه الدنيا تكون قد ذهبت، وحينئد يكون مآله ومصيره إلى الشقاوة العظيمة.
نسأل الله السلامة والعافية.
كذلك أيضا لابد من النظرة الصحيحة السوية للمال، فإن بعض الناس ينظر للمال نظرة غير صحيحة، يتشبث بهذا المال وكأنه مخلد أبد الآباد، ألسنا نرى في المجتمع -أيها الإخوة- من هو محروم من ماله، بل هو في الحقيقة كالحارس القوي الأمين على هذه الثروة، يحرسها للورثة بعده، حرم نفسه من أن يتمتع بها في دنياه وفي آخرته، وإنما يحرسها طيلة حياته إلى أن تنتقل غنيمة باردة للورثة بعده، وربما لا يحمده الورثة على هذه الثروة التي جمعها طيلة حياته، والقصص في هذا كثيرة مشهورة، ومن ذلك ما حدثني به أحد مدراء المصارف: أن رجلا كان له حساب فيه مبلغ كبير بالملايين، وأنه قد افتُقِد مدة طويلة، فاتصل بأهله وطلب من أكبر أبنائه أن يحضر إليه في المصرف، فسأل عن والدهم فأخبر أنه قد توفي منذ مدة طويلة، فأخبره بأن له رصيد في المصرف، وأن هذا الرصيد بهذا المبلغ الكبير الذي يقدَر بالملايين، فانهار ذلك الابن فأصبح يبكي، بل أصبح يدعو على والده، دعاء بحرقة وألم، ويرى بأنه قد ظلم نفسه وظلم أولاده بحياة البؤس والشقاء التي كان يعيشها في هذه الدنيا.
فقولوا لي بالله ماذا استفاد هذا الإنسان من هذه الثروة الكبيرة التي جمعها بجهد وكد وتعب وشقاء؟
لم ينتفع بها وهو حي، ولم ينتفع بها كذلك وهو ميت، بل ورثته لم يحمدوه عليها، بل ربما دعوا عليه بسبب ما تسبب لهم فيه من حياة الفقر والبؤس التي يعيشونها.
وهذا كله بسبب النظرة غير السوية للمال.
ماذا لو أن هذا الإنسان نظر لهذا المال بنظرة سوية صحيحة، فأكل من هذا المال، وأطعم وتصدق، وأكرم ضيفا، ووصل رحما، وجعل له وقفا ينفعه بعد وفاته، لكان هذا المال بركة عليه في حياته وبعد مماته.
ورجل آخر استفتاني قبل أيام يقول: إن والده يملك ثروة كبيرة من المال وإنه من الصالحين يأتي إلى المسجد مبكرا، وحريص على الخير والطاعة، لكنه متشبث بالمال تشبثا كبيرا إلى درجة أنه لا يخرج الزكاة. فماذا ينفعه هذا المال؟ هذا المال سيكون عليه حسرة ووبالا إلى يوم القيامة، بل إنه يعذَب به يوم القيامة.
وهذا كله -أيها الإخوة- بسبب النظرة غير الصحيحة للمال، بسبب سوء النظرة للمال، هذه النظرة غير السوية هي التي تتسبب في هذه المظاهر، وهذه القصص التي نسمعها والتي هي واقع نراه في المجتمع.
فينبغي -أيها الإخوة- أن يسعى المسلم في أن تكون نظرته صحيحة لهذا المال، ونظرته صحيحة لواقع الحياة الدنيا، وواقع عيشه في هذه الحياة، أن ينظر إلى ذلك النظرة الصحيحة الشرعية التي دلت لها نصوص الكتاب والسنة، وألا يعيش في واقع ونظرة غير سوية حتى لا تتصحح نظرته لها إلا بالموت، وعندما يلقى الله -عز وجل-، وحينئذ يندم حين لا ينفع الندم.
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي