لقد قلَّد اللهُ الأب الولاية على أهل بيته، فعليه أن ينصح لهم وأن يربيهم التربية الصالحة فالأب في بيته هو القاضي والحكم والآمر والناهي وعليه أمانة كبرى تجاههم، ومن الأمور التي تنبغي على الولي لأهل بيته ما يلي: أولاً: أنْ يحثهم على تقوى الله تعالى في جميع الأمور ويأمرهم بالصلاة...
الحمد لله الذي له الحمد كله وإليه يُرجع الأمر كله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليمًا.
أما بعد: فاتقوا الله أيها المؤمنون، واعلموا أنَّكم إلى الله راجعون، فمن أحسن فلنفسه ومن أساء فعليها، فأصلحوا أعمالكم واعملوا لآخرتكم ولا تسوِّفوا فإنَّكم لا تعلمون مُقامكم في الدنيا، فبادروا يا عباد الله إلى إصلاح أنفسكم وإصلاح بيوتكم فإنَّه كلما صلح البيت وأهله صلحت أحوالهم وذاقوا السعادة وغمرتهم الألفة والمحبَّة واجتمع أمرهم.
أيها المسلمون: إنَّ الله رقيب على عباده فاحرصوا أن لا يراكم إلا كما أمركم، فقد أمركم بالتقوى قال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء: 1].
قال السعدي -رحمه الله-: "الله مطَّلِع على العباد في حال حركاتهم وسكونهم، وسرهم وعلنهم، وجميع أحوالهم، مراقبًا لهم فيها مما يوجب مراقبته، وشدة الحياء منه، بلزوم تقواه" (تفسير السعدي = تيسير الكريم الرحمن، ص: 163).
أيها المسلمون: إنَّ واجب الأب تجاه أهل بيته كبير فيجب عليه أن يهتمَّ بهم أبلغ اهتمام ولا يهمل ما أوجب الله عليه فإنَّه مسؤول عن تقصيره قال -صلى الله عليه وسلم-: «كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، الإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا، وَالخَادِمُ رَاعٍ فِي مَالِ سَيِّدِهِ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ» قَالَ: - وَحَسِبْتُ أَنْ قَدْ قَالَ - «وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي مَالِ أَبِيهِ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ» (متفق عليه: أخرجه البخاري: 893، ومسلم: 1829).
وقال -صلى الله عليه وسلم-: «مَا مِنْ عَبْدٍ يَسْتَرْعِيهِ اللهُ رَعِيَّةً، يَمُوتُ يَوْمَ يَمُوتُ وَهُوَ غَاشٌّ لِرَعِيَّتِهِ، إِلا حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ» (أخرجه مسلم: 142).
قال النووي: "قال العلماء: الراعي: هو الحافظ المؤتمن الملتزِمُ صلاحَ ما قامَ عليه وما هو تحتَ نظره ففيه أنَّ كلَّ من كان تحت نظره شيءٌ فهو مطالبٌ بالعدل فيه والقيام بمصالحه في دينه ودنياه ومتعلقاته"(شرح النووي على مسلم: 12/ 213).
وقال القاضي عياض -رحمه الله- في معنى تحريم الجنة على الغاش: "فيه التحذير من غش المسلمين لمن قلده الله تعالى شيئا من أمرهم" (شرح النووي على مسلم: 2/ 166).
عباد الله: لقد قلَّد اللهُ الأب الولاية على أهل بيته، فعليه أن ينصح لهم وأن يربيهم التربية الصالحة فالأب في بيته هو القاضي والحكم والآمر والناهي وعليه أمانة كبرى تجاههم، ومن الأمور التي تنبغي على الولي لأهل بيته ما يلي:
أولاً: أنْ يحثهم على تقوى الله تعالى في جميع الأمور ويأمرهم بالصلاة قال تعالى: (وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى) [طه: 132]، قال السعدي -رحمه الله-: "أي: حُثَّ أهلك على الصلاة، وأزعجهم إليها من فرض ونفل. والأمر بالشيء، أمر بجميع ما لا يتم إلا به، فيكون أمرًا بتعليمهم، ما يُصلح الصلاة ويُفسدها ويُكملها" (تفسير السعدي = تيسير الكريم الرحمن: ص: 517). ا.هـ
وقال تعالى عن إسماعيل عليه السلام:(وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا) [مريم: 55]، قال السعدي -رحمه الله-: "أي: كان مقيمًا لأمر الله على أهله، فيأمرهم بالصلاة المتضمنة للإخلاص للمعبود، وبالزكاة المتضمنة للإحسان إلى العبيد، فكمل نفسه، وكمل غيره، وخصوصا أخص الناس عنده وهم أهله، لأنهم أحق بدعوته من غيرهم" (تفسير السعدي = تيسير الكريم الرحمن: ص: 496) اهـ.
فاحرصوا يا عباد الله على أمر نسائكم على الصلاة في وقتها وعلى أمر الأبناء بالصلاة مع الجماعة في المساجد ومن كان منهم مقصرًا في ذلك فذكِّروه وعِظوه وانصحوه بالرفق والحزم.
ثانياً: تربية أهل البيت على الأخلاق الفاضلة بامتثال الأب والأم لها فيربونهم على الصدق في الحديث، وعلى حفظ الأمانة وعلى الألفاظ الطيبة التي ليس فيها فاحش القول فلا يربونهم على اللعن والسب والقذف والغيبة والنميمة والكذب ولا على أراذل الكلام عَنْ أَنَسٍ -رضي الله عنه- قَالَ: لَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَاحِشًا، وَلاَ لَعَّانًا، وَلاَ سَبَّابًا، كَانَ يَقُولُ عِنْدَ المَعْتَبَةِ: «مَا لَهُ تَرِبَ جَبِينُهُ» (أخرجه البخاري 6046).
قال الطبري الفاحش: "هو البذيء. وقال ابن عرفة: الفواحش عند العرب القبائح. وقال الهروي: المتفحش: الذي يتكلف الفحش ويتعمده لفساد حاله" (شرح النووي على مسلم: 15/ 78).
أيها المسلمون: إنَّ على الأب أن يخاطب أبناءه مخاطبة طيبة فينتقي أطيب الكلام وأحسن الألفاظ ليقتديَ به أهل بيته، فإنما هو قدوة لهم فإذا كان الأب لعَّانا أو سبَّاباً فماذا سيكون حال عياله؟ سيقتدون به ويقلدونه، واللعن أمره خطير، أترونَ عاقلاً يلعن ابنه أو ابنته أو زوجته أو دابته أو متاعه؟! إنَّ اللعن هو الطرد والإبعاد عن رحمة الله عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رضي الله عنه قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-، يَقُولُ: «إِنَّ اللَّعَّانِينَ لا يَكُونُونَ شُهَدَاءَ، وَلا شُفَعَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» (أخرجه مسلم 2598).
قال النووي -رحمه الله-: "وأما قوله -صلى الله عليه وسلم- إنهم لا يكونون شفعاء ولا شهداء فمعناه لا يشفعون يوم القيامة حين يشفع المؤمنون في إخوانهم الذين استوجبوا النار ولا شهداء، فيه ثلاثة أقوال: أصحها وأشهرها لا يكونون شهداءَ يوم القيامة على الأمم بتبليغ رسلهم إليهم الرسالات. والثاني: لا يكونون شهداءَ في الدنيا أي لا تقبل شهادتهم لفسقهم. والثالث: لا يُرزقون الشهادة وهي القتل في سبيل الله" (شرح النووي على مسلم: 16/ 149).
أيها المسلمون: الثالث من الأمور التي تنبغي على الولي لأهل بيته: أن يربيهم على التسامح والعفو والرفق والحلم والصفح والكرم ويُربيهم على سلامة القلب فلا يوغر صدورهم على بعضهم البعض ولا على غيرهم المسلمين؛ لتكون قلوباً سليمة ليس فيها سخيمة على أحد.
وعلى الأب أن لا يربيَ أهل بيته على سماع الأغاني والمعازف، بل عليه أن ينهاهم عنها، فإنَّها محرَّمة يأثم سامعها وهي مزمار الشيطان وهي صوته، وعليه أن ينهاهم عن الحضور إلى الأماكن التي تكون فيها المعصية كالأغاني وغيرها مما حرَّم الله تعالى.
وعلى الأب أيضاً تربية أبنائه على القناعة وعدم الطمع والرضا بما قسم الله وأن يربيهم على كثرة الذكر والطاعات من قراءة القرآن الكريم ويسأل أفرادهم كم تقرأ من القرآن في اليوم؟ ويربيهم على كثرة الاستغفار والتسبيح وعلى الدعاء الطيب فيما بينهم فكل منهم يدعو لنفسه ولوالديه وإخوانه وأخواته ولعموم المسلمين.
وليحذر الوالدان من الدعاء على أولادهما فكم من دعوة على ولد أو بنت أورثت ندماً وحسرة وسببت مصيبة وكربة، وقد نهى النبي -صلى الله عليه وسلم- عن الدعاء على النفس والأولاد والأموال والبهائم، قال -صلى الله عليه وسلم- لما سمع رجلا يلعن بعيره: «مَنْ هَذَا اللاعِنُ بَعِيرَهُ؟» قَالَ: أَنَا، يَا رَسُولَ اللهِ قَالَ: «انْزِلْ عَنْهُ، فَلا تَصْحَبْنَا بِمَلْعُونٍ، لا تَدْعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ، وَلا تَدْعُوا عَلَى أَوْلادِكُمْ، وَلا تَدْعُوا عَلَى أَمْوَالِكُمْ، لا تُوَافِقُوا مِنَ اللهِ سَاعَةً يُسْأَلُ فِيهَا عَطَاءٌ، فَيَسْتَجِيبُ لَكُمْ» (أخرجه مسلم 3009).
فادعوا يا عباد الله لأبنائكم دعاء برٍّ وصلاح وتوفيق وفلاح، أصلح الله لي ولكم النية والذرية.
رابعاً: على الأب أن يحث أبناءه على الصحبة الصالحة ويحذرهم من أصدقاء السوء كما عليه أن يتعرف على أصدقائهم فإذا رأى صديق سوء نهى ابنه عن مصاحبته، لا أن يهمل الأب هذا الأمر فإنما الصاحب يسحب مجالسه إلى طبعه وسوء فعله، وكذلك فإنَّ على الأبناء اختيار الصحبة الصالحة والبعد عن أصحاب السوء إذ إنَّ كل صحبة ليست على تقوى الله فهي ندامة وحسرة.
خامساً: على الأب أن يربي بناته على الحشمة والحياء والستر ولُبس الألبسة الضافية الواسعة الطويلة التي تستر جميع البدن ولا تكون من الألبسة الضيقة أو القصيرة أو الشفافة حتى ولو كنَّ فتيات صغيرات لأنه إذا تربت عليه اعتادته ولن ترَ به بأساً في كبرها، ويحذرهن من لُبس من عُرفن بقلة الحياء ممن يظهرن أجزاء من أجسادهن.
وعلى الأب أيضًا أن يُلزم بناته بالحجاب الكامل عند الأجنبي عنها بتغطية الوجه وسائر البدن قال تعالى:(يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا) [الأحزاب: 59] قال السمعاني: "قَالَ عُبَيْدَة السَّلمَانِي: تتغطى الْمَرْأَة بجلبابها فتستر رَأسهَا ووجهها وَجَمِيع بدنهَا إِلا إِحْدَى عينيها. ورويَ أَنَّ الله تَعَالَى لما أنزل هَذِه الآيَة اتخذ نسَاء الأَنْصَار أكيسة سَوْدَاء واشتملن بهَا فخرجن كَأَن رؤوسهن الْغرْبَان"( تفسير السمعاني: 4/ 307).
فاحرصوا يا عباد الله على تربية أبنائكم وبناتكم التربية الصالحة لتكون عاقبة أمركم إلى خير.
بارك الله لي ولكم في القرآن الكريم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة؛ فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي