تغيير خلق الله

عبد الرزاق بن عبد المحسن البدر
عناصر الخطبة
  1. التحذير من الشيطان وعدوانه وكيده .
  2. خطورة تغيير الفطرة وتبديلها .
  3. مفاسد طاعة الشيطان في أمره بتغيير خلق الله .
  4. أهمية كثرة التعوذ بالله -عز وجل- من الشيطان الرجيم. .

اقتباس

إن الواجب على كل مسلم أن يكون في حياته هذه حذِرًا أشد الحذر من الشيطان الرجيم، من مكره وكيده، من وساوسه وخطراته؛ فإن الشيطان -عباد الله- عتى عتوًا كبيرا وطغى طغيانًا عظيما، وتوعَّد بإغواء بني آدم وصدِّهم عن سبيل الله وإيقاعهم في أنواع الانحرافات وصنوف الضلالات، والله -عز وجل- أخبرنا في آيات كثيرة بمكر الشيطان وكيده وخطورته على الإنسان وطرائقه في الصد والإغواء عن طريق الرحمن.

الخطبة الأولى:

إنَّ الحمد لله؛ نحمدُه ونستعينُه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا؛ من يهده اللهُ فلا مضلَّ له، ومن يُضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا اللهُ وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، بلَّغ الرسالة، وأدَّى الأمانة، ونصح الأمَّة، وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين، فما ترك خيرًا إلا دلَّ الأمة عليه، ولا شرًا إلا حذَّرها منه.

أمَّا بعد أيها المؤمنون: اتقوا الله تعالى، (اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب:70-71].

أيها المؤمنون: إن الواجب على كل مسلم أن يكون في حياته هذه حذِرًا أشد الحذر من الشيطان الرجيم، من مكره وكيده، من وساوسه وخطراته؛ فإن الشيطان -عباد الله- عتى عتوًا كبيرًا، وطغى طغيانًا عظيمًا، وتوعَّد بإغواء بني آدم وصدِّهم عن سبيل الله وإيقاعهم في أنواع الانحرافات وصنوف الضلالات، والله -عز وجل- أخبرنا في آيات كثيرة بمكر الشيطان وكيده وخطورته على الإنسان وطرائقه في الصد والإغواء عن طريق الرحمن.

ولنتأمل -يا معاشر العباد- في سياق قرآني كريم فيه التحذير من الشيطان وعدوانه وكيده وصدِّه عن سبيل الله؛ يقول الله -تبارك وتعالى- في سورة النساء: (وَإِنْ يَدْعُونَ إِلَّا شَيْطَانًا مَرِيدًا * لَعَنَهُ اللَّهُ وَقَالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا * وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الْأَنْعَامِ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُبِينًا * يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا) [النساء: 117- 120].

فالحذر الحذر -أيها العباد- ولنتأمل هذا التوعد الذي ذكره الله عن الشيطان بأيمانٍ متكررات (لَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآمُرَنَّهُمْ)، واللامات هنا كلها لامات قسم، فهو يقسم قسمًا متكررا وأيمانًا متكررة على إضلال بني آدم وإغوائهم عن سبيل الله وحرفهم عن صراط الله المستقيم بالوعود الكاذبة والأماني الفارغة، إلا أنها قد عملت عملها في كثير من الناس، حيث إنَّ هذا الظن الذي ظنه الشيطان قد تحقق له فيه نصيبٌ كبيرٌ في كثير من ذرية بني آدم إلا من حماه الله ووقاه، (وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ)[سبأ:20]؛ فكثير من الناس لم يخيِّب الشيطان  -والعياذ بالله- في ظنه.

أيها المؤمنون: لنتأمل هذه الأيمان المتكررات من هذا العدو بالإضلال والأماني والأمر بتغيير خلق الله -عز وجل-، وأقف عند هذه وقفة (وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ)؛ كيف يكون هذا التغيير؟

قال أهل العلم -رحمهم الله تعالى- في كتب التفسير: هذا يتناول التغيير للخلْق الباطن؛ أي ما كان في الإنسان من فطرة سليمة فُطر عليها كما جاء في الآية الأخرى: (فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ)[الروم:30]، وفي الحديث القدسي يقول الله تعالى: "خَلَقْتُ عِبَادِي حُنَفَاءَ كُلَّهُمْ، وَإِنَّهُمْ أَتَتْهُمُ الشَّيَاطِينُ فَاجْتَالَتْهُمْ عَنْ دِينِهِمْ"؛ فيتناول التغيير في خلق الله تغييرُ الفطرة وتبديلُها من قبول الهدى والرضا بالإسلام والنشأة على التديّن إلى الكفر والضلال والعصيان.

كماأنه يتناول تغيير الخِلقة الظاهرة بأنواعٍ من الأعمال والأمور يفعلها الناس وهي من طاعة الشيطان في أمره لهم بتغيير خلق الله -عز وجل-، ولعل مما يوضح ذلك ما جاء في الصحيحين عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: «لَعَنَ اللَّهُ الوَاشِمَاتِ وَالمُسْتَوْشِمَاتِ، وَالنَّامِصَاتِ وَالمُتَنَمِّصَاتِ، وَالمُتَفَلِّجَاتِ لِلْحُسْنِ، المُغَيِّرَاتِ خَلْقَ اللَّهِ» ثم قال: «ومَالِي لاَ أَلْعَنُ مَنْ لَعَنَ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ فِي كِتَابِ اللَّهِ».

وجاء في الصحيحين عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بن عوف أَنَّهُ سَمِعَ مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ -رضي الله عنه- عَامَ حَجَّ وهو عَلَى المِنْبَرِ وَتَنَاوَلَ قُصَّةً مِنْ شَعَرٍ فِي يَدَيْ حَرَسِيٍّ، ويقول: «يَا أَهْلَ المَدِينَةِ أَيْنَ عُلَمَاؤُكُمْ؟ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَنْهَى عَنْ مِثْلِ هَذِهِ، وَيَقُولُ: "إِنَّمَا هَلَكَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ حِينَ اتَّخَذَ هَذِهِ نِسَاؤُهُمْ» أي وصل الشعر. فهذا كله من التغيير لخلق الله -جل في علاه-.

وفي سؤالٍ ورد إلى مشايخنا الكرام في اللجنة العلمية للإفتاء عن اللحية وهل حلقها داخل في عموم الآية؟ فكان جواب مشايخنا الأجلاء أن قالوا: نعم؛ داخل في عموم الآية، لأنه من التبديل لخلق الله.

أيها المؤمنون: ولنتأمل في خاتمة هذا السياق العظيم المبارك حيث يقول الله -عز وجل-: (وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُبِينًا * يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا) [النساء: 119- 120]، أي فلا تغتر يا عبد الله بوعود الشيطان الكاذبة وأمانيه الفارغة  فإنها لا توصل المرء إلا إلى الخسران المبين كما أخبر بذلك رب العالمين. أعاذنا الله وذرياتنا والمسلمين من الشيطان الرجيم من همزه ونفخه ونفثه.

أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله كثيرًا، وأشهد أن لا إله إلا اللهُ وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله؛ صلى الله وسلَّم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد أيها المؤمنون عباد الله: اتقوا الله، فإن من اتقى الله وقاه.

أيها المؤمنون: جاء في المسند للإمام أحمد وغيره أن أبا بكر -رضي الله عنه- صدِّيق الأمَّة سأل النبي صلى الله عليه وسلمأن يعلِّمه شيئًا يقولهإذا أصبح وإذا أمسى وإذا أوى إلى فراشه، فقال عليه الصلاة والسلام: "قُل: اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّمَاواتِ وَالْأَرْضِ، عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ، رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ وَمَلِيكُهُ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ نَفْسِي، وَشَرِّ الشَّيْطَانِ وَشَرَكِهِ -وفي رواية وَشِرْكِهِ-، وَأَنْ أَقْتَرِفَ عَلَى نَفْسِي سُوءًا أَوْ أَجُرَّهُ إِلَى مُسْلِمٍ".

فتأمل -رعاك الله- هذا التعوذ من مصدري الشر ومآليه؛ أما مصدراه: فالنفس الأمارة بالسوء والشيطان أعاذنا الله منه، وأما المآل والنتيجة: فالإضرار بالنفس بإيقاعها في الإثم والحرام أو الإضرار بالآخرين.

عباد الله: لنتعوذ كثيرًا بالله -عز وجل- من الشيطان الرجيم، وليكن هذا التعوذ وردًا مستمرًّا في كل يوم في صباحه ومسائه، وكذلك بما ورد في السنة من تعوذات كثيرة في مقامات عديدة من الشيطان، ولندرك أن خطر الشيطان عظيم، وأنه أيضا مع عظم خطره وشدة كيده ومكره لا سبيل له على أهل الإيمان الذين لجأوا إلى الله واستعاذوا به وذكروه جل في علاه ذكرًا كثيرًا، قال الله تعالى: (وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا * إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ وَكَفَى بِرَبِّكَ وَكِيلًا)[الإسراء:65].

وصلُّوا وسلِّموا -رعاكم الله- على محمد بن عبد الله كما أمركم الله بذلك في كتابه فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) [الأحزاب:56]، وقال صلى الله عليه وسلم: "مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّى الله عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا".

اللهم صلِّ على محمدٍ وعلى آل محمد كما صلَّيت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنَّك حميدٌ مجيد، وبارك على محمدٍ وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنَّك حميدٌ مجيد. وارضَ اللهمَّ عن الخلفاء الراشدين؛ أبى بكرٍ وعمرَ وعثمانَ وعلي، وارض اللهم عن الصحابة أجمعين، ومن تبِعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنَّا معهم بمنِّك وكرمك وإحسانك يا أكرم الأكرمين.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم انصر من نصر دينك وكتابك وسنَّة نبيك محمدٍ صلى الله عليه وسلم. اللهم انصر إخواننا المسلمين المستضعفين في كل مكان، اللهم كُن لهم ناصرًا ومُعينا، وحافظًا ومؤيِّدا. اللهم وعليك بأعداء الدين فإنهم لا يعجزونك، اللهم إنا نجعلك في نحورهم ونعوذ بك اللهم من شرورهم.

اللهم آمِنَّا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين. اللهم وفِّق ولي أمرنا لهداك، اللهم سدِّده في أقواله وأعماله يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام. اللهم ولِّي على المسلمين أينما كانوا خيارهم واصرف عنهم شرارهم.

اللهم آتِ نفوسنا تقواها، زكها أنت خير من زكاها، أنت وليُّها ومولاها. اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفة والغنى. اللهم إنَّا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكوننَّ من الخاسرين. اللهم اغفر لنا ولوالدينا ووالديهم وذرياتهم وللمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات.

اللهم إنا نستغفرك إنك كنت غفارا فأرسل السماء علينا مدرارا، اللهم يا ربنا نتوجه إليك بأسمائك الحسنى وصفاتك العليا وبأنك أنت الله لا إله إلا أنت يا من وسعت كل شيء رحمةً وعلما أن تنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من اليائسين، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا.

اللهم إنا نسألك غيثًا مغيثا، هنيئًا مريئا، سحًّا طبقا، نافعًا غير ضار، عاجلًا غير رائث، اللهم أغث قلوبنا بالإيمان وديارنا بالمطر، اللهم سقيا رحمة لا سقيا هدمٍ ولا عذابٍ ولا غرق، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أعطنا ولا تحرمنا، وزدنا ولا تنقصنا، وآثرنا ولا تؤثر علينا.

ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.

 وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.


تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي