والمسلم لا يرضى بالفرقة مع إخوانه المسلمين، لا يرضى بإهمال تعاليم دينه، لا يرضى بمعصية ربه، ولا يرضى بمعصية رسوله –صلى الله عليه وسلم-، المسلم الحقيقي يدرك أن تفرق المسلمين هو أعظم نكبة عليهم، وهو السلاح الوحيد الذي يقاومهم به عدوهم، فاتق الله -أيها المسلم-، وراقب الله -عز وجل-، واعلم أن عدوك لا يريد لك الخير مهما أظهر لك من الود والصداقة ..
الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.
الحمد لله الذي سهل لعباده طريق عبادته، وأفاض عليهم من خزائن جوده وكرمه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبده ورسوله، أفضل من صلى وصام، وأفضل من حج واعتمر، نبيٌ غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، ومع ذلك قام حتى تفطرت قدماه، فقال: "أفلا أكون عبدًا شكورًا". اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه.
الله أكبر، الله أكبر لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.
أما بعد:
فيا عباد الله: اتقوا الله -تبارك وتعالى-، اتقوه وعظموا أمره واجتنبوا نهيه، اتقوه فأخلصوا له العبادة وحده، ثم اعلموا -عباد الله- أن هذا اليوم يوم عظيم وعيد جليل، يسمى يوم الجوائز؛ وذلك لأن الجوائز تفرق على العاملين في شهر رمضان، تفرق بحسب عمل كل عامل، من عمل خيرًا وجد الخير، وإن كان عمل شرًا -والعياذ بالله- فلن يجد إلا ما يتفق مع عقوبة ذلك الشر الذي فعله، ويسمى هذا اليوم يوم الجوائز، ولهذا ورد في الحديث عن النبي –صلى الله عليه وسلم- عن ابن عباس يرفعه قال: "إذا كان يوم عيد الفطر هبطت الملائكة إلى الأرض، وتكون على أفواه السكك، ينادون بصوت يسمعه جميع من خلق الله إلا الجن والإنس، يقولون: يا أمة محمد: اخرجوا إلى رب كريم يعطي الجزيل ويغفر الذنب العظيم، فإذا برزوا إلى مصلاهم قال الله -تبارك وتعالى- لملائكته: يا ملائكتي: ما جزاء الأجير إذا عمل عمله؟! فتقول الملائكة: إلهنا وسيدنا أن توفيه أجره، فيقول الله -عز وجل- للملائكة: أشهدكم أني جعلت ثوابهم من صيامهم وقيامهم رضائي ومغفرتي، ثم يقول موجهًا خطابه إلى عباده: انصرفوا مغفورًا لكم، انصرفوا مغفورًا لكم".
قال بعض العلماء: "يرجع أقوام من المصلى كيوم ولدتهم أمهاتهم"، أي لا ذنب عليهم، قد غفرت ذنوبهم ومحيت سيئاتهم.
الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.
أيها المسلمون: في هذا اليوم العظيم -أي في عيد الفطر- يجتمع المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها، يجتمع المسلمون في كل قطر وفي كل قرية، يجتمعون لصلاة العيد، وفي هذا الاجتماع تظهر الوحدة الإسلامية، تظهر في أبهى حللها وفي أروع صورها، تظهر الوحدة الإسلامية، فيجتمع الغني مع الفقير، القوي مع الضعيف، العربي مع غير العربي، على اختلاف اللغات يجتمعون، وكل منهم يشعر أن بجانبه أخاه يشاركه في آلامه وفي آماله، وهذه هي الوحدة الحقيقة، يمد يده ويصافحه يهنئه بالعيد ويبارك له فيما عمله في شهر رمضان، فيتبادلان التحيات، يتبادل كل واحد منهم مع الآخر كأنه أخوه، وهو لا يعرفه، ولربما كانت لغته تخالف لغته، ويمد يده بغير أن يتكلم لأنهما لا يعرفان لغة بعضهما، ولكن الإسلام هو الذي جمع بينهما، يشعر كل واحد منهما أن بجانبه أخاه يشاركه في كل أموره وشؤونه، وهذه -يا عباد الله- الوحدة هي التي تنبغي بين المسلمين، وهي التي ينبغي أن يحققها المسلمون؛ لأن هذه الوحدة هي التي فيها عزهم، وفيها شرفهم، فيها عز الإسلام، فيها عز المسلمين، فيها القوة يا عباد الله.
والوحدة الإسلامية -يا عباد الله- هي التي يخشاها أعداء الإسلام؛ لأن أعداء الإسلام يدركون ويفهمون أن الإسلام يجمع ولا يفرق، لأنه يلقي بين الناس المودة ولا يلقي بينهم البغضاء.
يدرك أعداء الإسلام أن الإيمان هو السلاح الوحيد الذي لا يمكن أن يقاومه الأعداء، فإذا برز الأعداء بالسلاح الفتاك فهم يشعرون أنهم إذا كانوا رجالاً فالمسلمون أيضًا رجال، وإذا أدركهم عمل السلاح فالمسلمون يدركون اصطناع السلاح، فالقوة بالقوة، ولكن الشيء الذي يخشاه أعداء الإسلام هو السلاح الذي في يد المسلمين وليس في يدهم، والذي متى استعمله المسلمون فلا قوة لأحد عليهم، ولا يستطيعون أن يقاوموه، ألا إنه سلاح العقيدة، سلاح الإيمان، سلاح الوحدة، سلاح الاجتماع، سلاح الائتلاف، هذا هو السلاح.
ولكن أعداء الإسلام حاولوا أن يجدوا سلاحًا يضاد هذا السلاح، فوجدوا بغيتهم في سلاح التفرقة، فهم يدركون أنه لا يمكن مقاومة المسلمين إذا اجتمعوا إلا ببث الفرقة والعداء والخلاف فيما بينهم، فمتى كانوا كذلك تمكن أعداؤهم منهم، وهذا هو السلاح الذي يأملونه، ولكن عليهم أن يعلموا أن الإسلام قوي، أنه يقوى ولا يضعف، وأنه يجمع ولا يفرق، وأنه لا بد من يوم يرجع المسلمون إلى أنفسهم، ويرجع إليهم دينهم، ويفكرون في مآلهم، ويدركون أن السلاح الذي يقاومهم به عدوهم هو سلاح التفرقة، وحينئذ يتبرؤون منها -أي من التفرقة-، ويجتمعون وتأتلف قلوبهم على الإسلام وعلى العقيدة، ومتى كانوا كذلك فإن عدوهم مهما أتى به من السلاح ومهما قابلهم من السلاح لا يغني عنهم شيئًا.
ولكن التساؤل -أيها المسلم-: كيف لا يستعمل المسلمون هذا السلاح؟! أي الاجتماع وعدم الافتراق، أي سلاح الإيمان، سلاح العقيدة، لأي شيء لم يستعملوه؟! وكيف لا يستعملونه؟! أشكًّا فيه؟! ألم يعلموا أن أسلافهم حاربوا وقهروا عدوهم بهذا السلاح العظيم؟! مئات الألوف من الأعداء تقابل الآلاف من المسلمين ولا يقومون لهم، بل إن المآل هو الانهزام لعدو الإسلام والمسلمين؛ لأن السلاح العظيم الذي معهم هو سلاح فتاك، فتاك في عدو الإسلام، إنه سلاح العقيدة، إنه سلاح الاجتماع، وسلاح عدم الاختلاف.
هذا هو سلاحك -أيها المسلم-؛ فكيف تفرط فيه، وكيف تتركه وتجعل لعدوك بابًا يدخل إليك منه، إنه التفرق، كيف تتفرق وتعادي أخاك المسلم وأنت تعلم أن لك عدوًا يتربص بك، أليس -يا عباد الله- من السخرية أن يختلف المسلمون، وأن يتناحروا ويتباغضوا ويسب بعضهم بعضًا، ولربما يحمل بعضهم العداوة على البعض، أليس هذا من السخرية؟! أليس هذا من مصائب المسلمين يا عباد الله؟!
أيها المسلم: راقب الله -عز وجل-، واعلم أن الله معك، لكن متى كنت مع الله، فاعلم أن الله سينصرك، ولكن متى؟! حين تنصر الله، فانصره باتباع ما أمر به واجتناب ما نهى عنه، تأخذ بما جاء في كتابه وبما جاء في سنة رسوله وتكون مسلمًا، عند ذلك يعرف عدوك أنك مسلم، ولكن متى كنت غير ذلك، فكنت تخالف أوامر ربك وترتكب نواهيه وتميل مع أعداء المسلمين، متى كنت كذلك فإن عدو الإسلام لا يضره أو لا يهمه أن تقول: أنا مسلم، فسمِّ ما شئت، ولكن الذي يخشاه أن تكون مسلمًا حقيقة، أما أنك تنتمي للإسلام وأنت لا تعرف عن الإسلام شيئًا، أو لا تطبق تعاليم الإسلام، فعدوك لا يهمه هذا، سواء تقول: مسلم أو غير مسلم؛ لأن هذا لا يضره، وإنما الذي يضره ويخشاه أن تكون مسلمًا حقيقة، إذا قلت: أنا مسلم، وأنت مسلم على الحقيقة.
والمسلم -يا عباد الله- لا يرضى بالفرقة مع إخوانه المسلمين، لا يرضى بإهمال تعاليم دينه، لا يرضى بمعصية ربه، ولا يرضى بمعصية رسوله –صلى الله عليه وسلم-، المسلم الحقيقي يدرك أن تفرق المسلمين هو أعظم نكبة عليهم، وهو السلاح الوحيد الذي يقاومهم به عدوهم، فاتق الله -أيها المسلم-، وراقب الله -عز وجل-، واعلم أن عدوك لا يريد لك الخير مهما أظهر لك من الود والصداقة، عدو الإسلام لا يريد للإسلام ولا للمسلمين خيرًا، وإنما يريد لهم شرًّا، وإذا كان قد أوحى إلى بعض ضعفاء المسلمين أن ما هم عليه هو تخلف، وعدم لحوق بالركب، وأن ما عندهم -أي عند أعداء الإسلام- هو التقدم، إذا كان يوحي إليك ذلك، فهل تتصور أنه يريد لك الخير في ذلك؟! كلا، وإنما يريد لك الشر، ولا يريد منك إلا التخلف، ولا يريد منك إلا الفرقة، ولا يريد من المسلمين إلا التعادي والتناحر والتباغض، هذا هو سلاحه -يا عباد الله-، هذا سلاح عدو الله.
كيف تمكِّنون عدوكم من إشهار السلاح عليكم وفي أيديكم، سلاح أنتم الذين تصنعونه، إنه الفرقة فيما بيننا، إنه الخلاف فيما بيننا، إنه التعادي فيما بيننا، إنه عدم التآلف، هذا السلاح الذي أعطيناه عدونا وشهره في وجوهنا، ألا يستحي المسلم، ألا نستحي ونعلم أن الله يراقبنا ويعلم سرائرنا وضمائرنا، وأن الله هو الذي يجازينا على أفعالنا، وإذا كان يُحِل بنا نكبة من أعدائنا فما ذلك إلا بسببنا، والله -سبحانه وتعالى- أخبرنا بذلك فقال: (وَمَا أَصَـابَكُمْ مّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُواْ عَن كَثِيرٍ) [الشورى:30]؟!
فاتق الله -أيها المسلم-، وعليك أن تدرك أن عدوك عدو الإسلام، وأن عدو الإسلام عدوك، وأنه لا يريد لك إلا الشر، ففيم التمادي في الاختلاف؟! وفيم التمادي في التفرق؟! أهذا هو الذي ترضاه -أيها المسلم-؟! أهذا هو المنهج الذي تسلكه؟! وهو الذي تعتقد أنه يرضي عنك عدوك؟! لا شك أنه يرضيه عنك، ولكن رضاءه عليك هو سخط الله عليك، فاتق الله، وإن لإسلامك تعاليم، وإن له مبادئ عليك أن تلتزمها، ومتى التزمتها فالله -عز وجل- كفيل بنصرك، وكفيل بتأييدك، وكفيل برعايتك، وكفيل بدحر عدوك، هذا هو سلاحك -أيها المسلم-، فاتقوا الله عباد الله، والحذر الحذر من الاختلاف ومن التفرق، والحذر ثم الحذر من التفريط في تعاليم الدين ومبادئه، فالله -عز وجل- امتن علينا وسمانا المسلمين، وهذه التسمية لها أهميتها، ولها قيمتها، وهي شرف لنا وعز، كيف نفرط فيها، فينبغي أن نكون مسلمين كما أراد الله -عز وجل- لنا.
الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.
عباد الله: علينا أن ننظر في الأمر الذي حل بالمسلمين، أهو من قلة؟! كلا، ليس من قلة عدد فالعدد كبير، ولكن نخشى -يا عباد الله- أن يكون ذلك الوصف الذي وصفه النبي –صلى الله عليه وسلم- أو الذي يخشاه على أمته حيث يقول -عليه الصلاة والسلام-: "يوشك أن تداعى عليكم الأمم كما تداعى الأكلة على قصعتها"، قالوا: أمن قلة نحن يومئذ يا رسول الله؟! قال: "لا، ولكنكم غثاء كغثاء السيل".
وهذا وصف عليم لو طبقناه الآن في زماننا علينا -معشر المسلمين- لوجدناه، ونخشى أن يتمكن منا وتكون الكارثة أعظم وأكبر إذا لم يتق اللهَ المسلمون، وإذا لم يراجع المسلمون ربهم ويراجعوا دينهم.
الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.
عباد الله: الصلاة الصلاة؛ فإنها عمود الإسلام، وناهية عن الفحشاء والآثام، من حفظها فقد حفظ دينه، ومن ضعيها فهو لما سواها أضيع، وهي أول ما يسأل عنه العبد يوم القيامة، فإن صلحت صلح سائر دينه، وإن فسدت فما سواها أولى بالفساد.
وعليكم -عباد الله- ببر الوالدين وصلة الأرحام، والصبر عند فجائع الليالي والأيام، فإن الصبر درع للمسلم -يا عباد الله-، وعليكم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ فإنهما من دعائم الإسلام، بل إنهما أعظم قاعدة للإسلام، فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ما قام دين إلا بهما، ولا استقام إلا عليهما، وما من أمة ضيعت الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلا أخذها الله -عز وجل- بعظيم عقابه، وعلينا أن ننظر فيما وقع لبني إسرائيل؛ حيث وصفهم الله -عز وجل- بقوله: (لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ) [المائدة:78، 79]، ويقول الرسول حينما قرأ هذه الآية: "والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف، ولتنهون عن المنكر، ولتأخذن على يد السفيه، أو ليضربن الله بقلوب بعضكم قلوب بعض، ثم يلعنكم كما لعنهم".
واحذروا -عباد الله- الشرك بالله -عز وجل-؛ فإنه من أعظم الآثام، وإن الجنة على صاحبه حرام: (إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذلِكَ لِمَن يَشَاء وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيداً) [النساء:116]، وقال -سبحانه وتعالى- حكاية عن نبيه عيسى: (مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ) [المائدة:72].
عباد الله: راقبوا أنفسكم، وعليكم بحسن الصحبة مع إخوانكم، ومع الأقارب أولى، واحذروا -يا عباد الله- المعاصي؛ فإنها من أعظم ما يكون، وأكبرها الشرك بالله -عز وجل-، واحذروا الزنا فإنه من أعظم المحرمات، قال الله -عز وجل-: (وَلاَ تَقْرَبُواْ الزّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً) [الإسراء:32]، ويقول -عليه الصلاة والسلام-: "ما من ذنب بعد الشرك بالله أعظم من أن يضع الرجل نطفته في رحم لا يحل له".
وإياكم -عباد الله- وقذف المحصنات الغافلات؛ قال الله -عز وجل-: (إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَـاتِ الْغَـافِلَـاتِ الْمُؤْمِنـاتِ لُعِنُواْ فِى الدُّنْيَا وَلآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) [النور:23]، وإياكم وشرب شيء من المسكرات؛ فإنه محرم بالكتاب والسنة والإجماع.
والخمر -يا عباد الله- هي كل ما خامر العقل، سواء أكان مركبًا أم معتصرًا أم مخمرًا، وسواء أجعل في سائل أم في حبوب أم ما إلى ذلك، والعلة فيها هي التخدير والإسكار، فكلما كان ذلك فهو خمر، وهو حرام على هذه الأمة؛ قال الله -عز وجل-: (أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمْ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنْ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنتَهُونَ) [المائدة:90، 91]، ولربما -يا عباد الله- يعاقَب المدمن على الخمر أو على تناول شيء من المسكرات بسوء الخاتمة، وهي من أعظم العقوبات، ويعاقب أيضًا في الآخرة.
أما سوء الخاتمة فإنه قد وقع لبعض من يشرب الخمر وأدمن على شربها أنه سكر ذات يوم، فعاتبته زوجته على ترك الصلاة، فحلف بطلاقها ثلاثًا لا يصلي ثلاثة أيام، فمات في اليوم الثالث تاركًا للصلاة مدمنًا للخمر، واتفق لبعضهم أنه شرب وسكر وترك الصلاة، فعاتبته أمه على ترك الصلاة، وكانت تسجر تنورًا لها، فحملها فألقاها فيه فاحترقت، فمات مدمنًا للخمر، تاركًا للصلاة، قاتلاً لأمه.
هذه خاتمة سوء -يا عباد الله-، أما في الآخرة فإن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- قال: "حق على الله أن من مات وهو يشرب الخمر أن يسقيه من ردغة الخبال". وفي رواية: "طينة الخبال". قالوا: وما طينة الخبال؟! قال: "عصارة أهل النار". أي إن القيء والصديد الذي يخرج من جلود أهل النار يجمع ويسقى به من مات وهو يشرب الخمر، جزاءً وفاقًا له بما عمل.
فاتقوا الله -عباد الله-، واحذروا الآثام فإنها موبقات ومهلكات.
الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.
عباد الله: تذكروا بهذا الاجتماع ما أمامكم من الأهوال والأفزاع، تذكروا قبل الانصراف من هذا المصلى وكلٌّ يحمل جائزته، إما مغفرة الله ورضوانه، أو سخطه والعياذ بالله، كل يحمل جائزته، تذكروا بذلك الانصراف من المحشر يوم القيامة، فآخِذٌ كتابه بيمينه، وآخِذٌ كتابه بشماله، وتذكروا -عباد الله- فيمن صلى معكم في هذا المكان العام الماضي من الآباء والأبناء والأحبة والإخوان أين هم؟! اخترمهم هادم اللذات وفرقهم مفرق الجماعات، فأصبحوا في حفرهم لا يستطيعون زيادة في حسناتهم ولا يستطيعون نقصًا من سيئاتهم، فحذار -عباد الله-؛ فإنا إلى ما صاروا إليه صائرون، ولابد من فراق هذه الدنيا، ولا بد من الوقوف بين يدي الله، فإنا لله وإنا إليه راجعون، والله -عز وجل- يقول: (وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) [الأعراف:204].
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنْ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ * وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ * أُوْلَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ) [آل عمران:133-136].
أعاد الله علينا جميعًا من بركة هذا العيد، وأمَّننا من سطوة يوم الوعيد، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إله الأولين والآخرين، وأشكره سبحانه على آلائه ونعمه، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه.
أما بعد:
فيا عباد الله: اتقوا الله -تبارك وتعالى-، واعلموا أن الذي يغيظ الشيطان عدو الله وعدونا، ما قدمه المسلم في شهر رمضان المبارك مما يسر الله له وسهل له من فعل الخير والأعمال الصالحة، هذا هو الذي يكيده ويغيظه، وهو حريص كل الحرص أن ينتقم منك -أيها المسلم-، فهو الآن سيضاعف جهده معك، فالحذر الحذر، الحذر من عدو الله فإنه يتربص بنا الدوائر، فيا عباد الله: ينبغي للمسلم أن يحذر منه؛ فإنه يكيده ويحاول أن يفسد ما أصلحه في شهر رمضان المبارك، ولكن ردوه -يا عباد الله- مدحورًا، وذلك بالاستمرار في طاعة الله -عز وجل- وعبادته وفي الإكثار من الخير.
واحذروا المعاصي -يا عباد الله-؛ فإنها هي المهلكات وهي الموبقات، فإنه ما نزل بلاء في الأرض إلا بسبب معصية، ولا رُفع إلا بتوبة، فعليكم بالتوبة -يا عباد الله- والإنابة إلى الله -عز وجل-.
ثم صلوا على سيد الأولين والآخرين سيدنا ونبينا محمد -عليه أفضل الصلاة والتسليم-؛ فإن ربنا -تبارك وتعالى- أمرنا بذلك في كتابه المبين؛ فقال -جل من قائل-: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) [الأحزاب:56]، ويقول -عليه أفضل الصلاة والتسليم-: "من صلى عليَّ مرة صلى الله عليه بها عشرًا". اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه.
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي