الأخلاقُ الفاضلةُ ركيزةٌ أساسيةٌ منْ ركائزِ هذَا الدينِ، فِي بناءِ الفردِ وإصلاحِ المجتمعِ، فسلامةُ المجتمعِ وقوةُ بنيانهِ وسموُّ مكانتهِ وعزةِ أبنائهِ بتمسكهِ بفاضلِ الأخلاقِ.. إنَّ حُسنَ الخلقِ منَ الإيمانِ، وصفةٌ منْ صفاتِ أهلِ الإحسانِ، وحليةٌ للمتقينَ فِي واسعِ الجنانِ، كمَا أنَّ سوءَ الخلقِ منْ فعلِ الشيطانِ، وسببٌ منْ أسبابِ انغماسِ العبدِ فِي النيرانِ.
الحمدُ لله الذي برحمته اهتدى المُهتدونَ، وبعدلِهِ وحكمَتِهِ ضلَّ الضَالونَ، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له لا يُسألُ عمَّا يفعلُ وهم يُسألونَ، وأشهدُ أنَّ محمداً عبدُ الله ورسولُه، ترَكنا على مَحجَّةٍ بَيضَاءَ لا يزيغُ عنها إلاَّ أهُلُ الأهواء ِوالظُّنونِ، صلَّى الله وسلَّم وباركَ عليه، وعلى آله وأصحابِه وأتباعِه بإحسانٍ إلى يومٍ لا ينفعُ فيه مالٌ ولا بنونَ إلاَّ مَنْ أتى اللهَ بِقلبٍ سَلِيمٍ.
أما بعد: فأوصيكم -عباد الله- ونفسي بتقوى الله، فتقواه سبحانه بها ترفع الدرجات وتغفر السيئات، وبها يتمايز الخلق عند فاطر الأرض والسموات (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللهِ أَتْقَاكُمْ) [الحجرات: 11].
أيها المؤمنون: حينَ جاءَ جبريلُ عَليهِ السَّلَامُ إلَى النَّبِيِّ الأمينِ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلمَ- فِي غارِ حراءَ وضمَّهُ إلَى صدرهِ وأمرهُ بالقراءةِ، عادَ النَّبِيُّ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلمَ- بعدهَا إلى بيتهِ مرتعداً يرجفُ فؤادهُ، وهوَ يقولُ لخديجةَ رضيَ اللهُ عنهَا - بعدَ أَنْ قَصَّ عليهَا الخبرَ -: «لَقَدْ خَشِيتُ عَلَى نَفْسِي»، فوقفتِ السيدةُ خديجةُ فِي محنتهِ، وطمئنتْ فؤادهُ، ودللتْ علَى نبوتهِ وصدقِ دعوتهِ ومَا يحملهُ منْ رسالةٍ للعالمينَ فقالتْ رضيَ اللهُ عنهَا تلكَ الكلماتِ الخالداتِ: «كَلَّا، أَبْشِرْ، فَوَاللَّهِ لَا يُخْزِيكَ اللَّهُ أَبَداً؛ إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ، وتصدُق الْحَدِيثَ، وَتَحْمِلُ الكَلَّ -أيْ: تنفقُ علَى الضعيفِ، واليتيمِ وذِي العيالِ-، وتكسبُ المعدومَ –أيْ: تعاونُ الفقيرَ وتتبرعُ بالمالِ لمنْ عدمهُ-، وَتُقْرِي الضَّيْفَ –أيْ: تكرمهُ-، وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الحقِّ -مَا ينزلُ بالإِنسانِ منْ حوادثَ ومصائبَ-.
ويكفِي رسولَ اللهِ شرفًا أنَّ اللهَ قدْ شهدَ لهُ بعظمةِ الأخلاقِ فقالَ تعالَى: (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) [القلم: 4]، وهذهِ الشهادةُ الكبرَى منَ اللهِ فِي حقِّ نَبِيِّهِ دليلٌ علَى أنَّ أخلاقهُ كانتْ عظيمةً منذُ خلقهُ اللهُ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلمَ-؛ ولذلكَ اشتهرَ بينَ قومهِ بالصادقِ الأمينِ، ولمْ يجرؤْ أحدٌ منهمْ علَى وصفهِ بالكذبِ أوِ الخيانةِ، بلِ افترُوا وسائلَ أخرَى لصدِّ الناسِ عنهُ؛ كالجنونِ والسحرِ.
عبادَ اللهِ: إنَّ حُسنَ الخلقِ منَ الإيمانِ، وصفةٌ منْ صفاتِ أهلِ الإحسانِ، وحليةٌ للمتقينَ فِي واسعِ الجنانِ، كمَا أنَّ سوءَ الخلقِ منْ فعلِ الشيطانِ، وسببٌ منْ أسبابِ انغماسِ العبدِ فِي النيرانِ.
الأخلاقُ الفاضلةُ ركيزةٌ أساسيةٌ منْ ركائزِ هذَا الدينِ، فِي بناءِ الفردِ وإصلاحِ المجتمعِ، فسلامةُ المجتمعِ وقوةُ بنيانهِ وسموُّ مكانتهِ وعزةِ أبنائهِ بتمسكهِ بفاضلِ الأخلاقِ.
إنمَا الأممُ الأخلاقُ مَا بقيتْ *** فإنْ همُ ذهبتْ أخلاقهمْ ذهبُوا
كمَا أنَّ شيوعَ الانحلالِ والرذيلةِ والفسادِ مقرونٌ بنبذِ الأخلاقِ الحميدةِ والأفعالِ الرشيدةِ.
وإذَا أصيبَ القومُ فِي أخلاقهمْ *** فأقمْ عليهمْ مأتماً وعويلًا
بلْ إنَّ التاريخَ يبينُ لنَا أنَّ كلَّ أمةٍ نهضتْ نهضةً جبارةً، وكلُّ حضارةٍ ازدهرتْ وحققتِ السعادةَ، كانَ لتمسكِ أفرادهَا بالأخلاقِ الحميدةِ والسيرةِ الفاضلةِ الرشيدةِ.
معاشرَ الأحبةِ: لقدِ اهتمَّ الإسلامُ بقضيةِ الأخلاقِ، ومَا لهَا منْ فضائلَ وفوائدَ، ومَا لهَا منْ دورِ فِي نشرِ الفضيلةِ فِي المجتمعِ فمنْ ذلكَ:
• أنهَا أثقلُ شيءٍ فِي الميزانِ، فعنْ أبِي الدراداءِ -رضيَ اللهُ عنهُ- عنِ النبيِّ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلمَ- قالَ: «مَا مِنْ شَيْءٍ يُوضَعُ فِي المِيزَانِ أَثْقَلُ مِنْ حُسْنِ الخُلُقِ» (رواه الترمذي وصححه الألباني)، وفِي روايةٍ: «مَا مِنْ شَيْءٍ يُوضَعُ فِي المِيزَانِ أَثْقَلُ مِنْ حُسْنِ الخُلُقِ» (رواه الترمذي وصححه الألباني).
وبلغَ منْ عِظَمِ مكانةِ الأخلاقِ فِي الإسلامِ أنْ حصرَ رسولُ الإسلامِ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلمَ- مهمةَ بعثتهِ، وغايةَ دعوتهِ، بكلمةٍ عظيمةٍ جامعةٍ، فقالَ فيمَا رواهُ البخاريُّ فِي التاريخِ وغيرهِ: «مَا مِنْ شَيْءٍ يُوضَعُ فِي المِيزَانِ أَثْقَلُ مِنْ حُسْنِ الخُلُقِ» (رواه الترمذي وصححه الألباني)، وفِي روايةٍ صالحِ الأخلاقِ.
• ومنْ فضائلِ الأخلاقِ الزكيةِ أنَّ صاحبهَا أقربُ الناسِ إلَى حبيبِ البريةِ محمدٍ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلمَ-، ومَا منْ أحدٍ إلَّا وهوَ يحبُّ الرسولَ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلمَ-، ويرجُو أنْ يكونَ منْ أقربِ الناسِ إليهِ مجلسًا يومَ القيامةِ، ومَا منَّا منْ أحدٍ إلَّا وهوَ يطمعُ أنْ يكونَ منْ أحبِّ الناسِ إليهِ، إذاً فالقربُ إليهِ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلمَ- فِي ذلكَ اليومِ قربٌ منَ الجنةِ ودُنوٌّ منْ رحمةِ اللهِ عزَّ وجلَّ. فعنْ جابرِ بنْ عبدِ اللهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلمَ-: "إِنَّ مِنْ أَحَبِّكُمْ إِلَيَّ وَأَقْرَبِكُمْ مِنِّي مَجْلِسًا يَوْمَ القِيَامَةِ أَحَاسِنَكُمْ أَخْلَاقًا" (رواه الترمذي وصححه الألباني).
ومنْ فضائلِ الأخلاقِ الكريمةِ، أنَّ صاحبهَا ومنْ يتحلَّى بهَا يدخلُ الجنةَ بسلامٍ، فعنْ عبدِ اللهِ بنِ سلامٍ رضيَ اللهُ عنهُ قالَ: "لمَّا قدمَ النبيُّ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلمَ- المدينةَ انجفلَ الناسُ قبلهُ وقيلَ: قدْ قدمَ رسولُ اللهِ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلمَ-، قدْ قدمَ رسولُ اللهِ، قدْ قدمَ رسولُ اللهِ ثلاثًا، فجئتُ فِي الناسِ لأنظرَ فلمَّا تبينتُ وجههُ عرفتُ أنَّ وجههُ ليسَ بوجهِ كذابٍ، فكانَ أولُ شيءٍ سمعتهُ تكلمَ بهِ أنْ قالَ: «أَفْشُوا السَّلَامَ، وَأَطْعِمُوا الطَّعَامَ، وَصِلُوا الْأَرْحَامَ، وَصَلُّوا وَالنَّاسُ نِيَامٌ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ بِسَلَامٍ» (رواه الإمام أحمد والترمذي وصححه الألباني).
ومنْ فضائلِ الأخلاقِ أنْ جعَلَ أجرَ حُسنِ الخُلقِ كأجرِ العباداتِ الأساسيةِ، مِنْ صيامٍ وقيامٍ، فقالَ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلمَ-: «إِنَّ الرَّجُلَ لَيُدْرِكُ بِحُسْنِ خُلُقِهِ، دَرَجَةَ الصَّائِمِ الْقَائِمِ» (رواه الإمام أحمد وأبو داوود وصححه الألباني).
بلْ بلَغ منْ تعظيمِ الشارعِ لحُسنِ الخُلقِ أنْ جعَلهُ وسيلةً منْ وسائلِ دخولِ الجنةِ؛ فقدْ سُئلَ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلمَ- عنْ أكثرِ مَا يُدخِلُ الناسَ الجنَّةَ؟ فقالَ: «أَتَدْرُونَ أَكْثَرَ مَا يُدْخِلُ الْجَنَّةَ؟ تَقْوَى اللَّهِ، وَحُسْنُ الْخُلُقِ» (رواه الإمام أحمد والترمذي وصححه الألباني).
وفِي حديثِ آخرَ ضمِنَ لصاحبِ الخُلقِ دخولَ الجنةِ، لَا بلْ ضمنَ لهُ أعلَى درجاتهَا، فقالَ: «أَنَا زَعِيمٌ بِبَيْتٍ فِي رَبَضِ الْجَنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ الْمِرَاءَ وَإِنْ كَانَ مُحِقًّا، وَبِبَيْتٍ فِي وَسَطِ الْجَنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ الْكَذِبَ وَإِنْ كَانَ مَازِحًا وَبِبَيْتٍ فِي أَعْلَى الْجَنَّةِ لِمَنْ حَسَّنَ خُلُقَهُ» (رواه أبو داوود وصححه الألباني).
ومنْ فضائلِ الأخلاقِ أنَّ صاحبهَا أسعدُ الناسِ حالاً وأكثرهمْ سعادةً وطمأنينةً فِي أنفسهمْ أوْ فيمنْ حولهمْ، بلْ همْ أقدرُ علَى العملِ والإنتاجيةِ، وأكثرُ احتمالاً للمسؤوليةِ، وأجدرُ بالإتيانِ بعظائمِ الأمورِ التِي تنفعهمْ، وتنفعُ الناسَ.
عبادَ اللهِ: المسلمونَ الأوائلُ فتحُوا بلاداً إسلاميةً لمْ تتحركْ إليهَا جيوشٌ، ولمْ تزلزلْ بهَا عروشٌ، ولمْ يرفعْ بها سيفٌ ولا رمحٌ، بلْ تجارٌ صالحونَ بأخلاقهمْ حققُوا الفتحَ فكانَ فتحاً خُلقيًّا، ذهبُوا يتعاملونَ بالدرهمِ والدينارِ فحققَ اللهُ لهمْ بأخلاقهمُ الانتصارَ، بأخلاقٍ أدهشتِ العقولَ والأفكارَ، وسلوكٌ حسنٌ لفتَ الأنظارَ.
عبادَ اللهِ: إنَّ للأخلاقِ ميزاناً واحداً لَا يتغيرُ بتغيرِ الأزمانِ والأماكنِ لَا يتغيرُ بتغيرِ الأشخاصِ ومواقعهمْ ومناصبهمْ، فالأخلاقُ معَ الأغنياءِ والفقراءِ، والضعفاءِ والكبراءِ، وكذَا معَ الحشمِ ومعَ الخدمِ، فِي حالةِ الفرحِ وفِي حالةِ الألمِ، كمَا هيَ معَ الزوجةِ والولدِ، فليسَ معَ الأغنياءِ التزلفُ والمديحُ، ومعَ الفقراءِ الاحتقارُ والتوبيخُ. كانَ أبُو بكرٍ الصديقُ -رضيَ اللهُ عنهُ- يحلبُ للضعفاءِ أغنامهمْ كرماً منهُ ورفقاً بهمْ، فلمَّا تولَّى الخلافةَ لمْ يتغيرْ ولمْ يتبدلْ، سمعَ جاريةً تقولُ: اليومَ لا يحلبُ لنَا، فقالَ: "بلَى لعمرِي لأحلبنَّهَا لكمْ".
وهوَ الذِي يمشِي علَى قدميهِ معَ جيشِ أسامةَ، وأسامةُ راكباً فقالَ أسامةُ: "يَا خليفةَ رسولِ اللهِ، لتركبنَّ أوْ لأنزلنَّ، فقالَ: لَا واللهِ، لا نزلتَ ولَا أركبُ، ومَا عليَّ أنْ أُغبِّرَ قدمِي ساعةً فِي سبيلِ اللهِ". هذهِ هيَ أخلاقُ الإسلامِ متمثلةٌ فِي حاكمهَا وخليفتهَا.
اللهمَّ اهدنَا لأحسنِ الأعمالِ والأخلاقِ، لا يهدِي لأحسنهَا إلَّا أنتَ، واصرفْ عنَّا سيئهَا، لا يصرفُ عنَّا سيئهَا إلَّا أنتَ. نفعنِي اللهُ وإياكمْ..
الخطبةُ الثانيةُ:
الحمدُ للهِ الهادِي لأحسنِ الأقوالِ والأعمالِ والأخلاقِ، لا يهدِي لأحسنهَا إلَّا هوَ، ولَا يصرفُ سيئهَا إلَّا هوَ، أحمدهُ تعالَى وأشكرهُ، وأتوبُ إليهِ وأستغفرهُ.
وأشهدُ أنْ لَا إلهَ إلَّا اللهُ وحدهُ لَا شريكَ لهُ، وأشهدُ أنَّ نبينَا محمداً عبدهُ ورسولهُ، المبعوثُ بالخلقِ القويمِ، والداعِي إلَى الصراطِ المستقيمِ.
أيهَا المسلمونَ: ولأهميةِ الأخلاقِ كانتْ أخلاقُ العبدِ السيئةُ، وسلوكياتهُ المشينةُ، تأكلُ الخيراتِ، وتحرقُ الحسناتِ، وتحمّلهُ منْ غيرهِ الأوزارَ والسيئاتِ، سَألَ النبيُّ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلمَ- يوماً أصحابهُ كمَا فِي صحيحِ مسلمٍ «أَتَدْرُونَ مَا الْمُفْلِسُ؟» قَالُوا: الْمُفْلِسُ فِينَا مَنْ لَا دِرْهَمَ لَهُ وَلَا مَتَاعَ، فَقَالَ: «إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلَاةٍ، وَصِيَامٍ، وَزَكَاةٍ، وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ هَذَا، وَقَذَفَ هَذَا، وَأَكَلَ مَالَ هَذَا، وَسَفَكَ دَمَ هَذَا، وَضَرَبَ هَذَا، فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ، ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ» (رواه مسلم).
تأملُوا رحمنِيَ اللهُ وإياكمْ فِي هذَا الرجلِ الذِي قدْ أجهدَ نفسهُ فِي الطاعةِ، وأسهرَ ليلهُ فِي الإنابةِ، أظمأَ نهارهُ بالصيامِ، وتكبَّدَ سفراً فِي الحجِّ إلَى بيتِ اللهِ الحرامِ، فلمَّا وقفَ بينَ يديِ الجبارِ فوجئَ برصيدٍ هائلٍ منَ الديونِ، فقدْ شتمَ وسفكَ وضربَ وهتكَ، فوزعتْ حسناتُ النهارِ، وطاعاتُ الليلِ سداداً لتلكَ الديونِ، فِي يومِ الجزاءِ والنشورِ، فهذَا خادمٌ مغبونٌ وذاكَ عاملٌ مظلومٌ، وهذَا جارٌ لهُ مكلومٌ، فوقفَ أمامَ الجميعِ بينَ يديِ الجبارِ العظيمِ، وقلبهُ متألمٌ متأوهٌ محزونٌ.
إنَّ هذَا وأمثالهُ يومَ القيامةِ همُ المفلسونَ.، بلْ قدْ حذرَ الرسولُ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلمَ- أمثالهمْ منَ النارِ، ولوْ جاءَ بصلاةٍ وصيامٍ وفعلَ الأمورَ العظامَ، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ : «قِيلَ لِلنَّبِيِّ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلمَ-: إِنَّ فُلَانَةَ تَقُومُ اللَّيْلَ وَتَصُومُ النَّهَارَ، وَتَفْعَلُ، وَتَصَدَّقُ، وَتُؤْذِي جِيرَانَهَا بِلِسَانِهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلمَ-: "لَا خَيْرَ فِيهَا هِيَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ" قِيلَ: وَفُلَانَةُ تُصَلِّي الْمَكْتُوبَةَ، وَتَصَدَّقُ بِالْأَثْوَارِ وَلَا تُؤْذِي أَحَدًا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلمَ-: "هِيَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّة» (رواه البزار وصححه الألباني).
وإذَا اجتمعَ للعبدِ حسنُ الخلقِ وتجويدُ العبادةِ وحرصٌ علَى الطاعةِ وتتبعٌ وحرصٌ لتطبيقِ السننِ والفضائلِ، وبعدٌ عنِ المحرماتِ والمشتبهاتِ، فهذَا كرمٌ عظيمٌ منَ اللهِ لعبدهِ ومنزلتهُ عاليةٌ لهُ فِي الدنيَا قبلَ الآخرةِ. وهوَ فضلهُ يؤتيهِ منْ يشاءُ منْ عبادهِ.
نسأل الله تعالى أن يجعلنا من أهل الأخلاق التي لا يهدي لأحسنها إلا هو.
وصلوا وسلموا...
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي