خلق المسلم نحو بيئته

أحمد عماري
عناصر الخطبة
  1. نظرة المسلم لبيئته .
  2. بعض ما يجب على المسلم تجاه بيئته .
  3. بعض فوائد تنظيف المسلم لبيئته .

اقتباس

إن نظرة المسلم إلى بيئته التي يعيش فيها والتي تحيط به من كل جانب تختلف تماما مع نظرة أي إنسان آخر على وجه الأرض ممن لا يدين لله -تعالى- بدين الإسلام. المسلم ينظر إلى ما حوله من عناصر البيئة؛ من...

الخطبة الأولى:

ضمن حديثنا عن الأخلاق الإسلامية، سيكون حديثنا اليوم عن "خلق المسلم تجاه بيئته" فما الذي يجب على المسلم تجاه بيئته؟ وكيف يكون خلق المسلم مع بيئته؟

إن نظرة المسلم إلى بيئته التي يعيش فيها والتي تحيط به من كل جانب تختلف تماما مع نظرة أي إنسان آخر على وجه الأرض ممن لا يدين لله -تعالى- بدين الإسلام.

المسلم ينظر إلى ما حوله من عناصر البيئة؛ من أرض وسماء، وجبال وهواء، وعيون وأنهار وبحار، وأشجار ونبات، وطيور وحشرات وحيوانات؛ على أن ذلك كله خلق من خلق الله: (اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ) [الزمر: 62]، فلا خالق غيره ولا ربّ سواه. فما هذا الإنسان المتجبر المتكبر إلا مخلوق ضعيف من هذه المخلوقات؟: (لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ) [غافر: 57].

المسلم ينظر إلى بيئته التي من حوله على أنها آية من آيات الله الدالة على عظمة الله وجلاله وجماله وكماله سبحانه: (وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِن دَابَّةٍ) [الشورى: 29]، فالمسلم ينظر إلى ما حوله نظرة التأمل والتفكر والتدبر، ليزداد إيمانه بربه، وتعظيمه لخالقه، وخشيته من مولاه.

(إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ * رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ) [ آل عمران: 190 - 193]، (سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) [فصلت: 53].

فهل من متأمل وهل من متفكر؟ كثير من الناس لا يتأملون ولا يتفكرون، وهم عن آيات الله غافلون، وصدق ربي إذ يقول: (وَكَأَيِّن مِّن آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ) [يوسف: 105]، (قُلِ انظُرُواْ مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَن قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ) [يونس: 101].

المسلم ينظر إلى البيئة من حوله على أنها نعمة من نعم الله: (فَلْيَنظُرِ الْإِنسَانُ إِلَى طَعَامِهِ * أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاء صَبًّا * ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا * فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبًّا * وَعِنَبًا وَقَضْبًا * وَزَيْتُونًا وَنَخْلًا * وَحَدَائِقَ غُلْبًا * وَفَاكِهَةً وَأَبًّا * مَّتَاعًا لَّكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ) [عبس: 24 - 32]، (وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا * أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا * وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا * مَتَاعًا لَّكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ) [النازعات: 30 - 33]، (وَالْأَرْضَ وَضَعَهَا لِلْأَنَامِ * فِيهَا فَاكِهَةٌ وَالنَّخْلُ ذَاتُ الْأَكْمَامِ * وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ وَالرَّيْحَانُ * فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ) [الرحمن: 10 - 13]، (وَالأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ * وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ * وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ * وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ) [النحل: 5 - 8]، (اللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَّكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الأَنْهَارَ * وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ * وَآتَاكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ) [إبراهيم: 32 - 34].

فإذا علمت -أخي الكريم- أن ما في بيئتك إنما هو خلق من خلق الله، وآية من آيات الله، ونعم من نعم الله، فما الذي يجب على المسلم تجاه بيئته؟

1- الشكر؛ فالذي يناسب النعمة هو شكر المنعم بها -سبحانه-: (فَكُلُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللّهُ حَلالاً طَيِّبًا وَاشْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ) [النحل: 114]، (وَاذْكُرُواْ إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاء مِن بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِن سُهُولِهَا قُصُورًا وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتًا فَاذْكُرُواْ آلاء اللّهِ وَلاَ تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ) [الأعراف: 74].

2- الإصلاح، وتجنب الفساد؛ فالله خلق البيئة صالحة نافعة، وأوجد فيها من العناصر ما يحتاجه كل كائن حي، وعلى رأسه الإنسان، وحمّل الله -تعالى- الإنسان مسؤولية إعمار هذه الأرض وإصلاحها، ونهاه عن تخريبها وإفسادها؛ لأن الذي ينتفع أو يتضرر من بيئته قبل غيره هو هذا الإنسان، والذي يصلح فيها أو يفسد هو هذا الإنسان.

جعل الله الإنسان خليفة في الأرض واستعمره فيها ليعمرها بالخير والصلاح، ويجعلها مكانا لعبادة ربه ومولاه: (قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللّهِ وَاصْبِرُواْ إِنَّ الأَرْضَ لِلّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ * قَالُوا أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ) [الأعراف: 128 - 129]، (وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُّجِيبٌ) [هود: 61].

وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَغْرِسُ غَرْسًا، أَوْ يَزْرَعُ زَرْعًا، فَيَأْكُلُ مِنْهُ طَيْرٌ أَوْ إِنْسَانٌ أَوْ بَهِيمَةٌ، إِلَّا كَانَ لَهُ بِهِ صَدَقَةٌ" (رواه البخاري ومسلم).

وعَنْ جَابِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَغْرِسُ غَرْسًا إِلاَّ كَانَ مَا أُكِلَ مِنْهُ لَهُ صَدَقَةٌ، وَمَا سُرِقَ مِنْهُ لَهُ صَدَقَةٌ، وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ مِنْهُ فَهُوَ لَهُ صَدَقَةٌ، وَمَا أَكَلَتِ الطَّيْرُ فَهُوَ لَهُ صَدَقَةً، وَلاَ يَرْزَؤُهُ (أي ينقصه) أَحَدٌ إِلاَّ كَانَ لَهُ صَدَقَةٌ" (رواه مسلم).

لقد أخبر الله -تعالى- أنه خلق الأرض صالحة، ونهى عن الإفساد فيها بعد ذاك، فقال سبحانه: (وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ) [الأعراف: 85].

أمر الله بالإصلاح ونهى عن إتباع سبيل المفسدين، فقال سبحانه: (وَقَالَ مُوسَى لأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلاَ تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ) [الأعراف: 142].

ثم مدح الله الذين ينهون عن الفساد في الأرض ووعدهم بالنجاة والتمكين، فقال سبحانه: (فَلَوْلاَ كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِن قَبْلِكُمْ أُوْلُواْ بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الأَرْضِ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّنْ أَنجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مَا أُتْرِفُواْ فِيهِ وَكَانُواْ مُجْرِمِينَ * وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ) [هود: 116 - 117]، وقال عز وجل: (وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ) [الأنبياء: 105].

وفي القرآن الكريم آيات كثير تحذر من الإفساد في الأرض، ومن ذلك قوله سبحانه: (وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ) [الشعراء: 183]، (وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ) [القصص: 77].

كما أن النبي -صلى الله عليه وسلم- حذر مما يفسد على الناس بيئتهم؛ ففي سنن أبي داود وابن ماجة والبيهقي عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "اتَّقُوا الْمَلاَعِنَ الثَّلاَثَ: الْبَرَازَ فِي الْمَوَارِدِ، وَقَارِعَةِ الطَّرِيقِ، وَالظِّلِّ".

وفي صحيح مسلم عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "اتَّقُوا اللَّعَّانَيْنِ" قَالُوا: وَمَا اللَّعَّانَانِ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: "الَّذِي يَتَخَلَّى فِي طَرِيقِ النَّاسِ أَوْ فِي ظِلِّهِمْ"، وقوله: "يتخلى" (أي يتغوّط).

ثم حذر الله -تعالى- من صنف من الناس منكوس الفطرة، عديم الحياء، لا يهمه إلا الفساد، ولا يسعى إلا للفساد: (وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ * وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ) [البقرة: 204 - 205]، (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ قَالُواْ إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ * أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ) [البقرة: 11 - 12]، (وَلَا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ * الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ) [الشعراء: 151- 152].

عاقبة المفسدين: (إِنَّ اللّهَ لاَ يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ) [يونس: 81]، (فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ) [الأعراف : 103]، (آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ) [يونس: 91].

وإن ما صار إليه حال البيئة اليوم، وما لحقها من تلوث فساد وخراب ودمار، إنما هو بسبب سوء تصرف هذا الإنسان فيها، وهاهو القرآن يعبر عن ذلك بأفصح عبارة وأتم بيان، فيقول سبحانه: (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) [الروم: 41]، فلا خلاص من هذا الفساد والخراب الذي لحق البيئة اليوم إلا بالرجوع إلى جادة الصواب، إلا حسن التدبير وحسن التصرف: (لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ).

الخطبة الثانية:

3- وجوب المحافظة على البيئة؛ ومما تقدم من النصوص الشرعية يتبين لكل عاقل لبيب وجوب محافظته على بيئته، وصيانته لها، وإبعاد كل ما يضر بها من أذى ونفايات وقاذورات.

ويعتبر ذلك عبادة يتقرب بها العبد إلى ربه -سبحانه-، وينال بها الفوز والأجر والثواب.

تنظيف البيئة وتنقيتها صدقة من الصدقات؛ ففي الصحيحين وغيرهما عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "كُلُّ سُلاَمَى مِنَ النَّاسِ عَلَيْهِ صَدَقَةٌ، كُلَّ يَوْمٍ تَطْلُعُ فِيهِ الشَّمْسُ، يَعْدِلُ بَيْنَ الِاثْنَيْنِ صَدَقَةٌ، وَيُعِينُ الرَّجُلَ عَلَى دَابَّتِهِ فَيَحْمِلُ عَلَيْهَا، أَوْ يَرْفَعُ عَلَيْهَا مَتَاعَهُ صَدَقَةٌ، وَالكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ خُطْوَةٍ يَخْطُوهَا إِلَى الصَّلاَةِ صَدَقَةٌ، وَيُمِيطُ الأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ صَدَقَةٌ".

تنظيف البيئة وتنقيتها شعبة من شعب الإيمان؛ ففي صحيح مسلم عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "الإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ أَوْ بِضْعٌ وَسِتُّونَ شُعْبَةً فَأَفْضَلُهَا قَوْلُ: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، وَأَدْنَاهَا إِمَاطَةُ الأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ، وَالْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنَ الإِيمَانِ".

تنظيف البيئة وتنقيتها سبب في مغفرة الذنوب؛ ففي الصحيحين عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "بَيْنَمَا رَجُلٌ يَمْشِي بِطَرِيقٍ، وَجَدَ غُصْنَ شَوْكٍ عَلَى الطَّرِيقِ، فَأَخَذَهُ، فَشَكَرَ اللَّهُ لَهُ، فَغَفَرَ لَهُ".

في تنظيف البيئة وتنقيتها خير كثير ومنافع للناس في الدنيا والآخرة: ففي صحيح مسلم عن أَبي بَرْزَةَ قَالَ: قُلْتُ يَا نَبِيَّ اللَّهِ؛ عَلِّمْنِي شَيْئًا أَنْتَفِعُ بِهِ؟ قَالَ: "اعْزِلِ الأَذَى عَنْ طَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ".

تنظيف البيئة وتنقيتها سبب في دخول الجنة: ففي صحيح مسلم عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "مَرَّ رَجُلٌ بِغُصْنِ شَجَرَةٍ عَلَى ظَهْرِ طَرِيقٍ، فَقَالَ: وَاللَّهِ لأُنَحِّيَنَّ هَذَا عَنِ الْمُسْلِمِينَ لاَ يُؤْذِيهِمْ. فَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ"، وفيه أيضا عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "لَقَدْ رَأَيْتُ رَجُلاً يَتَقَلَّبُ فِي الْجَنَّةِ فِي شَجَرَةٍ قَطَعَهَا مِنْ ظَهْرِ الطَّرِيقِ، كَانَتْ تُؤْذِي النَّاسَ".

لعل فيما ذكرناه كفاية في زجر الناس عن الفساد في البيئة وسوء التصرف في استغلال مواردها، وفي وجوب تحمل كل واحد من أفراد هذا المجتمع مسؤوليته في الحفاظ على البيئة وصيانتها، كما أنه من الواجب على الأسر وكافة المربين والفاعلين والمسؤولين أن ينشروا الوعي بين أبناء هذه الأمة وأفرادها وجماعاتها، واتخاذ كل التدابير الوقائية والزجرية والتوعوية في سبيل الحفاظ على البيئة وصيانتها.

فاللهم إنا نعوذ بك من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا.

اللهم اجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه.

وصل اللهم وسلم على نبينا محمد.


تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي