شهر رجب وبدع المبتدعة

محمد بن حسن المريخي
عناصر الخطبة
  1. حاجة الإنسان للأخلاق وأهميتها .
  2. خطر إهمال الأخلاق .
  3. بدعة عيد الحب وذمه .
  4. الحفاظ على العقيدة الصحيحة وعدم الذوبان في معتقدات الكفار .
  5. دور العقيدة الصحيحة في صيانة المجتمعات من الخرافات والبدع .

اقتباس

إن المحافظة على العقيدة الصحيحة والهوية الإسلامية من أولى الأولويات، وإن الذوبان في معتقدات الكفار وعادات اللاهين والغافلين بيع للهوية والميزة التي أراد الله -تعالى- أن يتميز بها عبده المؤمن الموحد، فكيف يفتح البعض لنفسه الأبواب ويأذن لحاله ليكون مشاركاً في...

الخطبة الأولى:

الحمد لله الذي خلق فسوى، وقدر فهدى، وأخرج المرعى، فجعله غثاء أحوى، أحمده سبحانه وأشكره.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله، وصفيه وخليله، وأمينه على وحيه وشريعته، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليماً كثيراً.

أما بعد:

فيا أيها المسلمون: اتقوا الله -تعالى- واستمسكوا بدينه الإسلام، واسألوه التثبيت والتوفيق، فإنكم في القرون المتأخرة من عمر الدنيا حيث تكثر الفتن، وتظهر المخالفات، ويجهر بالعداوة لله ودينه ورسوله والمؤمنين.

أيها المسلمون: مهما أوتي المرء من العلم والمعرفة والمال والغنى والجاه والسلطان؛ فلن يستغن عن الأخلاق الإسلامية، فهي لوحدها في كفة، والدنيا بكنوزها ومدخراتها في كفة أخرى، ولأهمية الخلق الكريم ذكره الله -تعالى- بأنه من أكبر صفات أكرم مخلوق خلقه وهو محمد عبده ورسوله، يقول تعالى: (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ) [القلم: 4].

إن التربية على الأخلاق الإسلامية تربية مثمرة ناجحة تؤتى أكلها ضعفين، هي أصل كل تربية، وإذا خلت التربية من الخلق الكريم، فلن يغنِ عن المرء أصله وحسبه ولا ماله وجاهه، فالخلق الكريم نسب وحسب وحده.

أيها المسلمون: قليل من الناس من يهتم بالأخلاق الإسلامية سواء كان تعليماً أو تربية لنظرتهم القاصرة، وعدم إدراكهم لدور الأخلاق في بناء الإنسان والأمم، إن من أهداف رسالة محمد رسول الله نشر الأخلاق وتأصيلها وتعليمها للناس، يقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق".

وما أهمل أحد في التحلي بالأخلاق إلا وندم في آخر مشواره.

إن علينا أن نربي أنفسنا وأبناءنا وأهلينا تربية المسلمين الذين استسلموا لله رب العالمين، تربية إسلامية أساسها الخلق الكريم القويم، ونري أبناءنا القدوة الصالحة التي تعظم الأخلاق، وتسعى إليها، وتهتم بها.

إن الإسلام يثيب على التحلي بالخلق الكريم، ويعاقب على الخلق السيء، ولم يجعلها شعارات ومثلاً عليا ترفع في أوقات وتخمد في أوقات أخرى، عن عائشة -رضي َالله عنها- قالت: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلمَ- يقول: "إن المؤمن ليدرك بحسن خلقه درجة الصائم القائم" (رواه أبو داود)، وعن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- قال: "لم يكن رسول الله فاحشاً ولا متفحشاً"، وكان يقول: "إن من خياركم أحسنكم أخلاقاً" (رواه البخاري ومسلم).

أيها المسلمون: وعندما أهمل الناس في التحلي بالأخلاق "تربية وقدوة وتدريس وتعليم، فتح عليهم الباب وجاءهم ما يوعدون، جاءهم من أخلاق الكفار والزنادقة وأهل الأهواء ومن لا هدف له في الدنيا، ومن نظر إلى الدنيا نظرة استمتاع وبهيمية، جاءهم من الرذائل والفواحش، وأعلنت بينهم ونشرت ونودي إليها، فمن منكر وخائف ومن منكر ومعرض ومن غير مبال، ومن مغرور مخدوع فانهدم البنيان، وخر السقف على الناس، وترنحت الفضيلة، وأصبح غريباً داعيها مستنكراً عليه، ففي كل يوم يظهر للمسلمين عيد مبتدع، ومناسبة لا صلة للمسلمين بها، وأشياء وأمور ينكرها الإسلام، ويمجها المخلصون، في الوقت ينادي فيه البعض الآخر ممن سفه نفسه واتبع نفسه هواها، وأرخى لها الحبل، فينادون إلى فتح الباب للاحتفال بها، والمشاركة في بلائها، فمن عيد للأم إلى الشجرة والبقرة والنجوم والأصنام والأوثان وأعياد الميلاد، وغيرها، سيل من المناسبات البدعية والخرافية مما تقذف به الأمم الكافرة الحاقدة للأمة الإسلامية، وآخر ما قذفته علينا أو عقول أبنائنا واغتر به البعض من المسلمين ما يسمى: "بعيد الحب" وهو عيد الفاحشة، عيد يزين للأجيال ممارسة العشق والفاحشة؛ لأنه عيد بين رجل وامرأة التقيا في الحرام، على الخبث والخبائث، على السقوط في وحل الفواحش والرذائل.

إن المسلمين لما تساهلوا في قبول القيام بأعياد الكفار والزنادقة، وزاحموا أعيادهم الشرعية المباركة وقبلوا معها ما يسيء إليها ويدنسها أرسل الله لهم الأعداء أعياد الرذيلة والسقوط والدمار والخراب، وهذه هي خطورة قبول البدعة فإنها تجر إلى البلاء حتى تلقي بعبد الله أو أمة الله في واد الهوى والضياع والخسارة: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوَاْ إِن تُطِيعُواْ فَرِيقًا مِّنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ يَرُدُّوكُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ) [آل عمران: 100].

إن هذا العيد محرم محظور، سواء رافقته الفاحشة، أو خلت منه حتى ولو فعله المرء مجرداً فإنه محرم عليه فعله؛ لأنه طريق الغواية والفاحشة، وهو تعاون على الإثم والعدوان، ودعوة إلى اللقاء المحرم، يقول تعالى: (وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) [المائدة: 2].

إن على الآباء والأولياء مسؤولية أمام الله -تعالى-، وهي المحافظة على الأبناء والذرية، فليعملوا على حفظ أنفسهم من سخط الله وغضبه.

إن البنيان إذا انهدم أو السيل إذا صب ماؤه فلن يفرق بين ولد ووالده، ولا ممارس وممانع، بل سيجرف الجميع.

إن الخراب إذا وقع سيقع على الجميع إذا ترهلت الأخلاق، وانفتح الباب، وكسر الحجاب، فسوف يذهب الجميع: (وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً) [الأنفال: 25].

لقد -والله- ذهبت الأخلاق، ومروءات ومعال كان الناس يتحلون بها، للأسف اليوم نسمع ونرى عن شباب يرقصون ويلبسون ثياب النساء، ويجتمعون على البلاء والغناء والضياع.

إن على الأبناء والبنات أن يحكموا عقولهم ويسألوا أنفسهم، من الذي شرع لهم مثل هذه الأعياد؟ أليس العدو الحاقد؟ وهل يريد العدو خيراً للمسلمين يا أيها الشباب المتعلم هلا سألتم أنفسكم عن تصرفات بعضكم من الذين يقلدون النساء في كل كبيرة وصغيرة؟ لماذا يرضى البعض بأن يكون إمعة لا رأي له؟ لماذا يرضى البعض من البنين والبنات أن يقاد بزمامه إلى حتفه وضياعه والفضيحة وهو يعلم؟

أيها الشباب المسلم: إن المرء الذي لا رأي له يعد مذموماً وناقصاً في عرف الرجال الذين آمنوا وعملوا الصالحات، وإن الله ربنا قد أنبأنا عن شعور عدونا نحونا وما تكنه صدور الأعداء، فقال: (مَّا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلاَ الْمُشْرِكِينَ أَن يُنَزَّلَ عَلَيْكُم مِّنْ خَيْرٍ مِّن رَّبِّكُمْ) [البقرة: 105]، وقال عنهم: (وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ) [الممتحنة: 2].

إن عيد الحب وسائر الأعياد التي على شاكلته أعياد باطلة لا قيمة لها، فإنها إما أن تدعو إلى شركيات وكفريات، وإما إلى رذيلة وفواحش، كهذا الذي يسمونه: عيد الحب، وإن أي مساهمة فيه من قريب أو بعيد تعتبر محرمة سواء كان الذي يمارسه ويقيمه، أو الذي يبيع متعلقاته، إن هذا العيد المزعوم دعوة صريحة للتقاء رجل بامرأة لقاء محرم، إنه دعوة للزنا والفاحشة، وإن الرجل الأبي ذا الشيمة والمروة ليترفع عن أن يذكر هذا العيد فضلاً عن ممارسته ومزاولته.

والله لقد آذى المغرورون المسلمين وجرحوا شعورهم بتصرفاتهم وتخبطاتهم وعشوائياتهم، من أجل الدرهم والدينار بيعت الأخلاق والشيم والمروة، وتنازل المرء عن عقيدته وقيمه ومبادئه.

أيها المسلمون: إن المحافظة على العقيدة الصحيحة والهوية الإسلامية من أولى الأولويات، وإن الذوبان في معتقدات الكفار وعادات اللاهين والغافلين بيع للهوية والميزة التي أراد الله -تعالى- أن يتميز بها عبده المؤمن الموحد، فكيف يفتح البعض لنفسه الأبواب ويأذن لحاله ليكون مشاركاً في كل حفل وعيد بدون أن يعلم عن حكم الشريعة؟ ألا يخاف من تهديد الله -تعالى- ورسوله لمن أهمل ولم يبال بحدوده تبارك وتعالى: (وَقَدْ آتَيْنَاكَ مِن لَّدُنَّا ذِكْرًا * مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وِزْرًا * خَالِدِينَ فِيهِ وَسَاء لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حِمْلًا) [طـه: 99 - 101].

أيها المسلمون: إن العقيدة الصحيحة هي الحصن الحصين من هذه البلاءات والمبتدعات، فليكن المسلم على دين الله قائماً به عاملاً بشرائعه حتى يسير في هذه الحياة مطمئناً محفوظاً من أفكار الكفار وخرافات المخرفين، وليسأل الشاب أهل العلم الشرعي وليتريث في قبول ما يعرض عليه، ولا يكن مستعجلاً في قبول المعروض عليه، إما بالحال الذي نعرفه من قبول كل شيء فسوف ينهار البنيان، وتخر الأسقف على كثير من الناس لن يكون للمسلم تميز أو استقلالية؛ مثل حال البعض الذين يقبلون كل شيء ويقيمون الأعياد كلها مستقيمها ومعوجها، فهو مع الجميع إمعة لا رأي له ولا تميز: (فَمَا لِهَؤُلاء الْقَوْمِ لاَ يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا) [النساء: 78]، (أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُم مَّبْعُوثُونَ * لِيَوْمٍ عَظِيمٍ) [المطففين: 4 - 5].

حفظ الله علينا ديننا وأخلاقنا.


تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي