فِي كَثِيرٍ مِن الأَحْيَانِ نَنْقُدُ مُجْتَمَعَنَا أَنَّ كَثِيرَاً مِنْ النَّاسِ قَدْ أَغْرَقَ نَفْسَهُ بالدُّيُونِ والأَقْسَاطِ التي هِيَ لِكَمَالِيَّاتٍ طَلَبُوهَا! وَهَذَا حَقٌّ فَنِسْبَةُ الدُّيُونِ البَنْكِيَّةِ، وَدُيُونُ مَحَلاَّتِ التَّقْسِيطِ تَفُوقُ الخَيَالَ! بَلْ عَمَدَ بَعْضُ إخْوَانِنا إلى مُعَامَلاتٍ قَائِمَةٍ على التَّحَايُلِ على شَرْعِ اللهِ لِقَصْدِ تَمْرِيرِ عَمَلِيَّاتِ الاقْتِراضِ! وَإذَا تَأمَّلْتَ فِي حَالَ بَعْضِنَا أَسْهَلُ مَا عَليهِ شَغْلُ ذِمَّتِهِ بالدُّيُونِ والأَقْسَاطِ....
الحَمْدُ للهِ سَهَّلَ لِعِبَادِهِ المُتَّقِينَ لِمَرْضَاتِهِ سَبِيلاً، أَوضَحَ طَرِيقَ الهِدَايَةِ وَجَعَلَ الرَّسُولَ عَلَيهِ دَلِيلاً، نَشهَدُ ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَهُ لا شَريكَ لَهُ، الحَلالُ مَا أَحَلَّهُ اللهُ، وَالحَرَامُ مَا حَرَّمَهُ، وَالدِّينُ مَا شَرَعَهُ، وَنَشهَدُ أنَّ نَبِيَّنَا مُحمَّداً عبدُ اللهِ المُصْطَفَى، وَنَبِيُّهُ المُرْتَضَى، الَّلهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِك عَلَيهِ وَعلى آلِهِ الطَّاهِرِينَ، وَأَصْحَابِهِ الطَّيِّبِينَ، وَعَلى التَّابِعِينَ لَهُمْ وَمَنْ تَبِعَهُم بِإحْسَانٍ وَإيمَانٍ إلى يَومِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ: فَأُوصِيكُمْ عِبَادَ اللهِ، وَنَفْسِي بِتَقْوى اللهِ تَعَالى القَائِلِ: (وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنْ اتَّقُوا اللَّهِ( [النساء: 131]، وَذَلِكَ بِامْتِثَالِ أَمْرِهِ وَاجْتِنَابِ نَهْيِهِ.
أيُّها المُسْلِمُونَ: إنَّنا غَالِبَاً إِذَا أَرَدْنَا أنْ نَتَحَدَّثَ عَنْ أَيِّ مَوضُوعٍ دِينِيِّ أَو اجْتِمَاعِيٍّ، قُلْنَا المُجْتَمَعُ فِيهِ كَذا، والنَّاسُ فِيهِمْ كَذا؟ وَهُنا سُؤَالٌ أَطْرَحُهُ على مَسَامِعِكُمْ فَلا تَسْتَغْرِبُوهُ، وَلا تَسْتَنْقِصُوهُ؟ مَنْ هُوَ المُجْتَمَعُ؟ وَمَنْ هُمُ النَّاسُ؟ المُجْتَمَعُ يَا سَامِعُونَ هُمْ أَنَا وَأنْتَ، وَأَهْلِي وَأَهْلُكَ، وَأَولادِي وَأَولادُكَ، فَقُلْ مَا شِئْتَ فَأنْتَ تَتَحَدَّثُ عَنْ نَفْسِكَ أَوَّلاً وَأَخِيراً شِئْتَ أمْ أبَيْتَ! نَحْنُ الحَاضِرُونَ والمُسْتَمِعُونَ: جُزْءٌ لا يُسْتَهَانُ بِهِ فِي مُجْتَمَعِنَا!
وَمَنْ تَأمَّلَ قَولَ اللهِ تَعَالَى، وَقَولَ نَبِيِّنا -صَلَّى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- أَدْرَكَ يَقِينَاً أنَّنَا كُلٌّ لا يَتَجَزَّأ! قَالَ تَعَالَى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) [الحجرات: 10]. وَقَالَ: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ) [التوبة: 71].
ونَبِيِّنا -صَلَّى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «الْمُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا». بل شَبَّكَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- بَيْنَ أَصَابِعِهِ. فَنَحْنُ أُمَّةَ الجَسَدِ الوَاحِدِ. وَإذَا كُنَّا كَذَلِكَ، فَلا يَحِقُّ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ عَنْ المُجْتَمَعِ وَكَأنَّنَا نَحْنُ المُطَهَّرُونَ! نَحْنُ الصَّالِحُونَ المُصْلِحُونَ! وَنَنْسَى أَنْفُسَنَا. قَالَ اللهُ تَعَالَى: (فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى) [النجم: 32].
ونَبِيِّنا -صَلَّى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- قَالَ كَمَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَغَيرُهُ: إِذَا قَالَ الرَّجُلُ: "هَلَكَ النَّاسُ فَهُوَ أَهْلَكُهُمْ". قَالَ مَالِكٌ -رَحِمَهُ اللهُ-: أَي هُوَ أَفْسَلُهُمْ، هُوَ أَرْذَلُهُم. كَأنَّهُ يَقُولُ: إِنِّي خَيْرٌ مِنْهُمْ.
وَاتَّفَقَ العُلَمَاءُ أَنَّهُ إنْ قَالَهُ عَلَى سَبِيلِ ازْدِرَاءِ النَّاسِ وَاحْتِقَارِهِمْ، وَتَفْضِيلِ نَفْسِهِ عَلَيهِمْ فَهَذا مَذْمُومٌ وَأَمَّا إنْ قَالَهُ تَحَزُّنَاً وَأَسَىً لِمَا يَرَى فِيهِمْ مِنْ نَقْصِ الدِّينِ وَرُكُوبِ المَعَاصِي فَلا ذَمَّ عليهِ.
عِبَادَ اللهِ: وَبِالمِثَالِ يَتَّضِحُ المَقَالُ. يَتَكَلَّمُ بَعْضُ إخْوَانِنَا عَنْ تَخَلُّفِ كَثِيرٍ مِنَ المُسْلِمِينَ عن الصَّلَواتِ، وَتَكَاسُلِ بَعْضِ الشَّبَابِ عَنْ الجُمَعِ والجَمَاعَاتِ. وَهَذا حَققٌ وَوَاقِعٌ مُشَاهَدٌ.
وَلَكِنَّ مَا يَحُزُّ فِي النَّفْسِ، أَنَّنَا وَنَحْنُ نَتَكَلَّمُ عَنْ هَذِهِ الظَّاهِرَةِ الخَطِيرَةِ كَأنَّنَا وَأَولادَنَا أَحْسَنَ النَّاسِ! فَنَحْنُ في بَعْضِ الأحْيَانِ نَتَخَلَّفُ عَنْ صَلاةِ الجَمَاعَةِ، وَنَخْرُجُ مِنْ مَنَازِلِنا بِدُونِ أَمْرٍ لأَولادِنَا وَلا إيقَاظٍ لَهُمْ! وَكَثِيرٌ مِن الأحْيَانِ لا نَتَفَقَّدُ صَلاةَ بَنَاتِنَا! وَنَنْسى قَولَ اللهِ تَعَالى: (وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا) [طه: 132]، وَقَالَ نَبِيِّنا -صَلَّى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-: «مُرُوا أَوْلَادَكُمْ بِالصَّلَاةِ وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعِ سِنِينَ، وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا وَهُمْ أَبْنَاءُ عَشْرٍ».
وَرَحِمُ اللهُ ابنَ القيِّمِ حِينَ قَالَ: "فَمَنْ أَهْمَلَ تَعلِيمَ وَلَدِهِ مَا يَنْفَعُهُ وتَرَكَهُ سُدَىً فَقَد أَسَاءَ إِلَيهِ غَايَةَ الإسَاءَةِ، وَأَكثَرُ الأَولادِ إنَّمَا جَاءَ فَسَادُهُم مِنْ قِبَلِ الآبَاءِ والإهْمَالِ فَأَضَاعُوهُمْ صِغَارًا فَلَمْ يَنتَفِعُوا بِأَنْفُسِهِم وَلَمْ يَنْفَعُوا آبَاءَهُمْ كِبَارًا".
وَسَيِّدُ الخَلْقِ يَقُولُ: «كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ». إذَاً يَا رَعَاكُمُ اللهُ: نَحْنُ مُطَالَبُونَ قَبْلَ نَقْدِ مُجْتَمَعِنَا أنْ نَسْعَى لإصْلاحِ بُيُوتِنَا مِن الدَّاخِلِ!
مِثَالٌ آخَرُ يَا رَعَاكُمُ اللهُ: فِي كَثِيرٍ مِن الأَحْيَانِ نَنْقُدُ مُجْتَمَعَنَا أَنَّ كَثِيرَاً مِنْ النَّاسِ قَدْ أَغْرَقَ نَفْسَهُ بالدُّيُونِ والأَقْسَاطِ التي هِيَ لِكَمَالِيَّاتٍ طَلَبُوهَا! وَهَذَا حَقٌّ فَنِسْبَةُ الدُّيُونِ البَنْكِيَّةِ، وَدُيُونُ مَحَلاَّتِ التَّقْسِيطِ تَفُوقُ الخَيَالَ!
بَلْ عَمَدَ بَعْضُ إخْوَانِنا إلى مُعَامَلاتٍ قَائِمَةٍ على التَّحَايُلِ على شَرْعِ اللهِ لِقَصْدِ تَمْرِيرِ عَمَلِيَّاتِ الاقْتِراضِ! وَإذَا تَأمَّلْتَ فِي حَالَ بَعْضِنَا أَسْهَلُ مَا عَليهِ شَغْلُ ذِمَّتِهِ بالدُّيُونِ والأَقْسَاطِ وَنَنْسى أنَّ نَبِيِّنا -صَلَّى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- أُتِيَ إليهِ بِجِنَازَةٍ لِيُصَلِّيَ عَلَيْهَا فَقَالَ: "أَعَلَيْهِ دَيْنٌ؟ "قَالُوا: نَعَمْ. دِينَارَانِ. قَالَ: "أَتَرَكَ لَهُمَا وَفَاءً؟ "قَالُوا: لَا. قَالَ: "صَلُّوا عَلَى صَاحِبِكُمْ".
وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: أنَّ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "نَفْس الْمُؤْمنِ مُعَلقَةٌ مَا كَانَ عَلَيْهِ دَيْن".
اللهمَّ أغْنِنَا بِحَلالِكَ عَنْ حَرَامِكَ، وَبِفَضْلِكَ عَمَّنْ سِوَاكَ، واجْعَلْنَا مَفَاتِيحَ لِلخَيرِ مَغَالِيقَ لِلشَّرِّ يَا رَبَّ العَالَمِينَ، واجْعَلْنَا خَيْرَاً مِمَّا يَظُنُّونَ واغْفِرْ لَنَا مَالا يَعْلَمُونَ، أقُولُ مَا تَسْمَعُونَ، واسْتَغْفِروا اللهَ يَا مُؤمِنُونَ إنَّهُ هُوَ الغَفُورُ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ.
الخطبة الثانِيَةُ:
الحَمْدُ للهِ القَائِمِ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ، المُجَازِي لَهَا بِمَا عَمِلَتْ، سُبْحَانَهُ لا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ، نَشهَدُ أَلَّا إِلَهَ إلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ: (وَإِن تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِن لَّدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا) [النساء: 40].
وَنَشْهَدُ أنَّ مُحَمَّدًا عَبدُ اللهِ وَرَسُولُهُ وَأَمِينُهُ على وَحْيِهِ بَلَّغَ البَلاغَ المُبينُ، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيهِ، وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإحْسَانٍ وإيمَانٍ إلى يَومِ الدِّينِ.
أمَّا بَعْدُ: فالْزَمُوا يَا مُؤمِنُونَ تَقْوى اللهِ وَطَاعَتَهُ يَجْعَلْ لَكُمْ مِنْ كُلِّ هَمٍّ فَرَجَا وَمِنْ كُلِّ ضِيقٍ مَخْرَجَاً وَيَرْزُقُكُمْ مِنْ حيثُ لا تَحْتَسِبُونَ.
رَحِمَ اللهُ الإمَامَ الشَّافِعِيَّ حَيثُ يَقُولُ:
نَعيبُ زَمَانَنَا وَالعَيبُ فِينَا *** وَمَا لِزَمَانِنَا عَيبٌ سِوانا
وَنَهْجُو ذَا الزَّمَانِ بِغَيرِ ذَنْبٍ *** وَلَو نَطَقَ الزَّمَانُ لَنَا هَجَانَا
عِبَادَ اللهِ: سَأْضْرِبُ لَكُمْ مِثَالاً ثَالِثَا حتى نَعْرِفَ حَجْمَ الخَطَأِ الذي نَقَعُ فِيهِ مِنْ إلقَاءِ الَّلومِ على الآخَرِينَ وَنَنْسى أَنْفُسَنَا: إذَا أُقِيمَتْ فَعَالِيَّاتٌ، وَمِهْرَجَانَاتٌ، وَتَسَوُّقَاتٌ، ثُمَّ شَاهَدْتَّ هَذَا الحَشْدَ العَظِيمَ مِنْ العَوَائِلِ والنِّسَاءِ، الذي غَالِبُهُ لا يَخْلُوا مِنْ اخْتِلاطٍ وَتَزَاحُمٍ، وَتَضْيِيعٍ للأَوْقَاتِ، وَهَدْرٍ لِلأمْوالِ والثَّرَواتِ، فَإنَّنَا غَالِبَاً نَضَعُ الَّلومَ عَلى المُجْتَمَعِ والنَّاسِ، وَكَأنَّنا غَيرُ مَعْنِيِّنَ بِهَذَا التَّزَاحُمِ والاخْتِلاطِ وَكَأنَّنا لَسْنَا سَبَبَاً أو جُزْءً مِن المُشْكِلَةِ!
والحَقُّ يا مُؤمِنُونَ: أَنَّنَا لَو قَاطَعْنَا نَحْنُ وَنِسَاؤُنَا مِثْلَ هَذِهِ التَّجَمُّعاتِ غِيرِ المُنْضَبِطَةِ لَخَفَّ الشَّرُ، وَلأَدْرَكَ كُلُّ مَسؤولٍ أَنَّ ذَلِكَ لا يُرْضِي اللهَ وَلا رَسُولَهُ وَلا المُؤمِنِينَ! مُشْكِلَتُنَا فِي كَثِيرٍ مِنْ الأحْيَانِ أنَّا نُبَرِّرُ ذَهَابَنَا وَنِسَاءَنَا بِأَعْذَارٍ وَاهِيَةٍ، تُخَالِفُ أَمْرَ اللهِ تَعَالَى بِوُجُوبِ قَرَارِ المَرْأَةِ في بَيتِهَا، فَاللهُ يَقُولُ لِلنَّسَاءِ: (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى) [الأحزاب: 33].
وَرَسُولُنا -صَلَّى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- قَدْ قَالَ: «مَا تَرَكْتُ بَعْدِى فِتْنَةً أَضَرَّ عَلَى الرِّجَالِ مِنَ النِّسَاءِ فَاتَّقُوا الدُّنْيَا وَاتَّقُوا النِّسَاءَ فَإِنَّ أَوَّلَ فِتْنَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَانَتْ فِي النِّسَاءِ».
وَمِنْ رَسَائِلِ الإمَامِ ابنِ بَازٍ -رَحِمَهُ اللهُ- قَولُهُ: الاخْتِلاطُ وَسِيلَةٌ لِشَرٍّ كَثِيرٍ وَفَسَادٍ كَبِيرٍ لا يَجُوزُ فِعْلُهُ لِمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيهِ مِنْ أَنْوَاعِ الشُّرُورِ وَقَدْ جَاءَتِ الشَّرَيعَةُ الكَامِلَةُ بِوُجُوبِ سَدِّ الذَّرَائِعِ الْمُفْضِيَةِ لِلشِّركِ والْمَعَاصِي.
إذَاً فَلا بُدَّ مِنْ إصلاحِ بُيُوتِنَا مِن دَاخِلِها، وَذَلِكَ بِأَنْ نَغْرِسَ تَقَوَى اللهِ فِي أَهْلِنا وَأَوْلادِنا، وَمَلئ قُلُوبِهِمْ بالتَّوحِيدِ الخَالِص، وَتَعْلِيمِهِمْ مَكَارِمِ الأَخْلاقِ، وَمَحَاسِنِ الآدَابِ.
إصْلاحُ بُيُوتِنَا أَمَانَةٌ فِي أَعْنَاقِنا، فاللهُ تَعَالَى يَقُولُ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا) [التحريم: 6].
لِنُطَهِّرَ بُيُوتَنَا مِنْ المُنْكَرَاتِ مِنَ الصُّوَرِ، وَالتَّمَاثِيلِ، فالْمَلَائِكَةُ لَا تَدْخُلُ بَيْتًا فِيهِ كَلْبٌ، وَلَا صُورَةٌ! لِنُخْرِجَ قَنَوَاتِ الَفَسَادِ التي تَنْشُرُ الرَذَائِلَ، وَتُحَارِبُ القِيَمَ وَالفَضَائِلَ! حَدَّثَ مَعْقِلُ بنُ يَسَارٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «مَا مِنْ عَبْدٍ يَسْتَرْعِيهِ اللَّهُ رَعِيَّةً، يَمُوتُ يَوْمَ يَمُوتُ وَهُوَ غَاشٌّ لِرَعِيَّتِهِ، إِلَّا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ».
عِبَادَ اللهِ: لِنَحْرِصَ على بُيُوتِنَا قَبْلَ أنْ نَلُومَ مُجْتَمَعَاً نَحنُ جُزْءٌ مِنْهُ، فَقَدْ تَسَاهَلَ بَعْضُنَا بِدُخُولِ الرِّجَالِ الأَجَانِبِ عَلَى المَرْأَةِ فِي بَيتِها، وَخَاصَّةً الأَقَارِب، فَالنَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِيَّاكُمْ وَالدُّخُولَ عَلَى النِّسَاءِ»، فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَفَرَأَيْتَ الْحَمْوَ؟ قَالَ: «الْحَمْوُ الْمَوْتُ».
لا بُدَّ مِنْ تَوجِيهِ نِسَائنَا وَالأَخْذِ عَلى أَيْدِيهِنَّ عِنْدَ خُرُوجِهِنَّ لِلزِّيَارَاتِ وَالمُنَاسَبَاتِ، فـ(الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء) [النساء: 34].
وَمَعَ مَا تَقَدَّمَ: فَلا يُفْهَمُ أنَّنا لا نَقُومُ بِواجِبِ الأَمْرِ بالمَعْرُوفِ والنَّهْيِ عَنْ المُنْكَرِ. كلاَّ فَمَنْ رَأى مُنْكَرَاً وَجَبَ علَيهِ السَّعْيُ إلى إنْكَارِهِ وَتَغْيِيرِهِ. (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) [المائدة: 2].
أَمَلُنَا بِاللهِ ثُمَّ بِكُمْ يَا مُؤمِنُونَ كَبِيرٌ، وَرَجَاؤُنَا مِنَ اللهِ العَلِيِّ القَدِيرِ أنْ يَجَعَلَنا هُدَاةً مُهْتَدِينَ غَيرَ ضَالِّينَ ولا مُضِلِّينَ، نَسألُ اللهَ أَنْ يَحْفَظَنَا بِحِفْظِهِ، وَأَنْ يَكْلأَنَا بِرِعَايَتِهِ، وَأَنْ يَحفظَ لَنا دِينَنَا الذي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِنَا، وَأَنْ يُوفِّقَ وُلاةَ أُمورِنَا لِمَا فِيهِ خَيرُ البِلادِ وَالعِبَادِ، وَأَنْ يَأُخُذَ بِنَوَاصِينَا وَنَوَاصِيهِم إلى البِرِّ وَالتَّقْوَى وَالرَّشَادِ وَالسَّدَادِ.
اللهم ثبِّت قلوبَنا على دينك، وصراطِك المستقيم.
اللهمَّ أرنا الحقَّ حقاً وارزقنا إتباعه والباطل باطلا وارزقنا اجتنابه يا ربَّ العالمين .رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.
عباد الله: اذكروا الله العظيمَ يذكركم واشكروه على عمومِ نعمه يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي