الصلاة آكد أركان الإسلام بعد الشهادتين، وهي العلامة الفارقة بين الكفر والإيمان، وهي الفاضحة لأهل النفاق بتخلفهم عنها، وهي من أعظم الأسباب لكسب الحسنات ونيل أعلى الدرجات، وتكفير الخطيئات ومحو السيئات.. إن من المظاهر السيئة التي نراها في مجتمعنا ظاهرة التهاون بالصلاة من قبل كثير من الناس، وتخلف كثير من الرجال عن أدائها مع جماعة المسلمين؛ حيث تمتلأ أحياء المسلمين بالبيوت والمساكن التي...
إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله وصفيه وخليله وأمينه على وحيه وخيرته من خلقه صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أئمة الهدى ومصابيح الدجى ومن تبعهم واكتفى وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب:70-71].
أيها الإخوة المسلمون: إن من أعظم ما جاءت به هذه الشريعة المباركة من أجل إصلاح النفوس وإحياء القلوب وتهذيب الأخلاق، بل وصلاح الأبدان وتقوية الإيمان ورفعة الدرجات في الآخرة: الحث على أداء الصلوات والترغيب في إقامتها، وندب الرجال إلى أدائها في بيوت الله مع جماعة المسلمين، والتحذير من التهاون بها أو التخلف عنها.
وما ذلك كله يا عباد الله إلا لما في الصلاة من الفضائل والمحاسن والمناقب، فالصلاة آكد أركان الإسلام بعد الشهادتين، وهي العلامة الفارقة بين الكفر والإيمان، وهي الفاضحة لأهل النفاق بتخلفهم عنها، وهي من أعظم الأسباب لكسب الحسنات ونيل أعلى الدرجات، وتكفير الخطيئات ومحو السيئات.
عباد الله: إن من المظاهر السيئة التي نراها في مجتمعنا ظاهرة التهاون بالصلاة من قبل كثير من الناس، وتخلف كثير من الرجال عن أدائها مع جماعة المسلمين؛ حيث تمتلأ أحياء المسلمين بالبيوت والمساكن التي يسكنها الكبار والصغار، وتتعدد المساجد -بحمد الله- في أحيائنا، ومع ذلك يتثاقل بعض المسلمين -هداهم الله- عن شهود الصلاة وحضورها مع جماعة المسلمين.
وهم يتمتعون بموفور الصحة والعافية، وينعمون بالأمن على أنفسهم وأرواحهم وأهلهم وأموالهم، أين هؤلاء المتخلفون عن الصلاة؟ أين هم عن قوله -صلى الله عليه وسلم- "خمس صلوات افترضهن الله -عز وجل- من أحسن وضوئهن وصلاهن لوقتهن، وأتم ركوعهن وخشوعهن كان له على الله عهد أن يغفر له، ومن لم يفعل فليس له على الله عهد إن شاء غفر له وإن شاء عذَّبه".
وقوله -صلى الله عليه وسلم-: "من فاتته الصلاة فكأنما وتر أهله وماله"، وفي لفظ: "لئن يوتر أحدكم أهله وماله خير من أن يفوته وقت صلاة العصر".
صلاة واحدة فانظر -رحمك الله- كيف جعل النبي -صلى الله عليه وسلم- المصيبة في الصلاة أعظم من المصيبة بفقد الأهل والمال، وأما صلاة الفجر فيحزن المسلم ويألم لعظم التفريط في أدائها من قِبل جماعات من المسلمين الذي يؤثرون لذة النوم والفراش على إجابة داعي الإيمان وهو يناديهم "الصلاة خير من النوم، الصلاة خير من النوم".
فكثير من الرجال والأبناء لا يشهدون صلاة الفجر مع جماعة المسلمين، وكأنها ليست من جملة الصلوات المكتوبات، وقد ذُكر عند النبي -صلى الله عليه وسلم- رجلٌ لا زال نائمًا حتى أصبح ما قام إلى الصلاة، فقال -صلى الله عليه وسلم-: "بال الشيطان في أذنه".
وقال ابن مسعود -رضي الله عنه-: "حسب الرجل من الخيبة والشر أن ينام حتى يصبح وقد بال الشيطان في أذنه".
إن في على صلاة الفجر وأدائها في وقتها مع جماعة المسلمين فوائد كثيرة تعود على المسلم في دينه وبدنه ومعيشته وصلاح يومه كله، يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "يعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم إذا هو نام ثلاث عُقَد، يضرب على مكان كل عقدة؛ عليك ليل طويل فارقد، فإن استيقظ فذكر الله انحلت عقدة، فإن توضأ انحلت عقدة، فإن صلى انحلت عقدة، فأصبح نشيطًا طيِّب النفس وإلا أصبح خبيث النفس كسلان".
قال ابن عبد البر: "هذا الذنب يختص بمن لم يقم إلى صلاته وضيَّعها، أما من كانت عادته القيام إلى الصلاة المكتوبة أو النافلة بالليل، فغلبته عينه فنام فقد ثبت أن الله يكتب له أجر صلاته ونومه عليه صدقة".
أيها الإخوة المسلمون: لقد حذَّر النبي -صلى الله عليه وسلم- من التهاون بأداء الصلاة مع جماعة المسلمين؛ حيث صح عنه -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "لقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام، ثم أخالف إلى منازل قوم لا يشهدون الصلاة فأُحرِّق عليهم بيتهم".
وصح عنه -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "لينتهين أقوامٌ عن وَدْعِهم الجمعات –أي تركهم الجماعات-، أو ليختمن الله على قلوبهم، ثم ليكونن من الغافلين".
يا لها من عقوبة تهتز لها قلوب المؤمنين وأفئدة الصالحين؛ الختم على القلوب، ثم يُكتب العبد من جملة الغافلين، إذا هو استمر على ترك الجماعات والتخلف عن الصلاة مع جماعة المسلمين.
وفي حديث آخر يبين -صلى الله عليه وسلم- أن التهاون بأداء الصلاة من علامات النفاق فيقول -صلى الله عليه وسلم-: "لَوْ أَنَّ رَجُلا دَعَا النَّاسَ إِلَى عِرْقٍ أَوْ مِرْمَاتَيْنِ، -العرق اللحم، والمرماتين ما يكون بين العظمين من اللحم- لأَجَابُوهُ وَهُمْ يُدْعَوْنَ إِلَى هَذِهِ الصَّلاةِ فِي جَمَاعَةٍ فَلا يَأْتُونَهَا، لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ آمُرَ رَجُلا يُصَلِّي بِالنَّاسِ فِي جَمَاعَةٍ، ثُمَّ أَنْصَرِفَ إِلَى قَوْمٍ سَمِعُوا النِّدَاءَ، فَلَمْ يُجِيبُوا، فَأُضْرِمَهَا عَلَيْهِمْ نَارًا، وَأنَّهُ لا يَتَخَلَّفُ عَنْهَا إِلا مُنَافِقٌ".
أترضى أيها المسلم أن تُوصَف بالنفاق؟ أترضى أن تكون من جملة المنافقين الذين يتخلفون عن الصلاة مع الجماعة الذين يذكرون الله إلا قليلاً الذين يأتون الصلاة إلا وهم كسالى؟
أيليق بالمسلم بعد سماع هذه التحذيرات النبوية من الرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم- المشفق على أمته الحريص على ما فيه خيرها ونفعها أن يصمّ أذنيه ويعرض عن الأخذ بها ويقدم مصلحة النفس والهوى والشيطان على هذه العبادة العظيمة.
إن المحافظة على الصلوات مع جماعة المسلمين، وبخاصة صلاة الفجر، دليل الخيرية في الإنسان فلا يحافظ على الوضوء والصلاة إلا مؤمن، إنه انتصار على النفس والشيطان وإرضاء للرحمن -عز وجل-.
فاحرصوا رحمكم الله، احرصوا يا عباد الله على أداء الصلاة مع جماعة المسلمين ومروا أبناءكم بها وأحضروهم معكم في المساجد لعلكم تفلحون.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم (وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَّحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى) [طه:132].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو الغفور الرحيم.
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيما لشأنه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين.
أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد رسول الله وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار. وعليكم بجماعة المسلمين؛ فإن يد الله مع جماعة المسلمين ومن شذ عنهم شذ في النار.
أيها الإخوة في الله: اعلموا أن الصلاة خير أعمالكم بعد التوحيد التي تلقون بها ربكم، من صلحت صلاته صلح سائر عمله، ومن فسدت صلاته فسد سائر عمله.
عباد الله: والله إن من أعظم مصاب المسلمين اليوم تخلفهم عن صلاة الفجر، وعدم أدائها في وقتها، وقد ذهب جمع من أهل العلم إلى أن مَن تعمد تأخير الصلاة حتى يخرج وقتها من غير عذر شرعي أن صلاته مردودة عليه ولو صلاها بعد ذلك؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم-: "من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد".
وتعمد تأخير الصلاة عن وقتها بغير عذر شرعي ليس عليه أمر النبي -صلى الله عليه وسلم-، فتكون صلاة ذلك المؤخر على صلاته مردودة على صاحبها، بل قد ذهب بعض أهل العلم إلى كفر من تعمد تأخير الصلاة، ولو كانت صلاة واحدة تأخيرها حتى وقتها من غير عذر شرعي.
فالأمر يا عباد الله جد خطير، والجناية عظيمة، إن الناس إذا رأيتهم لا يفرطون في مواعيد أعمالهم ولا مواعيد وظائفهم ودراستهم، بل ويبكرون لها خوفًا من أن يُخصم عليهم والآباء والأمهات يحرصون على إيقاظ أولادهم للذهاب إلى المدرسة، ولا يسمحون لهم بحال بالتأخير عن الذهاب إلى المدرسة، وأما في أمر الاستيقاظ والإيقاظ لصلاة الفجر فإلى الله المشتكى حيث لا حرص ولا جد ولا تخويف ولا تهديد عند كثير من الناس.
ما قيمة أمور الدنيا كلها إذا حازها العبد أو أتقنها الولد وهو مضيِّع لأمر صلاته، مفرِّط في أدائها مع جماعة المسلمين، بل والله لا فلاح للعبد في دنياه وآخراه إلا بصلاته، لا فلاح لك في دنياك وآخرك إلا بصلاتك.
فيا أيها الإخوة المسلمين يا أيها الإخوة المؤمنون! يا من ترجون لقاء الله، يا من تؤمنون بأن الموت حق لا محالة، وأن بعد الموت قبرًا وأن بعد القبر حشرًا ونشرًا، وأن بعد الحشر والنشر جنةً ونارًا.
الله الله في أمر صلاتكم، الله الله في أمر صلاتكم وصلاة أبنائكم، الله الله يا عباد لله في صلاة الفجر التي ضيَّعها كثير من المسلمين، الله الله في هذه الصلاة المشهودة التي قال الله -عز وجل- عنها: (وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا) [الإسراء:78].
في المحافظة عليها مع الجماعة العز والشرف، والأجر والثواب العظيم، والبراءة من النفاق، استعينوا بالنوم المبكر وتجنب السهر، وضعوا الساعات المنبهة عند رؤوسكم كما تضعونها لتنبيها على أعمالكم، ولاحظوا أبناءكم واصحبوهم معكم لأدائها؛ فإنكم بذلك تقدمون لهم أعظم عونًا وأعظم نفعًا، وناصحوا جيرانكم وأقاربكم وتعاونوا على البر والتقوى، منَّ الله عليَّ وعليكم بهداه، وجعلنا وذرياتنا من مقيم الصلاة إن ربي سميع مجيب.
هذا وصلوا وسلموا على نبيكم محمد بن عبدالله فقد أمركم ربكم بهذا في كتابه فقال عز من قائل (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب: 56]، وقال عليه الصلاة والسلام "من صلى عليَّ صلاة صلى الله عليه بها عشرًا"، اللهم صلِّ وسلم وبارك...
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي