عباد الله: إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله الدالة على كمال قدرته، وكمال حكمته ورحمته.فإذا نظرت إلى عظمتهما، وانتظام سيرهما؛ عرفت بذلك كمال قدرة الله. وإذا نظرت إلى ما في اختلاف سيرهما من المصالح والمنافع؛ تبين لك كمال حكمة الله ورحمته.ألا وإن من حكمة الله في سيرهما ما يحدث فيهما من الكسوف، وهو...
الحمد لله الذي أظهر لعباده من آياته دليلا، وهدى من شاء من خلقه فاتخذ ذلك عبرة، وابتغى إلى نجاته سبيلا.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له المتفرد بالخلق والتدبير جملة وتفصيلا، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أبلغ الخلق بيانا، وأصدقهم قيلا، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان، وسلم تسليما.
أما بعد:
أيها الناس: اتقوا الله -تعالى-، وتفكروا في آياته، وما يخلقه في السماوات والأرض، ف (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ)[النحل:12].
تفكروا في هذه السماوات السبع الشداد التي رفعها الله بقوته، وأمسكها بقدرته ورحمته أن تقع على العباد؟.
تفكروا كيف أحكم الله بناءها، فما لها من فروج ولا فطور؟ وكيف زينها الله بالمصابيح التي عمتها بالجمال والنور؟ وكيف جعل فيها سراجا وقمرا منيرا؟.
ثم تفكروا كيف كانت هذه المصابيح والسراج والقمر تسير -بإذن الله- في فلكها الذي وضعها الله فيه منذ خلقها الله، حتى يأذن بخرابها لا تنقص عن سيرها، ولا تزيد، ولا ترتفع عنه، ولا تنزل، ولا تحيد؟.
فسبحان من سيرها بقدرته، ورتب نظامها بحكمته، وهو القوي العزيز.
عباد الله: إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله الدالة على كمال قدرته، وكمال حكمته ورحمته.
فإذا نظرت إلى عظمتهما، وانتظام سيرهما؛ عرفت بذلك كمال قدرة الله.
وإذا نظرت إلى ما في اختلاف سيرهما من المصالح والمنافع؛ تبين لك كمال حكمة الله ورحمته.
ألا وإن من حكمة الله في سيرهما ما يحدث فيهما من الكسوف، وهو ذهاب ضوءهما كله، أو بعضه.
فإن هذا الكسوف يحدث بأمر الله يخوف الله به عباده، ليتوبوا إليه، ويستغفروه، ويعبدوه، ويعظموه.
وقد كسفت الشمس في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- فخرج فزعا يجر رداءه، حتى أتى المسجد، ثم نودي الصلاة جماعة، فاجتمع الناس، فتقدم النبي -صلى الله عليه وسلم-، وصلى ركعتين في كل ركعة ركوعان وسجودان، كبر، ثم قرأ الفاتحة، وسورة طويلة نحو سورة البقرة، حتى جعل أصحابه يخرون من طول القيام، ثم ركع، فأطال الركوع، ثم قال: "سمع الله لمن حمده، ربنا ولك الحمد" ثم قرأ الفاتحة، وسورة طويلة دون الأولى، ثم ركع ركوعا طويلا دون الأول، ثم قال: "سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد" وأطال القيام، ثم سجد، فأطال السجود، ثم جلس بين السجدتين، وأطال ثم سجد، فأطال، ثم قام إلى الركعة الثانية، فأطال القيام، وهو دون القيام في الركعة الأولى، ثم ركع، فأطال الركوع، وهو دون الركوع في الركعة الأولى، ثم قال: "سمع الله لمن حمده، ربنا ولك الحمد" ثم قرأ، فأطال القراءة، وهي دون الأولى، ثم ركع الركوع الثاني، فأطال وهو دون الركوع الأول، ثم سجد سجدتين، ثم سلم، وقد انجلت الشمس، وسمع في سجوده، يقول: "رب ألم تعدني أن لا تعذبهم، وأنا فيهم ألم تعدني أن لا تعذبهم وهم يستغفرون؟ ثم خطب الناس، ووعظهم موعظة بليغة، فأثنى على الله بما هو أهل له سبحانه وتعالى، ثم قال: "إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا يخسفان لموت أحد، ولا لحياته، فإذا رأيتم ذلك، فافزعوا إلى الصلاة، فافزعوا إلى المساجد، فافزعوا إلى ذكر الله ودعائه واستغفاره"[البخاري (1009) مسلم (901) النسائي (1472) أبو داود (1191) ابن ماجة (1263) أحمد (6/164) مالك (444)].
وفي رواية: "فادعوا، وتصدقوا، وصلوا"[البخاري (997) مسلم (901) أحمد (6/164) مالك (444)].
ثم قال: "يا أمة محمد والله ما من أحد أغير من الله أن يزني عبده، أو تزني أمته يا أمة محمد، والله لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا، ولبكيتم كثيرا، وقال: ما من شيء توعدونه إلا قد رأيته في صلاتي هذه، وأوحي إلى أنكم تفتنون في قبوركم قريبا، أو مثل فتنة الدجال، ثم أمرهم أن يتعوذوا من عذاب القبر".
وقال: "لقد جيء بالنار يحطم بعضها بعضا، وذلك حين رأيتموني تأخرت مخافة أن يصيبني من لفحها حتى رأيت فيها عمرو بن لحي يجر أقصابه، أي: أمعاءه في النار، ورأيت صاحبة الهرة التي ربطتها، فلم تطعمها، ولم تدعها تأكل من خشاش الأرض، حتى ماتت جوعا، قال: ثم جيء بالجنة، وذلك حين رأيتموني تقدمت حتى قمت في مقامي، ولقد مددت يدي، فأنا أريد أن أتناول من ثمرها لتنظروا إليه، ثم بدا لي أن لا أفعل"[البخاري (997) مسلم (901) النسائي (1474) أحمد (6/164) مالك (444)].
فيا أمة محمد: إن كسوف الشمس أو القمر لحدث عظيم مخيف، وأكبر دليل على ذلك ما حصل لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- عند كسوف الشمس من الفزع والصلاة، وما حصل له فيها من أحوال، ثم تلك الخطبة البليغة التي خطبها.
فعلينا: أن نفزع لحدوث الكسوف، وأن نلجأ إلى مساجد الله للصلاة والدعاء والاستغفار، وأن نتصدق لندفع البلاء.
وقد أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- بالإعتاق في كسوف الشمس؛ لأن عتق الرقبة فكاك للمعتق من النار، فأسباب البلاء والانتقام عند حدوث الكسوف قد انعقدت، والفزع إلى الصلاة، والدعاء، والاستغفار، والصدقة، والعتق، يدفع تلك الأسباب.
أيها المسلمون: فإذا حصل الكسوف في أي وقت، وفي أية ساعة من ليل ونهار، فافزعوا إلى الصلاة؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- أمر بذلك، ولم يستثن وقتا من الأوقات، ولأنها صلاة فزع ومدافعة بلاء، وتصلى في أي وقت حصل ذلك، وليس عنها نهي، فتصلى بعد العصر، وبعد الفجر، وعند طلوع الشمس، وكل وقت.
واعلموا: أن السنة أن تصلى جماعة في المساجد، كما صلاها النبي -صلى الله عليه وسلم-، وصلى خلفه الرجال والنساء، فإن صلاها الإنسان وحده، فلا بأس بذلك لكن الجماعة أفضل.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: قال الله -تعالى-: (وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا)[فصلت: 37].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ... الخ...
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي