المجتمع المحافظ عدو النفوس المريضة، ودعاة الحرية المفلسة، ومروجي الفساد عبر القناة الهابطة، والهاشتاقات الكاذبة الخاطئة، وهو ما نشهده في زماننا من طوائف عدة تدعى التنور تحت مسمى لبرالية أو علمانية، أو تمرد على قيود موروثة، أو قل ما شئت! بل هم يقولون ما شاءوا! ووصف الله أبلغ (يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آَمَنُوا)، فيشمل المنافقين ومن لم يبلغ درجة النفاق من ضعاف الإيمان الذين وجهتهم وجهة المنافقين، وإن أظهروا حرصهم وحيطتهم، ومحبتهم لمجتمعهم...
الحمدُ لله، الحمدُ لله الذي ألَّف بين قُلوبِ عبادِه المُؤمنين، وجعلَهم أنصارًا وإخوةً في الدين، أحمدُه - سبحانه - وأشكرُه، وأتوبُ إليه وأستغفِرُه، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أن محمدًا عبدُه ورسولُه، وصفِيُّه وخليلُه، أيَّدَه الله تعالى بنصرِه وبالمُؤمنين، وألَّف بين قلوبِهم فأصبَحُوا بنِعمتِه إخوانًا، صلواتُ ربي وسلامُه عليه، وعلى آل بيتِه الطيبين الطاهِرين، وعلى أصحابِه الغُرِّ الميامِين، والتابِعِين ومن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
أما بعد: فتستوقف القارئ لكتاب الله آية محكمة عظيمة مُتوعِدة، تأتي عقب موقف سيء حبكه المنافقون، ونشروا خيوطه، وكل مواقف المنافقين سيئة (لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا) [آل عمران: 118]، فهم أصحاب القلوب المريضة، قال الله عنهم: (فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ) [البقرة: 10].
ومن كان قلبه مريضاً غمرته الشكوك، وتمكَّنت منه الشهوات حتى أصبحت شبهاتٍ يدافع عنها، بل ويستخف بالذي يعارضه فيها! فعقله في هواه، وقائده رغبته، فهو يسعى في تحقيق لذته.
وهو مع كل ذلك لا يشعر بحاله، بل إنه يرى نفسه مصلحاً في قومه، صاحب نظرة بعيدة، وخُطة رشيدة.
نقرأ في سورة النور آيات الإفك تلك الآيات التي برَّأ الله فيها أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- مما تورط فيه المنافقون، وتولى كبره رأسهم عبدالله بن أبي ابن سلول، نقرأ تعقيب الله على تلك الآيات قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آَمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ) [النور: 19].
وحينما يذكر الله هذه الطائفة، ويسجل عليهم أمرًا قلبيًّا غيبيًّا لا يعلمه إلا الله (وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ)، فهم يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا، فهي طائفة موجودة ليس الخبر ضربَ مثل لا حقيقة له.
هذه الطائفة موجودة في المجتمع المدني في المدينة مهاجر النبي -صلى الله عليه وسلم- في أوساط الصحابة، بل هم معدودون في الصحابة ويحضرون مجالسهم، ويصافونهم في مساجدهم، وربما خرجوا معهم في غزواتهم ليدفعوا التهمة عنهم، ويحقنوا دماءهم، ويحفظوا أموالهم.
ومع ذلك هم ناقمون على مجتمعهم، ليسوا راضين عن بني جلدتهم الذين يساكنونهم، ويتكلمون بألسنتهم لهم تطلعات، وعندهم مشاريع ورؤى تخفيها قلوبهم يحبون أن يروها على أرض واقعهم.
ومن أحب شيئاً بذل ماله ومهجته في تحقيقه والسعي في وجوده، فهم يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا! نعم في الذين آمنوا بخصوصهم.
وكلما زاد إيمان ذلك المجتمع زاد إصرارهم في تحقيق مرادهم؛ لأن الفاحشةَ مطردة للإيمان، والإيمان ليس له مكان ولا تقر أركانه، ويعلو بنيانه في مجتمع شاعت فيه الفاحشة حتى ظهرت وانتشرت وفحشت في رِقعتها حتى لم تدع مكاناً إلا ناله نصيب منها، ولم يبق أحد إلا ناله من غبارها في نفسه أو أهله أو ولده !.
حينها يضيع تميز هؤلاء الذين يحبون إشاعة الفاحشة في الذين آمنوا فالمجتمع أصبح شكلاً واحداً، وشذوذ هؤلاء لم يعد شذوذاً ينفر الناس منه! لوجود من يشاكله ويلوذ ويتكثر به.
هكذا يكشف القرآن خفايا النفوس، وما تكنه الصدور (أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) [الملك: 14].
ولكن يأبى الله إلا أن يميز الخبيث من الطيب، وهي سنة كونية ماضية (مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ) [آل عمران: 179]، (وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ) [البقرة: 251].
في سنة الله أن تبقى طائفة يفسدون في الأرض ولا يصلحون، وقد تكون الأقلَّ عددًا ولكنها قد تكون الأكثر عدةً وعتاداً.
وربما قلَّ عددهم حتى لا يتجاوز عددهم أصابع اليدين، ولكنهم استغلوا نفوذهم، وسلطانهم الباطل، وأزتهم الشياطين من الإنس والجن فعظم مكرهم، وارتفعت رؤوسهم فصاروا سبباً في تدمير قومهم، ونزول عقوبة الله عليهم قال الله تعالى: (وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ * قَالُوا تَقَاسَمُوا بِاللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ * وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ * فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ * فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ * وَأَنْجَيْنَا الَّذِينَ آَمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ) [النمل: 49- 53]، وكان في مدينة صالح عليه السلام تسعة رهط لم يبلغوا العشرة، ولكنهم ضبطوا أدوارهم، وأتقنوا ما أرادوا، يفسدون في الأرض ولا يصلحون، قالوا تقاسموا لنبيتهن وأهله، فهذه خطتهم القضاء على صالح وأهله.
وأما حيلتهم للخروج من تبعة ورطتهم فهو سوف يقولون: لا ندري! وما عندنا علم ولا خبر! فمن تجرأ على القتل أيتورع عن تبرئة نفسه بالكذب ويدعي الصدق؟! لا والله.
ومنافقو هذه الأمة قال الله عنهم: (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا * فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا إِحْسَانًا وَتَوْفِيقًا) [المائدة: 61- 62].
أيها الإخوة: المجتمع المحافظ عدو النفوس المريضة، ودعاة الحرية المفلسة، ومروجي الفساد عبر القناة الهابطة، والهاشتاقات الكاذبة الخاطئة، وهو ما نشهده في زماننا من طوائف عدة تدعى التنور تحت مسمى لبرالية أو علمانية، أو تمرد على قيود موروثة، أو قل ما شئت! بل هم يقولون ما شاءوا!
ووصف الله أبلغ (يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آَمَنُوا) [النور: 19]، فيشمل المنافقين ومن لم يبلغ درجة النفاق من ضعاف الإيمان الذين وجهتهم وجهة المنافقين، وإن أظهروا حرصهم وحيطتهم، ومحبتهم لمجتمعهم، وإن أسمعوك الدعاء لوطنهم بدوام الأمن والاستقرار فهم إن لم يستدركوا أنفسهم فهم سوس ينخر في قاعدة صلبة، يمرر على أكتافهم معاول الهدم، وفؤوس تحطيم الوحدة الدينية، واللحمة الوطنية.
(وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ) [المنافقون: 4].
الحمد لله...
بعد هذا الوصف لبذرة الفساد والمفسدين، وأنها قديمة قدم الصلاح والمصلحين هاهنا كلمات مختصرات.
- النبي -صلى الله عليه وسلم- عايش ذلك الواقع فلم تفتّ هذه المكائد في عضد دعوته أو سيره إلى ربه وكثرة عبادته، وجلوسه لأصحابه يعلمهم، بل ويسامرهم بالحق، واعتكافه زمن الاعتكاف في مسجده.
بل هو القائل عليه الصلاة والسلام كما في صحيح مسلم: "العبادة في الهرج كهجرة إليَّ" والهرج: هو الفتن واختلاط الناس، وأعظمه القتل.
هذه الهجمات تؤكد على أرباب الأسر، والمربين والمعلمين، والقائمين على حِلَق التحفيظ ودروس المساجد وغيرهم كلٌّ في ميدانه أن يتفقدوا من تحت أيديهم، فالسيل جارف وإنما يجرف من كان مستشرفاً له، واقفاً في طريقه.
فانظروا -يا رعاكم الله- لا يكن أحد من رعايانا من أولادنا الذكور والإناث نازلاً في طريق السيل ونحن لا ندري، بعيدًا عن رؤيتنا، له وجهة هو موليها غيرُ وجهتنا!
فالله الله في القرب من الناشئة والفئة المراهقة والتبصر معهم والتبصِير لهم فهم وقود تلك الحملات الإعلامية الماحقة غاسلة الأدمغة.
فتلاحم الأسرة ورصُّ صفوف أفرادها ومعرفةُ من أين يردون وعن أي شيء يصدرون؟
هو أعظم سد يعيق تحرك هؤلاء، ويردهم على أعقابهم خاسرين.
ولا يتم إلا باستشعار المكر الكبار الذي يكاد لفلذات أكبادنا، بل لنا جميعاً، ويتربص بحشمة بناتنا، وحراسة فضيلتنا وقيمنا!
ألا يكفينا لاستنهاض هممنا وتعاهد غيرتنا أن من أساليب إشاعة الفاحشة هو دعوة بناتنا وأخواتنا إلى التمرد على شريعة رب العالمين، والتزهيدُ في أخلاق وفضائل المسلمين، والارتباط الأسري عن طريق التغريدة الناشزة، والمقالة الأثمة، والمقابلات واللقاءات مع من زين لهم سوء أعمالهم ليظهروا المجتمع الغربي مجتمعًا مثالياً في كل شؤنه، وأن المرأة الغربية ما وصلت إلى ما وصلت إليه إلا لما تحررت من كل قيد وفضيلة، ثم يتبعون هذا بعيب مجتمعات المسلمين، وإظهار مواطن الخلل فيها على أنها هي الصورة السائدة والواقعُ العام للناس.
ألا يستنهض غيرتنا على محارمنا تلك الدعايات المسعورة التي تحاول إذابة حاجز الحياء بتطبيع الاختلاط، وتسهيل العلاقة بين الرجل مع المرأة الأجنبية منه باسم زمالة العمل، والصداقة!
وقد ترتقي صديقته بل تتردى إلى أن تكون عشيقة له لا مانع من معاشرتها، ولو كانا متزوجين، فهذا لا ينافي هذا!
ما أحلم الله! أيّ بهيمية هذه؟!
وفي أي حظيرة أو زريبة يعيشون؟!
كل هذا موجود في أفلامٍ ممنتجة وقنوات غير مشفرة!
يعكف عليها بعض أبنائنا وبناتنا الذين يأكلون معنا، وينتسبون إلى بيوتنا.
وفي ذلكم بلاء من ربكم عظيمة!
فأعدوا لغربة الدين عدته بالصبر والصلاة، وإنكار المنكر كل بما يستطيعه، وأهم شيء في هذا أن يبقى المنكر منكراً، وإن أخذت أصحابَه العزةُ بالإثم، وصاروا لا يحبون الناصحين فلا يتورط أحد في تبريره والاعتذار عن مروجيه والله تعالى (وَلَا تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا) [النساء: 107].
هذا، وإن بعض القول يغني عن كثير منه!
(وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ * الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ) [الحج: 40- 41].
فاللهم احفظ مجتمعاتنا بالإيمان، اللهم جنِّبها الكفر والفسوق والعصيان.
الذين عليك بالذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون، اللهم من أراد بلادنا ونساءنا بفساد أخلاقي اللهم اكفناه بما شئت وسلِّط ولاة أمورنا عليه ليأخذوا على يده ويمنعوا سفهه.
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي